7
“آنسة ديزي، لقد بقيتِ غائبة عن الوعي يومًا كاملًا تقريبًا، هل لديكِ علة مزمنة؟”
“نعم، أشبه بمرضٍ مزمن.”
تنهد فيل بأسف.
“آه يا للأسف… أفكرتِ في مراجعة طبيب من أطباء المدن الكبرى؟”
لوّحت ديزي بيدها كأن الأمر لا يستحق الاهتمام.
“لا بأس، فأنا أعرف طريقة العلاج. إنما الأمر يحتاج بعض الوقت وحسب.”
“آه، إن كان الأمر كذلك فالحمد لله.”
ابتسم فيل ابتسامة مرتاحة، ثم التفت بطرف عينه إلى كاليوس وهمس بصوت منخفض.
“لكن أخاكِ يبدو متأثرًا بشدة. لم يتكلم إلا قليلًا، ولم يتناول سوى رشفة من الحساء، ولم يقترب من الطعام بعدها.”
“يا إلهي.”
مدّت ديزي يدها إلى مؤخرة عنقها.
“كاليو… أعني، كالي! هل قضيت يومًا كاملًا بلا طعام…؟”
جاء رد كاليوس بصوت حانق وقد بدا ممتعضًا:
“ولماذا آكل إن كان لا يجدي نفعًا؟”
كان واضحًا أنه يقصد أن الحساء الذي صنعه الآخرون لم يجدد طاقته السحرية.
‘وهذا يعني أن طعامي أنا فقط هو ما ينفعه… حسنًا، من جهتي فهذا جيد، لكن…’
غير أن فكرة أن طفلًا لا يأكل أبدًا! هذا ما لم تستطع ديزي أن تتقبله. نهضت فجأة من مكانها.
“آه، لا أستطيع الاحتمال! لا بد أن أتدخل بنفسي!”
“آنسة ديزي؟ ما الذي تنوين فعله؟ لقد استيقظتِ لتوكِ، وليس من الجيد أن تنهضي هكذا بسرعة.”
حاول فيل ثنيها لكنها هزت رأسها بحزم.
“أنا أعرف جسدي أكثر من أي شخص. وقد نمت ليلة كاملة، وأشعر بخفة الآن!”
“لكن…”
“ومع ذلك! كيف أترك طفلي بلا طعام؟ لا بد أن أطهو له شيئًا الآن!”
أما في داخلها فكانت تفكر بحدة:
‘لو بقي بلا طعام وصار أصغر حجمًا من هذا… ماذا سأفعل حينها؟’
لا! لم تكن لتسمح بوقوعها في موقفٍ أصعب من هذا أبدًا.
—
“آنسة، لا يمكن أن تفعلي هذا في المطبخ!”
“أوي، دعني أستخدمه قليلًا فقط. خذ… هذا.”
أخرجت ديزي قطعة فضية ودسّتها في جيب الطاهي. فما إن لمحها حتى تغيرت ملامحه تمامًا.
“استخدمي المطبخ كما تشائين، وإن احتجتِ شيئًا فأخبِريني.”
“هوهو، شكرًا!”
لوّحت ديزي بيدها مبتسمة وهي تراقب الطاهي وهو يبتعد.
“كالعادة، المال أسرع وأسهل وسيلة.”
بطبيعة الحال لم يكن ذلك من مالها، بل من محفظة كاليوس.
أخذت ديزي تدندن وهي تتفقد المطبخ. كان صغيرًا وبسيطًا، كما يليق بنُزل متواضع.
“همم… ما الذي يمكنني صنعه؟”
جلست تحدّق في المكونات القليلة أمامها تفكر بجدية. كان الهدف الأول الآن هو جعل كاليوس ذو المزاج الصعب يأكل.
‘المهم الآن ليس الفائدة الغذائية، بل أن يملأ بطنه بشيء. فلا بد أن أجد طعامًا بسيطًا ولذيذًا…’
وبما أن ذوق كاليوس كان طفوليًّا في الوقت الحالي، فقد رأت أن الأفضل إعداد شيء يحبه الأطفال.
‘المكوّن الوحيد الذي يأكله دون جدال هو البيض. إذن لا بد من طبق يشبعه ويعتمد عليه…’
وبينما كانت تفكر بعمق، خطرت لها فكرة فجأة.
“أرز بالبيض والزبدة!”
نعم! أي طفل سيحب هذا الطبق. سهل التحضير، شهي، مالح قليلًا وزكي الطعم… لا يكاد أحد يكرهه.
“همم، هل عندهم صلصة الصويا؟”
أخذت تبحث سريعًا في الخزائن، ولحسن الحظ وجدت صلصة تشبهها.
‘الحمد لله أن التوابل هنا تشبه تلك التي أعرفها من عالمي السابق.’
وضعت الأرز على النار ليُطهى. وفكرت لوهلة أنه لو كان لديها قدر ضغط لكان أفضل، لكنها طردت الفكرة، ففي هذا العالم يُعدّ ذلك من الترف.
وأثناء انتظار الأرز، وضعت زيتًا في المقلاة وسكبت البيض ليُقلى وهو يُصدر صوتًا طيّبًا.
“البيض نصف ناضج!”
لم يستغرق الأمر طويلًا. كان إعداد الأرز بالبيض بالكاد يُعدّ طهيًا.
“انتهيت!”
ديزي وضعت في الوعاء المقعّر كمية مناسبة من الأرز الأبيض يتصاعد منه البخار. ثم وضعت فوقه قطعة صغيرة من الزبدة وبيضة مقلية.
فوق الأرز الساخن راحت الزبدة تذوب ببطء، وانبعثت رائحة لذيذة دغدغت أنفها.
“همم، رائحة شهية!”
شلشلل.
وأخيرًا أضافت فوقه قليلًا من صلصة الصويا ليكتمل الطبق.
بلعت ديزي ريقها وهي تحضر طبق “الأرز بالزبدة والبيض”.
حان وقت إطعام الساحر المشاكس الذي يرفض الأكل.
مدّت ديزي الطبق نحو كاليوس.
“كالي، كُل حالًا. إن واصلت الامتناع عن الطعام، فقد تصبح أقصر.”
“أوهغ…”
“لا تقلق، لم أضع أي خضار تكرهها، فلا تحدّق في الطبق هكذا.”
“تس!”
“اخلطه بالملعقة جيدًا ثم كُل.”
تمتم كاليوس بكلمات متذمّرة وهو يمسك بالملعقة. راح يخلط الأرز بالبيض، فانفجر الصفار نصف المطهو وانتشر لونه الذهبي بين حبات الأرز.
ديزي التي تابعت المشهد بابتسامة راضية قالت بفخر:
“هل قدّمت لك يومًا شيئًا سيئًا؟”
“لقد أجبرتِني على أكل أعشاب غريبة.”
“تس، كان ذلك كله من أجلك يا كالي.”
“…صحيح، لكن.”
“على كل حال، ثق بي وتذوّق لقمة واحدة!”
بإلحاحها، تناول كاليوس لقمة من الأرز بالبيض.
تابعت ديزي خدّيه الممتلئين وهما يتحركان بالمضغ. لكنه ابتلع اللقمة سريعًا دون أن يمضغها كثيرًا. فابتسمت عين ديزي بلمعان.
“ها؟ لذيذ، أليس كذلك؟ طعمه ينزل بسهولة، صحيح؟”
“همم، اممم، أفضل مما، نم، توقعت، ممم، ليس، سيئًا.”
خدّا كاليوس المنتفخان كانا يبدوان كخدّي همستر. فابتسمت ديزي بخفة.
‘يبدو أنه كان جائعًا حقًا. أجل، جسده في طور النمو، ومع ذلك قضى يومًا كاملًا بلا طعام.’
نظرت إليه برضا، فمهما كان، رؤية شخص يتناول طعامًا أعدّته بيدها كان مبهجًا.
حينها اقترب “فيل” الذي كان يراقب من زاوية الغرفة وهمس:
“تبدو أنك تحبّين شقيقك كثيرًا. وهو بدوره يبدو كأنه يعتمد عليك بشدة.”
“أه؟ كالي يعتمد عليّ، هاها، هذا مضحك.”
انفجرت ديزي ضاحكة، ففكرة أن كاليوس يعتمد عليها، بل “يعتمد بشدة”، كانت أضحوكة كبرى.
“ذلك الفتى لا يراني إلا خادمة تطبخ له الطعام على الأغلب.”
كلامها كان متوقعًا بالنسبة لمن عايش حدّة لسان كاليوس مثلها، لكن “فيل” الذي لم يعرف ذلك ضحك بخفوت:
“كلماتك قاسية.”
“أنا لا أقول إلا الحقيقة.”
“لكنكِ لا تعلمين. طوال فترة مرضك لم يغمض له جفن، بقي بجانبك يحرسك. بل وكان يزمجر كالوحش كلما حاولت الاقتراب.”
“ذاك طبعه.”
لكن ديزي مرّت على توضيح “فيل” ببرود.
‘وهل كاليوس صاحب طبع عادي أصلًا؟ لا سيما حين يكون جائعًا؟ من الطبيعي أن يتصرّف كالمجنون.’
لوّحت بيدها مغيرةً موضوع الحديث:
“على كل حال يا سير فيل، نحن سنغادر غدًا. كم بلغت أجرة العلاج والمبيت؟ سأدفعها مع مكافأة.”
“لا بأس. لم أفعل ذلك طلبًا لمقابل.”
أثار رفضه المهذّب لمعة في عينيها.
‘يا إلهي، أهو فعلًا ابن عائلة ثرية؟’
فحتى لو كانت نُزلًا ريفيًا، فلن تكون تكاليف المبيت زهيدة جدًا. ومع ذلك يدفع لشخص غريب كل هذا بسهولة…
‘لقد ربحت الصفقة!’
انحنت شاكرة بابتسامة:
“حسنًا إذن، شكرًا جزيلًا. سأقبل لطفك بكل سرور!”
كانت ديزي من أولئك الذين لا يرون ضرورة في رفض كرم الآخرين.
“لقد ساعدتني، لذلك سيصيبك الخير. فالناس الطيبون ينالون البركة دائمًا.”
“هاها، أهذا صحيح؟”
“طبعًا. ومن يعيش بسوء سينال عقابه لاحقًا.”
“إعجابٌ بتفكيرك الإيجابي.”
نظرت ديزي نحو كاليوس، ذاك “الشرير المستقبلي الذي سينال العقاب”، وهزّت كتفيها بلا مبالاة.
“على أي حال، هذا ما تقوله الكتب. وكلمات الكتب نادرًا ما تكون خاطئة.”
فهي على الأقل لم تعرف قصة واحدة تناقض ذلك.
“تبدين واثقة جدًا.”
قال فيل وهو يزداد فضولًا.
“لديّ أسبابي.”
“وأي أسباب تلك…؟”
وبينما كانت غارقة في حديث ودّي مع فيل، وضع كاليوس الملعقة فجأة على الطاولة.
“…فقدت شهيتي.”
“هاه؟”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات