بعد الإعلان المفاجئ عن الخطوبة، غادر جيميني وهيرو لبعض الشؤون العاجلة، ولم يبقَ في الخيمة سوى شخصين فقط.
بسبب ما جرى من أمر صادم، لم تستطع فريا أن تفكّر بشيء لوهلة.
‘ما معنى هذا بحقّ السماء؟ من هو دوبوا، ولماذا يُقال إنّني نبيلة؟’
وقفت ساكنة وهي تحاول جاهدة أن تفكّر مرارًا وتكرارًا، لكنّها لم تفهم شيئًا.
وبعد صمتٍ طويل، فتحت شفتيها قائلة: “جلالتك ، إنّني لا أفهم شيئًا.”
“أيّ أمر تقصدين؟”
“أعني كيف أكون أنا نبيلة، وأن أكون مع جلالتك في علاقة-.”
لم تستطع فريا أن تخرج ذلك التّعبير من فمها، فقط قطعت الكلام في منتصفه.
فمجرد علاقة عاديّة أمر غير معقول، فكيف بخطوبة مسبقة النّيّة.
ناولها لوكيوس كأس ماء بهدوء شديد وقال: “ستختنقين هكذا إن واصلتِ.”
شعرت فريا أنّها على وشك الإغماء من شدّة الضيق، فيما وليّ العهد يتصرّف ببرود يثير أعصابها.
“ألا يصعب على المرء أن لا يُفاجأ بأمر كهذا؟”
ارتشفت فريا من الكأس ومسحت فمها، عندها تكلّم لوكيوس بجدّية: “هل تذكرين ما قلناه من قبل؟ كم تبقّى من مدّة عقدنا…”
“نعم.”
‘لكن ما علاقة هذا بما يحدث الآن؟’
عقدت فريا حاجبيها بشدّة، فأخرج ورقة من درج وبسطها أمامها.
“هذه نسخة. اقرأيها”
كما حدث وقت التوقيع، كانت الكتابة المملوءة في الوثيقة تجعل رأسها يدور لمجرّد النظر.
وحين لم تفعل شيئًا سوى رمش عينيها، أخذ لوكيوس الورقة منها.
“سأقرأ لكِ الجزء المهم.”
بدأ لوكيوس يتلو بنبرة هادئة شروط خرق العقد: “باستثناء موت الطرف الثاني، يجب الالتزام بمدّة العقد حتمًا.”
“… هاه.”
عند كلمة “الموت” مرّرت فريا يدها على عنقها لاشعوريًّا.
“وإذا لم يلتزم الطرف الثاني بالمدّة وقام بفسخ العقد…”
كان صوته بطيئًا للغاية، حتى كادت أن تختنق بانتظار نهايته.
‘وماذا سيحدث إذا فُسخ العقد؟’
كادت تختنق من الفضول، لكنّه فتح شفتيه الحمراء وقال: “يُحدّد التّعويض بمئة قطعة ذهبيّة.”
“… ماذا؟”
“لقد صيغ هذا العقد بناءً على النموذج القياسي للإمبراطوريّة. وفوق ذلك، إذا تعذّر على الطرف الأوّل تنفيذ العقد، يلتزم بدفع مئة قطعة ذهبيّة للطرف الثاني. إنّه عقد عادل تمامًا لا غبار عليه.”
‘مئة قطعة ذهبيّة …!’
عندما سمعت فريا شرط التّعويض، أصاب عقلها بياض تام.
ولهذا لم تسمع جيّدًا ما قاله لوكيوس بعدها.
‘ماذا يمكن أن يُفعل بكلّ ذلك المال؟’
“إذًا، هناك سبب يدفعنا نحن الاثنين للالتزام بالعقد. أنا الآن ذاهب إلى القصر، وفترة خدمتك كخادمة لم تنتهِ بعد. لذلك أفكّر بتقديم اقتراح…”
“أيّ اقتراح؟”
بدت ابتسامة لوكيوس المائلة وكأنّها تثير قشعريرة غامضة في قلبها.
فتراجعت قليلًا إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بعمود الخيمة.
“فريا ، هذا ليس بالأمر الخاسر لكِ.”
لكن فريا شعرت أنّها قد خسرت بما فيه الكفاية بالفعل.
‘لا يجب أن أتورّط أكثر. أبدًا!’
صرخت داخل نفسها بقوّة، لكن لوكيوس تقدّم خطوة ووضع يده على العمود، ليُطبق عليها بين ذراعيه.
شعرت فريا أنّ أنفاسها تتقطّع وهي محاصرة.
“أمّا إن كان الأمر علاقة أو ما شابهها، فأنا أرفض.”
قالت وهي ترتجف، ثمّ هزّت رأسها بعنف.
كانت بالكاد تؤدّي عمل الخادمة، فكيف يُطلب منها لعب دور نبيلة مزيّفة وخوض علاقة وهميّة؟
حتى لو كان السيف على عنقها، فالجواب هو الرفض.
“أنا لا أنوي أبدًا إجباركِ.”
أنزل إحدى ذراعيه، وألقى نظرة حزينة خافتة وهو يهمس: “يكفي أن نُنفّذ العقد كما هو.”
كلماته لم تكن تهديدًا ظاهرًا، لكنّها حملت وقعًا ثقيلًا أكثر من أيّ وعيد.
“أي إن دفعتُ مئة قطعة ذهبيّة، ينتهي الأمر؟”
“بالضّبط، يا فريا.”
كان ذلك المبلغ شيئًا لن تكسبه حتى لو قضت حياتها كلّها في التّسوّل.
وإن فكّرت بتسديده من عملها كخادمة، فقد يستغرق الأمر سنوات طويلة.
فإن لم تستمع له الآن، فإن حلمها بشراء بيت وزراعة أرض سيصبح …
‘مجرّد سراب؟’
لم يكن أمامها خيار، اضطرت لسماع خطّته التي لم ترق لها.
***
عادت فريا إلى الخيمة وجلست في ركنٍ تلتقط أنفاسها.
أخذ رأسها يدور ويديها ترتجفان، وكأنّ قوّة جسدها تفارقها.
“فريايا، أأنتِ نائمة وعيونك مفتوحة؟”
لم تستفق إلّا بعد سماع صوت آرتشر الجهوري.
فركت عينيها ورفعت رأسها بصعوبة، فإذا بآرتشر يبتسم ابتسامة عريضة.
“لديّ لكِ خبر سار.”
“آه، وأنا لديّ خبر أيضًا…”
جلس آرتشر على حافة السرير ووضع كأس الخمر جانبًا، ثم قال: “فريا، لقد أصبحت أخدم تحت إمرة القائد مباشرة. لم أعد مجرّد مرتزق جوّال.”
“واو! مبارك لك.”
أبدت فريا فرحًا صادقًا لاعترافهم بقوّة آرتشر.
“سأتقاضى ذهبًا شهريًّا، وسيوفّرون لي مسكنًا أيضًا. لذلك لا تقلقي على شيء!”
كلمات آرتشر جعلت عيني فريا تلمعان.
“… أأنا أيضًا؟”
“أتظنين أنّني سأترككِ؟ لستُ بلا وفاء إلى هذا الحدّ.”
ضرب صدره بيده وقال بحماس: “سآخذك معي، وسأعلّمك أيضًا. فقط ثقي بآرتشر من الآن فصاعدًا!”
كادت فريا أن تبكي من شدّة التأثّر.
كان يومها مثقلًا بالمصاعب، فكان لقلبها أن يلين لمشاعره الصادقة.
“آرتشر…”
أربكته ملامحها الموشكة على البكاء، فارتبك في كلامه: “طبعًا ليس بيتًا فخمًا أو كبيرًا، لكنّه أفضل من هنا.”
“آرتشر، شكرًا لك.”
شكرت في قلبها أنّه لم يتركها.
لكنها ابتلعت كلماتها الأخيرة من شدّة خجلها.
“على أيّ حال، ما الذي كنتِ ستقولينه؟ حزمتِ حقائبكِ؟”
“سأخبرك لاحقًا.”
خشيت أن تبكي إن تكلّمت، فادّعت التّجاهل.
“كم مرّة قلتُ لكِ أن تغيّري أسلوب كلامك.”
“دعني وشأني. لقد عشتُ هكذا وما زلت بخير.”
