خفايا القصر المؤلم - 17
الفصل: دموع تروي الألم…
في تلك اللحظة، لم ترَ أمامها فتى عمره سادسه عشر عامًا، بل فتي، مسجونًا خلف قضبان الخوف، محاصرًا في ماضٍ لم يرحمه.
كانت كل حركة تصدر منه مليئة بالضعف، كأن جسده قد تخلى عنه، ولم يبقَ سوى بقايا روح ممزقة تحاول النجاة من بحر الألم.
تقدمت ببطء، ومدت يدها إليه، لكن إيثان تراجع فجأة، عينيه توسعتا وكأنها شبح ظهر أمامه.
إيثان: لا… لا …
صوته كان مبحوحًا، مرتعشًا، يحمل داخله نداء استغاثة غير منطوقة، صدى ألم لم يجد طريقة للخروج بعد.
لكن إيلينا لم تتراجع.
لم يكن هذا خوفًا منها، بل خوفه هو، خوفه من الدفء، من فكرة أن هناك من قد يقترب منه دون أن يؤذيه.
إيلينا: إيثان، أنا هنا. همست بصوت ناعم، كأنها تحاول أن تطمئن فتي جريحًا يخشى حتى اللطف.
مرت لحظة من الصمت بينهما، سوى من أنفاسه الثقيلة، ثم رفع رأسه ببطء من كتفها .
كانت عيناه البنفسجيتين، مليئتين بالدموع التي لم تتوقف عن السقوط، وكأنهما لم تعتادا على الراحة يومًا.
نظر إليها، لكنها لم تكن مجرد نظرة، بل كانت محاولة لفهم، لاستيعاب شيء لم يعرفه من قبل.
إيثان: أنا… لا أستطيع…
قال بصوت متكسر، وكأن الحروف خرجت من داخله بالقوة، ممزوجة بكل الضعف الذي حاول إخفاءه.
إيلينا لم تبتعد، بل اقتربت أكثر، حتى باتت قريبة بما يكفي ليشعر بدفء وجودها.
إيلينا: لا تستطيع ماذا؟ سألت بلطف، وهي تشعر بأن كلماتها وحدها ليست كافية للوصول إليه.
ارتجف إيثان، يديه انقبضتا على ردائه، كما لو كان يحاول التمسك بشيء يمنعه من الانهيار أكثر.
ثم، فجأة، انهار.
إيثان: لا أستطيع أن أنسى… لا أستطيع أن أنسى كيف فقدتهم…
خرجت كلماته كصرخة خافتة، وكأنها اعتراف لم يجرؤ على قوله من قبل.
ارتعش جسده بعنف، وصدره كان يرتفع ويهبط بسرعة، وكأنه يختنق بذكرياته.
أغمض عينيه بقوة، ثم انفجرت منه شهقة أخرى، وكأن كل الألم الذي كتمه لسنوات بدأ يخرج دفعة واحدة.
إيثان: لماذا… لماذا تركوني؟ …
كانت تلك لحظة تحطم، اللحظة التي سقطت فيها كل الجدران التي بناها حول نفسه.
لم يكن هناك قناع، لم يكن هناك كبرياء، كان فقط فتى محطم، فقد كل شيء، ولا يعرف كيف يعيش من دونه.
إيلينا شعرت بقلبها ينقبض.
لم يكن هذا مجرد بكاء، لم يكن مجرد ألم.
كان هذا انهيار روح، كان صوت شخص فقد حتى الرغبة في المقاومة فقد رغبة العيش.
لم تفكر، لم تتردد، فقط مدت يديها وأمسكت يديه المرتجفتين.
كانت باردة، كأن الدم توقف عن الجريان فيها.
إيلينا: إيثان…
همست، وعندما لم يرد، تابعت بصوت أكثر ثباتًا، لكنه لا يزال يقطر حنانًا.
إيلينا: لا يمكنك أن تبقى هناك… في الماضي. أعلم أن الألم لا يختفي بسهولة، أعلم أنه يأكلك من الداخل، لكنك لست وحدك. أنت هنا الآن، وأنا هنا معك.
كان جسده يرتجف، لكنه لم يسحب يده منها.
ربما، للمرة الأولى، لم يكن يريد الهروب.
كانت عيونه لا تزال ضائعة، لكنها لم تعد فارغة تمامًا.
كانت هناك شرارة، ضعيفة جدًا، لكنها موجودة.
مر وقت طويل قبل أن يهمس بصوت متكسر
إيثان: أنا خائف…
إيلينا ضغطت على يده برفق، ابتسامة صغيرة حزينة شقت طريقها إلى شفتيها.
إيلينا: وأنا أيضًا.
للحظة، فقط للحظة، توقف الارتجاف.
لم يكن الألم قد اختفى، لكنه لم يعد يحمل هذا العبء وحده.
كان ذلك بداية، مجرد بداية، لكنها كانت كافية.
إيثان لم يكن يحتاج إلى الطعام، أو الكتب، أو حتى الكلمات.
كان يحتاج إلى شخص يخبره أنه ليس وحيدًا في هذا العالم.
لم تقل شيئًا آخر، فقط سحبت رأسه بلطف إلى كتفها، وتركته ينهار بصمت، بينما أصابعها تمر برفق بين خصلات شعره السوداء، محاولة أن تمنحه شيئًا لم يحصل عليه من قبل…
دفء شخص لن يرحل.
يتبع…