استمتعوا
حسنًا، كانت تلك هي المشكلة فعلًا.
فالماركيز وزوجته، اللذان تزوجا بسبب المظهر،
لا يزالان على وفاقٍ كبير حتى بعد أن تجاوزا الأربعين.
في البداية، كانت شونيلا تعتقد أيضًا أن هذا الكلام محض هراء.
لكنها بدأت تغير رأيها تدريجيًّا بعدما نشأت وهي ترى والديها طوال تسعة عشر عامًا.
‘ربما، كما يقول أبي، يكون المظهر الخارجي فعلًا عنصرًا مهمًّا في الزواج.’
كانت هذه الفكرة قد ترسخت بالفعل في قلب شونيلا.
“أنا أعلم، أعلم تمامًا أن سموّك وقعت في حب ابنتي من النظرة الأولى. صراحةً، ابنتي جميلة بما يكفي.”
أحمرّ وجه شونيلا خجلًا من كلام والدها الطائش مجددًا. ومع ذلك، بدأت تتساءل هل وقع آيسيل فعلًا في حبها من أول نظرة؟
وقفت شونيلا تحدق في آيسيل إلى جانب والدها، في انتظار جوابه.
“……نعم، هذا صحيح.”
رد آيسيل وهو يخفض بصره محاولًا تفادي النظرات.
“……وأنا كذلك.”
طريقة تردده في الحديث، على خلاف الانطباع البارد الأول عنه، كانت تدل على الخجل.
من الواضح أن هذا ردّ فعل خجول لا شك فيه.
أن يُعجب بفتاة من أول نظرة، ولا ينسى حبها رغم أنها ماتت، ويطلب يدها للزواج، لهو شيء رومانسي كما في الروايات العاطفية.
نظر الماركيز إلى آيسيل بنظرة مليئة بالرضا وكأنه يقول.
“كنت أعلم أن الأمر كذلك.”
“إذن إن سموّك يتمتع بشخصية نبيلة أيضًا.”
“شخصية؟ أنا؟“
قطّب آيسيل حاجبيه بدهشة.
وشونيلا أيضًا شعرت بالمفاجأة من هذا الجزء.
حتى وهي طريحة الفراش، كانت تصلها من حينٍ لآخر شائعات عن الدوق الأكبر ليندنبرغ.
كانوا يلقبونه بـ‘قاتل الوحوش‘ الذي يفتك بعشرات، بل مئات الوحوش بمفرده، ويقولون إنه شخص بارد يستطيع تجميد الأجواء من حوله.
لكن شونيلا لم تصدق كل تلك الشائعات،
فآيسيل في ذاكرتها كان شخصًا جافًا لكنه دافئ القلب.
رغم ذلك، فإن ما يُقال عن شخصيته لم يكن جيدًا في العموم.
“سموّك على الأقل نظرت إلى ابنتي كإنسانة، أليس كذلك؟“
ما معنى ذلك؟ لم تفهم شونييلا فأمالت رأسها باستغراب.
“هل تعلم؟ لقد وصلنا عدد لا بأس به من عروض الزواج لابنتي.”
اتسعت عينا شونيلا بدهشة.
لم تكن تتصور أبدًا أن هناك من تقدم لخطبتها وهي طريحة الفراش.
“لكن بعد أن تحققنا، تبيّن أن الجميع كانوا يطمعون فقط في الميراث الذي ستتركه بعد موتها.”
توهجت عينا الماركيز الزرقاوان بغضبٍ هادئ.
“مزّقت كل تلك العروض وأحرقتها. لم أتحمل رؤيتهم يتعاملون مع ابنتي الحية كأنها مجرد كومة من الذهب تحتضر.
لقد كان الأمر مقززًا ومثيرًا للاشمئزاز.”
انقبض قلب شونيلا أمام هذا الاعتراف المؤلم من والدها.
لم تكن تعلم. لم يخطر ببالها أبدًا أن هناك من قد يتمنى موتها لأجل الميراث.
رؤية تلك العروض الشريرة بدلًا منها، لا بد أن والدها شعر بانهيار داخلي مرة تلو الأخرى، وربما عشرات المرات.
[آسفة يا أبي، آسفة لأنك اضطررت إلى المرور بكل هذا بسببي.]
ظل آيسيل صامتًا، مغلقًا شفتيه بإحكام.
وكانت عيناه الحمراوان تبثان هالة باردة.
بدت ملامحه في نظر شونيلا وكأنه يقمع غضبًا كبيرًا في داخله.
ولكن لماذا؟ فهذه كانت مأساتها هي، لا علاقة له بها.
“ما حدث بشأن عروض الزواج للآنسة أمر مؤسف للغاية.”
تكلم آيسيل أخيرًا بصعوبة.
كانت كلماته بسيطة، لكنها حملت وزنًا صادقًا.
شعرت شونيلا بالامتنان له بشدة. شعرت وكأنه يقول الكلام الذي لم تستطع قوله لوالدها كونها روحًا لا تستطيع الكلام.
“لكنني لم أطلب الزواج من الآنسة طمعًا في ميراثها. لا أحتاج حتى إلى مهر.”
أعلن آيسيل بصوت حازم.
“أنا أعلم. لو كنت تنظر إلى ابنتي على أنها مجرد ميراث، لكنت أرسلت عرض الزواج فورًا. لكنك ترددت، لأنك كنت تراها إنسانة، أليس كذلك؟“
رمش آيسيل عدة مرات ولم يرد سريعًا.
نظر الماركيز إليه وابتسم بهدوء، وكأنه يقول.
“شكرًا لأنك كنت الشخص الذي تقدم لابنتي.”
“إن كان لي أمنية واحدة كأب، فهي أن تكون قد أتيت في وقتٍ أبكر قليلًا. لكانت ابنتي قد ضحكت كثيرًا وشعرت بالسعادة.”
لكن، شونيلا لم تكن تتفق تمامًا مع هذا الرأي.
بل شعرت أن لقاءها بآيسيل بعد موتها كان أفضل.
أن يرى أحدهم من يحبّه طريح الفراش، غير قادر على الحركة، لهو أمرٌ مؤلم. وأن يرى موت من يحبّه، فذاك أقسى بكثير.
لقاؤهما بعد الموت كان أهون عليهما.
“شكرًا لك. أعدك بأني لن أستخف بهذا الزواج أبدًا.”
قال آيسيل كلماته الأخيرة بشأن الزواج،
بعد أن ظل صوته مختنقًا لفترة.
“……لو سمعتها ابنتي، لكانت قد فرحت كثيرًا.”
تمتم الماركيز وهو ينظر إلى السماء.
لكن، هل يمكن اعتبار هذا الشعور “فرحًا” بكل بساطة؟
رغم أنه زفاف روحي فقط، فإن صدق نية آيسيل بعدم الاستهانة به كان كافيًا ليملأ قلبها بالمشاعر.
وشعرت أيضًا أن مشاعر آيسيل تجاهها كانت أعمق مما توقعت، حتى شعرت بانسداد في صدرها.
[لا، لم أكن أقصد أن تأخذ الأمر بكل هذه الجدية.]
كل ما أحبّته فيه، هو تلك الرقة التي استمع بها لكلماتها الطفولية.
تمتمت بجفاءٍ خفيف، لكنها أمسكت خديها بكفيها بكل خجل.
من جانبه، انتظر آيسيل بصمت حتى ينهي الماركيز تأثره بالكلام عن ابنته.
وبعد بضع دقائق من التحديق في السماء، استدار الماركيز مجددًا نحو آيسيل.
“آه، ما هذا الذي أفعله؟ أترك سموّك واقفًا وأتحدث بلا توقف كهذا!”
“لا بأس، تفضل بالراحة والحرية.”
أجاب آيسيل بلطف، فنظر إليه الماركيز للحظة بصمت.
كان في عينيه الزرقاوين دفءٌ ظاهر.
“سموّك، الآن وقد تمت المناقشة، هل يمكنني أن أقترح موعدًا لحفل الزفاف؟“
أومأ آيسيل برأسه ببطء.
“ما رأيك بالغد؟“
اتسعت عينا آيسيل وشونيلا في الوقت نفسه.
“الغد؟ أليس ذلك مبكرًا جدًّا؟“
[نعم! إنه حفل زفاف، لا بد من التحضير للكثير من الأشياء!]
أومأت شونيلا برأسها بقوة، مؤيدة لكلام آيسيل.
“كلا. لا يمكنني إزعاج الضيف الذي جاء من مكان بعيد.”
لكن الماركيز هزّ رأسه بحزم.
“أقترح أن تبيت الليلة في قصر الماركيز، ونقيم الزفاف غدًا.”
“ولكن، ألا ينبغي أن نستعد؟“
“التحضيرات؟ كنا ننوي التكفل بمعظمها من جانبنا……”
أمال الماركيز رأسه قليلًا وهو يرد.
“في العادة، يتوجب على العريس أن يحضر خاتمًا أو شيئًا من هذا القبيل.”
أجاب آيسيل بصوت خافت، وقد احمرّ عنقه من الخجل.
خاتم؟! لم يخطر ذلك على بال شونيلا أبدًا.
ظنت أن الزفاف الروحي سيكون مجرد مراسم رمزية أمام الكاهن الأعظم.
لكن كون آيسيل يفكر حتى في تلك التفاصيل التي غفلت عنها، جعله يبدو أكثر جدية مما توقعت بشأن الزفاف. وربما، أكثر دقة مما كانت تظن.
لكن على عكس أفكار شونيلا، أطلق الماركيز ضحكة خفيفة على كلام آيسيل.
“……لِمَ الضحك؟“
“لا شيء، فقط تذكرت حين تقدّمت لزوجتي بطلب الزواج.”
حدّق في آيسيل للحظة، بابتسامة دافئة وكأنه ينظر إلى شاب ظريف.
آيسيل لم يفهم معنى الضحكة، واكتفى بإضاءة عينيه بدهشة خفيفة.
“لا تقلق بشأن الخواتم. لدينا زوج من الخواتم الجاهزة، من متجر المجوهرات التابع للماركيزية.”
وأضاف الماركيز أنه يمكن تعديل مقاس البلاتين حسب الحاجة، ولن يتطلب الأمر أكثر من يوم.
“سموّك، هل حضرت ملابس الزفاف؟“
سأله الماركيز بحذر وهو ينظر إليه.
“أرتدي اليوم أفضل ما لدي.”
[هم؟ هذا هو……؟]
شعرت شونيلا بالذهول للحظة.
كان آيسيل يرتدي معطف فروك كحلي، مع صدرية وسروال أسود بسيط بدون أي زينة، وربطة عنق من نفس اللون.
المظهر العام كان أنيقًا، لكنه بدا مهترئًا من كثرة الاستخدام.
وكانت الصدرية من تصميم قديم خرج من موضة العاصمة،
بل إنه ارتدى هذه الملابس نفسها في جنازتها.
ولم يكن يرتدي حتى أزرار أكمام أو دبوس ربطة العنق.
[وجه جميل كهذا، ويُهدر على هذه الملابس الباهتة!]
هذا ظلم لجماله. تمردت شونيلا في داخلها.
“……يبدو أن من الأفضل تأجيل الزفاف لثلاثة أيام.
يبدو أن هناك أشياء كثيرة بحاجة إلى إعداد.”
ربما شعر الماركيز بما يدور في خاطر شونيلا، فاتخذ قراره بهدوء.
[أبي، أنت الأفضل!]
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات