في القاعة الجانبية المخصصة لاجتماعات فرقة الظلال، ساد صمت ثقيل.
الجميع جلسوا حول الطاولة الطويلة التي انتشر فوقها ورق ملون، نماذج أقمشة، مخططات إضاءة، وأكواب شاي لم تُشرب.
كان ريان، المدير الصغير ذو الملامح الجادة والنظرات المركّزة، واقفًا عند طرف الطاولة، يحمل بيده دفتر الملاحظات الجلدي، وكأنه يحمل به قنبلة مؤجلة.
– “لدينا إعلان مهم.”
قالها بصوت واضح لا يخلو من التوتر.
كل الأنظار توجهت إليه.
أما سيلينارا، فكانت تجلس بصمت، ذقنها مسند على راحتها، وعيناها تتابعان خطوط الضوء على الطاولة أكثر مما تتابع الحديث.
– “جدول الرحلات تغيّر.”
رفع الورقة كما لو أنها حكم لا يمكن استئنافه.
– “بناءً على اتفاقنا السابق مع بلاط مملكة نوفاريس، سنُغادر الإمبراطورية بعد… سبعة أيام.”
لحظة صمت.
ثم همسات.
ثم ارتفع حاجب إلينا بدهشة، بينما شهق أحد العازفين بصوت خافت.
لكن آرا… بقيت صامتة.
كأن شيئًا داخلها انكمش.
سبعة أيام.
سبعة ليالٍ.
وستغادر.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تغادر فيها مدينة أو قصراً أو حتى مملكة.
لكن شيئًا في صدرها هذه المرة لم يكن مستعدًا للحركة.
كأن جزءًا منها يرفض أن يُطوى هنا، في هذه الإمبراطورية الغارقة بين الثلج… والعينين الذهبيتين.
– “سيلينارا؟”
نادت إلينا، وهي تميل نحوها بخفة:
– “هل أنتِ بخير؟”
أجابت بابتسامة رقيقة، مهذبة أكثر من اللازم:
– “تمامًا.”
لكن في داخلها، لم تكن كذلك.
كانت تشعر بحزن لم تختبره من قبل. ليس حزن الوداع، بل حزن التردد.
وهو أسوأ.
– “ننتقل الآن إلى المهام.”
قال ريان وهو يقلب الصفحة:
– “الموسيقى: سنعتمد مقطوعة الجميلة الصامتة. أداء مشترك بين الكمان والبيانو، مع لمسة إيقاعية خفيفة.”
همهم البعض بالموافقة.
– “أما العرض الرئيسي… فسيكون رقصة فردية لآرا، تفتتح بها الأمسية.”
رفع رأسه إليها، وكأنه يتفقد استجابتها.
– “ثم رقصة ثنائية… وقد قررنا أن يؤديها معك إيان.”
توقفت أنفاسها للحظة، لم تُظهر اعتراضًا، لكنها نظرت بسرعة نحو ريان، ثم إلى الورقة، ثم إلى لا شيء.
– “وهل كان هناك… مرشح آخر؟”
سألت بصوت منخفض.
– “كان الاقتراح بين ثلاثة أسماء، لكن إيان لديه خلفية كافية، وهو… الأنسب.”
كادت أن تسأل: “الأنسب لمن؟”
لكنها ابتلعت السؤال مع مرارتها.
– “أما بالنسبة للزيّ…”
وأشار إلى نماذج الأقمشة التي وضعتها إلينا أمامها.
إلينا تدخلت بحماس:
– “فكرتُ في فستان من طبقتين، تدرجات بين الرمادي الثلجي والأرجواني الغامق، خفيف، لكن بلمعة فضية ناعمة على الحواف… كي يعكس الضوء عند دورانكِ.”
ثم أضافت وهي تضحك:
– “ليبدو كأنكِ… تحلقين.”
ابتسمت آرا بأدب، ولم تعلّق.
لكن في قلبها، كانت تشعر أنها لا تطير… بل تهبط.
ريان أنهى الاجتماع بنظراته الحادة المعتادة:
– “نملك أسبوعًا فقط. كل لحظة مهمة. وسيلينارا، أحتاجكِ لتدريب خاص غدًا مع العازفين مباشرة.”
أومأت بخفة.
بدأ الجميع بالتفرق، أصوات الكراسي والملاحظات الجانبية تتلاشى.
لكن سيلينارا… بقيت جالسة لحظة أطول.
وضعت يدها على دفتر صغير أمامها، رسمت عليه شكل دوّامة بأطراف أصابعها، ثم همست:
– “سبعة أيام…”
ثم وقفت، أخذت نفسًا،
وابتسمت كمن يستعد لعرض…
بينما العرض الحقيقي كان يجري خلف عينيها، حيث لا جمهور… ولا تصفيق.
التعليقات لهذا الفصل " 17"