الفصل 67

مرّ ليل الوحوش الذي أذهل الجميع بسلام، وأُنشئ قفص كبير في حديقة قلعة الدوق الأكبر.

قرروا إبقاء ذئاب الغابة داخل القلعة حتى يُتخذ قرار بشأن مصيرها.

تغيرت قليلاً نظرة الخدم الذين فوجئوا برؤية إيثيل تداعب ذئب الغابة دون خوف.

لم يعودوا يرونها كفتاة ساذجة من العاصمة، بل كشخصية قادرة على ترويض الوحوش.

لكن إيثيل لم تكترث لذلك، فقد كانت منشغلةً بما يجب عليها فعله.

“اكتمل!”

رفعت إيثيل خطة العمل المكتملة بتعبير مفعم بالحماس.

كانت خطة عمل منظمة بشكل واضح، تشمل بيرة وجبن دير القديس باتريك، بالإضافة إلى منتجات الجلد البقري لإقليم دوق نورتون.

كانت مثالية عند إعادة النظر فيها، فتسرّبت منها ضحكة مبهجة.

كان جهد الليالي الطويلة دون نوم يستحق العناء.

“حسنًا، الآن عليّ فقط تسليمها…”

للحظة، شعرت بالحماس وهي تفكر أن إيلان سيسعد بها، لكن سرعان ما أصبح قلبها مضطربًا.

“إذًا، انتهى كل شيء.”

اقترب الشهر الذي كانت ستقضيه في إقليم الدوق من نهايته.

بما أنها جاءت لمساعدة إقليم الدوق في أعماله، فقد أكملت الخطة وأنجزت هدفها الأصلي.

بعد إتمام ما يجب فعله، سواء وافق إيلان على الخطة أم لا، ستعود إيثيل إلى منزلها.

“الوقت يمر بسرعة حقًا.”

عبثت إيثيل بنهاية الورقة دون سبب.

كانت تشعر أحيانًا، ولو نادرًا، بدقات قلبها عند رؤية إيلان.

لكنها كانت تعتقد أن عدم الشعور بالخفقان تجاه رجل يُظهر إعجابه بها بوضوح يعني مشكلة في قلبها.

لكن منذ ليلة الوحوش، أصبح من الصعب عليها مواجهة عينيه.

في ذلك اليوم، كانت مشوشة فلم تلاحظ، لكنها لا تزال تتذكر عناق إيلان القوي الذي كاد يسحق جسدها الصغير.

“لماذا عانقني هناك؟”

ضغطت إيثيل على خديها المتورّدين وهي تتذكر ذلك اليوم.

لو كانت تعلم، لما بدأت بالحديث عن العمل أولًا.

في النهاية، كما قال إيلان، بدأت تفكر في الخطوة التالية.

على الرغم من امتلاكها ذكريات حياتها السابقة، لم تعرف شيئًا عن الحب أو الزواج.

“يجب أن تُجرّبي شيئًا لتعرفيه.”

“ماذا تقصدين؟”

“آه!”

كادت إيثيل تسقط من المفاجأة بصوت تدخّل فجأة، لكنها أمسكت بالمكتب بصعوبة.

تنفّست الصعداء ونظرت لترى أوسويل واقفًا بجانبها، كأنه كان يحاول إمساكها لمنع سقوطها.

“السير أوسويل؟”

“طرقت الباب لكن لم يكن هناك رد، فظننتكِ غير موجودة.”

“آه، نعم. أعتذر، كنت منشغلة بالتفكير. تفضل بالدخول.”

أشارت إيثيل إلى الأريكة، لكن أوسويل هز رأسه.

“لا، سأسلم الرسالة وأغادر.”

“رسالة؟”

“نعم، من الدوقة مور.”

أخذت إيثيل الرسالة من أوسويل.

كان على الظرف الأزرق الفاتح خط يد مألوف واسم أكثر إثارة للفرح.

فتحت إيثيل الظرف بحماس وقرأت رسالة كايرا، فاتسعت عيناها.

“…ماذا؟”

“هل هناك مشكلة؟”

“الأمر…”

ترددت إيثيل للحظة ثم سألت بأحذر صوت ممكن:

“الدوقة مور تريد زيارة قلعة الدوق الأكبر، هل هذا مقبول؟”

في نفس الوقت، في مكتبة قلعة الدوق الأكبر،

وضعم مونتي الكتاب الذي كان يحمله بقوة وقال:

“هذا آخِرُها”

“وماذا عن ذئب الغابة؟”

“لا شيء.”

كان وجه مونتي مليئًا بالإحباط وهو يهز رأسه.

وضع إيلان أيضًا الورق الذي كان يحمله بعد أن فحص حتى الوثائق القديمة المغبرة.

“ربما كنا مخطئين من البداية؟”

“…تقصد أن ذئب الغابة ليس وحشًا؟”

“وإلا كيف لا نجد أي معلومات؟”

بما أن عائلة نورتون قاتلت الوحوش لسنوات طويلة، كانت مكتبة القلعة تحتوي على سجلات عن الوحوش أكثر من أي مكتبة في الإمبراطورية.

بفضل تلك السجلات، تمكن إيلان من حبس الوحوش في الغابة بعد سبع سنوات من الحرب.

