يتسلل ضوء الشمس من بين الستائر المائلة، يرسم خطوطاً ذهبية على أرضية الخشب الباهتة، و يغمر المكان بدفء خفيف يشبه احتضان غير مرئي.
في المطبخ الصغير، يتحرك أوزان بخفة، يُصفّر بصوت خافت وهو يحمص الخبز، وتعلو رائحة القهوة الطازجة، تعبّئ الهواء بشيء من الطمأنينة.
أوزان (ينظر إلى الساعة المعلقة فوق الثلاجة، يتمتم بابتسامة): “الثامنة والنصف، ومع ذلك جان مستيقظ؟ لعلها معجزة.”
يحمل طبق الفطور و كوبين من القهوة إلى البار الفاصل بين المطبخ والصالة، ثم يطل برأسه نحو الغرفة المجاورة، بنبرة صوت عالية مرحة:
“هيا أيها الزومبي! القهوة جاهزة، و الفطور ساخن… لا تجعلني آتي و أسحبك!”
يخرج جان بعد لحظات، يرتدي كنزة رمادية فضفاضة، شعره غير مرتب، وعيناه لا تزالان تحملان بعض آثار السهر، لكن وجهه… هادئ، على غير العادة. يمشي ببطء، ثم يجلس دون أن ينبس بكلمة.
أوزان (يضع أمامه كوب القهوة وهو يتأمل تعبير وجهه): “من كان يصدق؟ قبل مدة كنت ترفض حتى الكلام، واليوم… تتناول الإفطار مرتين وتضحك على نكاتي الرديئة؟”
يرتسم على شفتي جان نصف ابتسامة، بالكاد مرئية، بينما يحرك الملعقة في فنجان القهوة، صوت المعدن على السيراميك خفيف، يكسر صمت اللحظة بلطف.
تمر لحظة هدوء، يراقبه أوزان بعينين مليئتين بالرضا والطمأنينة، وكأن قلبه يتمسك بهذا الأمل البسيط… أن صديقه يتعافى، ولو ببطء.
لكن جان… يفاجئه، بصوته الهادئ المنخفض (بصوت مبحوح، متردد، وعيناه لا تلتقيان بعيني أوزان): “أوزان… هل يمكنني أن أسألك شيئاً؟”
يلتفت إليه أوزان، يرفع حاجبه بخفة، ثم يضحك ضحكة قصيرة دافئة، يمرر يده فوق شعره بتلك الحركة التي يفعلها كلما أراد أن يخفف التوتر:
أوزان (نبرة مرحة، بنغمة طمأنينة): “طالما لا يتعلق بإعادة طلاء الجدران… بالطبع.”
يرفع جان عينيه نحوه، ببطء، ويترك الملعقة تغرق في قهوته.
جان (بصوت منخفض، نبرة ثابتة لكنها تحمل هشاشة باطنة): “هل سبق وشعرت أنك تتحسن… فقط لأنك توقفت عن الشعور بشيء؟ لا لأنك بخير، بل لأنك… فارغ.”
تتلاشى ابتسامة أوزان تدريجياً. حدق في وجه جان، كأن كلماته صفعت شيئاً بداخله.
جان يتكئ بظهره إلى الخلف، أنفاسه طويلة لكنها مضطربة، ينقر بأصابعه الخمسة على حافة الطاولة بإيقاع بطيء:
جان: “لم أعد أبكي… لم أعد أحلم… حتى الألم صار ناعماً، لا يجرح، لكنه ينهش ببطء.”
أوزان (بهمس قلق، صوته منخفض وكأنه يمشي فوق زجاج مكسور): “جان… كنت أظنّك أفضل.”
جان (بابتسامة باهتة، وهدوء أشد وقعاً): “أنا فقط تعلمت كيف أخفي الخراب.”
أوزان (بصوت دافئ، جاد، خالٍ من السخرية): “تعرف ما مشكلتك؟ إنك تحاول أن تتألم بصمت، كأنك تخاف أن تزعجني بِوجعك.”
جان يلتفت نحوه، عينيه لا تدمعان، لكن شيئاً ما فيهما يشبه الارتجاف. يضع يده على فخذ أوزان، بإيماءة مترددة، تكاد تُحسب عليه:
جان (بهمس منكسر): “لأنني لا أريد أن أثقل على من بقي لي.”
يمد أوزان يده فوراً، يضعها فوق يده، يشد عليها بلطف.
أوزان: “أنا لست بقايا أحد. أنا اخترت أن أبقى. ليست صدفة، ولا شفقة. أنا أخوك إن أردت، أو ظلك، أو حتى صوتك… اللي نسيت كيف تسمعه.”
يرفع جان عينيه إليه، ببطء، وفي عينيه شيء يشبه الارتباك. جان (بصوت خافت، كأن الجدران لا يجب أن تسمعه): “أوزان… إذا متّ، أو اختفيت مرة أخرى… لا تبحث عني، أرجوك.”
يتجمد أوزان لثانية، عينيه تتسعان ببطء، ويُطبق فكه السفلي. يميل بجسده إلى الأمام قليلاً، وصوته حين خرج… كان يحمل غضباً مُكبوتاً يرتجف تحته حزنٌ عميق:
أوزان (بغضب مقيّد، و شفتيه ترتعشان): “كفى… لا تلمّح. لا تعتذر مسبقاً، ولا تودّعني بصيغة غير مباشرة. إذا كنت تتألم… قلها. إذا أردت أن ترحل… قاتل قبل أن ترحل.”
يسود الصمت. ضوء الشمس ينكسر على حافة الطاولة، وجان لا يرد. يُحدّق في فنجانه كما لو كان يبحث فيه عن حقيقة تريحه، ثم يهمس، بالكاد يُسمع:
“كل يوم أستيقظ وأنا أتمنى أن يكون الأمس حلماً… لكن الواقع يبتسم لي بسخرية جديدة.”
يتباطأ الزمن بينهما. الصمت ثقيل كأنه جدار ثالث جالس معهما، لا يرحل.
ينهض أوزان أخيراً، بخطوات هادئة. يقف خلف جان، يضع يده على كتفه، ويضغط بخفة، لمسة لا تنكسر، كأنها تعهّد صامت.
صوت الزحام مختلط بصوت الملاعق و الأكواب، وضجيج خافت لحديث الناس، تتداخل معه ضحكات متفرقة وأصوات الموج خلف الزجاج.
تدخل شاغلا بخطى مترددة، عيناها تفتشان بين الطاولات. تمرّ على الوجوه بلا تركيز… حتى تقف نظراتها عليه.
كان مارت جالساً في أقصى الزاوية، بعيدداً عن الضجيج قدر الإمكان، لكنه في قلب الصخب. الطاولة التي اختارها تطلُّ على البوسفور، لكن عينيه لا تريان البحر.
جسده مائل قليلاً إلى الأمام، مرفقاه مستندان على الطاولة، و أصابعه اليسرى تمسك بسيجارة شبه محترقة.
حركة متكررة، شبه آلية: يرفع السيجارة إلى فمه… ثم لا يسحب الدخان، فقط يتركها تلامس شفتيه.كما لو يتأكد أنه لا يزال على قيد الوجود ثم يُنزلها… ويضغط بها جبينه للحظة، كما لو يحاول إخماد شيء داخله.
وجهه هادئ… أكثر من اللازم. لكن ذلك النوع من الهدوء الذي يشبه السكون ما قبل العاصفة.
عيناه غائرتان، كأنّ النوم هجره منذ زمن. و قسمات وجهه لا تنطق بالحزن، بل بالانطفاء.
لحظة توقف فيها الزمن عند شاغلا، وهي تنظر إليه. ذلك الرجل أمامها ليس مارت الذي أحبّته… ولا الذي تشاجرت معه.
بل شبحه.
تتقدم نحوه بتردد، وببطء تنجح في الوصول إليه، تجلس أمامه.
