سيّد شرير، أريد أن أعيش أيضًا! - 1
المقدمة
كيف آلت الأمور إلى هذا الحال؟
كنتُ أصعد البرج في الساعات الأولى من الفجر بعد منتصف الليل.
“هَأَك، هَأَك… لن أدع هذا يمر مرور الكرام أبدًا. إن كان يجب عليَّ صعود البرج، ألم يكن عليهم إخباري بذلك مسبقًا؟!”
ارتد صدى صوتي المتحمّس ليملأ المكان دويًّا.
إلى متى عليَّ الصعود حتى ينتهي هذا الأمر؟
رفعتُ رأسي ونظرتُ إلى السلالم التي تمتد بلا نهاية. كان السقف المرتفع في السماء يبدو كنقطة صغيرة. لم أستطع تقدير مدى ارتفاعه، مما زاد من شعوري بالإرهاق.
ولو سألني أحدهم عن سبب صعودي البرج في مثل هذا الوقت المتأخر، فسيكون جوابي أنه متعلق بنجاتي.
“هُوُو… لكن رغم ذلك، كانت المعلومات الأولية عن هذا المكان ناقصة للغاية.”
كما لو أن إلقائي في برجٍ غريب لم يكن كافيًا، طُلب مني فجأة أن أصعد إلى قمته.
أكثر ما أزعجني هو ذلك التحذير الغامض الذي لا يفارق ذهني.
“عندما تصل إلى القمة، ابتلع الشيء الذي يشبه الجوهرة. لا تتردد، تذكَّر أن هذه فرصتك الأخيرة للنجاة.”
إذا ترددتُ، فلابد أن شيئًا سيئًا سيحدث.
رغم أن أنفاسي كانت قد وصلت إلى حدها، فقد واصلتُ الصعود.
لم أكن واثقًا من صحة الادعاء بأن ابتلاع الجوهرة سيعيد الحياة إلى جسدي المنهك، لكن لم يكن أمامي سوى تصديق ذلك.
إن كان هذا هو السبيل الوحيد لنجاتي، فسأواصل الصعود مرارًا وتكرارًا.
“جوهرة تعني جوهرة، فما معنى شيء يشبه الجوهرة؟”
لم يعد للأمر فائدة الآن، لكن الدليل الذي أرشدني إلى هنا كان يثير الريبة من عدة جوانب.
بل حتى أنني لم أتمكن من معرفة هويته الحقيقية بعد.
ورغم أنني لا أعلم من يكون، لم يكن أمامي خيار سوى الوثوق به بسبب يأس وضعي.
لا أدري كم مضى من الوقت، لكن مع بزوغ الفجر، وصلتُ أخيرًا إلى الطابق الأخير الذي كنتُ أترقبه بشوق.
“واااااه!”
خرج هتاف الفرح مني تلقائيًّا.
نسيتُ تعبي تمامًا، ودخلتُ إلى الداخل باحثًا عن الجوهرة التي ذكرها الدليل.
لكن سرعان ما تلاشى فرحي. كان الداخل مخيبًا للآمال لدرجة غير متوقعة.
“ما هذا؟ هل هذا كل شيء؟”
كانت الطحالب تنمو بين الطوب، وكانت الأسقف مغطاة بشبكات العنكبوت.
من الواضح أن هذا المكان لم يخضع للصيانة منذ فترة طويلة.
هل يمكن حقًّا أن تكون الجوهرة هنا؟
“مستحيل… لا يمكن.”
بدأ القلق يتسلل إليّ شيئًا فشيئًا، خشية أن أكون قد أتيتُ بلا جدوى.
لكنني قاومتُ شعوري بعدم الارتياح، وبدأتُ أبحث في المكان.
لا يمكن أن يكون الدليل قد خدعني، خاصة بعد أن وعدته بمكافأة هائلة.
وكما لو كان تأكيدًا على ذلك، وجدتُ بسرعة صندوق الجواهر.
شعرتُ بشيء يلامس مقدمة قدمي.
تُك-!
“همم؟”
عندما نظرتُ إلى الأسفل، رأيتُ ظلًّا خافتًا وسط الظلام.
“هذا هو!”
مددتُ يدي فورًا نحو صندوق الجواهر، لكنني توقفتُ للحظة قبل أن أفتحه.
“… لماذا هو سهل المنال هكذا؟”
إن كانت الجوهرة تمتلك قدرة على إعادة إحياء شخص يحتضر، فكان من المفترض أن تكون مخبأة في مكان أكثر أمانًا، أليس كذلك؟
إنه شيء سيرغب الجميع في الحصول عليه.
ضيّقتُ عينيّ وأنا أتأمل الصندوق.
“تذكَّر، هذه فرصتك الأخيرة للنجاة.”
“… لستُ في وضع يسمح لي بالاختيار.”
