غرقت إيلين في حلم يعود بها إلى أيام طفولتها البعيدة. كانت ترتدي النظارات التي أعطتها إياها والدتها، وتسريحة شعرها الأمامية تغطي جبهتها، تخفي ملامحها كما لو كانت تحاول إخفاء نفسها عن العالم. كان ذلك اليوم هو المرة الأولى التي رأت فيها الأمير بعد أن أنقذها من عملية اختطاف مرعبة. كانت مشاعرها مختلطة، مزيجاً من الفرح العارم لرؤيته والخجل العميق الذي زرعته كلمات والدتها القاسية في قلبها الصغير.
كانت والدتها تصرخ بهستيريا، كأنها وحش ينهش فريسته: “بسببكِ…! كيف تجرؤين على جعل الأمير يعاني من هذا العار؟!”.
كانت عينا والدتها تلمعان بنوع من الجنون، وهي تضرب إيلين بعنف. رغم الألم الجسدي، كانت إيلين تبكي وتتوسل المغفرة، لكن قلبها كان مشغولاً بالقلق على الأمير. كانت طفلة صغيرة لا تفهم تفاصيل ما حدث، لكنها أدركت أن الأمير عانى من شيء ما بسبب إنقاذها. كلمات “بسببكِ” استقرت في قلبها كخنجر لا يُزال، يذكرها بأنها ليست سوى عبء على من أحبته.
في تلك اللحظات، شعرت إيلين أنها لا تستحق حب الأمير، ذلك الكائن الملائكي الذي أنقذها. كانت ترى نفسها مجرد عائق، كتلة من القذارة تعيق طريقه النقي. كانت قد اعتادت على الفرح بحبه اللا مشروط، لكن تلك الكلمات القاسية من والدتها كانت بمثابة دلو ماء بارد أيقظها من أحلامها الطفولية. خجلت من نفسها، من براءتها التي جعلتها تفرح بإنقاذه دون أن تدرك الثمن. لذلك، ارتدت النظارات التي أعطتها إياها والدتها، وأنزلت شعرها ليغطي وجهها، كأنها تريد أن تختفي. كانت تكره حتى النظر إلى المرآة، فشعرت أن إخفاء وجهها هو الحل الأمثل.
بعد أسابيع من الحادثة، وصلت رسالة من الأمير يطلب فيها رؤيتها. توجهت إيلين إلى القصر الإمبراطوري، قلبها يخفق بين الخوف والتوقع. كان الأمير، كعادته، يتألق كالشمس، مشعاً بنور لا يمكن مقاومته. وقفت إيلين أمامه، تنظر إليه كأنه إله لا يمكن الاقتراب منه، وهي تخفي عينيها خلف نظارتها وشعرها. بصوت مرتجف، قالت:”شكراً لأنك أنقذتني.”
كانت هذه الكلمات متأخرة، تحمل اعتذاراً عن تقصيرها في السابق. عندما تتذكر الآن، تشعر بالخجل من جرأتها حين سألته لماذا جاء لإنقاذها، بدلاً من شكره على الفور. لكن الأمير، كعادته، كان رقيقاً ولطيفاً. لم يظهر أي علامة للغضب أو اللوم، رغم أنها كانت متأكدة، بناءً على كلام والدتها، أنه عانى بسببها.
جلس على ركبتيه ليصبح في مستوى عينيها، لأنها كانت تنظر إلى الأرض، غير قادرة على رفع رأسها. ثم، في لحظة مفاجئة، ضحك بخفة ومد يده ليرفع شعرها الأمامي عن وجهها. فتحت إيلين عينيها بدهشة، وهي ترى العالم يضيء أمامها فجأة. كانت عيناها المليئتان بالدموع ترتجفان، لكنه ابتسم لها بهدوء، كأنه يرى فيها شيئاً جميلاً، رغم شعورها بأن عينيها مقززتان. في تلك اللحظة، أدركت إيلين أن الأمير، على الأقل، سيراها دائماً بجمالها الحقيقي، مهما كانت نظرتها لنفسها.
“الأمير…”.
متمتمة بلقبه القديم، فتحت إيلين عينيها ببطء، عائدة من عالم الأحلام إلى الواقع. كانت الحدود بين الحلم واليقظة لا تزال ضبابية، مما جعل رأسها يدور قليلاً. نظرت إلى السقف المألوف لغرفة النوم في الطابق الثاني من المنزل الطوبي، مما زاد من شعورها بالارتباك.
بعد لحظات، بدأت تستعيد وعيها بالواقع. تذكرت أنها جاءت إلى المنزل الطوبي، حيث قضت ليلة عاطفية مع سيزار. كانت لحظات تقاسمهما الدفء والتأكيد على حبهما محفورة بعمق في جسدها وروحها. نهضت من الفراش ونظرت إلى جانبها، لتجد المكان مرتباً بعناية، وعليه وردة زنبق بيضاء واحدة. ابتسمت دون وعي، وهي تشعر بقلب سيزار في تلك الوردة البسيطة التي تركها لها.
أمسكت بالوردة، استنشقت عطرها الرقيق، وفكرت في سيزار. كانت تتمنى لو استيقظا معاً هذا الصباح، لكنها شعرت بالرضا لأنها تعلم أنه يشاركها نفس الأسى لفراقهما المؤقت. غطت ذكريات الأمس الواقعية على أحلامها القديمة، مضيفة طبقة جديدة من الدفء إلى قلبها.
