على الرغم من أن المشهد كان مجرد وهم، لم يستطع سيزار أن يترك إيلين تواجه مصيرها تحت شفرة المقصلة. اندفع نحوها، نادى باسمها كزوجته بصوتٍ يرتجف من العاطفة، وألقى عباءته القرمزية الفاخرة على كتفيها العاريتين، تلك العباءة التي كان يرتديها فقط القائد الأعلى للجيش الإمبراطوري في مواكب النصر، مزينة بالتطريز الذهبي الذي يعكس ضوء الشمس كرمزٍ لمجده.
كانت العباءة ثقيلة، تحمل رائحة الماضي العظيم، لكنها بدت كدرعٍ يحيط بإيلين الوهمية لحمايتها من العالم القاسي. نظرت إليه إيلين الوهمية، وجهها شاحب كالثلج، عيناها تلمعان بعبادةٍ مطلقة، كأنه إلهٌ هبط من السماء لإنقاذها من الموت.
كانت إيلين الحقيقية، التي تراقب من بعيد كشبحٍ غير مرئي، تستطيع قراءة أفكار نسختها الوهمية بوضوح تام. كانت تعتقد: “كنت أعلم أن سيزار سيأتي لإنقاذي.” حتى وهي تُساق إلى المقصلة، وسط صيحات الحشد الغاضب، كان هناك جزءٌ في قلبها يتشبث بالأمل، يؤمن أن سيزار سيظهر، على الرغم من علمها أن هذا الأمل قد يكون واهياً. لكن كيف يمكن لقلبها أن يتوقف عن الأمل؟ فقد كان سيزار دائماً هو من ينقذها من الظلام.
تذكرت إيلين كلماته القديمة، عندما عادت إلى قصر الدوق الأكبر بعد اختطافها. كانت قد سألته بنبرةٍ مليئة بالثقة: “ألست دائماً من يحميني؟” فأجاب بنبرةٍ مريرة، تحمل ظلال الأسى: “لم أستطع حمايتك مرة واحدة.”
الآن، وهي ترى هذا المشهد، أدركت أن تلك اللحظة التي فشل فيها بحمايتها كانت تتكرر أمام عينيها. سيزار، الرجل ذو العقل البارد والمنطق الحاد، لم يستطع أن يدير ظهره لهذا الوهم. اختار الحلم على الواقع، ضحى بكل شيء ليمنحها الحياة، حتى لو كانت مجرد شبحٍ في عالمٍ زائف.
بدأت إيلين الوهمية تبكي، دموعها تتساقط كاللؤلؤ، تعترف بصوتٍ مختنق أنها كانت تعتقد دائماً أنه سيأتي لإنقاذها. عانقها سيزار بقوة، كأنه يحاول حمايتها من كل ألم العالم.
في تلك اللحظة، بدا سعيداً، عيناه الحمراوان تلمعان بنورٍ لم تره إيلين من قبل، كأنه وجد أخيراً السلام الذي طالما بحث عنه. شعرت إيلين الحقيقية بألمٍ يعتصر قلبها. كيف يمكن أن يكون سعيداً في وهمٍ زائف؟ لقد قتلها ست مرات فقط، مقارنة بالمرات العديدة التي قتل فيها نفسه، لكنه بدا مكسوراً، محطماً، حتى وصل إلى هذه اللحظة حيث اختار إنقاذها. حتى لو كان ذلك يعني حبس روحه في جحيم الوهم، لم يستطع تحمل فكرة إيذائها مرة أخرى.
مدت إيلين يدها نحوه، تحاول لمس خده، لكن أصابعها مرت من خلاله كأنها تلامس نسيماً عابراً. كانت مجرد شبح في هذا العالم، محكومة بالمشاهدة فقط، عاجزة عن التدخل، قلبها يتمزق وهي تراه سعيداً في عالمٍ لا وجود له.
***
في هذا الوهم، تخلى سيزار عن كل شيء: لقب القائد الأعلى للجيش الإمبراطوري، منصب الدوق الأكبر إيرزيت، والمجد الذي بناه كبطلٍ أسطوري لتراون. أدركت إيلين، وهي تراقبه، معنى كلماته القديمة قبل أن يقود التمرد: “لست أتخلى عن كل شيء، بل أعطيك إياه.”
لقد تخلى عن كل شيء بالفعل، واختار أن يعيش في بيتٍ متواضع من الطوب الأحمر، محاط بحديقةٍ صغيرة مزينة بأشجار البرتقال، مع نسخة وهمية منها. كانت أيامه هادئة، كحلمٍ مثالي يعيشه في عزلةٍ سلمية. لكن إيلين لم تكن مجرد متفرجة سلبية. حاولت بكل الطرق إخباره بوجودها الحقيقي، كسر هذا الوهم الذي يحبسه، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل. كانت تشعر بالعجز وهي ترافقه في حياته اليومية، كأنها شبحٌ يطوف في عالمه دون أن يراه.
في أحد الأيام المشمسة، بينما كانت تراقب سيزار وهو نائم في حديقة البيت تحت شجرة برتقال، أوراقها تتمايل بنعومة مع نسيم الظهيرة، لاحظت ظلالاً تتحرك بصمت.
كانت مجموعة من القتلة يقتربون، سيوفهم تلمع تحت ضوء الشمس. نظرت إليه بقلق، لكنه كان غارقاً في نومٍ عميق، غير مدرك للخطر.
في الماضي، كان سيلاحظ وجودهم قبل أن يقتربوا، لكن حياة السلام التي عاشها في الوهم جعلته يفقد حدة يقظته. على الرغم من علمها أن هذا وهم، لم تستطع إيلين تحمل فكرة أن يُصاب بالأذى. صرخت باسمه: “سيزار!” لكن صوتها تلاشى في الهواء. حاولت إيقاظه، لكن يديها كانت تمر من خلاله كالعادة. في لحظة يأس، اصطدمت يدها بشجرة البرتقال، وهذه المرة، شعرت باللمس. لم تمر يدها من خلالها. تفاجأت، وفي تلك اللحظة، فتح سيزار عينيه الحمراوين، ناظراً مباشرة إلى حيث تقف، كأنه شعر بشيء غامض.
للحظة، شعرت بالأمل يتسلل إلى قلبها، لكن نظرته كانت خالية، كأنه لا يراها. بدلاً من ذلك، هزت الشجرة بقوة، فسقطت برتقالة ناضجة على العشب الأخضر. انتبه سيزار فجأة، لاحظ البرتقالة، ثم أدرك وجود القتلة. تحولت عيناه إلى برودٍ قاتل، كالجليد الذي يتكون في ليلةٍ شتوية، وتعامل مع المتسللين بسرعة وحسم.
لم ترَ إيلين المشهد مباشرة، لأنها كانت مختبئة داخل البيت، لكن نسختها الوهمية رأت كل شيء: القسوة التي يتعامل بها سيزار مع أعدائه، الجانب الذي كان يخفيه عنها دائماً، كأنه لا يريد أن تلوث عيناها برؤية دماء أعدائه. لكنها لم تخف. كانت تعلم أن كل حركة من سيفه كانت من أجلها. ربما، بعد رؤيتها لموته مراتٍ لا تحصى، أصبحت معتادة على الدم، فلم تعد تخشى قسوته.
“لا تُصب…” تمتمت وهي تراقب ظهره وهو يدخل البيت، مدركة أن كلماتها لن تصله. استمر الوهم، وحاولت إيلين مراتٍ أخرى التدخل، لكنها لم تنجح بعد حادثة البرتقالة. كانت كشبحٍ يطوف في عالمه، عاجزة عن التأثير. مع مرور الوقت، أصبح عالم سيزار أصغر. توقف عن مغادرة الحديقة، واختفى الزوار تدريجياً، كأن العالم الخارجي قد أصبح سراباً. أصبح سيزار يعيش فقط لنسختها الوهمية، في عزلةٍ تشبه جزيرة منسية وسط بحرٍ لا نهائي.
لكن شيئاً غريباً بدأ يحدث لإيلين. بدأت تشعر أنها تندمج مع نسختها الوهمية. في البداية، ظنت أن الوهم ينقطع للحظات، لكنها أدركت أنها، في بعض اللحظات، كانت تصبح جزءاً منه، تعيش كإيلين داخل البيت مع سيزار، تشاركه لحظاتٍ هادئة كأنها زوجةٌ حقيقية. شعرت بالخوف من أن تصبح محبوسة في الوهم، لكن جزءاً منها تساءل: “ربما هذا ليس سيئاً؟” كان سيزار يعيش أكثر حياةٍ هادئة رأتها على الإطلاق، كأنه وجد الجنة في هذا البيت المتواضع. هل كان من الخطأ أن تعكر سلامه؟ ربما، إذا استسلمت للوهم، يمكن أن تعيش معه إلى الأبد، كزوجين في عالمٍ مثالي.
“إيلين…” ناداها سيزار بابتسامةٍ لم ترَ مثلها من قبل، مليئة بالسعادة والدفء. كانت تريد أن تستسلم، أن تعيش كإيلين الوهمية، لكن شيئاً ما بداخلها قاوم. في أحد الأيام، استيقظت من الوهم فجأة، وشعرت بالغرابة لكونها منفصلة عنه.
رأت نسختها الوهمية ترتب المطبخ، وتبعت سيزار إلى المكتبة. بينما كان يرتب الكتب تحت ضوء الشمس الناعم الذي يتسلل من النافذة، وقعت عيناها على كتابٍ على الرف: كتاب عن النباتات النادرة، مزين برسومٍ دقيقة، كان أثمن كنوزها، هدية من سيزار عندما كان أميراً، عندما كانت هي في الحادية عشرة من عمرها. تذكرت فجأة: لقد كان أمير الإمبراطورية، قائد جيوشها، بطلها الأسطوري، إمبراطورها الذي كان يُعبد كإله. كانت تتذكر بريق عينيه وهو يقود جيوشه، هالة المجد التي كانت تحيط به. والآن، كان محبوساً في بيت من الطوب، تخلى عن كل شيء من أجلها.
شعرت بالغضب يشتعل في صدرها كالنار. هل هذا هو العالم الذي يستحقه سيزار؟ هل يستحق أن يعيش كأسيرٍ في وهمٍ زائف؟ لم تعد متأكدة. مدت يدها نحوه، رغم علمها أنها لن تصله، وحاولت الصراخ لإيقاظه. فجأة، لمست الكتاب، وسقط على الأرض بصوتٍ خافت. التفت سيزار، عيناه الحمراوان تنظران مباشرة إليها، كأنه، لأول مرة، شعر بوجودها الحقيقي. كان هناك وميضٌ في عينيه، كأن شيئاً ما بداخله بدأ يستيقظ، لكن إيلين لم تكن متأكدة إن كان ذلك أملاً حقيقياً أم مجرد وهمٍ آخر.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 193"