الفصل 10 :
اللعنة. مدّ أستان يده نحو حزام السّيف بشكلٍ انعكاسيّ، قبل أن يُبدِيَ تعبيرًا مُحرجًا.
لقد نسي أنّه لم يُعلّق سيفه عند خروجه، بما أنّه لم يكن ينوي الابتعاد كثيرًا.
لا مفرّ إذًا.
راقب أستان حركة السيكون وقال بسرعة:
“استمعي إليّ جيّدًا، غلوريا.”
اهتزّت عينَاها الزرقاوان بلا استقرار.
ورغم علمه بأنَّ من يُواجه السيكون للمرّة الأولى لا يمكن أن يبقى هادئًا، فقد تمنى من أعماقه أن تكون هذه المرأة الضعيفة صلبة بما يكفي لتنقذ نفسها.
“سأُلفِتُ انتباهه، وخلال ذلك اذهبي إلى القصر واطلبي المساعدة. لا تلتفتي أبدًا، مفهوم؟”
“يا، يا صاحب السّموّ…….”
“اذهبي الآن!”
دفعها أستان بخشونةٍ على ظهرها، فتردّدت غلوريا قليلًا، ثمّ بدأت تركض باتّجاه القصر.
لم تكن سرعتها مُرضيةً تمامًا، لكنّها كانت مقبولة. ستنجو غلوريا.
“كروووو!”
ومضت عينا السيكون ببريقٍ مخيفٍ حين لاحظ فريسته الهاربة. التقط أستان كتلةً من الثّلج ورماها على السيكون المتربّص بغلوريا.
“أنا هنا.”
اشتعلت النيران في عيني الوحش.
***
“هاه، هاه…….”
ركضت غلوريا باتّجاه القصر وملامح وجهها توحي بأنّها على وشك البكاء.
الثلج المتراكم حتّى الكاحلين تسلّل إلى داخل حذائها الجلديّ، فجمّد قدميها، لكنّها لم تشعر لا ببردٍ ولا بألم.
سيكون، إنّه السيكون فعلًا.
ذاك الوحش الذي سمعت به فقط، بدا أضخم وأرعب بكثير مِمّا تصوّرت.
والآن فهمت لماذا رفض السائقون طلبها بتوصيلها إلى قصر شولتسمير بكلّ ذلك البرود.
هل سيكون الدّوق بخير؟
شعرت بالذّنب لأنّها وحدها من هرب، لكن في مثل هذا الوضع، لم تكن لتجلب له سوى المزيد من المتاعب لو بقيَت.
الطريقة الوحيدة لإنقاذه هي أن تعود إلى القصر وتطلب المساعدة في أسرع وقتٍ ممكن.
شدّت أسنانها وركضت بكلّ ما أوتيت من قوّة.
كان المشي صعبًا بسبب الثلج، لكن لم يكن لديها وقتٌ للتباطؤ.
وحين اقترب القصر شيئًا فَشيئًا، خرج لوغان وعددٌ من الخدم مسلّحين من البوابة بسرعةٍ جماعيّة.
“آنسة!”
“لوغان!”
“أين سموّ الدّوق؟”
“أسفل التلّ، هناك كوخ. والسيكون، السيكون هناك……!”
“مفهوم. آنسة، عودي بسرعة إلى الداخل.”
“لوغان……!”
“لا تقلقي. سننهي الأمر بسرعة ونعود.”
غمز لوغان بعينه وكأنّه يطمئنها، ثمّ ركض مسرعًا نحو أسفل التلّ.
رجاءً، رجاءً، احمِهم جميعًا يا إلهي.
جمعت غلوريا يدَيها وصلّت بحرارة.
***
كان أستان يواجه السيكون وعلى بُعد كوخٍ منه.
رغم أنّها لم تكن المرّة الأولى التي يواجه فيها السيكون خالي الوفاض، إلّا أنّه لم يسبق له أن صادفه بهذا القدر من انعدام التّجهيز.
الجانب المضيء الوحيد في هذا الوضع، هو أنَّ السيكون بدا وكأنّه يواجه إنسانًا للمرّة الأولى أيضًا.
راقبه أستان بهدوء.
هل هو جائعٌ منذ زمن؟
رغم أنّه يبدو مرعبًا مقارنةً بالبشر، إلّا أنَّ حجمه صغير نسبيًّا مقارنة بسيكوناتٍ أخرى.
ومن الواضح أنّه لم يدخل بعد في مرحلة النشاط الكاملة، مِمّا يُشير إلى أنّه ربما طُرد من جماعته بعد أن خسر في صراعٍ على الطعام، فغادر الكهف.
“كرووو!”
وبينما كان أستان يُقيّم الوضع، بدأ السيكون يهجم عليه بحماسة.
تفادى أستان القبضة التي كانت متّجهةً إلى رأسه، واندفع بجسده إلى اليمين.
مرّت يد الوحش على مسافةٍ ضيّقة منه، وشقّت الهواء قبل أن تضرب الثلج بقوّة.
ارتفع غضب السيكون، فقفز في الهواء مستعينًا بالكوخ كدعامة.
تَحَطَّم! لم يتحمّل الكوخ قوّته، فانهار كقلعةٍ من الرّمال.
التقط أستان قطعًا من الخشب المتناثر ورماها نحو الوحش الذي كان يتقدّم نحوه، لكنّها لم تُؤثّر فيه.
“كخّ!”
انغرست مخالب السيكون الطويلة في كتف أستان وصدره.
فردّه أستان بركلةٍ قويّة على ساقه مستخدمًا حذاءه المدبّب.
استغلّ اللحظة التي تراجع فيها السيكون قليلًا، وسحب جسده إلى الوراء ممسكًا بجرحه.
أخذ الجرح يلسع سريعًا، ربّما بسبب سُمّ المخالب.
لا فرصة للفوز هكذا.
نظر أستان إلى السوار المُعلّق في معصمه.
كان المعصم قد تورّم، والسوار صار متوهّجًا بلونٍ أحمر شديد.
ليس بعد.
يجب أن يصمد حتّى يصل لوغان.
اتّخذ قراره وبدأ يركض، والدم يسيل منه.
استثار مشهد الفريسة النازفة غريزة السيكون، فتبعَه بحماسة.
راح أستان يركض في خطوطٍ متعرّجة حول الكوخ لإضاعة الوقت.
لوغان، أيُّها اللعين، إلى متى ستجعلني أُعاني؟
“سموّ الدّوق!”
“وأخيرًا، أيّها المتأخّرون البُطَء.”
عند سماع الصّوت المنتظر، نزع أستان السوار من معصمه دون تردّد.
وفي تلك اللّحظة، تفجّر اللّعن المُكبوت.
***
“الوحش، الوحش كان يُهاجم سموّ الدّوق……!”
“اهدئي، آنستي.”
وصلت غلوريا إلى القصر، وجهها شاحبٌ كالثّلج، وبدأت تشرح للسّيّدة ميري ويذر ما رأته.
رغم أنباء ظهور السيكون، ورغم أنَّ أستان كان يواجهه وحده، إلّا أنَّ السيّدة لم تظهر أيَّ اضطراب.
“لا تقلقي. سيعود سموّ الدّوق سالمًا.”
بذلك الردّ الحاسم، جلست غلوريا أخيرًا على الأريكة، وهي تحاول أن تُقنع نفسها.
سيكون بخير، سيكون بخير.
لكن مهما كرّرت ذلك، لم تتلاشَ توتّرها.
كانت تحاول تهدئة ضربات قلبها المُتسارعة.
“متى، متى سيعود؟”
“سيعود حين يحين الوقت.”
“ألا تشعرين بالقلق؟ حتى لوغان ذهب أيضًا…….”
“لن يحدث شيء، لا تقلقي.”
نظرت غلوريا إلى رئيسة الخدم بدهشة.
كانت تحتسي الشاي بابتسامةٍ خفيفة وكأنَّ شيئًا لم يكن، مِما جعل الموقف يبدو مُريبًا.
كيف تبقى بهذه البرودة؟
الجميع في إقليم شولتسمير يعرف أنَّ السيكون يظهر أحيانًا.
ويعرفون أيضًا أنَّ أستان ماهرٌ في مواجهته.
لكن رغم ذلك، كيف لرجلٍ أن يُواجه ذلك الوحش الضّخم خالي اليدَين، بلا سيف؟
نظرت غلوريا إلى السيّدة ميري ويذر بعينَين دامعتَين، لكنّ الأخرى ناولتها فنجان الشاي بهدوء.
“أتشربين؟”
“……لا.”
هزّت رأسها وتوجّهت نحو النّافذة.
كان الحقل الثلجيّ الممتدّ أمامها ساكنًا وكأنَّ شيئًا لم يحدث، لكن هذا السّكون بالذّات كان ما يُثير قلقها.
‘إذا لم أعُد في يومٍ ما……’
لم يترُكها ذاك القول الذي قاله أستان.
عضّت على شفتها، وقبضت على القلادة التي منحها إيّاها.
غرزت الأسنان الحادّة للقلادة راحة يدها.
رجاءً، ارجع سالمًا.
وبينما كانت تسير أمام النّافذة ويداها ترتجفان، بدأت ظلالٌ مألوفة تظهر في الأفق.
كانوا من خَدَم القصر.
ألصقت وجهها بزجاج النّافذة وراحت تُدقّق في وجوههم.
‘أين هو؟ أين صاحب السّموّ؟’
وحين كانت تُحرّك نظرها بسرعة، رأت وجهًا مألوفًا.
كان لوغان.
كان يترنّح، وتلطّخت آثار دمٍ حمراء في طريقه.
رأت عباءته تتمايل خلفه… كانت تعرفها جيّدًا.
“……صاحب السّموّ!”
“لا يمكنكِ الخروج.”
أمسك كولين بذراعها وهو يمنعها من الاندفاع.
نظرت إليه بعينَين متوسّلتَين.
“يا سّيد كولين، أعتقد أنَّ صاحب السّموّ قد أُصيب بشدّة!”
“مفهوم. آنستي، عودي إلى غرفتكِ.”
“دعني فقط أتأكّد أنّه بخير……!”
“إلى غرفتكِ.”
وقف كولين بثباتٍ يصدّها.
توسّلت إليه أن يسمح لها برؤيته، لكنّه لم يرضخ.
فاستدارت إلى السيّدة ميري ويذر وكأنّها تتشبّث بأملٍ أخير.
“إلى الغرفة، آنستي.”
لكنّ السيّدة خانتها أيضًا، فلم تَبقَ سوى النّافذة.
وكان ما بقيَ فيها آثار الأقدام… ودماء.
وحين سمعت وقع أقدامٍ على باب القصر، أفلتت من يد كولين وركضت مباشرةً نحو لوغان.
لكن أستان، الذي كان قبل قليل على ظهره، لم يكن موجودًا.
“لوغان!”
“آنستي.”
“هل أُصبت؟”
“أنا بخير.”
“لكنّك تنزف كثيرًا!”
“هذا ليس دمي…….”
توقّف لوغان عن الكلام.
كان وجهه وثيابه ملطّخَين بالدّماء.
فأدركت غلوريا أنّ حدسها كان صحيحًا، وسألت أخيرًا السؤال الأصعب.
“أين هو صاحب السّموّ؟ أين هو؟”
“صاحب السّموّ…….”
“آنستي.”
تدخّلت السيّدة ميري ويذر لتقف بينهما برفق.
“لوغان بحاجةٍ للعلاج. يمكنكما الحديث لاحقًا.”
“سيّدة……”
“عودي إلى غرفتكِ. لوغان، أنتَ أيضًا.”
دفعته إلى الدّاخل دون أن تُتيح مجالًا للنّقاش.
ما هذا الجوّ؟ لماذا لا أحد يتحدّث عن صاحب السّموّ؟
لم تستطع أن تفهم ما يجري مطلقًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 10"