“لذا، أرجوكِ، لا تستسلمي. واصلي البقاء إلى جانبه، حسنًا؟”
***
في الفجر الباكر، كان أستان يُقلّب في الأوراق داخل مكتب عمله وهو يُدلك عينيه المُجهدتين.
استفاق مبكّرًا على غير عادته، وجلس في المكتب، لكن لم يكن هناك الكثير من الأعمال.
تقرير إدارة الموارد الذي أعدّه كولين كان مثاليًّا، كما أنَّ بيان المصروفات الّذي يحتوي على رواتب الخدم لهذا الفصل، والميزانية المخصّصة لصيانة القصر، لم يكن فيه ما يُؤخذ عليه.
بعد أن انتهى من مراجعة الأوراق، دفعها جانبًا، والتقط الرسائل التي وصلته.
من بين الرّسائل القليلة، جذب انتباهه أوّلًا بطاقة دعوة من الإمبراطور لحضور حفل عيد ميلاد في القصر الإمبراطوري.
الإمبراطور المُحبّ للظهور كان يُقيم حفلاتٍ فخمة كلّ عام، ويدعو إليها كبار النّبلاء.
وكان أستان، بوصفه من العائلة الملكيّة، يتلقّى دعوةٍ كلّ عام، لكنّه لم يحضر منذ وفاة والده.
وبالطّبع، لم يكن القصر يتوقّع حضوره أصلًا.
فتح الدعوة وهو يظنّ أنّها لا تختلف عن سابقتها، فلم يجد فيها جديدًا… باستثناء عبارة أُضيفت هذا العام: “نرجو الحضور”.
ألقى نظرة عابرة على التاريخ المُحدّد بعد ثلاثة أشهر، ثمّ وضع الدعوة جانبًا بلا اهتمام.
بقيّة الرّسائل لم تكن ذات قيمة أيضًا.
طلبات تبرّع من مؤسّسات مجهولة، دعوات زفاف من نبلاء بالكاد سمع بأسمائهم، وتذاكر موسيقى انتهى وقتها.
جمّع الرّسائل غير المفيدة وألقى بها في الموقد.
وهكذا سيمرّ هذا العام أيضًا.
كان صوت الحطب المتفحّم داخل الموقد يبعث في النّفس كآبةً غريبة.
رغم أنّه قطع علاقاته مع الخارج منذ وفاة والده، فقد تملّكه شعورٌ بالوحدة لم يجد له تفسيرًا.
“…آه.”
بينما كان يُنظّف مكتبه من الأوراق المُبعثرة، شعر بألمٍ مفاجئٍ يخترق جلده، فأصدر صوتًا مكتومًا. السّوار بدأ يضغط على معصمه بقوّة.
أمسك بمعصمه المتألّم، ثمّ رفع رأسه نحو السّماء من النّافذة. كان القمر لا يزال معلّقًا، مكتملًا تقريبًا، يشعّ بلونٍ أحمر باهت.
ليس فألًا جيّدًا.
كان يظنّ أنَّ الأمور ستمرّ بسلام كما في المرّتين السّابقتين، لكن يبدو أنّه أخطأ التقدير.
هذا يحدث دائمًا في مثل هذا الوقت من الشّهر، وسيتحمّله كعادته، لكن…
الآنسة الصّغيرة قد تُفزع.
ورغم أنّه سِرٌّ ستكتشفه عاجلًا أو آجلًا، إلّا أنّه لم يرغب في كشفه الآن.
بل في الحقيقة، كان يتمنّى ألّا تعرفه ما دامت في القصر. لم يرغب أن يرى ذلك الوجه الطّاهر يتلوّن بالقرف أو الخوف.
زفر زفرةً ثقيلةً تبعثرت في الهواء مثل ضبابٍ أبيض.
كيف يمكنني التّملّص؟ لقد طلبتُ منها البقاء، فإخراجها الآن لن يكون منطقيًّا… هل أختلق عذرًا بأنَّ أمرًا طارئًا قد حدث؟
لكنّها، في الأغلب، ستسأل عن نوع هذا الظّرف الطّارئ الذي يتطلّب مغادرة القصر وسط هذا الطّقس. أحتاج إلى مبرّرٍ مُقنع…
وبينما كان يُفكّر، انكمش أنفه بانزعاج.
الوضع يسوء على ما يبدو… كان يفكّر في فكّ السّوار قليلًا ليخفّ الألم، حين…
“يا صاحب السّمو!”
اندفع لوغان داخل المكتب بسيفه، مرتديًا بجامته. انعكس ضوء الفجر على نصله الحادّ.
حدّق أستان ببرودٍ في طرف السّيف المُوجَّه نحوه.
سأله لوغان وهو يُحدّق فيه بعينين مشكّكتين.
“…هل أنتَ بخير؟”
“ما الذي تفعله في هذا الوقت المبكّر؟”
“كما ترى، أحاول حراسة قصر شولتسمير وصاحب السّمو، يبدو أنَّ كلّ شيء بخير، هاهاها.”
قالها وهو يُضحك نفسه بتكلّف، ثمّ أخفض سيفه وتنهد بارتياح.
تسفف.
أستان أطلق صوت امتعاضٍ ساخط من تصرّف تابعه الأقرب، لكنه كتم التّعليق عندما رأى معصم لوغان، الذي ترك فيه السّوار أثرًا غائرًا.
حكّ لوغان رأسه خجلًا، ثمّ رفع رأسه نحو السّماء.
“سيكتمل القمر قريبًا.”
“رتّب أمر تنظيف البرج الغربيّ صباحًا.”
“ستقضي فيه هذه الليلة إذًا؟”
“على الأغلب.”
“حاضر.”
أومأ لوغان بطاعة، ثمّ سأل بجديّة.
“وماذا ستقول للآنسة؟”
“لا حاجة للحديث معها.”
“إن اختفيتَ دون كلمة، قد تشعر بالانزعاج.”
“فلتنزعج إن شاءت، لا شأن لي.”
“حقًّا؟”
“…..”
وقحٌ هذا الفتى.
لوغان، الذي فهم باطنه تمامًا، ابتسم بخبث.
“لماذا لا تُصارحها؟ هي ستعرف عاجلًا أو آجلًا على أيِّ حال.”
“ليست بيني وبينها أيُّعلاقة.”
“ما كان بينكما. الآن الوضع مختلف.”
قالها بوجهٍ خالٍ من الابتسامة، وهو يحدّق في عينيه.
ما كان يجب أن أُعطيه هذا السّوار. معرفته بي تُسبّب لي المتاعب.
“تردّد ما قاله كولين تمامًا.”
“لأنَّ الجميع يفكّر بالأمر نفسه.”
“ما تظنّ أنّي قلتُ له؟”
“ربّما الشيء نفسه الذي تقوله لي الآن. أنت، يا سيدي، لست من أصحاب الخيال الواسع.”
قالها مبتسمًا، ثمّ رفع يده اليسرى.
“فكر في أمري قليلًا. لا يمكنني أن أكون نصف روحكَ إلى الأبد.”
السّوار الأرجواني، المماثل لسوار أستان، تمايل في الهواء.
“ثمّ… أعلمُ أنّكَ تحبّها، مهما أنكرت. لا تُجيد إخفاء مشاعرك.”
“هل ما زلت تهذي؟ يبدو أنّكَ لم تستيقظ تمامًا.”
“عندما تصف الحقيقة بالهذيان، فهذا دليل إصابةٍ في الصّميم.”
ورغم النظرة اللّاذعة التي تلقّاها، لم يتوقّف عن الحديث.
“أنصحك كأخ، لا كخادم، ألا تندم لاحقًا. تمسّك بها.”
“وقح. ولدتَ قبلي بشهرين فقط.”
“وشهران يعنيان وجباتٍ كثيرة يا سيدي!”
“كفى. اخرج.”
“كلّما عجزت عن الردّ، قلت ‘اخرج’…”
“إن لم تخرج فورًا، هذا السّوار ــ”
“خرجت، خرجت!”
أغلق لوغان الباب بعنف وهو يغادر، متذمّرًا.
أيها الأحمق… يبدو أنّه نشيطٌ أكثر من اللّازم صباحًا.
تأمّل أستان الباب المُغلق، ثمّ خفض بصره. كان صداعه يتفاقم.
أيعقل أن أبدو كأنّني أُحبّها؟ هل جنّوا جميعًا؟
لكنه لم يستطع تجاهل الفكرة كليًّا.
منذ وقتٍ طويل لم يقترب منّي أحد… ربّما لهذا أشعر بالغربة.
لكن في النهاية، عندما تعرف الحقيقة، ستفرّ منه هي الأخرى.
فرك عينيه المتعبتين، ثمّ وقعت عيناه على وثيقة عرض الزّواج الموضوعة على جانب المكتب.
وجهها الشّاحب حين قدّمتها، وآثار السياط على ظهرها… كلّها صورٌ لا تفارقه.
هزّ رأسه ليطرد تلك الأفكار، ثمّ التقط التّقويم.
المهمّ الآن ليس الفتاة، بل ليلة اكتمال القمر القادمة.
بقي ثلاثة أيّام فقط… وإن قضى الأسبوع المعتاد في البرج…
“…اللعنة.”
تمتم بشتيمةٍ خافتة بينما يُقلّب التّواريخ.
<في الإمبراطوريّة، يملك كلّ من بلغ العشرين حقّ تقرير مصيره.>
<لكن انتِ لم تبلغي العشرين بعد.>
<هل يمكنني أن أكرّر الطّلب بعد عشرة أيّام؟>
يوم ميلاد غلوريا يتزامن مع ليلة اكتمال القمر.
كان بإمكانه تجاهله، لكنّه لم يرغب في ذلك.
فهو يعرف أكثر من أيِّ أحد كم هو موجعٌ أن يمرّ يوم ميلادٍ دون أن يهنّئه.
“يالها مِن صداع…”
ضغط على صدغيه بأصابعه، يهمس في ضيق.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"