1
أيقظ صوت القطار الصاخب سكون الليل العميق.
كانت محطة القطار في هذا الوقت المتأخر شبه خالية.
لم يكن هناك سوى قلة يسرعون الخطى للحاق بالقطار المتجه من الشمال إلى العاصمة.
وسط هؤلاء، لم تكن المرأة التي ضغطت القبعة على رأسها وارتدت فستانًا بسيطًا تثير الانتباه.
ولم يدرك أحد أن تلك المرأة كانت دوقة وينترن نفسها.
‘يكفي أن أرحل هكذا…’
كان الوقت مثاليًّا للهرب؛ فزوجها، دوق وينترن، كان قد غادر في حملة تطهير للوحوش.
وعندما يعود من حملته، لن تكون موجودة هنا.
وحتى لو أدرك الأمر متأخرًا وبدأ بالبحث عنها، فستكون في مكانٍ لا تطاله يداه.
[فلنُطلّق.]
قبل عدة أيام، نطقت بالكلمات التي ظلت تخفيها.
ظهر الشرخ على وجهه، وكأنه لم يتوقع أن تخرج هذه الكلمات من فمها.
[كان زواجنا عقدًا مدته عام واحد. وقد انتهت مدة صلاحيتي، وحان وقت الطلاق، كما اتفقنا.]
كانت زوجة بعقد، أشبه بغريبة بل أقل.
وانتهت مدة العقد، فكان من الطبيعي أن يتم الطلاق.
لكن ما فعله زوجها حينها هو أن ابتسم ابتسامة ساحرة، قادرة على إرباك أي امرأة.
[اعتبر العقد كأن لم يكن.]
تمزق—
مزّق العقد بتلك الابتسامة على وجهه.
ومنذ تلك اللحظة، عزمت إستل على الهرب منه.
الآن، في حقيبتها، تحمل وثيقة الطلاق الموقعة منهما معًا، والتي وقّعاها مسبقًا عند الزواج بناءً على طلبه.
لم يتبقّ سوى تقديمها للمحكمة لتصبح حرة قانونيًّا.
وبينما كانت تبحث عن مقعدها بارتباك، تجمدت فجأة.
‘…رينوكس؟’
رجل طويل القامة بشعر أسود… رؤيته من الخلف جعل قلبها يسقط فجأة.
‘لا، لا يمكن أن يكون هو.’
وحين تمعّنت، بدا أقصر قامة وذا كتفين أضيق، فتنهدت بارتياح وجلست.
انطلق القطار محدثًا صوت البخار، ومع تسارع المشهد خارج النافذة، شعرت بالطمأنينة تعود تدريجيًّا.
لكن في تلك اللحظة…
“سيُجرى تفتيش!”
تفتيش؟ فجأة؟
استدارت برعب، لترى المضيف يتنقل بين الركاب ليتحقق من وجوههم.
“ما الذي يحدث؟”
“هناك حالة طارئة. نرجو التعاون.”
رغم تذمر القلة من الركاب، لم يكن لدى المضيف إلا ذات الإجابة.
اقترب دورها.
شدت على حقيبة السفر بيدين مبتلتين من العرق.
ربما لم يأتوا للقبض عليها، لكنها لم تستطع طرد شعور الخطر.
‘من يدري؟’
قررت أن تختبئ مؤقتًا. حملت الحقيبة ونهضت، لكن أحدهم أمسك بمعصمها.
هل هو مضيف؟
كانت على وشك أن تعتذر، لكن صوتًا عميقًا مألوفًا أوقفها في مكانها.
“تيا.”
ذلك الصوت، الذي ما كان ينبغي أن يكون هنا، كان مألوفًا حد الرعب.
استدارت ببطء، متشبثة بأمل أخير أنه ليس هو.
“رينوكس.”
خرج صوتها مرتجفًا.
“ماذا تفعل هنا…؟”
“جئت لأبحث عنك.”
ابتسم بنفس الطريقة التي مزّق بها العقد وتحدث وكأن شيئًا لم يكن.
