طبع جانغ سوكجو التقرير الذي أعدّه، فلم يرسله إلى بايك إيهيون عبر الرسائل، بل أخرجه على الورق وثبّته بعناية في لوح الموافقات، ثم خرج من المختبر.
كان بايك إيهيون قد قال إنه سيتفقد الفتاة الموجودة في المختبر قليلًا ثم يعود، لكنه لم يظهر منذ ذلك الحين. فأراد جانغ سوكجو مقابلته وجهًا لوجه للتذكير بموعد الاجتماع.
لم يبقَ على الاجتماع سوى عشر دقائق. وتتالت اتصالات فريق التشريفات في المجلس يسألون مرارًا: هل يعرف أين يوجد بايك إيهيون؟ فهو لم يحضر بعد.
‘لعلّه قتلها…؟’
بل هو احتمال وارد. فقد طلب مفتاح غرفة التحقيق، وغالب الظن أنه لم يعد يذكر كيف يُضبط المرء قوته أثناء التعذيب.
فمن يصل إلى رتبة بايك إيهيون لا يباشر الاستجواب بنفسه؛ فذلك عمل مُتعب وقذر، يُلقى على من هم دونه.
وفوق ذلك، كانت حالة الفتاة أسوأ ما يكون. جسدٌ مغطّى بالكدمات والجروح، وتوتر بالغ بلغ حدّ الانهيار.
وهذا طبيعي، فحياتها كانت على المحك. زعمت أنها صديقة لبايك إيهيون وأنها قادرة على رؤية “نافذة الحالة”، لكن أحدًا لم يصدقها.
“الفتاة استخدمت عقلها فقط لتنجو. سخيفة. تقول إنها لم تلعب اللعبة؟ فلتقل كلامًا يستقيم. لا بد أنها رأت من الداخل كيف قتلنا الرجل الأول الذي خرج. ولما علمت أنها ستموت ولو خرجت بالكرة الأولية، أرادت لفت الأنظار بإنقاذ الناس. لو لم يكن قائد كتيبتنا حذرًا لجعلهم يقتلونها في المكان نفسه.”
ذلك كان رأي الفصيلة المسؤولة عن البوابة. بل إن بعضهم تكهّن بأنها ليست غريبة أصلًا.
“خرج رجل وهو ممسك بالكرة الأولية، فقتلناه فورًا. وظننا أن الأمر انتهى، فتهاونّا. لم نراقب البوابة كما يجب. ثم سمعنا صوتًا غريبًا، وإذا بالناس يخرجون جماعة!”
“لم نرَ بأعيننا أنهم خرجوا من البوابة. قالوا إنهم خرجوا منها فحسب، فقبلنا كلامهم. من يدري؟ ربما كانوا مختبئين وخرجوا دفعة واحدة!”
“ومن ذا الذي يتظاهر بأنه غريب؟ لو دُفعت لأسرته بعض النقود، لفعل الناس ما هو أشنع.”
“ثمة من دبّر الأمر لجرّ قائد كتيبتنا إلى العزل.”
تذكّر جانغ سوكجو الجنود الذين كانوا يثرثرون بصخب حين سلّموا الفتاة إلى المختبر، فصكّ أسنانه.
لو علموا أن للفتاة جسدين لأغمي عليهم.
كان ثابتًا أنها غريبة. هكذا أظهرت القياسات.
أما السؤال فهو: هل جاءت إلى هذا العالم متعمدة بالتعاون مع الطائفة؟ أم أنها كانت، كسائر الغرباء، سيئة الحظ فسقطت هنا صدفة؟
كان جانغ سوكجو يرجّح الأولى. فالجسد المزدوج في بُعدين مختلفين وضعٌ خاص جدًا لا ينسجم مع مجرد المصادفة…
‘مهلًا.’
قبض جانغ سوكجو على لوح الموافقات بقوة.
كيف يعاملون الشخص في غيبوبة في عالمها الأصلي؟
هل يُنهَون حياته بموافقة الوصي؟ أم يبقونه قيد الرعاية؟ أم لديهم تقنية لحفظ الجسم الميت بالتجميد؟
موروها. ضفدع هي
ربما سيموت جسدها سريعًا إن فقد الروح وضعف البدن. وبذلك تصبح كغيرها من الغرباء.
فجأة عمّ الصمت المكان. رفع رأسه. كل من في الممر كان يمشي بوجل، لا صوت ولا همس، والكل يلتصق بحواف الممر بتوتر ظاهر.
ولم يخطئ حدسه: كان رجل طويل القامة يقطع الممر بخطوات واسعة. كان السواد الوحيد في ممرٍ كله أبيض. إنه بايك إيهيون. تجاوزه بسلام من بعيد واتجه نحوه مباشرة.
أسرع جانغ سوكجو ففتح مختبرًا فارغًا بجانبه ودخل.
لحق به بايك إيهيون وأغلق الباب بسلاسة، ثم التفت إليه مباشرة.
“حتى جهاز كشف الكذب لم يلتقط شيئًا.”
قالها، ومدّ إليه بطاقة مفاتيح وحلقة معدنية فضية. وضع جانغ سوكجو لوح الموافقات تحت ذراعه وتناول الأدوات بكلتا يديه.
كان جهاز كشف الكذب – على الأرجح من غرفة التحقيق – باردًا ساكنًا، لا يظهر أنه عمل أصلًا.
عادةً، حين يكتشف كذبًا، يطلق إنذارًا ويسخن، لأن الجيش اشترى أجهزة رخيصة لتوفير الميزانية.
“إذن هي جاسوسة خضعت للتدريب. نحن نحاول منذ زمن تدريب عناصر تتقن تجاوز الكشف، لكن قليلًا ما ينجح أحد.”
“قد لا تكون تكذب.”
حدّق جانغ سوكجو في وجهه. ثم سأل بعد لحظة:
“نعم؟”
“إن كانت سول آيون قادرة حقًا على رؤية نافذة الحالة، فلا يصح افتراض أنها جاسوسة للطائفة فإلامَ تحتاجها الطائفة؟ إن رغبت، تستطيع ترك جسدها الأصلي والعبور إلى هنا كما تشاء.”
عقد جانغ سوكجو فمه بدهشة.
“أتصدّق كلامها؟ هذا محض هراء…”
“ولِمَ لا أصدق؟”
“نعم؟”
“لم نتحقق بعد من نافذة الحالة، فالاحتمال نصف بنصف، ثم إن سلوك سول آيون لا يشبه أبدًا من يتلقى أوامر طائفة. لو كانت تريد التظاهر بأنها صديقتي، لما خاطرت بحياتها لإنقاذ الآخرين من البوابة.”
“ربما تصنّعت الطيبة لكسب ودّك…”
“حتى لو كانت متعاونة مع الطائفة، فالعبور بين العوالم مخاطرة عظيمة.”
“وما الذي يعجز عنه محتال؟”
“كم سيتقاضى قائد فريق مثلك ليعبر إلى عالم آخر؟”
عجز عن الإجابة. فدخول أي بُعد يستلزم المرور بالبوابة، وفيه مخاطرة بالموت.
وترك الجسد الأصلي في غيبوبة والعبور… أمر يحتاج عزيمة الانتحار، فهو يعني عدم الرجوع مطلقًا.
فتردد جانغ سوكجو وقال:
“ربما… لديها سبب. كأن تكون غارقة بالديون…”
“أترى سول آيون بهذا المظهر؟”
سكت. وتذكّر كيف كانت تصرخ فوق طاولة المختبر، تقاوم حتى الرمق الأخير، كسمكة تُسحب تواً من الماء.
“سأذهب لأقدم التقرير.”
رمش جانغ سوكجو بسرعة، ثم ناوله لوح الموافقات.
تناوله بايك إيهيون، قلّب صفحاته، مسرعًا غير مركز، وكأن فكره في مكان آخر. كان متوترًا… هذه هي الكلمة الوحيدة المناسبة.
رفع نظره فارتجف قلب جانغ سوكجو؛ فالرجل أمامه لم يكن على طبيعته.
