كانت إيثيل تودّ أن تصبح صديقة للراهبة التي تزرع أعشابًا عالية الجودة كهذه، لكن ليس بهذا الشكل.
لو التقيا الآن، ستبدو وكأنها ظُبطت وهي تسرق الأعشاب بلا شك.
أخفت إيثيل شعرها اللامع بخفّة وانكمشت أكثر.
كانت أصوات الخشخشة تتواصل.
رفعت عينيها بنظرة خاطفة، لكنها لم ترَ سوى أوراق الأعشاب الوفيرة.
‘آه، يبدو أنه أرنب!’
غطّت إيثيل فمها بيديها وأدارت عينيها بسرعة بين سيقان الأعشاب.
يبدو أن أرنبًا جاء ليعبث بحقل الأعشاب.
قرّرت إيثيل طرد الأرنب لحماية الحقل.
لم يكن ذلك أبدًا لتكسب ودّ الراهبة.
‘لا يمكنني أن أترك الأعشاب الثمينة طعامًا للأرنب، أليس كذلك؟’
بعد أن برّرت لنفسها، تقدّمت إيثيل بخطى الأوزّة بهدوء.
اقتربت أصوات الخشخشة شيئًا فشيئًا.
ما إن لمحت إيثيل لونًا مختلفًا عن التراب بين السيقان، حتى نهضت فجأة.
صرخ الأرنب المذعور وهو يتعثّر.
“آه!”
“واه؟”
تراجعت ذراعاها الممدودتان بإحراج بعد أن أرادت أن تبدو أكبر حجمًا.
نظرت إيثيل إلى الأرنب، أو بالأحرى الفتى المتعثّر الذي كان يعبّس بشدّة، وهي ترمش بعينيها.
“أرنب…؟”
“…أنتِ مرّة أخرى؟”
“آه؟ آسفة! ظننتك أرنبًا…”
أسرعت إيثيل بمدّ يدها التي كانت تلوّح بها إلى الفتى المتعثّر.
حدّق الفتى في يدها الصغيرة دون حراك.
أشارت إيثيل بعينيها إلى يدها بعبوسٍ مليء بالأسف، دلالةً على أن يمسك بها وينهض.
تنهّد الفتى بعمق، ثم أمسك يدها ونهض.
“لا تفزعي الناس هكذا. هذا تصرّف وقح.”
“لا، لم أقصد ذلك…”
تمتمت إيثيل بتبريرات لن تكتمل.
كان الموقف مشابهًا لما حدث قبل أيام في سوق المتاجر.
في تلك المرّة، كانت إيثيل هي من تعثّرت، وليس الفتى.
“لماذا كنتِ مختبئة على أيّة حال؟”
“في البداية، ظننتكَ راهبة…”
تبعت إيثيل الفتى بخطى صغيرة خارج الحقل.
عندما خرجا من العشب، لاحظت التراب الملتصق ببنطاله بوضوح.
“آه، هناك تراب على بنطالك…”
“لا بأس.”
ما إن مدّت إيثيل يدها حتى استدار الفتى بسرعة.
لم تلحظ إيثيل أذنيه الحمراوين، وشعرت بالحرج فبرمت شفتيها.
ركلت العشب بطرف حذائها دون سبب، بينما تحدّث الفتى بعد أن نفض التراب عن ملابسه.
“ما اسمكِ؟”
“أنا؟”
ردّت إيثيل بعينين مستديرتين.
عاد إليها تعبير ساخر، وكأنه يقول: من غيركِ هنا؟
أدركت إيثيل حينها أنها لم تتعرّف رسميًا على هذا الفتى ذي الجمال الواعد والطباع السيئة.
“أنا إيثيل. وأنت؟”
“…إيلان.”
“واو، اسم جميل.”
أعجبتها طريقة نطق الاسم.
ردّدت إيثيل اسم إيلان عدّة مرات، ثم جلست بجانبه على المقعد.
“لكن لماذا جئتَ إلى الدير، إيلان؟ هل هو عيد ميلادك؟”
“عيد ميلاد؟”
“أجل، ألم تأتِ لتتلقّى صلاة البركة؟”
على الرغم من وضوح كلامها، بدا إيلان وكأنه لا يفهم شيئًا.
أمالت إيثيل برأسها بدهشة.
“الأطفال في أعياد ميلادهم يتلقّون صلاة البركة.
آه، بما أنك فتى، هل يجب أن تذهب إلى الرهبان؟
لكن، إذن، لماذا جئتَ حقًا؟”
تتابعت الأسئلة مع تدفّق أفكارها.
لكن إيلان، بطريقة ما، انتزع النقطة الأهم.
“هل هو عيد ميلادكِ؟”
“أجل، اليوم عيد ميلادي.”
ابتسمت إيثيل وهزّت رأسها.
تردّد إيلان قليلًا قبل أن يتكلّم ببطء.
“عيد ميلاد سعيد.”
“هكذا فقط؟”
تظاهرت إيثيل بالاستياء، فبدأ إيلان بالارتباك بشكل واضح.
نظرت إيثيل إلى عينيه المرتجفتين وضحكت فجأة.
“ههه، أمزح.
كيف أطلب هدية من شخص لا أعرف اسمه حتى؟”
“…تعالي إلى منزلنا وسأعطيكِ واحدة.”
“ماذا؟”
“قلتُ إنكِ أن أتيتي إلى منزلنا. سأعطيكِ واحدة حينها.”
في اليوم الذي التقيا فيه في السوق، دعت والدة إيلان إيثيل إلى منزلهم.
