5
قراءة ممتعة~~~
الفصل الخامس: انجبي طفلًا.
“لعبة مشاعر تافهة لا تعني شيئًا أمام فرصة تجارية كبيرة. كل ما يهم هو أن تشتري ما يملك أعلى قيمة بينهم.”
“سيدريك.”
الحفيد، الذي لم يقرر بعد المرأة التي سيتزوجها، بدا غريبًا مطمئنًا، وكأنه يملك شيئًا يثق به.
تمامًا حين نقر كارلايل بلسانه مستاءً من سلوك سيدريك الغامض—
“أبي.”
فُتح باب غرفة الطعام، ودخلت كاثرين.
“أوه، سيدريك. أنت هنا أيضًا.”
حين لاحظت سيدريك أخيرًا، ارتعشت زاوية شفتيها قليلًا، لكنها سرعان ما رتبت ملامحها. كان تحكمها بعواطفها مدهشًا كعادتها.
وبينما كان الخدم يُعدّون طعامها، بدأت كاثرين تتحدث بنبرة يملؤها الأسف الخفيف.
“ألم تفكروا في دعوتنا إلى فطور عائلي؟”
“ليس وكأننا نقيم حفلة لأن ابننا مات. لا داعي لكل هذا الضجيج منذ الصباح.”
“بل بالعكس، لأننا في وقت حزن، يجب أن تبقى العائلة متماسكة. حتى لا نغرق في الأسى فترة طويلة.”
كان سيدريك يُصغي إلى حديثهما وكأن الأمر لا يعنيه، متابعًا طعامه بهدوء.
“لهذا أفكر في تعجيل خطوبة ديريك. عندما ينضم إلينا فرد العائلة الجديد، سيصبح غيابه أقل فراغًا”
الخطوبة. ثم الزواج.
عندما انطلقت تلك الكلمة مجددًا—الكلمة التي لا تتوقف كاثرين عن ذكرها هذه الأيام—رمق كارلايل سيدريك بنظرة حادة.
أرأيت؟ ألم أقل لك إنه ليس وقت التراخي؟
كانت نظراته الحادة توبيخًا واضحًا، لكن سيدريك تجاهلها، يحتسي شايه بهدوء لا مبالٍ.
زفر كارلايل تنهيدة طويلة بسبب تصرف حفيده، وردّ على كاثرين على مضض.
“إن كانا راغبين في ذلك، فليس لهذا العجوز سبب ليمنعهما. افعلي ما تشائين.”
وبعد أن حصلت على الرد الذي أرادته، وجهت كاثرين نظراتها نحو سيدريك.
“على كل حال، سيدريك، ألا توجد أي شابة في بالك؟ من الغريب أن يتزوج أخيك الصغير قبلك.”
كان على وجهها ابتسامة خفيفة تشبه ابتسامة المنتصر.
فرسمت شفتا سيدريك قوسًا بطيئًا عند رؤيتها.
“أمي، أنت تقلقين دائمًا بشأن أمور تافهة كهذه.”
عندما وصف الزواج بأنه “أمر تافه”، اختفت الابتسامة من شفتي كاثرين.
“لا تقلقي. لن يحدث شيء من الذي تخشينه.”
وضع سيدريك الكوب الفارغ ونهض من مقعده.
“حسنًا، لديّ موعد، لذا سأغادر أولًا. استمتعي بطعامكِ يا أمي. فحتى في الحزن، على الأحياء أن يعيشوا، أليس كذلك؟”
ولم ينسَ أن يرسم ابتسامة مهذبة لزوجة أبيه التي تجمّدت ملامحها.
لكن ما إن استدار، حتى عاد بريق عينيه باردًا من جديد—باردًا كأنه لم يكن هناك أي دفء قبل لحظة. وكان ذلك بسبب بقايا عطر كاثرين القوي الذي مرّ بأنفه.
أبعد الرائحة المزعجة عن ذهنه، وبينما كان يهمّ بمغادرة غرفة الطعام، اقترب منه أحد الخدم.
“آه، السيد سيدريك.”
“ما الأمر؟”
“جاءت قبل قليل خادمة من منزل دوق لوروا. هذا المعطف—إنه لك، أليس كذلك؟”
في يد الخادم كان المعطف الذي أعارَه سيدريك لإيفون قبل أيام قليلة.
ابتسم سيدريك ابتسامة صغيرة حين رآه.
“نعم، إنه لي.”
“قالت إنها تشكرك على لطفك في ذلك اليوم، يا سيدي. كما طلبت أن أنقل لك اعتذارها لأنها لم تستطع شكرك شخصيًا.”
اعتذار… أجل، بالطبع.
ابتسم سيدريك بسخرية خفيفة، وانحنى فمه بابتسامة مشوبة بالدهشة.
“إذًا سأضع المعطف في غرفتك.”