وكأنهما لم يلتقيا مصادفة، بل كانا على موعد.
“أين مقعدك؟ لا بد أن الحقيبة ثقيلة، دعيني أحملها.”
“لا… لا داعي.”
“قد لا تكون ثقيلة عليكِ، لكنها ثقيلة علي. أليس هنا وثيقة طلاقنا؟”
”…!”
لم يُفضح هروبها فحسب، بل حتى الطلاق المخبأ.
تراخت قبضتها في لحظة، فانتهزها ليمسك بالحقيبة.
“تيا.”
صوته وهو ينطق اسمها بدا خافتًا، وكأنه مجروح.
نظراته الحزينة أضعفت تماسكها.
“هل تكرهينني إلى هذا الحد؟”
“ذلك…”
لكن قبل أن تُكمل…
“أمّااه!”
صوت خطوات متسارعة تبعته صرخة لطفل صغير بشعر أسود يركض نحوها.
“أمي، لا ترحلي!”
كان دورين، ابن زوجها بالتبني.
تمسّك بساقها والدموع تتلألأ في عينيه.
“لن أُفرّق الطعام مجددًا! سأأكل البروكلي أيضًا!”
“دورين…”
أذناه الناعمتان بدتا كأذني جرو صغير، وذيله المتهدل يُظهر حزنه.
علق بجسدها، فيما كان زوجها ينظر إليها بنظرة متوسلة.
وجدت إستل نفسها محاصرة بينهما.
حين تزوجته، لم يكن بينهما أي من هذا.
[إن كنتِ تأملين بزوجٍ عطوف يحبكِ، فمن الأفضل أن تتخلي عن تلك الفكرة حالًا.]
[…]
[لن أحبكِ، ولن يكون بيننا طفل يومًا.]
كان هذا واضحًا… أو هكذا ظنت.
“تيا!”
صاحت شقيقته من الخلف.
“كل هذا خطأ أخي، أليس كذلك؟ بدلًا من أن تغادري أنت، لنطرد أخي الغبي! أرجوكِ، لا ترحلي عن هذا المنزل!”
حتى شقيقته التي كانت قاسية، باتت تتوسل إليها ألّا ترحل.
…كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟
من هي أجمل امرأة في الإمبراطورية؟
لو طُرح هذا السؤال، لكان جواب الجميع واحدًا:
“طبعًا إستل بيلّونسا!”
وردة بيلّونسا الشائكة.
تفاحة مسمومة.
الساحرة التي تأسر قلوب الرجال.
نالت شهرتها تلك بعد أربع زيجات.
زوجها الأول…
الثاني…
الثالث…
جميعهم ماتوا في ليلة الزفاف.
أما الرابع، فلم يمت، لكنه طُلّق قبل أن تكتمل ليلة الزفاف، بعدما اتهمت عائلتها الزوج بعجز خطير.
أن تعيش أرملة ثلاث مرات، وتطلّق مرة، يكفي ليُقال إن مصيرها مأساوي.
ورغم ذلك، كانت تستعد لزواج خامس.
لذا حين قررت إستل الانتحار، لم يكن قرارًا متسرعًا.
‘الموت أهون من حياة كهذه.’
لكن محاولة الانتحار فشلت.
مرضت أسبوعًا، لكنها بقيت على قيد الحياة.
وخلال مرضها، تذكّرت أنها شخصية في رواية قرأتها في حياتها السابقة.
لكنها لم تكن البطلة.
فاسم الرواية هو 《فيرا》.
وهي؟ مجرد الأخت غير الشقيقة للبطلة.
“عليّ الزواج مرة أخرى فقط.”
حدقت في والدها بصمت.
“أنت تعرف أن أوضاعنا المادية سيئة. حتى رسوم فيرا للفصل القادم تُثير قلقي. عليكِ أن تبذلي جهدًا.”
كانت شقيقة البطلة غير الشقيقة.
ورقة رابحة في عائلة فقيرة.
“هذا سيكون آخر زواج في حياتك. وقد مررتِ بأربعة من قبل، فزواج خامس لن يُعيبكِ كثيرًا.”