شاغلا (وهي تزيح شعرها عن وجهها، بقلق): “مرحباً… لماذا اخترت هذا المكان؟ إنه مكتظ جداً.”
يرفع مارت نظره نحوها، يطيل التحديق، ثم يطفئ سيجارته في المنفضة بإيقاع بارد.
مارت (بهدوء مريب): “لأن الزحام… يقيّدك. يضبط أعصابك. ولا أريد أن أجرحك… وأنا أقيّدك لكبح موجة غضبك.”
ترتبك من لهجته، تتبدّل ملامحها إلى قلق عميق.
شاغلا (بهمس): “مارت… ما الأمر؟ ما الذي حدث؟”
يشيح بنظره نحو البحر. يحدّق طويلاً في الموج، كأنّه يبحث عن جواب لا يريده.
مارت (بصوت مكسور، كأن الاسم يخدش حنجرته ): “…جان.”
تتسع عيناها فجأة. ترتسم على شفتيها ابتسامة صغيرة متوترة، تتشبث بالأمل:
شاغلا: “هل… هل وجدته؟ عاد؟”
لا يرد.
ينخفض بصره، يرتجف رمشه، ثم…
دمعة تسقط من عينه ببطء، ثقيلة، خفية.
يسحب نظارته الشمسية من الطاولة، يضعها على وجهه… يخفي كل شيء خلف عدستين معتمتين.
مارت (بصوت أجشّ): “مات.”
الابتسامة تموت على وجهها.
تنهض في هدوء، تجلس إلى جانبه، تمسك بيده المرتجفة، كأنها تحاول الإمساك بما تبقى منه.
شاغلا (بهمس مرتجف): “مارت… آسفة… آسفة جداً.”
يبقى ساكناً، وصوته يخرج مثقلاً، كأنّه يتكلّم من قاع بئر داخله:
مارت: “أنا آسف يا شاغلا… لم أرد أن أؤذيك. لكن… لا يمكنني ترك إيليف. هي الآن مسؤوليتي… وطفلها أيضاً. لن أسمح له أن يتربى يتيماً… كما ربّاني اليُتم.”
شاغلا (بصوت هادئ، تكافح لتبدو عقلانية): “مارت… هذا كثير عليك. هو ليس ابنك… ليس مسؤوليتك.”
يضرب الطاولة بقبضته. ليست ضربة غضب… بل قهر.
مارت: “بل هو كذلك! أنا من قتل والده… أنا من سرق منه عائلته.”
تسحب يدها بخفة، تنظر إليه، لكن لا تجد ما تقوله.
شاغلا (بهدوء): “اهدأ… دعنا نغادر من هنا… نستوعب كل شيء.”
يهزّ رأسه نافياً، يضع يده في جيبه، يتنفس ببطء.
مارت: “لا… لم آتِ لأبقى. فقط أردت أن أخبرك بالحقيقة. كل شيء… انتهى الآن.”
ينهض مارت من مقعده ببطء، كأنّ جسده أثقل من أن يُرفع.
يترك يد شاغلا تنزلق من يده دون وداع، دون حتى نظرة أخيرة.
يدير ظهره، ويتقدّم بين الزحام، يمشي دون أن يلتفت.
الضوء يعكس ظله على الأرض… ظلّ رجل يحمل أكثر مما يحتمل.
تبقى شاغلا جالسة، لا تلاحقه بصوت، فقط بعينين امتلأتا بدموع لم تسقط.
تشيعه بنظرة طويلة، بين حيرة وشفقة، بين حبٍ وعجز.
يختفي مارت في الزحام.
وتبقى هي… وحدها على الطاولة.
تضع يدها مكان يده، كأنها تحاول تلمّس دفئه قبل أن يبرد تماماً. لكن الخشب… كان بارداً منذ البداية.”
»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مطبخ المطعم – منتصف النهار
الضجيج يعمّ المكان، لكن عقل أوزان كان في مكان آخر. بين صوت المقالي وصفير الطلبات، ينسحب بخفة نحو غرفة التخزين الصغيرة، ويغلق الباب خلفه.
