الفصل 2

 

 

“أبي! هذا الطفل للتو…”  

 

 

صاحت كلوني فجأة وهي مصدومة. تحدث بوين بهدوء وهو يحمل الطفل مجددًا. 

 

 

“نعم، إنه فاقد للوعي لكنه لا يزال يتنفس. هيا بنا نعود بسرعة. يجب أن نرى الطبيب.”  

 

 

“حسنًا، هيا بنا، أبي.”  

 

 

تحول ذهولها إلى قلق عاجل.  

 

 

كان الطفل المتراخي كالأعشاب البحرية التي خرجت من الماء يبدو وكأنه سيموت في أي لحظة.  

 

 

خلعت كلوني معطفها وغطت به الجسم المبلل. نزعت قبعتها أيضًا، آملة أن يقل تماس الهواء البارد مع الطفل.  

 

لم تفكر في طريقة أخرى للمساعدة. لذا سارت بسرعة، متقدمة على والدها، بأسرع ما يمكن.  

 

 

“هل كانت الطريق إلى البيت بهذا الطول؟”  

 

 

كانت تنظر خلفها بقلق من حين لآخر، خائفة أن يحدث شيء سيء للطفل في تلك الأثناء. أرادت أن تسأل إن كان لا يزال يتنفس.  

 

 

لكن الذراع النحيلة التي كانت تتدلى بلا حياة أزالت شجاعتها للسؤال على الفور. بدلاً من ذلك، تمتمت كلوني بعبارة “سيكون بخير” كتعويذة مرات عديدة.  

 

 

ما إن وصلا إلى القصر حتى استدعى بوين الطبيب. بدت المربية جين مصدومة من الضجة المفاجئة، لكنها سارعت للمساعدة. لم يكن بإمكان كلوني سوى الصلاة من أجل الطفل خارج الغرفة.  

 

 

قبل أن تكمل جملتين وهي تجمع يديها، فتح الطبيب باب الغرفة بعنف وهو غاضب، رغم أنه لم يمض وقت طويل منذ دخوله لرؤية المريض.  

 

 

“حتى لو كنت السيد ريد، أين القانون في هذا؟”  

 

 

“لقد شرحت أنني لم أكن أعلم. أنا آسف. خذ هذا واهدأ. لقد وضعت مبلغًا وافرًا.”  

 

 

“ها! يا لسوء الحظ!”  

 

 

“اعتذر عن الإزعاج. اذهب بحذر.”  

 

 

كان مشهد الطبيب الغاضب ووالدها المرتبك غريبًا جدًا. لم تستطع كلوني إبعاد عينيها عن ظهر الطبيب وهو يبتعد.  

 

 

“أن يجرؤ أحدهم على التصرف بوقاحة مع والدي، التاجر الكبير؟”  

 

 

كانت كلوني تعلم جيدًا مدى رهبة الناس من اسم “بوين ريد”. لقد أدركت منذ زمن أنه تاجر من نوع مختلف عن التجار في السوق. الأسلحة ليست كالخبز أو الفاكهة أو الملابس، ليست شيئًا يبيعه أي شخص.  

 

 

 

كلما ذكرت اسم ريد، كان الناس يسألون: “حقًا، أنتِ ابنة السيد ريد؟” ثم يسارعون للسؤال عن والدها أو لمدحها.  

 

 

 

ليس هذا فحسب، فالأطفال الآخرون في عمرها لم يكن لديهم مربيات يتحدثن بأدب، ناهيك عن منزل مع حديقة. بحسب معلمها الخاص، السيد كيريل، فإن العيش بسلطة ونفوذ دون أن تكون نبيلًا ليس أمرًا ممكنًا بالمال فقط.  

 

 

 

حتى جدتها من جهة الأم، التي كانت تكره والدها الذي لم يكن من النبلاء، لم تتجرأ يومًا على التفوه بكلام جارح ضده، رغم أنها كانت تتحدث إليه باستعلاء.  

 

 

لكن هذا الطبيب، ما الذي يجري؟  

 

اقتربت كلوني من والدها وهي لا تخفي حيرتها.  

 

 

“أبي، ما الذي حدث؟”  

 

“لقد ارتكبت خطأ دون قصد.”  

 

 

تنهد بوين بعمق واستدار. كان هناك شعور غريب في وجهه. بدا غاضبًا أكثر من كونه قلقًا، لكنه مرتبك أكثر من كونه غاضبًا.  

 

 

لم تجد كلوني ما تقوله أمام هذا التعبير، فأمسكت بطرف معطف والدها دون داعٍ.

 كانت الملابس المبللة من حمل الطفل لا تزال تنضح بالبرودة.  

 

 

 

فرك بوين جبينه وتحدث مجددًا. 

 

“لقد ارتكبت خطأ كبيرًا معكِ أيضًا. لقد أمرت بحرق كل الملابس التي لامست ذلك الطفل، فلا تقلقي.”  

 

 

“ماذا تعني؟ حرق ملابسي؟”  

 

 

“نعم.”  

 

“لماذا؟”  

 

“ذلك الطفل من قبيلة روبيشي.”  

 

 

شهقت كلوني .  

 

 

شعب الروبيشي، الأدنى بين الأدنيين. شعب متجول يرتكب الجرائم، ينشر الأمراض، ويفتقر إلى الأخلاق لدرجة أنهم لا يترددون في قتل أقربائهم. سرطان الإمبراطورية بحق.  

 

 

لم تقابلهم من قبل، لكنها تلقت تعليمًا كافيًا لتعرف أنهم فئة يجب تجنبها تمامًا.  

 

 

 

“كان هناك رمز تحت أذنه. تلك النجوم الثلاث البغيضة. اللعنة، كيف لم ألاحظ ذلك؟ لقد جعلت جين تفعل ما لا يجب. أن تجعل شخصًا اعتاد خدمة النبلاء يعتني بشيء أحقر من الخنازير!”  

 

 

نقر بوين لسانه بنزق بعد أن أنهى كلامه.  

لم تستطع كلوني الرد من فرط الصدمة. ليس لأن الطفل من روبيشي، بل لأن سلوك والدها كان قاسيًا أكثر من اللازم.  

 

 

“لقد أضعت وقتًا طويلًا على أمر تافه. سأغير ملابسي وأخرج. كلوني ، لا تدخلي تلك الغرفة واصعدي إلى غرفتك الآن.”  

 

 

“ماذا عن ذلك الطفل؟”  

 

 

“لا شأن لكِ به.”  

 

 

لم تفهم كلوني لماذا يعادي والدها طفلًا أنقذه بنفسه من الماء فقط لأنه من أصل وضيع.  

 

 

“أبي! إنه مجرد طفل صغير، على وشك الموت. إنه يحتاج إلى المساعدة!”  

 

 

 

أمسكت بوالدها بحرارة، لكنه هز رأسه بحزم.  

 

 

“ما إن يولد المرء من روبيشي، فلا معنى للعمر أو الجنس. وذلك الطفل لن يموت. لا تقلقي واذهبي إلى غرفتك.”  

 

 

فتحت كلوني فمها مرتين دون صوت، ثم تحركت أخيرًا. من تعبير والدها الحازم، بدا أن أي كلام لن ينفع الآن.  

 

 

 

شعرت بنظرات حادة تراقبها وهي تعود إلى غرفتها، لكنها لم تستطع الاستسلام. روبيشي أو غيره، إنه مريض، أليس كذلك؟  

 

 

طفل نحيف يحتاج إلى رعاية.  

 

 

فتحت كلوني الباب بمقدار شعرة وأصغت إلى الأصوات الخارجية. بعد قليل، سمعت صوت خطوات خافتة وصوت إغلاق باب المدخل.  

 

 

لم يكن هناك وقت للتردد أو التفكير. صورة الطفل المسكين ملأت رأسها. اتجهت كلوني على الفور إلى الطابق الأول. لكن للأسف، لم تسير الأمور كما أرادت.  

 

 

“آنستي!”  

 

 

قبل أن تمس يد كلوني مقبض باب غرفة الضيوف، نادتها جين من حيث لا تدري.  

 

توقفت كلوني على مضض.  

 

 

“نعم، يا مربية. ما الأمر؟”  

 

 

“ألم تسمعي كلام السيد ريد؟ الشيء بداخلها من روبيشي. لا ينبغي لشخص نبيل مثلكِ أن يقترب منه.”  

 

 

“أين القانون في هذا؟”  

 

 

عبست كلوني وتجنبت نظرة جين الحادة. لكن التوبيخ لم يتوقف.  

 

 

“إنهم يجلبون النحس. الاقتراب منهم يعني الشقاء! هذه ليست مجرد خرافة. لا يمكن عَدّ المصائب التي تسبب بها روبيشي حتى الآن.”  

 

 

“مربية، صوتك مرتفع جدًا.”  

 

 

خفضت كلوني صوتها خوفًا من أن يستيقظ الطفل ويسمع. وضعت إصبعها على فمها إشارة للصمت، لكن جين لم تهتم. 

 

 

“فليسمع إذًا!”  

 

 

“مربية!”  

 

 

“آنستي، هذا ليس وقت العناد.”  

 

 

كانت جين حازمة. لم تستطع كلوني تحمل تلك النظرة العنيدة فخفضت رأسها. ثم تمتمت بلا مبالاة. 

 

 

“لو كانت أمي هنا…”  

 

“ماذا؟”  

 

“لو كانت أمي هنا، هل كانت ستوقفني أيضًا؟”  

 

 

“آنستي…”  

 

 

خفت صوت جين فجأة.  

 

 

توفيت ماريسا ألتي بعد أقل من نصف عام من ولادة ابنتها. لذا لم يكن لدى كلوني أي ذكريات عن أمها.  

 

 

لكنها كانت متأكدة. لو كانت أمها، الابنة الصغرى المحبوبة لعائلة كونت، التي كانت تساعد المتشردين والفقراء في الشوارع، هنا، لكانت شجعتها بدلاً من ذلك.  

 

 

 

“ابقي الأمر سرًا عن أبي. اليوم ليس لدي دروس مع السيد كيريل، فلدي الكثير من الوقت.”  

 

 

 

نظرت جين إلى كلوني للحظة ثم تنهدت باختصار.  

 

 

“كيف تشبهينها إلى هذا الحد؟ لون الشعر، العينان، القلب الرقيق الطيب… أحيانًا عندما أنظر إليكِ، أشعر وكأن الآنسة ماريسا تقف أمامي.”  

 

 

تلوّنت زوايا عينيها المجعدتين بابتسامة مريرة. إذا كانت كلوني تشتاق لأمها التي لا تتذكرها، فكيف ستكون مشاعر المربية؟  

 

“حسنًا، سأبقي الأمر سرًا.”  

 

 

ابتسمت جين بضعف كأنها استسلمت. ابتسمت كلوني بفرح حتى ظهرت أسنانها.  

 

 

“شكرًا، يا مربية!”  

 

 

“لكن لا تبقي طويلًا. راقبي فقط من الجانب. إذا استيقظ، ناديني. هل فهمتِ؟” 

 

 

“نعم، فهمت.”  

 

 

أومأت كلوني برأسها مرات عديدة ومدت يدها نحو مقبض الباب مجددًا.  

 

 

لم تشعر بأي تردد على الإطلاق رغم سماعها عن قبيلة روبيشي. كل ما كان يشغل بالها هو صورة الطفل المتراخي كالورق المبلل.