لمست قدماها العاريتان السجاد الناعم بجانب الفراش، ففركتهما بلطف للحظات قبل أن تبحث عن حذائها الداخلي. ارتدته و بدأت تستعد للخروج ببطء، وهي تفكر في خططها لهذا اليوم. لقد قضت وقتاً أطول مما توقعت في المنزل الطوبي، وكان عليها العودة إلى قصر الدوق الأكبر بسرعة. لكن قبل ذلك، كان هناك مكان عليها زيارته، مكان خططت للذهاب إليه منذ لحظة قررت القدوم إلى هنا.
شعرت إيلين بخفة في جسدها وهي ترتدي ملابسها. كان جسدها الخالد يحافظ على حالة مثالية دائمة، وهو ما يعتبر ميزة كبيرة. لكن كباحثة، كان هذا الثبات عيباً كبيراً. لن تستطيع إجراء تجارب على نفسها بعد الآن، وهو أمر أثار قلقها. فكرت في أن الاعتماد على الآخرين في أبحاثها سيكون محدوداً، مما جعلها تغوص في التفكير وهي تكمل استعداداتها.
نزلت إلى الطابق الأول، حيث وجدت دييغو وأليسيا يجلسان على طاولة المطبخ، يحتسيان القهوة. كانت أليسيا، حارستها الشخصية، موجودة كما هو متوقع، لكن وجود دييغو فاجأها. كان يرتدي ملابس عادية بدلاً من زيه العسكري، مما زاد من دهشتها. كشفت ذراعه المكشوفة عن وشم بارز، بينما كان يعبث بالأقراط المصطفة على أذنه.
نهض دييغو من كرسيه ليستقبلها، وقال بابتسامة مرحة:”صباح الخير، هل استيقظتِ؟”
بدت نبرته وكأنه يعرف دهشتها، فأضاف مازحاً: “اليوم أيضاً، تغلبت على المنافسة الشرسة لأكون هنا!”.
ضحكت إيلين بخفة، كأنها تتنفس زفرة صغيرة. كان دييغو يتباهى بفوزه في قرعة مع الفرسان الآخرين لمرافقتها. لكنها عرفت السبب الحقيقي لوجوده. لقد جاء لأنه يعلم إلى أين ستذهب اليوم.
أنهت أليسيا قهوتها دفعة واحدة واقتربت من إيلين. وقفت إلى جانب دييغو، ولاحظت إيلين أن الاثنين يشبهان بعضهما إلى حد ما، كأنهما قطتان متوحشتان من عائلة السنوريات. كانت حركاتهما الرشيقة ونظراتهما الحادة تذكرانها بالحيوانات المفترسة الأنيقة.
صعدت إيلين إلى السيارة العسكرية برفقة “الوحشين”، حيث جلست أليسيا خلف المقود ودييغو في المقعد الأمامي. التفتا إليها في انتظار وجهتها، فقالت بهدوء: “إلى المقبرة.”
مرّت ظلال من التعقيد على وجه دييغو، لكنه لم يعلق سوى بسؤال قصير: “هل تريدين التوقف عند محل الزهور أولاً؟”
بمساعدة دييغو، اشترت إيلين باقة كبيرة من زهور الزنبق البيضاء. بعد ذلك، التزم دييغو الصمت، وهي بدورها لم تتحدث كثيراً، بل ظلت تنظر من النافذة، غارقة في أفكارها. عندما توقفت السيارة، نزل دييغو وأليسيا أولاً. رافقت أليسيا إيلين وهي تنزل من السيارة، بينما تابع دييغو شيئاً بنظره. تبعت إيلين نظرته، فرأت صفاً من شواهد القبور تمتد أمامها، لكن شاهدة واحدة برزت بوضوح: قبر والدتها.
لم تتحدث إيلين، بل تقدمت بخطوات بطيئة. كان دييغو ينظر إلى القبر للحظات، ثم التفت إليها وقال بهدوء:”سأنتظر بعيداً.”
تراجع إلى السيارة العسكرية، حيث تبادل بضع كلمات مع أليسيا قبل أن يبتعد، ربما ليدخن سيجارة أو يتفقد المكان. بقيت إيلين وحيدة أمام قبر والدتها. كانت نادراً ما تزور هذا المكان، إلا في ذكرى وفاتها، لأن الذكريات التي ترافقه لم تكن سعيدة دائماً. ضمت باقة الزنابق إلى صدرها بقوة أكبر، وهي تشعر بثقل الماضي.
– “ليلي…”.
كأن صوت والدتها يتردد في أذنيها، خاصة بعد الحلم الذي رأته هذا الصباح. كان صوتاً كانت تسمع فيه الفرح عندما كانت والدتها في مزاج جيد، كنغمة طائر يغرد. لكن اليوم، بدا الصوت أكثر وضوحاً، كأنه حقيقي.
وضعت إيلين باقة الزنابق على الشاهدة، ثم وقفت صامتة لبعض الوقت. كانت دائماً تبكي عند زيارتها لهذا المكان، تطاردها أصوات والدتها وذكريات العقاب القاسي. لكن اليوم، بشكل غريب، لم تذرف دمعة واحدة. نظرت إلى اسم “إلرود” المنقوش على الحجر، ثم فتحت فمها: “أمي…”
لم يرد عليها سوى الرياح، التي حملت معها عطر الزهور الموضوعة على القبور الأخرى. تلامست بتلة وردية شاحبة مع خدها للحظة قبل أن تسقط. شعرت إيلين بلمسة البتلة، ثم همست للروح التي رحلت: “لقد أنهيت علاقتي بأبي… وببارون إلرود.”
كانت كلماتها تحمل قراراً نهائياً، كأنها تودع جزءاً من ماضيها أمام ذلك القبر. وقفت هناك، تشعر بثقل الذكريات وخفة الحرية في آن واحد، وهي تعلم أنها اتخذت الخطوة الأولى نحو حياة جديدة.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 202"