“وهل بهذا الأسلوب ستخوضين علاقة حب؟”
كلماته العابرة جعلتها تتجمّد مكانها.
ففي الأحوال العاديّة، لكانت ضحكت قائلة إنّها لن تفعل ذلك ولو أُغريت بالذهب.
‘آه، لا أريد أن أفكّر.’
ارتمت تحت الغطاء حتى غطّت وجهها، بعدما تذكّرت لوكيوس واحمرّ وجهها.
“من علّمك عادة النّوم وأنتِ في منتصف الكلام!”
وبّخها آرتشر، لكنّها لم ترد أن يرى أحد هذا الوجه المتوهّج.
***
امتطى لوكيوس جواده ودار على أطراف الحدود، منهيًا مهمّته هنا. ثمّ أمر بالرحيل إلى القصر، تاركًا خلفه عددًا قليلًا من الجنود النخبة.
بدأت فريا بالسّير بجوار آرتشر وهي تحمل متاعها، لكنّ ذهنها كان مشغولًا باقتراح لوكيوس.
‘هذا أمر مستحيل!’
‘لا بأس إن لم تتظاهري بأنّكِ نبيلة.’
‘لكن جلالتك ، شريكة الأمير يجب أن تكون من النّبلاء.’
‘لذا، لن يشكّ أحد في كلماتكِ أو تصرّفاتك الحرّة.’
‘جلالتك، هذا جنون.’
‘وما الجنون سوى ما يليق بمن يُقال إنّه مجنون مثلي.’
حين قالها، لمع في عينيه بريق خطِر، فانكمشت فريا بخوف.
فهمس لها:
‘ستستفيدين أنتِ أيضًا. يكفي أن تبقي بقربي، والذهب سيأتي وحده.’
‘لكن، خدمة الخادمة تناسبني أكثر.’
‘الحياة لا تسير دائمًا كما نشتهي.’
‘آه …’
لم تجد فريا ما تردّ به.
ما زال العقد قائمًا، ولم يكن بحوزتها ما تسدّد به التعويض.
“… آه.”
“سمعتُ أنّ طعام القصر يذوب على اللسان-“
قطع غناء آرتشر المرح أفكارها.
كان ضخم الجسد، يبتسم طوال الوقت بمرح.
“أليس الأمير مهيبًا بهذا الشكل؟”
كان يحدّق في ظهر الأمير وهو يمتطي جواده في المقدّمة، بعينين مبهورتين.
أما فريا ، التي كانت تسير بجواره حاملة أمتعتها، فقد تمتمت ببرود: “إنّه بعيد جدًّا حتى يبدو كالنملة.”
“هيا، أيّتها الوقحة.”
رفع آرتشر يده ليضربها على جبينها، لكنّه تراجع.
“نحن جميعًا من أتباع الأمير، ويجب أن نعامله دائمًا بوقار.”
“آرتشر! كلّ هذا اللّوم، من أين يأتي؟ من معدتك؟”
أدخلت فريا أصابعها في أذنيها ومدّت لسانها.
“كلّ هذا عضلات. قيل إنّها صلبة حتى إنّ السيف لا يخترقها!”
“لكنّني أرى الكثير من الجروح الطّعنيّة على جسدك.”
“أوي! كيف تثرثرين في مثل هذا اليوم السعيد!”
كان فرحًا بانتقاله إلى القصر لدرجة أنّه لم يغضب.
أخرج قنينة صغيرة من حضنه ورشف منها، فيما أصلحت فريا حملها ونظرت إلى الأمام.
‘إنّه يبدو صغيرًا بالفعل.’
كان الجندي في المقدّمة يلوّح براية طويلة، وخلفه يسير الأمير لوكيوس ومعه الفارس الحارس جيميني.
‘أما هيرو فقد ركب العربة لضعف جسده.’
عندها فقط بدأت تشعر حقًّا أنّها تغادر هذا المكان.
ارتسمت أمام عينيها صور المعسكر الذي اعتادت الركض فيه، وجدول الماء حيث كانت تغسل، والشجرة التي كانت تستند إليها أحيانًا.
‘شكرًا لك. وداعًا.’
ارتسمت مشاعر شتّى على وجه فريا وهي تنظر إلى الخيمة التي تبتعد شيئًا فشيئًا خلفها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات