في إمبراطورية تراون، أشرقت شمس جديدة مع تتويج إمبراطورة لم يكن أحد يتوقعها. إيلين، الفتاة الشابة التي نشأت في عائلة بارونية متواضعة، انضمت إلى الجيش في سن مبكرة، حيث أظهرت شجاعةً وإخلاصاً استثنائيين. بفضل ذكائها وتفانيها، كسبت ثقة الجنود وإعجابهم، وأصبحت قائدة لأربعة فرسان أوفياء، أقسموا على حمايتها والوقوف إلى جانبها مهما كلف الأمر. في حربٍ ضد مملكة كالبن، التي بدت خسارة تراون فيها حتمية، قادت إيلين جيشها إلى نصرٍ مذهل، مما جعلها بطلة قومية في عيون شعب الإمبراطورية. بدعمٍ من الجيش وتأييد الشعب، قادت تمرداً ناجحاً ضد النظام القديم، لتصبح في النهاية الإمبراطورة، حاملة لقب “الإمبراطورة” الذي يحمل في طياته قوةً لا تُضاهى.
لكن هذه القصة، بكل تفاصيلها المذهلة، كانت مجرد وهمٍ ملفق. كان العالم الذي عاشت فيه إيلين مليئاً بالثغرات، كأنه نسيجٌ ممزق تم ترقيعه بعجلة. لكن، بشكلٍ غريب، لم يكن هناك أحد يلاحظ هذه التناقضات سواها. كانت إيلين الوحيدة التي شعرت بتزيف هذا العالم. لم يكن أحد يعرف بوجود سيزار، الرجل الذي كان العقل المدبر وراء كل شيء. كل انتصاراته، كل تضحياته، كل ما بناه بعرق جبينه، تم نسبه إلى إيلين، كأنها هي من فعل كل ذلك. لقد اختفى سيزار تماماً من الوجود، كأن الآلهة قد محته من ذاكرة العالم، تاركةً إيلين وحدها تحمل عبء ذكراه.
كانت إيلين تُمجد كبطلة قومية، رغم أنها لم تكن تعرف شيئاً عن الحروب أو الحكم. لم تكن تملك الخبرة أو المعرفة لتكون إمبراطورة، لكن الجميع تقبلوا هذا الواقع دون أي تساؤل، كأن العالم قد صُمم ليؤمن بها دون نقاش. حاولت إيلين مراراً وتكراراً أن تنفي هذا التكريم الزائف. صرخت باسم سيزار، أكدت أنها ليست البطلة، وأن كل هذه الإنجازات تعود إليه، لكن كلماتها كانت كالريح في الصحراء. لم يشك أحد في روايتها، بل وثقوا بها ثقة عمياء، كأن إيمانهم بها كان جزءاً من نسيج هذا العالم المزيف. حتى عندما حاولت التخلي عن واجباتها الإمبراطورية، أو تجاهلها، كان هناك دائماً من يتولى الأمور نيابةً عنها. النبلاء، الذين كان يُفترض أن يعارضوا سلطتها، انحنوا لها بطاعة، كأن إرادتهم قد سُلبت. كانت إيلين تملك القدرة على تحقيق كل ما تريده، لأن هذا العالم كان، بكل معنى الكلمة، مُصمماً لها وحدها.
في مكتب الإمبراطورة، كانت إيلين تقف عند النافذة، تتأمل الحديقة بلا هدف، عيناها شاردتان في بحر من الأفكار المضطربة. فجأة، سمعته صوتاً يقاطع وحدتها.
“بدأنا العمل على بناء قوس النصر،” قال زينون، أحد مستشاريها المخلصين. التفتت إليه، وعندما رأى رد فعلها، أضاف بحماسٍ لم يستطع إخفاءه: “سيُكتب اسم جلالتكِ في وسط القوس، تخليداً لذكرى النصر العظيم على كالبن، الذي قلب موازين الحرب…”.