كانت قد ورثت من أزواجها السابقين ثروات طائلة، ما أنقذ العائلة من الفقر.
“أنا لا أطلب ذلك لنفسي، بل من أجل سعادتنا جميعًا.”
لكن السعادة لم تشملها هي.
ففي “نحن” التي ذكرها، لم تكن مدرجة.
‘وفي الرواية، مصيري الموت في وقت مبكر.’
كان دورها أن تترك ثروة لعائلة البطلة… ثم تموت.
وثروتها كانت إرثًا من أزواجها السابقين.
”…وماذا بعد؟”
“خلال مرضك، اخترت عددًا من المرشحين للزواج، وأفضلهم هو الكونت بليم. سنتجهز للزواج منه.”
تمتم وهو يختار زوجًا جديدًا لها، وكأن محاولتها للانتحار لم تكن إلا إزعاجًا مؤقتًا.
“رجل عجوز سيموت قريبًا، ولا بأس.”
وحين عبست، حاول التخفيف عنها:
“أنت كنز هذه العائلة، نعلم ذلك.”
”…”
“فقط اصمدي مرةً أخيرة. لا أطلب منكِ الكثير، فقط… كوني على قيد الحياة.”
كأن البقاء حيّة كان عبئًا ثقيلًا.
“ولن يكون صعبًا، فكما فعلتِ سابقًا… فقط اقتلي زوجكِ في ليلة الزفاف.”
وهكذا، من مرة إلى أخرى، وصلت للزواج الخامس.
”…سيدي الكونت بيلّونسا.”
خرج صوتها جافًا.
“لماذا لا تقول هذا الكلام لفيرا؟”
“ماذا؟”
“أخبرها بأن تتزوج برجل مشرف على الموت من أجل الأسرة.”
تغير وجهه.
“أهذا ما تقولينه لأختك الصغرى؟!”
زمجَر غاضبًا.
تغير وجه إستل قليلًا، وحين أدرك ذلك، قال بتردد:
“فيرا ضعيفة، تدرس في الخارج، لا يجب أن نزعجها.”
وماذا عني أنا؟
أنا التي لا تنتمي للدم، فقط ابنة زوجته… ألا أستحق شيئًا؟
“أجل… هذا دائمًا قدري.”
لكنها لم تقل ذلك، لأنها كانت تعرف الإجابة مسبقًا.
لم ترد أن تزداد بؤسًا.
“أعتقد أنكِ ما زلتِ مشوشة بسبب مرضك… أفهم ذلك.”
ابتسم، ظنًا أنها استسلمت.
“اعتني بنفسك جيدًا حتى موعد الزفاف…”
“أريد حضور حفلة واحدة فقط قبلها.”
“حفلة؟”
عبس، لكنها تابعت:
“سمعت أن الإمبراطور سيقيم حفلًا احتفاءً بعودة دوق وينترن من حملة القضاء على الوحوش. الجميع سيحضر.”
”…”
“أود المشاركة قبل زفافي.”
“ستتلقين تعليقات قاسية من الناس.”
“لكني بحاجة لأن أُظهر وجهي، أليس هذا ما يزيد من قيمتي؟”
إن كان دوري في هذه العائلة أن أترك لهم ذهبًا… فليكن.
“الكونت بليم جاءني بعدما سمع شائعات عن جمالي. إن سمع المديح مباشرة، قد يدفع أكثر.”
قررت أن تغيّر مستقبلها بيدها.
“همم…”
فكر قليلًا، ثم أومضت عيناه بجشع.
إن كان في ذلك منفعة له، فليكن.
“حسنًا إذًا…”
ابتسمت إستل، تنظر إليه ببرود.
لتغيير المستقبل، عليها أن تبدأ باختيار الزوج الخامس بنفسها.
رينوكس وينترن.
قررت أن تلتقي به.
الرجل الذي أحبّ البطلة حبًا جارفًا، وحين رُفض، دمر هذا العالم…
الشخصية الثانوية في رواية 《فيرا》.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"