أوزان (بصوت خافت): “مرحباً دكتور… آسف على الاتصال المفاجئ، لكن… لا أعرف إن كنت أبالغ.”
الطبيب: “جان؟”
أوزان (ينظر للأرض): “نعم… الأمور تبدو مستقرة، على السطح على الأقل. صار يتحدث أكثر، حتى يشارك في إعداد الفطور أحياناً…”
يتوقف لحظة، ثم يقول بصوت منخفض يشوبه القلق:
“لكن صباح اليوم… قال لي شيئاً ما زال يدوي في رأسي.”
الطبيب: “ما هو؟”
أوزان (يغلق عينيه قليلاً): “قال: إذا متُّ أو اختفيت، لا تبحث عني… أرجوك. وقالها كأنها وصيّة، لا مجرّد جملة عابرة.”
يصمت الطبيب للحظة، ثم يرد ببطء:
الطبيب: “”هذه ليست جملة عابرة يا أوزان… بل تحذير مغلف بالخجل. ربما لا ينوي فعل شيء الآن… لكنه يختبر فكرة الغياب داخله.”
أوزان (بمرارة): “ولم يكن هذا فقط… إنه يشعر بأنه عبء عليّ .”
الطبيب (بصوت جاد): “شعور الإنسان بأنه عبء، خاصة على من يحبّه، من أخطر مراحل الاكتئاب. يبدأ بافتراض أنه غير مرغوب، ثم يُقنع نفسه أن رحيله أفضل للكل.”
أوزان (يحاول السيطرة على صوته): “أراه يحاول، يحاول بصدق. لكنه كلما ابتسم، أشعر أن شيئًا فيه ينكسر بهدوء.”
الطبيب: “عليك أن تذكره كل يوم، أن وجوده لا يثقلك… بل يعطيك سبباً للبقاء. ذكّره بأنه محبوب، لا متحمَّل.”
أوزان: “أنا أفعل، أحاول بكل ما فيّ… لكن ماذا لو لم يكن هذا كافياً؟”
الطبيب (بهدوء): “أحياناً، مجرد بقائك قربه… هو كل الكفاية.”
أوزان (بعينين تغرقان في الأرض): “أنا أحاول… أقف بجانبه، أستمع، أطبخ له، أضحك، لكنه يبتسم لي وكأنه يلوّح من تحت الماء… وكل ما أملكه، هو البقاء على الشاطئ أصرخ. وكأن كل ما أفعله مجرد تأخير لغرقٍ محتوم.”
الطبيب (بصوت هادئ): “وجودك لا يؤخّر الغرق، بل يمنعه. المهم ألا يشعر بأنه وحيد في هذا القتال. أشعِره أنه ما زال يعني لك شيئاً… ولمن حوله.”
يصمت أوزان، ثم يهمس بصوت شبه مبحوح:
“كل ما أريده… أن يصدق، ولو للحظة، أنه ليس عبئاً. أنه يستحق أن يُحب، دون أن يُثبت نفسه، دون أن يتخفّى، دون أن يشعر بأنه مدين لأحد بالحياة”
الطبيب: “وهذا ما يجعلك صديقاً حقيقياً. ابقَ معه. لا تدعه يصدّق تلك الأكاذيب التي يهمس بها له الألم.”
تنتهي المكالمة.
يعود أوزان إلى المطبخ، يعيد السماعات إلى أذنيه لكنه لا يسحبها بالكامل، كأن ذهنه لا يزال مع كلمات الطبيب التي رددها داخله.
يتنقل بين الأواني وأدوات الطهي بخفة، محاولاً الحفاظ على هدوءه وتركيزه وسط ضجيج المكان توقف عن العمل قليلاً ليشرب كوب ماء.
تُفتح باب المطبخ ببطء.
يدخل جان بتثاقل، خطواته غير مستقرة قليلاً، كأنّ الهواء أثقل من المعتاد. عيناه حمراوان، تحملان مزيجاً غريباً من التعب والارتباك، وكأن جسده حضر… لكن روحه لم تلحق به بعد.