لكن كلماته توقفت فجأة عندما لاحظ الدموع تترقرق في عيني إيلين. كانت عيناها مليئتين بالحزن، كأن كل كلمة عن النصر كانت تطعنها في قلبها. توقف زينون، مرتبكاً، ومد يده بحذر ممسكاً بمنديل، لكنه لم يعرف كيف يتصرف. لم تقبل إيلين المنديل، بل تركت الدموع تنساب على خديها في صمتٍ موجع. اقتربت ميشيل، أحد فرسانها الأربعة، وأخذت المنديل من زينون، وبدأت تمسح دموعها بلطف، كأنها تتعامل مع زجاجٍ هش قد يتحطم بلمسة. وقف روتان ودييغو يراقبان المشهد بوجوهٍ مظلمة، كأن ألم إيلين قد انتقل إليهم. حتى دييغو، الذي كان عادةً يملأ المكان بالطاقة، بدا وكأنه على وشك البكاء معها، وجهه مشوه بالحزن.
بعد تبادل النظرات بين الفرسان، تقدم روتان أخيراً وقال بنبرةٍ هادئة لكنها محملة بالقلق: “هل لا تزالين تبحثين عنه؟”
أغلقت إيلين عينيها، غير قادرة على الرد. كانت تعلم أن الفرسان ليسوا مخطئين، لكن كلما ذُكر هذا الموضوع، شعرت بنار الغضب تشتعل في صدرها. كيف يمكن لهم أن ينسوا سيزار؟ كيف يمكن للعالم أن يمحوه بهذه السهولة؟ كانت تعلم أن هذا كله جزء من خطة الإله، لكن الغضب كان يتفجر بداخلها، يصعب عليها كبحه.
تذكرت كيف كان سيزار ينوي كتابة اسمها على قوس النصر، لتخليد انتصاراته. في ذلك الوقت، استغربت هذا القرار، لكنها الآن فهمت السبب. كان يريد أن يضمن بقاء اسمها في التاريخ، حتى لو اختفى هو. تذكرت تلك الأيام عندما ماتت هي، تاركةً إياه وحيداً. كان سيزار، في تلك اللحظات، يعاني من وحدةٍ قاتلة، يحاول التمسك بذكراها بأي وسيلة ممكنة. لكن الآن، لم يكن لديها حتى أثرٌ صغير له. لقد اختفى سيزار تماماً، كأنه لم يكن موجوداً أبداً، وهي وحدها من تتذكره في عالمٍ ينكره. حتى ذكرياتها عنه بدأت تتلاشى، تصبح غامضة، كأن العالم يحاول محوها من عقلها أيضاً.
تمتمت إيلين، وهي تمسح دموعها بأنامل مرتجفة: “سأذهب للصلاة.”
كان من المفترض ألا تتحدث الإمبراطورة بهذه الطريقة مع فرسانها، لكنهم لم يعترضوا. بدلاً من ذلك، أجابوا بأنهم سيرافقونها إلى معبد الآلهة. بالنسبة لهم، كانت تصرفاتها غريبة وغير مفهومة، لكنهم قبلوا بها لأنهم رأوا أنها في حالةٍ من اليأس العميق.
توجهت إيلين إلى معبد الآلهة في العاصمة، الذي كان قد دُمر مرةً في كارثةٍ سابقة وأُعيد بناؤه بفخامةٍ لا مثيل لها. وقفت أمام تمثال الأسد المجنح، رمز إمبراطورية تراون، الذي يُعتقد أنه يربط بين البشر والآلهة. حدقت فيه لفترة طويلة، كأنها تبحث عن إجابة في عينيه الحجريتين، ثم تحركت بخطواتٍ متعثرة إلى داخل المعبد. كان المذبح جاهزاً دائماً للتقدمات، لأن الإمبراطورة كانت تطالب بإعداده مراتٍ عديدة يومياً. بدأ الكهنة الطقوس بسرعة، واشتعلت النيران على المذبح. حدقت إيلين في اللهب بعيونٍ فارغة، كأنها تبحث عن شيء لن تجده. ظلت النيران حمراء، دون أي أثرٍ للشعلة الذهبية التي رأتها من قبل.