طَق.
فتحتُ الصندوق دون تردد.
فاندفع من بين الفجوات ضوء مبهر يكاد يُعمي العين. كان بلون أزرق مذهل.
تجهمتُ بسبب السطوع المفاجئ، لكنني لم أستطع إبعاد نظري عنه.
كانت الجوهرة جميلة لدرجة تخطف الأنفاس.
لم أصدق أنه يمكن العثور على مثل هذا الكنز في هذا البرج المهجور.
تمتمتُ بذهول:
“هذا مريب حقًّا.”
كيف عرف الدليل بوجود الجوهرة هنا؟ ثم إنه طلب مني أن أبتلعها؟
ربما كان مجرد وهم، لكنني شعرتُ بأنه لن يكون هناك رجوع بمجرد ابتلاعها.
تحسستُ سطح الجوهرة بحذر.
كان ملمسها باردًا، وشعرتُ بقشعريرة خفيفة تنتقل عبر أصابعي.
رغم أن ذلك لا يمكن أن يكون حقيقيًّا…
“حسنًا، سأبتلعها.”
حسمتُ أمري في لحظة واحدة وأغمضتُ عينيّ بإحكام.
لم يكن هناك فائدة من إضاعة المزيد من الوقت.
غُلْب.
على عكس ما توقعتُ من شعور بالألم، كان ابتلاعها سلسًا للغاية.
تفاجأتُ من ذلك، فوضعتُ يدي على حلقي.
لكن فجأة—
كووونغ—!
“ماذا…؟”
ارتجف قلبي بعنف، واجتاح جسدي إحساس قوي بالسقوط.
تداخل بصري، فأصبحت الرؤية ضبابية ومتراكبة، وتسارعت أنفاسي.
“لماذا… لماذا يحدث هذا…؟”
استندتُ إلى الحائط على عجل لأتمالك نفسي. لم أستطع أن أتصور ما الذي كان يجري. لم يُذكر لي أنني سأعاني من أعراض كهذه.
نبض… نبض… نبض…
كان قلبي ينبض بسرعة إلى حدٍّ يمكنني الإحساس به عبر جلدي. وضعتُ يدي فوق صدري، فشعرتُ بنبض قوي تحت راحة يدي.
حاولتُ استعادة هدوئي بأخذ أنفاس عميقة متكررة، شهيقًا وزفيرًا. وبعد عدة محاولات، بدا أنني بدأتُ أهدأ قليلًا.
بتركيزي على فعل التنفس، لم أدرك أنني لم أعد وحدي في البرج.
“لأن فأرًا صغيرًا قد تسلل إلى هنا، جئتُ لأتحقق من الأمر.”
سمعتُ صوتًا باردًا يتردد خلفي.
تجمدتُ في مكاني بسبب ظهور شخص غريب.
“لقد تجرأتِ على التسلل إلى برجي. لا أعلم كيف تمكنتِ من العثور على هذا المكان، لكن لا بد من الاعتراف بمهارتكِ.”
اقتربتْ خطوات الرجل أكثر فأكثر.
شعرتُ بالقلق، فعضضتُ شفتي بارتباك.
لا بد أن هذا هو سبب شعوري الغريب بالقلق طوال صعودي إلى البرج.
جفّ حلقي تمامًا.
قبل أن أتمكن من التفكير في شيء آخر، أمسك الرجل بذقني ورفعها.
انزلق غطاء رأسي الأسود، فانسدلت خصلات شعري الفضية الوفيرة كالشلال.
رأيتُ تعبير الرجل وهو ينظر إلى وجهي، وارتسمت ابتسامة ملتوية على شفتيه.
وفي الوقت ذاته، صُدمتُ تمامًا عند رؤيته.
(لـ… لماذا هو هنا؟!)
“لم أتخيل أبدًا أن الفأر الصغير سيكون أميرة تيونيات. يا لها من مفاجأة غير متوقعة.”
“را… راهيتريان…!”
“إذًا، أنتِ تعرفينني.”
ارتجف صوتي في نهايته. شعرتُ بأن عقلي أصبح فارغًا تمامًا، وكأن أنفاسي ستنقطع.
هربتُ من أجل البقاء… لكنني وجدتُ نفسي في أزمة أخرى.
راهيتريان إيكارسِن.
كان هذا اسم الرجل الواقف أمامي.
إحدى الشخصيات التي تُعلن بداية القصة الأصلية.
عندما تعرفتُ عليه، لاحظتُ أن تعبيره قد تغير إلى مزيج من الفضول والاهتمام.
بينما كنتُ أفتح وأغلق فمي بلا جدوى، نظر راهيتريان إلى الصندوق الفارغ.
“إذن، يبدو أنكِ قد ابتلعته بالفعل.”
“ه… هل كان هذا ملكك؟”
إذًا، هل هذا يعني أن هذا المكان هو برج السحر؟!
