1
نظرَ بالدوين إلى المرأة التي تحدّق به بعينين ضيّقتين كعيون القطّة.
بشكل مفاجئ، لم يشعر أنّ نظراتها تلكَ وقحة على الإطلاق.
حرّكت المرأة شفتيها بحذر.
كان واضحًا أنّها تبذل جهدًا لتشكيل الكلمات بدقّة.
إنّها تحترم أنّه لا يسمع.
“هل فكّرتَ في عرضي؟”
فتح بالدوين دفترًا و كتبَ بخطّ أنيق:
[قبل ذلك، أودّ أن أسأل شيئًا. هل تعرفين الشائعات التي تدور حولي؟]
فكّرت أنايس قليلًا.
شائعات عن بالدوين؟
أنّه أصـمّ، هـذه حقيقة.
أمّا غير ذلك…
قالت أنايس بحرج:
“هل تقصد الشائعة التي تقول بأنّ الدوق الأكبر لا يستطيع إنجاب الأطفال؟”
كان اختيارها للكلمات الأكثر أدبًا واضحًا، رغمَ كلّ الشائعات الرخيصة التي تدور حوله.
ابتسم بالدوين بسلاسة، و كتبَ بخطّه الأنيق:
[هذا أيضًا مشمول.]
“أمم… لا توجد شائعات أخرى تُذكـر حقًّا.”
تمتمت أنايس بصوتٍ خافت.
لم تكـن تريد أن يسمعها بالدوين.
انتفضت من كلامها التلقائي، فعضّت شفتها قليلًا.
كأنّها آسفة لأنّها تكلّمت أمام شخص لا يسمع.
أضاف بالدوين تقييمًا آخر لأنايس.
كانت عقلانيّة و نبيلة.
لا تهزّها الشائعات الزائفة.
بالطبع، كانت أنايس تعرف الشائعات التي تدور عن بالدوين.
يقال إنّـه يحـبّ الرجال.
و يحيـط نفسه بالرجال فقط.
و هناك نوع آخر من الشائعات.
يقال إنّـه عاجز ، لهذا يستمتع بمشاهدة الآخرين.
معظمها شائعات غير مثبتة.
“سأقول رأيي أوّلًا. لا تهمّني أيّ شائعة، يا صاحب السموّ الدّوق. عرضي ليس ‘زواجًا’ حقيقيا. إنّـه ‘صفقة تجاريّة’ واضحة.”
كلماتها تتساقط بوضوح.
الطعام على الطاولة يبرد تدريجيًّا، لكنّ أبطال المشهد لم يكترثوا.
كانت أنايس تنظر فقط إلى أطراف أصابعه، و بالدوين ينظر فقط إلى شفتيها.
شفتها السفليّة كانت تلفت الانتباه.
و كذلك شفتاها اللتان ترسمان قلبًا عندما تبتسم.
رأى شفاه الكثيرين بسببِ عادته، لكنّ شفاهًا كتلك كانت نادرة.
“أعتقد أنّك تعرف وضعي الحاليّ، يا صاحب السموّ.
زوجي السابق، و كل الأشخاص الذين من حولي من كلّ نوع، يطالبون بالزواج منّي. حتّى محاميّ أوصى بالزواج كوسيلة دفاع إن أمكـن.”
قالت أنايس بحزن:
“مهما تغيّر المجتمع، لا تزال الطبقة مهمّـة.”
هنا تذكّر أنّ أنايس ابنة بارون.
كانت أناقتها تفوق ما يليق بطبقةٍ نبيلة منخفضة، فنسي الأمر مؤقّتًا.
“أحتاج أيضًا إلى مَـنْ يوقف طغيان الماركيز إيغبرت غراهام. و لقب ‘الزوج’ سيكون مفيدًا جدًّا لهذا الغرض.”
هل تعتبر الزوج مجرّد درع؟
كان نهجًا جديدًا.
حرّك بالدوين يـده.
[لقد فهمتُ ما ستكسبينه. لكن ماذا سأكسب أنا من هذا الزواج؟]
“درعًا يحميكَ من فضائحكَ.”
لمعت عينا أنايس.
“و هل هناك في العاصمة مَنٔ يملك ثروة كثروتي؟ الذراع تنحني دائمًا نحو الداخل. ألن تنحني نحو الزوج؟”
أنايس الملقبة بعملة الذهب في عالم المال، راهنت بنفسها.
كان عرضًا مثيرًا للاهتمام بالتأكيد لبالدوين.
“أعددتُ كلّ شيء، يا صاحب السموّ. كلّ ما عليكَ هو التوقيع هنا.”
رمشت أنايس بعينيها القططيّتين و أضافت:
“لا أستطيع أن أعـدكَ بالسعادة، لكنّي أستطيع أن أعـدكَ بالحماية على الأقل.”
كان عرضًا صريحًا و نظيفًا، يناسب ذوق بالدوين تمامًا.
* * *
منذُ 6 أشهر.
ملأ صوت حادّ الطاولة الرتيبة.
