اليوم التالي.
منذ الصباح الباكر، جاءني زائر. كان الكونت بولاني بنفسه.
“حقًا، أخشى أنّني قد أتيتُ في وقت مبكّر جدًا، فأشعر بالحرج. لكنّني لَمْ أستطع إيجاد وقت خلال ساعات العمل، فاضطررتُ إلى هذا التطفّل. أرجو أنْ تعذريني.”
“لا بأس. لقد أخبرتني مسبقًا أنّك ستأتي في هذا الوقت.”
بينما كانت الخادمات يُحضّرنَ الشاي والمُعجّنات، لفت الكونت بولاني انتباهه إلى صندوق كريستالي بجانب النافذة.
“ما الذي تُربّيه هنا؟”
“دودة. انظر… ها هي، تحت أوراق الملفوف هناك. اسمها بلوم.”
“يا للروعة… دودة ممتلئة وناضجة بشكل جيّد.”
توقّفت حركة بلوم، التي كانت تتلوّى ببطء تحت أوراق الملفوف بعد استيقاظها متأخّرة، فجأة.
هل أساءت فهم الأمر وظنّت أنّ الكونت بولاني ينوي أكلها؟ اختفت بلوم بسرعة في التربة، مختبئة بعناية.
وضعتُ بعض أوراق الملفوف الطازجة الممزّقة فوقها، ثمّ عدتُ إلى الطاولة.
‘بالمناسبة، حتّى الكونت بولاني لَمْ يُدرك أنّ بلوم كائن مقدس.’
بما أنّ الكائنات المقدسه تظهر عادةً بصورتها الناضجة عندما تفقس من البيض، فلم يكن أحد ليتوقّع أنّ الدودة الورديّة التي أحضرتها فجأة هي كائن مقدس.
كان الدوق محقًا تمامًا.
“إذا لَمْ يعجبك الشاي أو المُعجّنات، أخبرني يا كونت. يمكنني تغييرها لك.”
“ههه، هذا الرجل يأكل أيّ شيء يمكن مضغه وبلعه. لكن، هل هذه الكعكات من صنع خطيبة المستقبليّة للدوق بنفسها؟”
“نعم، صحيح. لقد تذوّقتها من قبل، أليس كذلك؟”
“نعم، بفضل الكميّة الإضافيّة التي أعطيتني إيّاها. وقتها كنتُ جائعًا جدًا فالتهمتها دون أنْ أتذوّق طعمها جيّدًا…”
بوجه مليء بالتوقّع، وضع الكونت بولاني كعكة في فمه.
شعرتُ بقليل من التوتّر، لكن لحسن الحظ، ابتسم وقال إنّها لذيذة.
“كما توقّعتُ، هذا الطعم الرائع كفيل بإعادة شهيّة الآنسة فانيسا!”
“أوه، أنتَ تُبالغ.”
“أُبالغ؟ لو كان الأمر بيدي، لأخذتُ كلّ هذه الكعكات معي!”
“إذًا، هل أُعبّئ لك بعضها؟ لديّ الكثير منها مخبوزة.”
دون تفكير، تذكّرتُ كلام الدوق عن أنّ بلوم بحاجة إلى نظام غذائي بعد أنْ خبزتُ نفس الكميّة كالأمس.
إذا كان حتّى الكونت بولاني، الذي رأى بلوم لأوّل مرّة، يقول إنّها ممتلئة وناضجة…
ربّما كانت بلوم تأكل الكثير من الوجبات الخفيفة بالفعل.
كائن مقدس بدين؟
لَمْ أستطع تحمّل فكرة إلحاق هذا العار ببلوم. لذا، قرّرتُ تقليل وجباتها الخفيفة من اليوم.
“إذا كان الأمر كذلك، فأنا ممتن. لكن، دع هذا سرًا عن الدوق.
إذا عرف أنّني أتيتُ في هذا الصباح الباكر وأخذتُ كعكات من خطيبة الدوق المستقبليّة، سيضربني!”
“ماذا؟”
اتّسعت عيناي، ثمّ انفجرتُ ضاحكةً، مدركةً متأخّرًا أنّه كان يمزح.
“حسنًا، سأبقي الأمر سرًا عن الدوق.”
“بما أنّه سر، هل يمكنني طلب خدمة أخرى؟”
“ما هي؟”
سعل الكونت بولاني بحرج، ينظر حوله بحذر، ثمّ همس لي واضعًا يده على فمه.
“هل يمكنكِ خوض مباراة مصارعة أيدٍ معي؟”
“مصارعة أيدٍ؟”
فجأة؟
“سمعتُ الإشاعات. يقال إنّ خطيبة الدوق المستقبليّة لَمْ تخسر أبدًا أمام أيّ رجل قوي!”
“نعم، هذا صحيح، ولكن…”
“الكونت بولاني، من تطلب منه ماذا الآن؟”
وقفت أليشا خلفي، تبتسم بلطف لكنّها تحدّق في الكونت بولاني بغضب.
ثمّ كانت نظرتها نحوي مليئة بالحدّة.
‘هل تفكّرين حقًا في قبول هذا العرض السخيف؟’ هذا ما تعنيه نظرتها.
“حسنًا، أنا موافقة.”
“خطيبة الدوق المستقبليّة!”
“لا بأس، أليشا. أنا حقًا لَمْ أخسر أمام أحد من قبل.”
كنتُ أتساءل إلى أيّ مدى يمكن أنْ تصل قوّتي.
‘لكن، ربّما لن أتمكّن من هزيمة قائد الفرسان…’
لكن، ربّما أستطيع الصمود لعشر ثوانٍ؟
مع هذا التفكير، أمسكتُ يد الكونت بولاني على طاولة الشاي النظيفة.
اضطرّت أليشا، رغمًا عنها، لتكون الحكم، فنظرت إلى الكونت بولاني بنظرة قاتلة وهتفت:
“حسنًا… ابدأ!”
دوم!
في أقلّ من ثانيتين بعد صيحة أليشا، سقطت يد.
يد الكونت بولاني، تحت يدي.
عمّ الصمت الثقيل غرفة الاستقبال. كسرته تنهيدة أليشا.
“حسنًا؟ انتهى الأمر…”
“لحظة، لحظة، لحظة!”
رفع الكونت بولاني يده اليسرى بسرعة ليوقف كلام أليشا.
نظر إلى يده المغلوبة بعينَيْن لا تصدّقان، ثمّ قال لي:
“ليس أنّني لا أعترف بالهزيمة، لكن… هل يمكننا إعادة المحاولة مرّة أخرى؟”
“بالطبع.”
فككتُ يدي وأعدتُ الوضعيّة. نظرت أليشا بدهشة، تتنقّل بيني وبين الكونت بولاني.
كنتُ أعرف تلك النظرات. إنّها ردّة فعل من يظنّ أنّ الخصم تركك تفوز، ثمّ يكتشف أنّ ذلك لَمْ يحدث.
‘كلّ من يشاهدونني في مصارعة الأيدي يرتدون هذا التعبير.’
كان الأمر مثيرًا للاهتمام.
كنتُ أعلم أنّني قويّة، لكن، هل كنتُ قويّة بما يكفي لهزيمة قائد الفرسان؟
“همم، ليس عذرًا، لكنّني كنتُ قلقًا من إيذائكِ، لذا فكّرتُ في التساهل قليلًا.”
“لا بأس، هذه المرّة لا داعي للتساهل.”
“حسنًا. سأبذل كلّ قوّتي.”
عندما هتفت أليشا بالبدء، أطلق الكونت بولاني صيحة “هيا!” وشدّ ذراعه بكلّ قوّته.
‘واو، هذه المرّة أثقل بكثير.’
إذًا، يجب أنْ أبذل كلّ قوّتي أيضًا!
دوم!
“يا إلهي… لقد خسرتُ، يا خطيبة الدوق المستقبليّة.”
“هف… كنتَ أقوى منافس واجهته.”
“هههه! هذا شرف لي.”
ضحك الكونت بولاني بصوت عالٍ، ثمّ توقّف فجأة وسألني:
“إذا لَمْ يكن وقحًا… هل يمكننا المحاولة باليد اليسرى؟”
“كونت، يكفي الآن، أليس كذلك؟”
“أخ، حسنًا. لقد خسرتُ، يا خطيبة الدوق المستقبليّة.”
تحت نظرة أليشا الفتّاكة، رفع الكونت بولاني يديه مستسلمًا.
ثمّ نظر إلى ذراعي بنظرة غريبة. لم تكن عضليّة مثل ذراعه، لكنّها تملك تلك القوّة، وهذا بدا مثيرًا لدهشته.
“لو لَمْ أطلب هذا، لكنتُ ندمتُ إلى الأبد. أنتِ لا تتدرّبين بشكل خاص، أليس كذلك؟”
“لا. لقد كنتُ قويّة منذ صغري.”
“هناك أشخاص يولدون بقوّة فطريّة نادرًا. سمعتُ أنّ الإمبراطورة الحاليّة، عندما كانت فارسة، كانت أسطورة لا تُهزم في مصارعة الأيدي.”
“الإمبراطورة؟”
“نعم. لو كنتِ تدرّبتِ على فنون السيف، لكنتِ بلا شكّ فارسة ممتازة…”
بدت عليه خيبة الأمل وهو يتحسّر، ثمّ غيّر الموضوع قائلًا: “على أيّ حال.”
“الآن، دعنا ندخل في صلب الموضوع.”
“صلب الموضوع…”
صحيح، لَمْ يأتِ فقط لخوض مباراة مصارعة أيدٍ معي.
أومأتُ برأسي.
“نعم، تفضّل.”
نهض الكونت بولاني من كرسيّه.
تساءلتُ عن السبب ونظرتُ إليه بحيرة، فجثا فجأة على ركبة واحدة بجانب كرسيّي.
“كونت؟”
“أنا، فيكتور بولاني، أقسم اليوم أنّني سأخدم عروس الدوق المستقبليّة بإخلاص حتّى آخر أيّام حياتي.”
“…ماذا؟”
كدتُ أنْ أصرخ.
بل، صرختُ بالفعل في داخلي. ما الذي يحدث بحق السماء؟
التعليقات لهذا الفصل " 41"