لكنهم لم يجدوا ولو سطرًا واحدًا عن ذئب الغابة بعد البحث في كل الكتب والوثائق.

كل المعلومات عن ذئب الغابة كانت تُتناقل شفهيًا فقط.

“لم نرَ ذئب الغابة أثناء الحرب.”

“صحيح. لكن أليس ذلك لأنها مستقلة جدًا ولا تُكوّن قطعانًا كبيرة؟”

“لكن في ذلك الوقت، كانت الوحوش الأخرى تتحرك كجيش بغض النظر عن نوعها…”

“ربما يختلف ميلها داخل الغابة؟”

انحنى مونتي فوق الخريطة الممدودة على الطاولة، مشيرًا إلى نقطة نهاية الغابة عند البحر الشمالي، وقال:

“ربما تعيش هنا، عند البحر.”

“البحر؟”

“إذا كانت تعيش بعيدًا عن الوحوش الأخرى، فالتواصل معها لم يكن سهلاً.”

“إذًا، تقول إن جروًا صغيرًا عبر من هناك إلى القلعة بمفرده؟”

“آه، هذا لا يبدو منطقيًا…”

كيف يمكن لجرو أن يعبر غابة الوحوش بمفرده؟

طرق مونتي الطاولة وهو يغرق في التفكير.

كانا يعانيان منذ أيام بسبب ذئب الغابة.

كيف دخل الجرو إلى القلعة؟

هل يمكن إطلاق سراح عائلة الذئب حيّة؟

كان يجب معرفة شيء للتعامل مع الأمر، لكن ذلك لم يكن سهلاً.

“يبدو أنه يفهم كلام البشر إلى حد ما، ألا نسأله؟”

“هل كنت تترجم أصوات الحيوانات؟”

“ليس بالضرورة، لكن ربما نفهم شيئًا من خلال الحدس.”

استلقى مونتي على الأريكة كمن استسلم، متمتمًا بكلام عشوائي.

“ذئاب الغابة تتصرف بلطف خاص مع السيّدة ميشلان. ربما إذا سألتها، ستخبرنا.”

“هذا لأنها تعتني بالجرو جيدًا.”

“هل ينقلب على ظهره لمجرد إطعامه بعض الحليب؟”

سخر مونتي قائلًا إنها حجة واهية.

حتى الحيوانات العادية نادرًا ما تفعل ذلك.

فكيف لا يكون من الخاص أن وحشًا، ربما يكون وحشًا، يتصرف كحيوان أليف عند لمس يد إيثيل؟

كان يفكر منذ البداية أن إيثيل ميشلان لديها شيء مميز.

إغواؤها للناس بالطعام، وحتى للكائنات الغامضة، لم يكن أمرًا عاديًا.

“على أي حال، إذا تركناها هكذا، سينتشر خبر تربية وحوش داخل القلعة.”

“يبدو أن الجميع يستمتعون بذلك.”

“أليس ذلك بسبب الشتاء؟”

كان إقليم نورتون يصبح أكثر مللًا في الشتاء البارد.

بعض الخدم يأخذون إجازات أو يعودون إلى ديارهم، لكن معظمهم يبقون في القلعة.

في هذه الفترة التي لا عمل فيها، أصبح الاعتناء بعائلة ذئب الغابة جزءًا من روتين الخدم.

في البداية، فوجئ الجميع برؤية ذئاب الغابة في القفص، لكن الآن بدأوا يرون فيها سحرًا.

“إذًا، لنبقهم حتى الشتاء.”

“كنت أعلم أنك ستقول هذا.”

“ماذا تقصد؟”

“ألست تحب ذلك؟”

“ماذا؟”

“ماذا؟ الحيوانات، بالطبع.”

نهض مونتي وهو يمد ذراعيه، بينما ظهر الارتباك على وجه إيلان.

“متى قلت إنني أحب الحيوانات؟”

“أراقبك منذ عشر سنوات. ألا أعلم أنك لا تقاوم الأشياء اللطيفة؟”

أثناء الحرب، كان إيلان يحدّق في السناجب والأرانب أثناء التخييم.

لم يستطع إخفاء ذلك مهما تظاهر، فمعظم الفرسان الذين قاتلوا معه عرفوا ميوله السرية.

“يقولون إن ذلك بدأ بعد أن عضك وحش الثعلب وأنت صغير.”

“هل ريزيتا…”

“السير أوسويل هو من أخبرني.”

“ها…”

“هل أبقي الأمر سرًا عن السيّدة ميشلان؟”

رفع إيلان رأسه فجأة، قلقًا من هيبة الدوق المتساقطة.

ابتسم مونتي بسخرية.

“…ابقِه سرًا.”

“لن أفعل مجانًا.”

“ماذا تريد؟”

“حسنًا، سأفكر من الآن.”

بدأ مونتي يتصرف كصديق لمرة واحدة.

فرك إيلان جبهته وقدم عرضًا مغريًا:

“سأمنحك إجازة. ثلاثة أشهر تكفي؟”

“السيد مونتي سيأخذ إجازة؟”

تحولت أنظار الرجلين نحو مدخل المكتبة.

كانت إيثيل، التي دخلت للتو، تفتح عينيها بدهشة.