“لا، اذهب وأكمل عملك.”
انتزع سيدريك المعطف من يد الخادم كما لو كان يخطفه.
كان المعطف ما يزال يحمل أثرًا خافتًا من عطر زهري—
العطر الذي التصق من المرأة المرتجفة في محطة القطار الممطرة.
قبض سيدريك على المعطف وهمس: “ممتع.”
شعر بأن الأمر لن يكون سهلًا.
وفي الوقت نفسه، شعر بالإهتمام تجاه لعبة ليست سهلة.
***
في منزل دوق لوروا في المدينة، كانت هناك دفيئة ضخمة بناها الدوق لزوجته.
رغم أن برد الشتاء لم يختفِ بعد، كانت الدفيئة مليئة بالأزهار الملونة المتفتحة.
حتى أديل—قبل أن تصبح إيفون—التي عملت في متجر أعشاب ورأت أنواعًا لا تحصى من النباتات، وجدت الكثير من الأزهار التي لم ترَ مثلها من قبل.
بعينين تملؤهما الفضول، جالت إيفون في أرجاء الدفيئة حتى توقفت أمام زهرة غريبة الشكل لافتة للنظر.
“يا لكِ من جميلة… ما اسمكِ؟”
وهي تخاطب الزهرة بلطف، لم يكن على وجهها أثرٌ للخوف الهادئ الذي كان يسكنها دائمًا.
لكن في اللحظة التي رأت فيها السماء الزرقاء من خلف الزجاج، انطفأ الضوء في عينيها الخضراوين.
كانت الحديقة والدفيئة المكانين الوحيدين في لوتسرن اللذين سُمِح لإيفون بالتجول فيهما بحرية.
فالدوق قد حظر عليها الخروج من القصر.
فبدل أن يخاطر بكشف ابنته المزيفة أمام الناس، اختار أن يمنع أي احتمال لذلك.
لذا، لم تستطع إيفون حتى أن تذهب إلى مكتب المحقق لتطلب البحث عن والدتها.
“ربما عليّ أن أطلب من الدوق مرة أخيرة… فقط مرة واحدة.”
وفور أن راودتها الفكرة، عادت إلى ذهنها برودة فوهة المسدس التي لامست جبينها، فارتجف جسدها من الخوف.
في الحقيقة، كانت تعرف الجواب مسبقًا.
لكنها لم تستطع منع نفسها من التشبث بأمل ضئيل.
“آنستي.”
ارتجفت إيفون بفزع حين سمعت صوتًا خلفها، ثم استدارت. كانت سيندي، التي أرسلتها في مهمة إلى قصر غلاستون.
تماسكت إيفون بسرعة واستقبلتها بابتسامة.
“هل سارت الأمور جيدًا؟”
“نعم. سلّمت المعطف إلى الخادم، ونقلت أيضًا شكرَكِ.”
“شكرًا لكِ. ألا تشعرين بالعطش؟ هل تودين احتساء بعض الشاي في غرفتي؟”
“أوه، لا! لقد قمت فقط بما طُلب مني، لا داعي لذلك.”
حكّت سيندي خدّها بخجل من الشكر المفاجئ، لكنها تبعت إيفون نحو القصر متظاهرة بالتردد.
ثم، وكأنها تذكرت شيئًا فجأة، قالت:
“بالمناسبة، كيف يمكن لمثل هذه المصادفة أن تحدث؟ الرجل الذي أعارك معطفه في محطة القطار هو في الواقع خطيبكِ! هذا رومانسي جدًا!”
“…حقًا؟”
ابتسمت إيفون ابتسامة باهتة، متجنبة أي رد واضح.
كانت قد طلبت من سيندي ألا تكشف هوية صاحب المعطف وأن تعيده فقط، لذا يبدو أنها ظنت أن المالك هو ديريك.
وعندما سمعت ذلك، تذكرت إيفون المالك الحقيقي للمعطف.
‘لقاؤنا الأول، أليس كذلك… تبدين… مألوفة بشكل غريب.’
ذلك الرجل الذي كان لطيفًا بما يكفي ليُسدي معروفًا لغريبة،
ومع ذلك كان خطيرًا بما يكفي ليُورّط خطيبة أخيه في المتاعب—
رجل يستحيل فهم ما يدور في أعماقه.
رجل طيب بما يجعلها ممتنّة،
ومخيف بما يجعلها غير مرتاحة.
‘انتهى الأمر الآن.’
لقد أعادت المعطف،
وتظاهرا أمام الجميع بأنهما غريبان—
إذن لا سبب يدعو لتلاقي طريقهما مرة أخرى.
ومع ذلك، لم تستطع التخلص من شعور غامض بالانزعاج ظلّ يثقل قلبها.
وبينما كانت غارقة في أفكارها، وصلتا إلى القصر.
“سيندي، هل يمكنكِ إعداد الشاي والانتظار في غرفتي؟ سأصعد بعد أن أتحدث قليلًا مع والدي.”
“آه، نعم!”
افترقت عن سيندي، وصعدت إيفون السلالم بوجه متوتر.
توقفت أمام مكتب لوغان.
أخذت نفسًا عميقًا، وطرقت الباب برفق.
“أبي، أنا. إن كان لديك بعض الوقت، أود التحدث معك.”
كانت تلك الكلمة، “أبي”، التي نادرًا ما تجرؤ على نطقها، تنساب الآن بسهولة حين احتاجت إليها.
وبعد لحظات قصيرة، فُتح الباب وخرج كبير الخدم. ألقى نظرة احترام نحو إيفون وغادر.
ابتلعت ريقها ودخلت الغرفة.
رفع لوغان عينيه عن الأوراق التي كان يقرأها وهو يدخن السيجار، ثم أعاد نظره إليها مرة أخرى.
حتى حين اقتربت من مكتبه، ظلّت عيناه مثبتتين على الأوراق.
“سيدي الدوق.”
توقفت يده عن تقليب الورقة، وارتفع نظره إليها أخيرًا.
عينان باردتان. نفس العينين اللتين وجّهتا فوهة المسدس نحو جبينها من قبل.
كانت تلك العيون تشبه عينيها إلى حدٍ مخيف، مما جعلها ترتجف. ارتعشت أطراف أصابعها وهي تشبك يديها.
التقطت أنفاسها وقالت: “أرجوك… دعني أرى أمي.”
اتجه نظر لوغان خلفها نحو الباب، ثم عاد إليها.
“إن سمحتَ لي بلقائها بين حينٍ وآخر، سأؤدي الدور الذي أوكلتَه إليّ بأفضل ما أستطيع.”
“أهذا تهديد؟”
“لا، إنها مفاوضة.”
“بمكانتك أنتِ؟”
نفث لوغان سحابة من الدخان وسأل مجددًا.
كانت تعلم أن سؤاله يعني الرفض،
لكنها رغم الدخان الذي ألهب حلقها، ظلت واقفة في مكانها.
وفي عينيها تصميم جاد، كأنها لن تغادر دون إجابة.
“سأكون حذرة… حذرة جدًا… كي لا يحدث ما تخشاه. لذا أرجوك…”
“أنجبي طفلًا.”
قطعت كلماته حديثها—لم تكن اقتراحًا، بل أمرًا.
ارتجفت رموش إيفون الطويلة وهي تحدق به غير مصدقة.
نظرة لوغان لم تتغير وهو يواصل حديثه بثبات قاتل.
“طفلًا من غلاستون.”
كانت نظرته نظرة من يرى شيئًا، لا شخصًا.
“حينها، سأدعكِ ترين أمك.”
بعد أن تنجب طفلًا، لن تتمكن من الهرب حتى لو أرادت.
لا—بدقة أكثر، عندها ستفقد قيمتها.
أي أن الدوق لن يهتم إن كسر وعده وحبسها في دير.
ورغم علمها بذلك، لم تستطع إيفون أن تعارض.
رغم أن الشرط ظالم وغير موثوق،
إلا أنه كان خيط الأمل الوحيد الذي يمكنها التمسك به.
لم ينتظر لوغان ردها، بل تابع حديثه.
“من الآن فصاعدًا، ستذهبين إلى قصر غلاستون مرتين أسبوعيًا لتلقي دروس العروس. وافقت السيدة غلاستون على أن تحل محل إيزابيلا لتعليمك، فاستعدي لذلك.”
عادةً، كانت دروس العروس من مهام الأم.
لكن بما أن الدوقة إيزابيلا لم تكن قادرة على ذلك، كان ينبغي لقريبة أن تتولى الأمر—
لكن لسببٍ ما، عهد لوغان بهذه المهمة إلى كاثرين.
لوغان، الذي كان يحتجزني في قصر العاصمة،
لا أعرف لماذا قرر أن يرسلني إلى قصر غلاستون،
أو ما نوع الصفقة التي جرت بينه وبين كاثرين،
لكن لم يكن لأيٍّ من ذلك أهمية.
‘في ذلك اليوم، سأتمكن من مغادرة هذا القصر.’
ربما، إن حالفها الحظ، ستتمكن من زيارة مكتب المحقق.
الارتجاف في عيني إيفون بدأ يتحول ببطء إلى بريق أمل جديد.
يتبع^^
ترجمة نينا @justninaae
Chapters
Comments
- 5 - انجبي طفلًا. منذ 21 ساعة
- 4 - تزوّج منذ 3 أيام
- 3 - أخ خطيبي 2025-10-31
- 2 - الآنسة المزيفة 2025-10-31
- 1 - هل عليَّ سرقتها؟ 2025-10-31
التعليقات لهذا الفصل " 5"