2
الفصل 2
“لا، هذا، هذه غلطة!”
أبعدتُ يدي عن صدره أولًا. عضَّ فريدريش شفتيه ونظّم شقّ رداء النوم المُتفتّح.
لِمَ هو بهذه الهيئة، ولِمَ هو هنا في الأصل بدلًا من أن يكون في السجن؟ سألتُ بذهول:
“ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
عضَّ فريدريش شفتيه دون إجابة وخفض رأسه.
جميل أن يكون بهذه العفوية، لكنه مُزعج. عقدتُ حاجبيَّ وحثثتُه:
“مَن الذي أحضرك إلى هنا؟”
رفع فريدريش رأسه ونظر إليَّ مباشرة.
حتى عينا البطل جميلتان. لكن النظرة التي رماني بها لم تكن وديعة.
“ألم تأمري بذلك، يا صاحبة السُموّ؟”
يا له من صوت جميل… كأنّه مؤدّي صوت. لا، بل الأهمّ من ذلك:
“أنا؟”
لم أسمع بهذا أبدًا. هززتُ رأسي بوجهٍ حائر.
“ماذا تقول؟ أنا لم أفعل شيئًا سوى النوم منذ أن أتيتُ إلى هنا.”
“بما أن الأميرة أمرت، فلا بد أن الخادمات أحضرنني إلى هنا.”
“… خادماتي؟”
عندها فقط تذكّرتُ ما قالته إلزا قبل أن أنام.
— إذًا سأجهّز لكِ نومةً هادئة ومُريحة هذه المرة.
لا، هل كانت تعني أنها ستُجهّز لي الزوج المُحتمل ليقضي الليل معي؟!
‘لا عجب أنه كان ينظر إليَّ كقطٍّ أشعث الفراء.’
بطبيعة الحال، يعتقد الناس أنني أحضرتُ فريدريش لاستعباده في شتّى الأمور.
وهذا الرجل يظنّ الشيء نفسه بلا شك.
“إذا كُنتِ تنوين إذلالي…”
في تلك اللحظة، تحدّث فريدريش بتعبيرٍ حزين:
“فمن الأفضل أن تيأسي. سأعضُّ على لساني هنا…”
“مهلًا، لحظة. اهدأ. لم أفعل شيئًا بعد.”
مددتُ يدي سريعًا لأمنعه، ثم تذكّرتُ ما فعلتُه مُنذ قليل، فأضفتُ مُحرجة:
“ما حدث قبل قليل كان خطأ مني وأنا نائمة. لم أكن أعلم حتى أن هناك شخصًا بجواري.”
“…”
“أعتذر عن سحبك فجأة. خادمتي تتمتّع بحسٍّ عالٍ وتقوم بأشياء دون أن تُطلب منها.”
اهتزَّت عينا فريدريش البنفسجيتان قليلًا، ربما لكونه لم يتوقّع الاعتذار.
“ربما ظنّت أنني سأحتاجك الليلة، لكنني لا أُفكر بفعل أي شيء مع طفل.”
ارتعشت حواجِب فريدريش عندما قلتُ ذلك ببرود.
هل انزعج؟ لكنها الحقيقة.
لم أكترث، وأشرتُ بإصبعي فوق كتفه.
بدا وكأنه لم يفهم ما أعنيه، لكنه سرعان ما اكتشف كوب الماء وناولني إياه.
يا لها من أصابع طويلة ونحيلة! أعتقد أنها أجمل من يديَّ.
أنهيتُ كوب الماء وأعدتُه إليه، وقلتُ:
“لذا، يمكنك أن تنام بسلام. أليس هذا المكان أكثر راحة للنوم من السجن؟”
“…..”
“عليك أن تدّخر قواك لرحلتنا الطويلة التي سنبدؤها غدًا.”