“سيزار…” همست، وهي تراقب النيران تلتهم الحبوب المقدمة. ‘أريد أن أموت… لا أريد أن أعيش في عالمٍ بدونك… دعني أتبعك…’ لكنها لم تستطع نطق هذه الكلمات بصوتٍ عالٍ. كانت تخشى أن تفقد السيطرة إن فعلت. لقد حاولت بالفعل، مراتٍ عديدة، أن تنهي حياتها. أمسكت بالسكين، وجهته نحو معصمها، نحو رقبتها، نحو أي مكان قد ينهي ألمها، لكنها لم تستطع. كانت كلمات سيزار الأخيرة، “عيشي، آيلين”، كلعنةٍ تمنعها من الموت، كأنها سلاسل غير مرئية تربطها بالحياة.
فبدلاً من ذلك، كانت تأتي إلى المعبد كل يوم، تتوسل المغفرة بدلاً من الموت. “أنا آسفة… أرجوك، سامحني…” كانت تصلي لسيزار كما كانت تصلي للآلهة من قبل، على الرغم من علمها أن صلواتها لن تصله. لكنها لم تستطع التوقف، لأنها شعرت أنها ستصاب بالجنون إن لم تفعل. ربما كانت قد فقدت عقلها بالفعل. كانت تبكي أمام المذبح، غارقة في حزنها، عندما شعرت فجأة بالظلام يغمرها. سمعت صوت روتان يصرخ: “جلالتكِ!” ثم انهار جسدها على الأرض.
عندما فتحت عينيها مجدداً، كانت في غرفة نوم الإمبراطورة. حدقت في نقوش السقف بلا تركيز، مدركةً أنها أغمي عليها. لم تكن تأكل أو تشرب بشكلٍ كافٍ، وكل ما كانت تفعله هو البكاء والصلاة في المعبد، فكان من الطبيعي أن تصل إلى هذه الحالة. كان من المدهش أنها صمدت حتى الآن.
“إيلين!”.
التفتت بدهشة عندما سمعت اسمها يُنادى. كان الفرسان يركعون على ركبة واحدة بجانب سريرها. صُدمت ليس فقط لأنهم نادوها باسمها، بل لأنهم كانوا يركعون. نهضت ببطء، مستندة إلى ظهر السرير، ولوحت بيدها بسرعة: “انهضوا… من فضلكم!”.
كان صوتها خشناً من جفاف حلقها، لكنها كانت واضحة. لكنهم لم يتحركوا. نظر دييغو إليها وقال:”سنجده لكِ، جلالتكِ.”
ابتسمت إيلين بضعف، ممتنة لولائهم، لكنها كانت تعلم الحقيقة. “لا يمكنكم إيجاده…” قالت بهدوء. كان سيزار قد مُحي من العالم بفعل الإله. لو كان هناك أي أمل، لكانت استخدمت كل قوتها كإمبراطورة لإيجاده. لكنها كانت تكرهه أحياناً لأنه وضعها في هذا العذاب، وفي الوقت ذاته، بدأت تفهم حبه العميق لها. لو كان حبها له مماثلاً، لكانت مستعدة لفعل أي شيء لاستعادته، كما فعل هو.
“سنحاول على أي حال،” أصر دييغو، وهو يحني رأسه. “أعطينا فرصة.”
تنفست إيلين بعمق، ثم نهضت من السرير، مما أثار دهشة الفرسان. “لا، سأفعلها بنفسي. يجب أن أكون أنا من يفعل ذلك.”
جمعت شتات قلبها المحطم، وقررت أن تحاول مرة أخرى. “لذا، ساعدوني.”
كانت مصممة على إيجاد طريقة لإعادة سيزار، دون الحاجة إلى تقديم أرواح الأبرياء كقرابين. كان هدفاً شبه مستحيل، لكنها كانت مستعدة للمحاولة. أرادت أيضاً أن تحافظ على إمبراطورية تراون كما كان يريدها سيزار، ليس كفوضى تسببت هي فيها، بل كإرثٍ يعكس مجده. كانت تريد أن تكون جاهزة عندما يعود، إن عاد يوماً، لتعيده إلى إمبراطورية تليق به.
ومرت سبع سنوات، حاملةً معها أملها الضعيف وحزنها العميق.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 190"