“آه، لقد شبعت حقًّا. إيغبرت، انظـر. السيدة الماركيزة لا تعرف قيمة الأشياء الثمينة. تأكل ببطء أمام طعام لذيذ كهذا. هل فمهـا راقٍ جدًّا؟”
ليس لأنّ فمـي راقٍ، بل لأنّ شهيّتي مفقودة.
حملتُ سلطة البطاطس الناضجة بهدوء.
يبدو أنّ الطباخ بذل جهدًا لتناسب ذوقي، كانت ناعمة جدًّا.
ربّما سأتمكّن من ابتلاعها.
لكن هل يعقل أن أتناول الطعام في مثل هذا الوضع؟
كنت أعلم أنّ هناك سببًا لدعوتي رغمَ رغبتي في الأكل وحدها.
صوت صوفيا العالي كان يخترق أذنيّ.
لو كنتِ مكاني، هل كنتِ ستأكلين أمام عشيقة زوجكِ؟
أردتُ أن أقول ذلك.
الزوج ، العشيقة ، الطفل غير الشرعي ، و أخيرًا أنا.
هل يمكن تخيّل تناول فطور أمام هذا التركيب المجنون؟
هذه الحياة السخيفة مستمرّة منذُ 3 سنوات كاملة.
أليس هذا سخيفًا؟
زوجي إيغبرت لا يقاوم النساء.
ومع ذلك، لم يدخل غرفة نومي مرّة واحدة احتجاجًا على جـدّه.
كان يمتلك إرادة قويّة.
‘مملّة و غير ممتعة. جدّي اختار شخصًا مثله تمامًا.’
‘امرأة مثلكِ ستكون مملّة في الفراش أيضًا. أنـتِ تشبهين الصخرة. لهذا لا أحـد يحبّـكِ، أنايس.’
‘مجرّد ابنـة بارون . ماذا فعلتِ لجدّي حتى أصبحتِ ماركيزة؟ هل قمـتِ بإغواء ذلكَ العجوز؟’
كان يقول كلامًا لا يجوز بلا خجل.
بعد 3 سنوات من التعوّد ، أصبحتُ أتجاهل مثل هذه الكلمات.
“السيدة الماركيزة لا تعرف كيف توفّـر. تسك. إيغبرت، أنا سأكون سعيدة جدًّا لو أكلت هذا يوميًّا.”
ضحك إيغبرت بعينين متدلّيتين و هو يوافق عشيقته في كلامها.
ما الذي فعله بالأمس حتى يبدو هكذا؟
هذا الرجل سيموت من تصرّفاته بالتأكيد.
فقدتُ شهيّتي أكثر و أنا أتخيّل مظهره البشـع.
رميتُ الملعقة، فقال إيغبرت:
“سمعتِ، يا أنايس؟ هي تقول ذلك. عليكِ أن تأكلي بوجه أجمل. أنا أشعر بالغضب كلّما رأيت وجهكِ هذا.”
تمتم إيغبرت بصوتٍ غير واضح.
هل تظنّني أتيتُ إلى هنا برغبتي؟
لو لم تقتحم تلكَ المرأة غرفة نومي من دون خجل منذُ الصباح و هي تصرخ، لما جئـتُ.
“لماذا أنتِ صامتة اليوم؟”
ضيّق إيغبرت عينيه و ضحكَ ببطء.
“هل استسلمتِ أخيرًا؟ جيّـد، هكذا يجب أن يكون الأمر. على الزوجة أن تطيع زوجها!”
لم أعـد أتحمّل.
نهضتُ ببطء من المقعد.
رفعَ كريس، الذي كان يأكل برأس منخفض ، رأسه فجأة.
و قال الصبيّ البالغ 8 سنوات بضيق:
“ماذا تفعلين، يا عمّـة! سيتساقط الطعام على ملابسي! هل تعرفين كم ثمن هذا؟”
شخصيّته تمامًا كوالديه.
ضربتُ الطاولة بقوّة و نهضتُ تمامًا.
“سأغادر الآن. لديّ الكثير من الأعمال اليوم.”
تجاهلتُ صراخهم من الخلف و غادرتُ غرفة الطعام.
تبعني رئيس الخدم و رئيسة الخادمات بوجوه حزينة، لكنّي لم أعـد أريد مواجهة أحد.
اليوم أكملت 3 سنوات، 3 سنوات كاملة.
اشترط الماركيز الراحل غراهام 3 سنوات من الزواج.
‘بعد ذلك، يمكنكِ أن تفعلي ما تشائين. إن حصلتِ على الطّلاق بعد 3 سنوات، سأعطيكِ كلّ ما وعدتُكِ بـه.’
وداعًا لهؤلاء الأوغاد.
عـدتُ إلى غرفة النوم و أخرجتُ ما خبّأته في أعماق خالزانة.
[اتفاقية طلاق بالتراضي]
احتفظتُ بها في قلبي كاستقالة لي طوال 3 سنوات.
الأمر المذهل أنّه مهما كانت البداية بالنّسبة لإيغبرت ، إلا أنٌها كانت حبًّـا بالنّسبة لي.
‘هل تعلمين، أنايس؟ إذا تزوّجنا، سنبني عائلة سعيدة حقًّا. أنا أضمن لكِ ذلك.’
التعليقات لهذا الفصل " 1"