بعد أن أنهيتُ كلامي، استدرتُ وأعطيتُ فريدريش ظهري لأنام. ولكن مهما مرَّ الوقت، لم أشعر بأي حركة خلفي.
انتظرتُ فريدريش ليضطجع، حتى غفوت. وعندما استيقظتُ مرة أخرى، لم يكن هناك أحدٌ خلفي.
تثاءبتُ ونهضتُ. نظرتُ إلى الساعة، وكانت قد تجاوزت مُنتصف الليل بقليل.
“ربما الآن هو الوقت المثالي للهرب.”
هل يجب أن أذهب للبحث عنه؟ نهضتُ بهدوء وخرجتُ.
‘هناك مكان واحد فقط يمكنه الهرب إليه.’
كوني أعلم كل شيء عن طريقة تفكير فريدريش، اتجهتُ إلى حديقة القصر المهجورة.
تجولّتُ في المكان لعدة أيام واكتشفتُ فتحة صغيرة في أحد الجدران، بالكاد تكفي لمرور طفل.
انتظرتُ بهدوء خارج الفتحة، فسمعتُ أنينًا، ثم خرج رأسُ طفل فجأة.
كان طفلًا بعمر العاشرة تقريبًا، بشعرٍ أسود طويل وعينين بنفسجيتين. ابتسمتُ على نطاق واسع عندما وجدتُ من كنتُ أنتظره ورحّبتُ به:
“مرحبًا!”
بدا الطفل في حالة صدمة، وحاول العودة سريعًا إلى المكان الذي أتى منه.
ليس بهذه السهولة. ابتسمتُ وأمسكتُ بكتف الطفل وساعدتُه على الخروج.
تَمَلْمَلَ الطفل وكأنه يقاوم، لكنني أمسكتُ بكتفه ببراعة وسحبتُه خارجًا.
“هل أنت بخير؟ هل تأذَّيت؟”
سألتُ بصوتٍ حنون جدًا، فنظر إليَّ الطفل بتعبير مشوَّش ونظرة حادّة.
حدَّقتُ فيه للحظة، ثم تكلّمتُ بجدية:
“فريدريش كيل.”
عندما ناديتُ على اسم الطفل، ظهرت على وجهه صدمة لا بأس بها، رغم أنه لا بد قد خمّن الأمر.
“ماذا سيحدث إذا عُلم أنك، أمير المملكة الساقطة، حاولتَ الهرب وتم الإمساك بك؟ وقبل ذلك، ماذا سيحدث إذا عُلم أنك مُصابٌ بسحر يجعلك تتحوّل إلى طفل بمجرد أن يحلّ مُنتصف الليل؟”
شحب وجه فريدريش. سادته نظرة تسأل كيف عرفتُ، فشجتُ كتفيَّ وفسّرتُ له:
“أنا ساحرة يا سمو الأمير. هل تظن أنني لا أستطيع اكتشاف السحر الذي أُلقي عليك؟”
“لَعنة…”
لفظ الكلمة بصعوبة.
“إنها ليست سحرًا، بل لعنة.”
حسنًا، من وجهة نظر فريدريش، قد يشعر أنها كذلك.
فقد ذكرت الرواية الأصلية أن هذه اللعنة جعلته يُوصف بـ ‘الأمير الوحش’ ويُعامَل معاملة سيئة في مملكة كيل.
‘لم يخفوه لأنه وسيم، كما ظنَّ الجميع، بل لسبب آخر.’
قيل إن هذا بدأ منذ عيد ميلاده الخامس عشر، فكم عانى خلال السنوات الخمس الماضية؟
قبل ذلك، كان الأمير الأصغر والمُدلّل لمملكة كيل، لذلك لا بد أن تحوُّل مواقف الناس القاسي قد آلمه أكثر.
عندما أفكر في الأمر، أشعر بالشَفَقة…
“ما هذا الذي تفعله!”
في تلك اللحظة، سال دم أحمر من فم فريدريش. أسرعتُ وأمسكتُ به وفتحتُ فمه.
كان اللسان الذي عَضَّ عليه ينزف. نظر إليَّ فريدريش بعينين مليئتين بالاستياء.
“دعيني وشأني.”
“تُصَدِّق؟ هل تريدني أن أقف وأشاهدك تموت؟”
قال فريدريش بهدوء: “أنا ميتٌ على أي حال.”
“إذا افتضح أمر محاولتي للهرب وأمر اللعنة البشعة التي أُصِبتُ بها… فسأُتهم بأنني شيطان ومن الصعب أن أفلت من الحرق. لذلك، قبل ذلك…”
“مَن قال إنني سأدعك تموت؟”
قاطعتُ كلامه، فنظر إليَّ فريدريش في حيرة.
تذكّرتُ كلماتي السابقة، ففسّرتُ له بارتباك:
“كانت تلك مجرّد محاولة لترهيبك.”
لعلها كانت مُحاولة لفرض سلطتي.
“لقد قلتُ لك، لقد اخترتُك زوجًا لي.”
عبثتُ بشعر الطفل بِقوّة وقلتُ:
“ما رأيته اليوم، لن أخبر به أحدًا.”
أصبح تعبير فريدريش أكثر حيرة بعد سماع كلماتي.
“… لماذا؟”
“أليس هذا بديهيًا؟ قتلُك لن يجلب لي أي فائدة.”
“هناك ما يكفي من الرجال ليكونوا أزواجًا لكِ غيري.”
“لن تجد من هو أجمل منك بينهم.”
تجمد تعبير فريدريش عندما أجبتُ بصدق.
هل يظنّها مُزحة؟ إنها حقيقة. أنت أجمل رجل في هذا العالم حتى في القصة الأصلية.
ابتسمتُ ساخرة، ومزَّقتُ جزءًا صغيرًا من كُمّ ثوبي ولَففتُه ككرة.
“لذا، افتح فمك بسرعة. إذا لم يتوقّف النزيف، فسوف تموت حقًا.”
لحسن الحظ، يبدو أن عضَّه كان خفيفًا ولن يُشكل خطرًا على حياته.
تردّد فريدريش قليلًا ثم فتح شفتيه قليلًا، فدفعتُ قطعة القماش إلى الداخل.
“هل ظننتَ أنني سأستخدم سحر الشفاء بمجرد أن تعضّ على لسانك أمامي؟”
عندما سألتُه وكأنني أعرف كل شيء، نظر إليَّ فريدريش بنظرة ذهول.
تمتم بشفتيه وكأنه يريد قول شيء ما، لكن القماش سدَّ فمه، ولم يُسمَع منه سوى همهمة.
“أنا آسفة، لكنني لستُ ماهرة في هذا النوع من السحر. لا أستطيع حماية سوى نفسي، لذا لا تقم بأي حركات حمقاء.”
“أُم، أُم!”
“حسنًا، اهدأ ولنذهب.”
تجاهلتُ محاولة فريدريش للمجادلة ومددتُ يدي.
قاوم فريدريش ورفض الإمساك بيدي وعيناه مُتوتّرتان.
“يا طفلي الصغير، عليك أن تسمع كلام الكبار، أليس كذلك؟”
ابتسمتُ وأمسكتُ بيد فريدريش بالقوة. حاول تحريك يده بعنف ليسحبها، لكن:
هذا مستحيل. مهما أصبح سَيِّدًا للسيف لاحقًا، فهو مجرّد طفل الآن. لن يتمكّن من هزيمة امرأة بالغة.
بعد عدة محاولات للمقاومة، استسلم فريدريش وأصبح مطيعًا في يدي. كان يُحرّك أصابعه من حين لآخر، وكأنه يشعر بدغدغة.
لقد كان لطيفًا حقًا، إذ بدا كطفلٍ غاضب.
التعليقات لهذا الفصل " 2"