“في سفينة النقل واحد وثلاثون غريبًا أنقذتهم سول آيون. افحصوهم جميعًا. فإن تبيّن أن أجسادهم الأصلية في العالم الآخر ما زالت حيّة، فهذا يعني أن البوابة تطوّرت. حينها يُرفع الأمر مباشرة للقيادة العليا.”
“حاضر.”
“أمعك مهدئ؟”
لم يجب فورًا، فتولى بايك إيهيون الأمر وسحب علبة أدوية من جيب مئزر جانغ سوكجو.
تجمّد الأخير يراقبه يضغط حافة العلبة المعدنية الرقيقة، فينبثق منها رقاقة خضراء صغيرة يشبكها بايك إيهيون في ساعته الذكية.
سمع صوتًا خفيفًا: إبرة الساعة تضخ المهدئ في عروقه.
لقد بدا… شخصًا آخر. من يراه لأول وهلة يظنه طبيعيًا، لكن عينَي جانغ سوكجو الخبيرتين لاحظتا بوضوح الحمرة الطفيفة عند أطراف عينيه.
وضع بايك إيهيون العلبة ثانية في جيب المئزر، وقال:
“صلوا جهاز القياس بغرفة المحاكاة القتالية. سأفعّله بعد الاجتماع.”
اتسعت عينا جانغ سوكجو. فسأله بايك إيهيون ببرود:
“أهناك مشكلة؟”
“أأ… غرفة المحاكاة؟ ليست غرفة الفحص؟ إنها ليست جندية بل إنسانة عادية، قد تموت!”
“بل هي غريبة. وإن لم تثبت أنها ترى لوحة الحالة، فستعدم القانونيًا. أليس هذا ما تنصّ عليه قوانين الإمبراطورية؟”
كان محقًا. ومع ذلك شعر جانغ سوكجو بالغرابة. فالقائد يبدو مضطربًا بسبب الفتاة، ومع ذلك لا يتردد لحظة في التخلص منها.
أو… ربما لهذا السبب يريد التخلص منها بسرعة.
“يبدو أنك صُعقت من ندرة حالتها.”
“أنا؟”
“سواء كانت جاسوسة أم لا… فهي ليست كسائر الناس. فتوخّ الحذر.”
“الذي يحتاج الحذر ليس أنا، بل…”
اهتزت ساعة بايك إيهيون. نظر إليها.
“تأخرت. سأذهب.”
وغادر المختبر بخطوات سريعة، فارتفعت رياح خفيفة من حركة الباب وكادت تنزع جلد جانغ سوكجو عن جسده من هولها.
‘الفتاة… ما اسمها؟’
لم يتذكر. كان سيئًا في حفظ الأسماء. لكنه يحفظ الأرقام التي سالت من جسدها إلى لوحة القياس؛ يحفظها حتى أواخر الفواصل العشرية.
ولن ينساها ما عاش. “روح واحدة… وجسدان.”
كانت جميع قراءاتها استثناءات. والفتاة نفسها خارجة عن التصنيف. ولولا ذلك لما اضطرب بايك إيهيون هذا الاضطراب.
وهذا يعني أن نقلها من المختبر إلى غرفة المحاكاة لن يمرّ بسهولة.
وكان حدسه في مكانه.
فباب المختبر، الذي كان يجب أن يكون مقفلًا، كان مواربًا. وما إن دخله حتى عرف أن خطبًا جللًا وقع.
كان أحد الباحثين ملقى على الأرض. هع إليه يتفقده وقلبه ينبض كان حيًا.
انتزع من رقبته الخلفية حقنة. بقي نصفها مملوءًا. كانت مخدّرًا. رماها على الأرض ونظر حوله.
الطاولة المعدنية التي كانت الفتاة عليها… فارغة. وخزانة الأدوية محطمة ومفتوحة. فارغة.
لقد سرقت الفتاة العقاقير… وهربت.
—
الساعة الذكية:
جهاز متعدد المهام يُلبس على المعصم، يعرض لوحة شفافة معلقة في الهواء، ويتيح التواصل، نقل البيانات، تفويض الصلاحيات، إنشاء درع شخصي، ضخ الأدوية عبر الرقاقات، وإرسال واستقبال “الروابط” القتالية.
ترجمة : Moroha
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 7"