استمتعوا
‘لو كنتُ لا أزال حيّة، لربما شعرتُ ببعض التوتر… لكن لا بأس. أما وقد مُتُّ، فما الجدوى من التوتر؟‘
كان آيسيل قد قبل بحقيقة موت شونيلا، بل وتقدَّم بنفسه بعرض الزواج منها.
وإن لم يكن مفهوماً حتى الآن متى أحبّها، أو كيف تَعمّق شعوره بها إلى حدّ قراره السريع بإقامة حفل زفاف، فإن شيئاً واحداً كان واضحاً.
لكن ما لم يكن معلوماً هو كيف سيتعامل من حول آيسيل مع هذا الزواج.
لو أُعلن في مأدبة رسمية علنية، فهناك احتمالٌ كبير أن تنهال الانتقادات من كل صوب.
ربما يقولون إن آيسيل قد فقد صوابه، أو إن دوقاً عظيماً مثله قد نسي واجبات الزواج.
ومع ذلك، فإن آيسيل، وقد أدرك ردود أفعال محيطه، حسم أمره وحدد موعد حفل العشاء.
وقد غمر شونيلا شعورٌ عارم بالامتنان لذلك القرار، الذي دلّ على أنه يعترف بوجودها.
وربما كانت مشاعره أعمق مما كانت تظن.
[لنذهب معاً.]
ولهذا، لم تستطع شونيلا رفض عرضه.
ومشت خلف آيسيل مسافة قصيرة، إلى أن وجدت نفسها أمام قاعة الطعام.
وما إن فتح الخادم الباب، حتى انكشفت أمامها أرجاء القاعة.
وعند فتح الباب، التفتت إليها عشرات العيون التي كانت تملأ المكان، كلها متجهة نحو آيسيل.
‘ما هذا؟‘
أمعنت النظر وسط الحشود في القاعة، فانتابتها حيرة.
عشرات الشبان المحتشدين داخل غرفة الطعام كانوا جميعاً ضخام البنية.
يرتدون زياً موحداً أسوداً منقوشاً بنُسوج فضية على شكل نسر.
وكانت تعلم أن النسر هو شعار عائلة ليندنبرغ. أي أن هؤلاء جميعاً من فرسان كتيبة سالامنكا.
‘كلهم… من فرسان سالامنكا؟ ألم يأتِ أحد من أصدقائه أو عائلته؟‘
وفجأة، ومضة ذكرى لمعت في ذهن شونيلا.
بعد أن فقد آيسيل والديه أمام وحش عندما كان في الخامسة عشرة، كرّس معظم حياته للقتال ضد الوحوش.
وربما لم يكن لديه أصدقاء لأنه انشغل منذ صغره بقيادة الكتيبة وحده.
بل وحتى والدا الدوق السابقان لم يتركا من الأبناء سوى آيسيل.
وحين استعادت شونيلا ماضيه، الذي سمعته من الشائعات، سادها شعورٌ عميق بالوقار.
لقد كانت عشر سنوات من حياته قضاها في المعارك، لابد أنها كانت موحشة للغاية.
تماماً كالعشر سنوات التي قضتها هي طريحة الفراش.
“سمو الدوق! شرفٌ لقدومك!”
نهضت فجأة امرأة ذات شعر أحمر قاتم كانت تجلس في مقدّمة الحضور، وانحنت أمامه.
وكان على كتفي سترتها زينه لافتة تدلّ على رتبة عالية داخل الكتيبة.
“تحيّة إلى القائد الأعلى لكتيبة سالامنكا!”
هتفت بصوتٍ عالٍ أولاً.
“تحيّة إلى القائد الأعلى لكتيبة سالامنكا―!”
وردد الفرسان التحية بعدها بصوت مدوٍّ، وكأنهم ينشدونها جماعياً.
“يا له من حضورٍ مهيب، مهيب حقاً. هل هذا تأثير مياه العاصمة؟ لقد أصبحت حقاً كالعريس الجديد.”
قالت المرأة وهي تراقب تعابير آيسيل، تمدحه بلطف.
وقد بدا تصرفها في سحب الكرسي له تلقائياً جداً.
لكن آيسيل، حين همّ بالجلوس، توقّف فجأة.
“سير لوسالكا، أرجو أن تسحبي أيضاً الكرسي المخصّص للدوقة.”
وأشار بذقنه نحو المقعد الخالي المقابل له.
رأتها شونيلا، رأتها… عيني لوسالكا المرتبكتين.
وساد صمت ثقيل في القاعة.
[ما الذي تفعله يا صاحب السمو؟ تطلب كرسياً؟ ألن يظن الناس بنا ظنوناً؟]
عاتبته شونيلا داخلها، مذعورة من الموقف.
لكن…
“آه، سيدي الدوق. يبدو أنني فقدتُ لياقة التعامل مع السيدات بعد طول انخراطي في حياة الفرسان.”
قالت لوسالكا وهي تضحك بسخرية خفيفة، ثم سحبت المقعد المعني على الفور.
“لا بأس. لكن عليكِ أن تتعلمي المزيد من الآداب في المستقبل. حتى أنا أعرف هذه الأمور.”
“بالطبع، بالطبع، لا جدال في ذلك.”
أجابت بلطف وجلست مجدداً في مكانها.
أظهر آيسيل ابتسامة رضا، وهزّ رأسه وجلس في مقعده.
ثم أشار إلى شونييا بعينيه كي تجلس هي الأخرى.
لكن شونيلا لم تغفل تلك النظرة التي مرّت على وجه لوسالكا.
نظرة يأس عابرة.
‘أوف، ذلك الوغد المتعجرف… من الصعب مجاملته دون أن أنهار.’
كانت عيناها تقولان ذلك تماماً.
‘ما هذا المشهد الهزلي؟‘
لم تستطع شونيلا تصديق ما تراه. لم يأتِ أي اعتراض، ولا حتى همساتٌ خلف الكواليس.
بل على العكس، عدا لوسالكا، جلس بقية الفرسان بهدوء في أماكنهم ينتظرون بدء المأدبة، كما لو أن هذا أمرٌ معتاد.
دخلت ثلاث خادمات يجررن صواني إلى داخل قاعة الطعام.
عشر أوزاتٍ محمّصة بعناية على أطباق ضخمة. بطاطا ومخلل ملفوف داخل أوعية. وأرغفة من خبز الجاودار تملأ الأطباق. وختامها بودينغ الخبز المُنقع في الحليب.
‘هذا فقط؟‘
مالت شونيلا برأسها متعجبة من بساطة المائدة.
في قصر الماركيز، ورغم التواضع، كانت تتلقى دوماً وجبات تتكوّن من أكثر من ستة أطباق.
لذا بدا لها غريباً جداً أن تُقدّم هذه الوجبات البسيطة في مأدبة رسمية.
‘مستحيل، ربما هذه فقط المقبلات؟ لكن هل تُقدَّم اللحوم كمقبلات؟‘
لكنها لم تستطع النطق بتساؤلاتها.
فمن الوقاحة أن تبدي ملاحظاتك عن الطعام وأنتِ ضيفة على المائدة.
“ربما لأن هذا يومٌ مفرح، قرر الطاهي أن يبذل جهده اليوم.”
قالت لوسالكا وهي تلمع عيناها شوقاً.
“أجل، لم أتناول مأدبة فاخرة منذ مدة طويلة.”
“لقد اصطدتُ بنفسي عشر أوزات برّية من الغابة لهذا الحفل الليلي.”
قالت لوسالكا بفخر، رافعةً إبهامها.
“أحسنتِ. كما هو متوقع من ‘السهم الأحمر‘ لكتيبة سالامنكا.”
“هاها! لقد أسقطت اثنتين بسهمٍ واحد، أترى؟“
واشتدّ على إثر ذلك دوار شونيلا.
‘ماذا؟ ليسوا يشترون اللحم من الجزار؟ ولا حتى من مزرعة القصر؟ بل يصطادونه؟!’
رغم سماعها أن الشمال أرضٌ قاسية، إلا أنها لم تكن لتتخيل أنهم يوفّرون اللحوم بالصيد.
ثم وقع صوت غريب من طرف القاعة.
دَرج دَرج دَرج―.
‘أهذا صوت العجلات الذي سمعته من العربة في الطريق؟‘
وحين التفتت، رأت الخادمات الثلاث يجررن الآن عربةً قديمة.
وكان على العربة برميل ضخم من البلوط، يمكن لثلاثة رجال الجلوس فوقه.
فجأة، اتجهت أنظار كل الفرسان نحو البرميل، تتألق أعينهم بريقاً، كما لو أن فريسةً وُضعت أمام وحوشٍ مفترسة.
“هذا النبيذ خبّأه لي والدي منذ ولادتي، ليوم زفافي. اليوم، اشربوا كما يحلو لكم.”
قال آيسيل بفخر، والخادمات يفتحن غطاء البرميل.
“سموك، أنت الأعظم بحق!”
“واو، منذ متى لم نشرب شيئاً؟“
“خمسة وعشرون عاماً؟ نبيذ؟ نبيذ!”
حتى الفرسان في الخلف الذين ظلوا صامتين، تحمّسوا حين سمعوا بقدوم الشراب.
وسرعان ما سكبت الخادمات النبيذ في أكواب خشبية، ووزعنه على الحاضرين، وبدأت الوليمة فعلياً.
كان آيسيل يقطع ساق الأوزة بسكينه برقي، ثم توقف فجأة.
“بالمناسبة… ماذا كانت آنسة النبيلة تفضل في حياتها؟“
سأل آيسيل موجهاً كلامه إلى مقعد شونيلا.
لم يكن صوته عالياً، لكن نبرته الهادئة العميقة جذبت انتباه الجميع.
فتوجّهت عشرات النظرات المذهولة نحوه.
‘أوه، كم هذا محرج! لا أريد أن أكون مركز الانتباه بهذه الطريقة!’
عضّت شونيلا شفتيها، لكنها لم تُظهر استياءها علناً.
أما آيسيل، فلم يُعر أي اهتمام لنظرات الآخرين.
كان فقط ينظر إليها بترقّب.
[…كنت أحب المأكولات البحرية أكثر من اللحوم. أما التحلية، فكنت أفضّل الباناكوتا، شيئاً ناعماً وحلواً.]
أجابت شونيلا أخيراً، وقد استسلمت لواقع الموقف.
لكن آيسيل لم يكتفِ بذلك، بل ظلّ يطرح الأسئلة غير آبهٍ بنظرات الفرسان.
ما لونها المفضل في حياتها، وما نوع الأثاث الذي كانت تفضله، وأسئلة أخرى بسيطة وعابرة.
ومع مرور الوقت، بدأ الفرسان الذين بدوا مصدومين في البداية يألفون الوضع، وواصلوا تناول الطعام في أجواء صاخبة.
لكن شونيلا لم تستطع أن تتجاهل الإحساس الغريب الذي أخذ يثقل صدرها.
فمن هذا الذي يُقيم زفافاً روحياً مع شبح، ثم يتحدث معها علناً، ولا أحد من أتباعه يعارضه؟
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 9"