يتجه نحو أوزان مباشرة، لا يتفقد المكان، لا يلقي السلام. يجلس أمامه على الكرسي الخشبي، يربّت على سطح الطاولة مرتين، بإيقاع خافت، مصطنع… كأنها محاولة يائسة للتظاهر بأنه بخير.
أوزان يلتفت إليه، يضع الكوب على الطاولة ويزيح إحدى السماعتين من أذنه، الابتسامة على وجهه متعبة، لكنها حقيقية.
أوزان (بصوت منخفض، ناعم): “كيف حالك، جان؟”
يشيح جان بنظره للحظة، يتأمل شيء غير مرئي خلف الثلاجة… ثم يلتفت ببطء، يلتقي نظرات أوزان، ويهمس:
أوزان لا يعلّق فوراً. ينظر إليه باهتمام، لا شفقة. يميل قليلاً للأمام، نبرة صوته خافتة لكنها تحمل إصراراً:
“لكن حركتك تحسنت… حتى المدرب قال إنك بدأت تعمل على تمارين أصعب.”
يرد جان بنظرة طويلة، عينيه لا تهربان هذه المرة، لكنهما تلمعان بمرارة واضحة:
جان: “لكنني أكره نظرة الشفقة في عيونهم… كأنني لوحة مشقوقة، يحاولون مجاملة جمالها.”
أوزان يتنهد بهدوء، يزيح الكوب من أمامه، ثم يضع كفيه على الطاولة، ينظر إلى جان بثبات:
أوزان (بهدوء وبساطة): “إذن… نغيّر الوقت. نجعلها الحادية عشرة مساءً… نذهب معاً… كما كنا نفعل في إسطنبول.”
يحدّق جان فيه مطولاً، لا يتحدث، فقط يراقب وجهه… كأنّه يبحث عن دليل على أن هذا العرض ليس شفقة، بل دعوة للحياة.
برهة تمر.
ثم يومئ برأسه ببطء، لمعة خفيفة تظهر في عينيه… خيط من أمل خجول، يظهر وسط الغيم.
»»»»»»»»»»»»»»»»
بعد بضعة ايام إسطنبول – حديقة المنزل – مساءاً
مارت متمدد على أحد كراسي الشازلونج الطويلة، أمام المسبح الهادئ، عيناه مغلقتان، كأنه يحاول الهروب من الداخل.
على بعد أمتار قليلة، تجلس العائلة الجد، وبعض الضيوف أو الأقارب، وأحاديث خافتة متناثرة بين فناجين الشاي.
لكن الجد لا يشارك الحديث. عيناه مسمّرتان على مارت.
ينظر إليه طويلاً… بصمت.
صوتٌ داخلي لا يتوقف:
> “كان مارت لا يصمت… يجلس بقربي، يناقشني بكل صفقة… يعترض أحياناً، يضحك أحياناً… واليوم؟ لا يسمعني. لا ينظر إليّ حتى.”
، أما إيليف ، تتابعه بنظرات حانية ومختلطة بالقلق.
تلفظ داخلها كلمات لا تجرؤ على نطقها:
“كأنني أرى جان تماماً… كان يجلس هكذا، بعيدا عن الجميع، في صمته العميق.”
“مارت، ما الذي يحدث معك؟ صمتك هذه الأيام، و انطفائك… يقلقانني حقاً.”
تتنهد، وتحاول أن تبدو طبيعية أمام من حولها، لكن عيناها لا تفارق مارت، وكأنها تنتظر أن يكسر صمته ويشاركها همومه.
تنهض ببطء، تمشي خطوات ثقيلة نحو مارت، ويدها خلف ظهرها تحاول أن تجد دعماً.
تقترب منه، وتحاول الجلوس على كرسي الشازلونج المجاور، لكنه ينهض بسرعة، يمد يده بلطف ويساعدها على الجلوس.
يجلس أمامها، ينظر إليها بعينين تحملان الكثير من المشاعر المختلطة.
يخيم صمت ثقيل لثوانٍ، يبدوان كأنهما ينتظران خطوة واحدة تكسر ذلك الجدار الصامت بينهما.
إيليف (بنبرة حنونة وقلقة، تلامس يد مارت برقة): “أنت متعب جداً هذه الأيام.”
مارت (يرد بنظرة حانية، يضغط يدها قليلاً قبل أن يرفع عينيه نحوها): “وأنتِ؟”
إيليف (تتنهد، تحاول أن تبدو قوية، لكنها تخفي ضعفها خلف ابتسامة صغيرة): “أحاول أن أكون بخير… وجودك يقويني، مارت. يشعرني بأن جان لم يتركني أبداً… سنجده، أنا واثقة أنك ستجده وتعيده لي.”
كلمات إيليف تخترق قلب مارت، يتنهد بصمت عميق، و يغمض عينيه للحظة كأنه يحاول منع دمعة من السقوط.
تمتم في داخله، كأنها أسرار لا يريد نطقها: “لقد مات… فكيف أعيده؟”
ثم يرد بصوت هادئ، متحكماً في مشاعره: “نعم… سنجده.”
تستقر نظرات الجد عليهما من بعيد.
يحاول أن يتحدث، أن يناديه… لكنه لا يفعل.
يمسك فنجان القهوة بيد مرتجفة، ويميل للأمام قليلاً، كأن ظهره أثقل من أن يحمله.
(تفكيره الداخلي): “كل ما أريده… أن يقول لي: صباح الخير، يا جدي… كما كان يفعل.” “لكنني خسرت ذلك الصوت… وأنا حي.”
تمرّ لحظة صمت ثقيلة، والمسبح ساكن كأنّه يعكس ما في القلوب.
أما مارت، فظلّ يجلس قرب إيليف… وفي داخله، حرب لا يعرف أحد عنها شيئًا.
»»»»»»»»»»»»»»
أسطنبول- شقة شاغلا – مساء هادئ – ضوء خافت
يُسمع طرقٌ خفيف على الباب. تتوقف شاغلا عن ترتيب الوسائد، تتردد قليلاً، ثم تفتح الباب.
إيرهان (واقف عند الباب، يحمل كيساً صغيراً من الطعام ): مررتُ بالجوار… فقلت في نفسي، لا بأس أن أطمئن.
تبتسم ابتسامة باهتة وتفتح له الباب بصمت، ثم تبتعد قليلاً.
شاغلا (بصوت خافت): تفضل بالدخول.
يدخل إيرهان، ينظر حوله. الشقة ساكنة، يغمرها الصمت.
إيرهان (بشيء من القلق): لم تجيبي على اتصالاتي… ولا ظهرتِ في الجامعة منذ أيام. أين كنتِ، شاغلا؟
شاغلا (تشيح بوجهها وتمضي نحو المطبخ): كنتُ متعبة قليلاً… لا شيء يدعو للقلق.
يلاحظ شحوب وجهها، و شيئاً من الاحمرار في عينيها.
إيرهان (بلهجة أكثر جدية): أهذا تعبٌ جسدي… أم شيء آخر؟
تتظاهر بالانشغال في تحضير القهوة، تفتح الخزانة وتُخرج فنجانين بصمت.
شاغلا (بهدوء): فقط شعرت بحاجة لبعض الراحة… لبعض العزلة.
يقترب منها قليلاً، ينظر إليها مطولاً.
إيرهان: هل حدث شيء بينك وبين مارت؟
تتجمد للحظة، ثم تتابع عملها وكأنها لم تسمع سؤاله.
شاغلا (بصوت هامس): لا فائدة من الحديث.
يصمت للحظة، ثم يقول بلطف:
إيرهان: أعرف أنك قوية، لكن لا بأس إن تعبتِ. إن أردتِ الحديث… فأنا هنا.
تلتفت إليه، تبتسم ابتسامة باهتة متكسرة، وفي عينيها دمعة لم تسقط.
شاغلا (بصوت مكسور): شكراً يا إيرهان… لكنني لا أملك كلمات اليوم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 26"