كانت إيثيل تخطّط للذهاب مع أخيها دورانتي.
“حقًا؟”
“حقًا.”
أجاب إيلان وهو ينظر إلى عيني إيثيل المستديرتين.
ابتلعت إيثيل ريقها دون قصد.
‘ما الذي يعنيه بحقًا؟ كدتُ أن أنخدع بطفل صغير!’
دون أن يعلم بما يدور في ذهنها، عبس إيلان قليلًا وأضاف:
“إذا أردتِ شيئًا معيّنًا، أخبريني.”
“شيء أريده؟ لا شيء محدّد، لقد تلقّيت معظم الهدايا هذا الصباح.”
جاء الموضوع في الوقت المناسب لتغيير الحديث.
رفعت إيثيل حقيبتها الصغيرة وهزّتها بخفّة.
“هذه من دورانتي.”
“…دورانتي؟”
“أجل، أخي. ستراه أيضًا، سيأتي معي إلى منزلكم.”
عند ذكر كلمة “أخي”، ارتفع حاجب إيلان الذي كان قد استرخى قليلًا.
“أمي دعتكِ أنتِ فقط.”
“لكن أمي قالت إن عليّ الذهاب مع دورانتي. لن تسمح لي بالذهاب وحدي.”
أسرعت إيثيل بالإضافة خوفًا من أن يلغي إيلان الدعوة.
“أخي جميل جدًا. ستحبّه عندما تراه.”
“…أنا، أحبّ أخاكِ؟”
“أجل، هو جميل جدًا. يشبه دمية خزفيّة.”
“طبعًا، بما أنكما أخوان، فلا بد أنكما متشابهان.”
ساد صمت قصير بين الطفلين.
أدار إيلان وجهه فجأة، بينما رمشَت إيثيل ببطء وهي تحاول فهم كلامه.
بمعنى آخر، كان إيلان يقول إن إيثيل جميلة كدمية خزفيّة.
‘يا إلهي، طفل لم يجفّ دمه بعد لكنه يقول شيء كـهذا!’
ضغطت إيثيل على خدّيها المحمّرين لتهدئتهما.
لم تستطع أن تترك طفلًا جاهلًا يتلاعب بها بمهارته الفطريّة.
“لكن، لماذا جئتَ إلى هنا حقًا؟”
“…أمي طلبت مني المجيء.”
“يبدو أن والدتك متديّنة جدًا. أمي كذلك.”
ظنّت أنها وجدت شيئًا مشتركًا، لكن الحديث توقّف مجدّدًا.
بينما كانت إيثيل تهزّ قدميها وتنظر إلى حقل الأعشاب، تذكّرت الكعك في حقيبتها.
أخرجت إيثيل كيس الكعك من الحقيبة ومدّته إلى إيلان وسألت:
“هل تريد كعكة؟”
“لا، لا داع…”
قرش.
قبل أن يكمل كلامه، انقسمت كعكة مستديرة إلى نصفين في فمه.
تجمّد إيلان وهو ينظر إلى إيثيل، ثم بدأ يمضغ الكعكة ببطء.
قرش، قرش.
تسارعت وتيرة مضغه.
ابتسمت إيثيل ووضعت كعكة في فمها وبدأت تمضغ.
“لذيذة، أليس كذلك؟”
“حسنًا، لا بأس…”
“إيلان، هل زرتَ المخبز الذي تحدّثتُ عنه يومها؟”
أومأ إيلان برأسه بدلًا من الإجابة وهو يأخذ كعكة أخرى.
لمعَت عينا إيثيل بلقاء صديق يشاركها حبّ الطعام.
“الخبز هناك لذيذ! هل جرّبت الساندويتشات؟”
“حسنًا، لا بأس.”
“آه، إذن هكذا تعبّر عن ‘لذيذ’؟”
انحنت عيناها الشبيهتان باللافندر بابتسامة.
استدار إيلان فجأة وأذناه محمرّتان.
أعطته إيثيل كيس الكعك وابتسمت برضا.
“إذن، في المرّة القادمة التي نلتقي فيها، أعد لي شريطتي.”
“لماذا الشريطة؟”
“أعطيتكَ إياها لتجد المخبز، أليس كذلك؟ لم تعد بحاجة إليها الآن.”
هزّت إيثيل كتفيها وهي تجيب، ثم نظرت إلى إيلان فجأة.
كان الفتى يبدو وكأنه يمضغ شيئًا غير صالح للأكل.
“ماذا؟ هل فقدتها بالفعل؟”
“…لا، ليس الأمر كذلك.”
ابتلع إيلان الكعكة المتبقية في فمه وتجرّأ.
“ألا يمكنني الاحتفاظ بها فقط؟”
أدركت إيثيل حينها لماذا تبدُ عينا الدوق مألوفتين.
شعر أسود كثيف كما لو كان مشبعًا بالحبر، وبشرة بيضاء.
ملامح متناغمة تفرض حضورها بقوة.
ومن بينها، عينان زرقاوان تلمعان بشدّة وتجذبان الأنظار.
كان مستقبل الفتى إيلان مذهلًا كما توقّعت إيثيل.
بل، لنكن صريحين، لقد قلّلت إيثيل من شأن مستقبله.
“حقًا… اسم جلالتكَ إيلان؟”
سألت إيثيل وهي تتلعثم من الدهشة.
“إذن، ذلك الفتى يومها…”
لم تكمل جملتها وهي تنظر إلى إيلان.
عمقت الابتسامة على شفتيه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"