شعرتُ بأن لون وجهي شاحب تمامًا. راقب راهيتريان صدري، حيث كان قلبي لا يزال ينبض بسرعة غير طبيعية. ثم تغيّر تعبيره إلى شيء أكثر غموضًا.
“هل تعلمين ما الذي ابتلعتِه، أيتها الأميرة؟”
“لـ… لا أعلم.”
“بالطبع لا تعلمين. لو كنتِ تعلمين، لما فعلتِ ذلك.”
ضحك بسخرية.
ما الذي كان يقصده؟
ثم تذكرتُ… لم يقل لي مساعدي إنه حجر كريم. بل قال إنه “يشبه” الحجر الكريم.
“أنا في موقف حرج للغاية الآن، أيتها الأميرة. بسببكِ، لقد ابتلعتِ قلبي.”
“… ماذا؟!”
ما الذي يقول…؟!
كنتُ أعلم من القصة الأصلية أن راهيتريان كان يعيش إلى الأبد بجسد بشري… لكن…
(لم يُذكر أبدًا أنه كان يحتفظ بقلبه خارج جسده!)
الآن فهمتُ لماذا، رغم الإصابات القاتلة التي كان يعاني منها، لم يمت أبدًا.
نظر إليّ راهيتريان ببرود. من بين خصلات شعره السوداء الطويلة، لمحتُ الحلقة الدموية التي تستخدم للتحكم في قوته السحرية.
حاولتُ أن أبتسم، رغم أنني كنتُ بالكاد أستطيع التحكم في تعابير وجهي.
“أعلم… أعلم أنني وضعتك في موقف صعب للغاية…”
“……”
“ماذا… ماذا يجب أن أفعل؟”
امتلأت عيناي بالدموع. لم أكن أعرف كيف يمكنني تهدئته، لكنني انتظرتُ إجابته بيأس.
لكنه لم يقل شيئًا. فقط حدّق بي بعيون باردة جعلتني أشعر وكأنني متجمدة في مكاني.
أردتُ فقط أن أعض لساني وأفقد الوعي.
بينما كنتُ أنتظر جوابه بقلق، عقد حاجبيه فجأة.
“أيتها الأميرة.”
“نعم! نـ… نعم؟!”
وقفتُ منتصبة بتوتر شديد، ولم أجرؤ على النظر إليه مباشرة.
ثم، فجأة، انحنى نحوي.
حبستُ أنفاسي. رأيتُ وميضًا من اللون البنفسجي، فأغلقتُ عينيَّ تلقائيًا.
“هذه… آثار جانبية لم أتوقعها.”
“مـ… ماذا؟!”
“في الواقع، قد يكون هذا أفضل.”
تمتم بكلمات غامضة.
كنتُ أشعر بنظراته عن قرب شديد، فتراجعتُ قليلًا إلى الوراء. ومع ذلك، كنتُ خائفة من أنه قد يغرس يده في صدري لاستعادة قلبه في أي لحظة.
“لقد سمعتِ الآن مدى أهمية الشيء الذي ابتلعتِه، صحيح؟”
“نـ… نعم.”
بدا وكأنه يحاول تمهيد الأمور قبل أن يقتلني.
أدركتُ أنني لا أملك أي وسيلة للدفاع عن نفسي. لم يكن لدي ما أقوله.
لكنني شعرتُ بمرارة الظلم.
كل ما أردتُه هو البقاء على قيد الحياة.
(إن لم تكن أرنبًا، فلماذا تحتفظ بقلبك خارج جسدك؟ لو كان بهذه الأهمية، فلتحتفظ به داخل صدرك!)
امتلأت عيناي بالدموع. بالطبع، لم أجرؤ على قول ذلك بصوت عالٍ.
ثم سمعتُ ضحكته.
شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، فتقلصتُ في مكاني، متجمدة بالكامل.
“أرجوك… أنقذني…”
“كيف لي أن أؤذي حفيدة تيونيا؟”
“إذًا…؟”
هل هذا يعني أنه سيسامحني؟!
“ذاك” راهيتريان إيكارسن، المعروف بعدم رحمته؟! هل يمكن أن يكون رحيمًا معي؟!
حدّقتُ به بعينين متسعتين، وكأنني أتمسك بأمل ضعيف.
لكن في اللحظة التالية، أمسك يدي وسحبها نحوه، ثم همس بصوت منخفض في أذني:
“من الآن فصاعدًا، عليكِ أن تأتي معي، أيتها الأميرة.”
في تلك اللحظة، بدأ وهج مشع ينبعث من الأرض، حيث لم أكن أعلم بوجود دائرة سحرية من قبل.
… لشرح كيف وجدتُ نفسي في هذا الموقف، علينا العودة قليلًا إلى الماضي.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة