كان الضوء الذهبي المتوهج من أطراف أصابع سيزار مطابقاً تماماً للشعلة المقدسة التي رأتها إيلين تشتعل على مذبح التقدمة في المعبد. كان لوناً ساطعاً، يحمل في طياته شيئاً إلهياً، كأنه ينبض بحياةٍ غامضة. في اللحظة التي رأت فيها ذلك الضوء، توقف سيزار عن مد يده نحوها، كأن الضوء نفسه قد أوقفه، كأنه يعلم أن لمسته قد تكون آخر ما يشعر به. حاول سحب يده، لكن إيلين كانت أسرع. أمسكت يده بقوة، كما لو كانت تخشى أن يتلاشى إن تركته ولو لثانية. نظرت إلى الضوء الذهبي المتلألئ في يده، يتراقص كجمرةٍ حية، ثم رفعت عينيها ببطء لتلتقي بنظراته، عينيه الحمراوين اللتين كانتا دائماً مليئتين بأسرارٍ لا تستطيع فكها.
لم يتبادلا الكلام، بل ظلا ينظران إلى بعضهما في صمتٍ مشحون بالعواطف. كانت أنفاس إيلين متقطعة، مشبعة بالذعر واليأس، كأنها تكافح لتتمسك بالواقع الذي بدأ ينهار أمامها. أما سيزار، فكانت أنفاسه هادئة، كأنه قد سلّم بالحتمية، كأنه يعرف نهاية القصة. تفحص وجهها بعناية، كأنه يحاول حفر كل جزء من ملامحها في ذاكرته: عيناها الخضراوان الممزوجتان بلمسة ذهبية، كأنهما بحيرةٌ تعكس ضوء الشمس، رموشها المبللة بالدموع، أنفها الصغير المستدير، وشفتاها الممتلئتان اللتين كانتا ترتجفان. كانت دموعها تترقرق، على وشك السقوط، مما جعل عينيها تبدوان كجوهرتين تلمعان تحت ضوء الشمس. كانت عيناها، التي كثيراً ما قيل إنها تشبه عيون جنية الغابات في الأساطير القديمة، النقيض التام لعينيه الحمراوين اللتين كان البعض يخشونها، معتبرين إياها علامة الشر.
كانت أمنيته الوحيدة التي توسل بها إلى الإله هي بقاء إيلين على قيد الحياة. كان مستعداً للتخلي عن وجوده، عن كل شيء، فقط ليضمن لها عالماً آمناً تعيش فيه. في البداية، كان مقتنعاً بأنه قادر على التضحية بكل شيء دون ندم. لكن مع مرور الوقت، بدأت الرغبات الأنانية تتسلل إلى قلبه. أراد لحظاتٍ إضافية معها، ولو كانت قصيرة. كان يعلم أن هذا الطمع ممنوع، أن صفقته مع الإله لا تسمح بذلك، لكنه لم يستطع السيطرة على نفسه. عندما يتعلق الأمر بإيلين، كانت إرادته دائماً تضعف. لكن الآلهة لا تجهل أفكار البشر. عندما انهار معبد الآلهة، أدرك سيزار أنه يجب أن يتخلى عن كل رغباته الشخصية لأجل أمنيته الوحيدة: أن تعيش إيلين في عالمٍ صنعه لها، عالمٍ خالٍ من الأخطار.
لكن كلما رآها، كانت عزيمته تهتز. كان يعرف أنه لا يجب أن يستسلم لمشاعره، لكنه لم يستطع منع نفسه من الرغبة في تهدئتها، حتى لو كان ذلك بكذبةٍ بيضاء. عندما رآها تبكي الآن، شعر بألمٍ يمزق قلبه، أشد وطأة من الرصاصة التي اخترقت صدره. كان يريد أن يجد شيئاً يهدئها به، لكنه لم يجد سوى اسمها.
“إيلين،” همس بنبرةٍ رقيقة، كأنه يحاول استحضار كل الدفء المتبقي فيه.
“لا، أليس كذلك؟” ردت على الفور، صوتها مرتجف بالخوف. أمسكت يده بقوة، أصابعها الصغيرة ترتعد، وتمتمت: “لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً… لا يمكن!”.
بدأت الدموع تتساقط من عينيها، كأنها استشعرت الفراق الوشيك. اندفعت نحوه، تضمه بكل قوتها، كما فعلت في ذلك اليوم البعيد في حقل الزنابق عندما كانا طفلين. كانت تبكي بلا توقف، تمد يديها لتتشبث به، وتتوسل:”لا، لا تذهب! لا يمكنك الرحيل الآن! فقط انتظر قليلاً… إذا أعدت تقديم التضحية، إذا حاولت مرة أخرى…”
ضمها سيزار إلى صدره، يشعر بدفء جسدها الذي كان ينبض بالحياة. أمسك خصلات شعرها بين أصابعه، كأنه يحاول الاحتفاظ بكل لحظة، كل لمسة، كل رائحة. كان يريد أن يحفر كل إحساس في ذاكرته، كأنه يخشى أن ينسى.
“لا تذهب، سيزار! أنا آسفة، لقد كنتُ مخطئة، كنتُ حمقاء…” كانت آيلين تصرخ، تتعهد بأنها لن تفعل شيئاً دون إذنه، بل وهددت بأنها ستموت إذا مات. لكنه كان يعلم أنها لن تفعل ذلك. كانت دائماً تحتفظ بكل ما أعطاها إياه بعناية، سواء كانت هدايا صغيرة أو كبيرة. لن تتخلى أبداً عن العالم الذي صنعه لها.
نظر إلى الضوء الذهبي الذي بدأ يشتعل بقوة أكبر، كأنه يحترق مثله. “إذا كنتِ قد أخطأتِ في شيء،” قال بهدوء، ثم اقترب منها وقبل شفتيها المبللتين بالدموع. لمس عينيها الحمراوين بلطف، وهمس: “فكان ذلك عندما ألتقيتني في حقل الزنابق.”
تساءل عما كان سيحدث لو اختارت شخصاً آخر، مثل روتان أو دييغو. ربما كانوا سيجدون حلاً أكثر هدوءاً، تسويةً ما. لكنه لم يعرف سوى هذا الطريق، طريق التضحية والألم، حتى لو كان يعني تمزيق قلب إيلين. “بخلاف ذلك، لم تخطئي في شيء.”
شعر فجأة أن كل ما قدمه لها كان ناقصاً. كان يتمنى لو أنه أعطاها شيئاً أفضل من التاج والعباءة. لكن الوقت كان قد نفد. بينما كان الضوء الذهبي يشتد، ضمها إليه بقوة، وقرر أن يكون أنانياً في لحظته الأخيرة. بدلاً من البحث عن هدية أفضل، اختار أن يقول ما يريد.
“أحبكِ،” همس.
صرخت إيلين، رافضةً الواقع، صوتها يرتجف بالألم. كان يأمل أن ترد عليه بنفس الكلمات، لكن ذلك لم يكن مهماً. لقد تحققت أمنيته الوحيدة: أن تعيش إيلين. ضمها بقوة، وهمس في أذنها بنبرة واضحة: “عيشي، إيلين.”
كانت تلك نهايته. اندلع الضوء الذهبي فجأة، كشمعةٍ تشتعل بقوة قبل أن تنطفئ. صرخت إيلين، تحاول التشبث به، لكن الضوء الأعمى ابتلع كل شيء. عندما تلاشى الضوء، اختفى سيزار. الجسد الذي كانت تضمه بكل قوتها أصبح فارغاً. سقطت إيلين على الأرض، فقدت توازنها، وهي تصرخ باسمه: “سيزار… سيزار!”.
كررت اسمه مراتٍ ومرات، لكن لا رد. زحفت على الأرض الباردة من الرخام، وأمسكت بالتاج الذي ألقته سابقاً، وضعته على رأسها، ولفّت العباءة حول كتفيها.
“أنا آسفة… سأفعل أي شيء، أي شيء…” توسلت، لكن لا أحد كان هناك ليستمع. سقط التاج من رأسها مرة أخرى، لكنها لم تشعر بأي ألم. جلست مشلولة، غارقة في ذهولها، عيناها فارغتان كأن روحها قد سُرقت.
لقد رحل حقاً، فقط لأجل إنقاذها. حاولت التفكير بعقلانية، لإيجاد طريقة لإعادته، كما أعادها هو إلى الحياة. لكن عقلها كان خالياً، مظلماً، لا يحمل سوى صدى تلك الضحكة الخبيثة التي سمعتها في المعبد. فجأة، خطرت لها فكرة مظلمة: ماذا لو قدمت تقدمة أخرى؟ ماذا لو ضحت بأرواح الآخرين لإعادته؟ لأول مرة في حياتها، شعرت برغبة في قتل الآخرين، إذا كان ذلك سيُعيد سيزار. أدركت الآن، في هذه اللحظة، لماذا ضحى سيزار بشعب تراون على مذبح التضحية. كانت مشاعره، التي قادته إلى هذا الفعل، تنعكس الآن في قلبها.(شعب الإمبرطورية بيموتوا مرتين يا حظهم)
أمسكت بالعباءة الإمبراطورية بقوة، كأنها تتشبث بآخر أثرٍ له. وقفت متعثرة، مصممة على فعل شيء، أي شيء، حتى لو لم تعرف ماذا. لم تمسح دموعها التي كانت لا تزال تتدفق، وخطت خطوة إلى الأمام. في تلك اللحظة، اقتحم روتان وأليسيا القاعة، بعد أن سمعا صراخها من الخارج.
“جلالة الإمبراطورة!” صاح روتان، صوته يحمل نبرة القلق.
تجمدت إيلين من الصدمة. كيف يمكن أن يناديها بهذا اللقب؟ حاولت إخبارهم بما حدث، لكن الكلمات علقت في حلقها. أخيراً، تمكنت من الهمس بصوتٍ مكسور: “سيزار… لقد رحل…”
لكن رد فعل روتان كان غريباً. نظر إليها بتعجب، كأنه لم يسمع باسم سيزار من قبل. تبادل نظرة سريعة مع أليسيا، التي هزت رأسها برفق، كأنها تؤكد أنها لا تعرف الاسم أيضاً. سأل روتان بحذر، كأنه يخشى إزعاجها: “أعتذر، جلالتكِ، من هو الشخص الذي رحل؟”
في تلك اللحظة، ضربتها الحقيقة كالصاعقة. العالم الذي صنعه سيزار كان لها وحدها. عالمٌ لا وجود لسيزار فيه، ولا حتى أثرٍ له. كأن كل ما عاشته معه، كل لحظة، كل ذكرى، قد محيت من الوجود. كانت وحيدة الآن، في عالمٍ خُلق لها، لكن بدون الشخص الذي ضحى بكل شيء ليمنحها إياه.
~~~
لا تنسوا الاستغفار والصلاة على النبي!
حسابي انستا: roxana_roxcell
حسابي واتباد: black_dwarf_37_
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 189"