لم تُولد سيلينارا أزريلثا لتكون فقط نبيلة من سلالة عريقة تنتمي إلى قصر من قصور الشرف.
لقد وُلدت بشيء أندر من الدم الأزرق: شغفٍ لا يمكن كبته.
منذ طفولتها، كانت تحب أن تدور، تلمس الأرض بأطراف قدميها وكأنها تهمس لها، وتترك خلفها أثر ظلٍّ راقص في كل قاعة، وكل ممرٍّ مرصوف بالرخام.
كان والدها يرى فيها وريثةً للبيت، وكان يخطّط لها زواجًا استراتيجيًا ككل بنات العائلات العريقة.
أما هي، فكانت ترى في فساتين الحفلات مجرّد أقفاصٍ مُطرَّزة.
وفي كل خطوة دبلوماسية، كانت تشعر بأنها تمشي بعكس نغمة قلبها.
وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة، وهي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها، هربت.
هربت نحو عالمٍ لا يعترف بالأنساب، بل بالنبض.
نحو خشبات المسارح، وأزقّة الفنون، وساحات القرى، وأرواح الجماهير.
كان كل تصفيق تسمعه أقرب إلى وعدٍ جديد،
وكل رقصة، بابًا تفتحه لنفسها.
كوّنت فرقتها الخاصة من راقصين وراقصات، موسيقيين من جنسيات ولهجات مختلفة، أسمتهم:
“فرقة سيمفونية الظلال”
وسرعان ما أصبحوا عائلتها الثانية، وأصدقاؤها الأوفياء، والمشهد الذي لا يكتمل دونهم.
جابت القارات الخمس:
من رمال مملكة ألداريا الذهبية، إلى جبال كروث الجليدية،
ومن أمواج موانئ فينيسير، إلى قلاع شيلدار المعلّقة.
وفي كل عرض، كانت تُلقَّب بلقبٍ جديد:
– “سيمفونية الظلال الراقصة”
– “أوتار الروح النبيلة”
– “سيدة الريشة الفضية”
– “ظلّ الفجر الراقص”
كانت كمن يكتب فصلاً جديدًا من الأسطورة برقصةٍ واحدة.
لكن رغم كل الأمجاد، بقي قلبها هادئًا… لا يلهث خلف عواطف عابرة ولا كلمات منمّقة.
كانت تُراقص الأرواح، لا الوجوه.
حتى جاء اليوم الذي وصل فيه مرسال الإمبراطورية العظمى سترونيا.
دعوةٌ إمبراطورية رسمية من الإمبراطور ذاته:
ليست فقط لأداء رقصة في مهرجان التأسيس،
بل لتكون ضيفة الشرف… فخر القارات… منارة الجمال المتحرّك.
لم تكن تعلم حينها أن تلك الدعوة ستقودها إلى أهم لحظةٍ في حياتها.
أنها لن تصعد فقط على خشبة المسرح، بل على خشبة القدر.
وهناك، في تلك القاعة الملكية، حيث اجتمعت عيون الأمراء والسفراء والمستشارين،
رأته.
الرجل ذو العيون الذهبية، والشعر الأسود كأجنحة الليل،
الأرشدوق كايرون أرغالوث.
ومنذ ذلك اليوم… ل
م ترقص قدماها فقط للجمهور،
بل بدأت ترقص لنبضٍ آخر.
التعليقات لهذا الفصل " 5"