بعد أن تخلّصت لي جاي من أفكارها المتراكمة ، وجدت نفسها على ضفاف البحيرة.
كان تعبيرها مليئًا بالإحباط – من الواضح أنها لا تزال غاضبة من الملك الصبي الذي لم يبدُ أنّه يُقدم لها أي مساعدة.
“هل يُمكنني زراعة بعض الأعشاب الطبية في غابة آرثر؟”
— لماذا تسأليني هذا السؤال؟
“إذن من يُفترض بي أن أسأل؟”
— الغابة مِلكٌ للعائلة المالكة. عليكِ أن تسألي الملك الحالي.
ضمّت لي جاي شفتيها ، كما لو كان يقول هراءً مُطلقًا.
“لستُ ساذجة إلى هذه الدرجة ، كما تعلم. لستُ غبية جاهلة!”
— ما بكِ فجأة؟ لماذا أنتِ غاضبة جدًا؟
“كيف يُمكنني ألا أغضب؟ أنا في الواقع شخص سريع الغضب! حتى لو سمح جلالته بذلك ، إذا قُلتَ لا ، فلن يحدث ذلك ، أليس كذلك؟”
قبضت الثعلبة ذات اللون المشمشي على قبضتيها الصغيرتين ، و هي تلهث من شدة الإحباط.
ضحك الملك الصبي ببساطة و جلس بجانبها.
في اللحظة التي اقترب فيها ، انتفضت لي جاي.
“لا تقترب أكثر. هذا مزعج حقًا. لنتّفق على أن نُحافِظ على مسافة بيننا”
على الرغم من حاجتها الماسّة لمساعدته ، إلا أنه كان ببساطة روحًا استثنائية لا يمكنها الاقتراب منه بسهولة.
ابتعدت بحذر ، تاركةً بينهما مسافة أكبر.
— يمكنكِ زراعتها. فقط لا تُلحِقي الضرر بالأرض.
“…”
— كانغ لي جاي. تذكّري هذا – لن تتمكني من التعامل مع هذه الطاقة بمفردكِ.
“نعم. أفهم”
— …
“…شكرًا لكَ على التحذير”
ابتسم الملك الصبي بلطف و مرّر يده الخافتة الشبحية على شعرها.
— أنتِ تعملين بجد. كوني قوية.
ثم ، مع حصانه الأبيض ، اختفى في الهواء.
* * *
انتشرت هِواية الملكة الجديدة في تخمير الأدوية بسرعة في أرجاء القلعة.
عندما سألته لي جاي لأول مرة إن كان بإمكانها زراعة شيء ما في مساحات الغابة الفارغة ، أطلق رودريك ضحكة مكتومة جافة و أومأ برأسه.
“افعلي ما يحلو لكِ. لماذا تسألين أصلًا؟”
“لقد قُلتَ أنّه كنز ملكي”
“من غيركِ و غيري يذهب إلى هناك؟ فقط لا تُشعلي النار”
من منظور شخص غريب ، عاشت الملكة حياةً مملةً للغاية.
كانت هواياتها الوحيدة المعروفة هي النحت و التأمل.
في الحقيقة ، كانت أكثر تحفظًا مِن مُعظم مَن هُم في سنها.
لذا ، إذا وجدَت أخيرًا شيئًا ترغب في فعله ، فلم يكن لدى رودريك سبب للإعتراض. مع ذلك ، كان من المضحك أن الهواية التي اختارتها كانت تليق بناسِك عجوز.
لكن ما جعله يضحك حقًا من دهشته هو ما حدث بعد ذلك.
“المجد لـكايين”
رمق رودريك جايد بنظرة حيرة.
“ماذا تفعل هنا؟ ماذا عن هايلي؟”
“… جلالتُها حاليًا في الحديقة ، تُحَضِّر الدواء مع الطبيب الملكي”
و ليس عفويًا ، بل كانت تفعل ذلك بحماس كبير.
انقلبت ملامح رودريك ، و قد تأرجح بين الضحك و الغضب.
و بدا قائد الفرسان ، الذي راجع التقارير ، قلقًا بنفس القدر.
“يا جلالة الملك ، من أين جاءَت هذه الهواية؟ أعتقد أنني سأفقد صوابي”
كان هناك أمر آخر أزعج قائد الفرسان تمامًا.
“وفقًا للطبيب …”
“ماذا الآن؟”
“جلالتها لديها معرفة واسعة في هذا المجال”
“…”
“إنها لا تعرف الكثير عن الأعشاب الطبية المحددة ، لكنها تستطيع إجراء نقاش حول هذا الموضوع … و المساهمة بشكل هادف”
ضغط رودريك على أنفه ، و بدا عليه الصداع بوضوح.
نظر إلى الناس من حوله.
“هل فهمتُم أخيرًا ما أشعر به؟”
تجنّب الجميع النظر إليه.
“هذا لا يُصدّق”
“…”
“من أين أتت الملكة أصلًا؟ لماذا لا يبدو أن أحدًا يعرف عنها شيئًا حقًا؟ في هذه اللحظة ، أشعر برغبة في استدعاء الدوق فقط لأسأله كيف استطاع تربية ابنته هكذا”
و مع ذلك ، و رغم إحباطه ، لم يستطع إخفاء قلقه تمامًا.
“هل هي مريضة؟”
“…عفوًا؟ لا ، لا أعتقد ذلك”
“إذن لماذا تُحضِّر الدواء فجأةً مع الطبيب؟”
ترددت جايد للحظة.
هل كان الملك يسأل حقًا لأنه لا يعرف؟
مهما حاول المرء أن يراها مجرد دنكان ، كان من الواضح أن الملكة تهتم لأمر الملك.
و كانت لديها عادة سيئة – نادرًا ما تتناول الدواء ، حتى عندما كانت مريضة.
كانت تتجاهل الوصفات الطبية ، و تُصِّر على أن الراحة وحدها تكفي … عادة سيئة تشاركتها مع الملك نفسه.
هذا يعني أن الدواء الذي كانت تعده لم يكن لها. بل كان له.
عندما رأى رودريك الإجابة مكتوبة على وجه جايد ، نقر على لسانه.
“إنها لا تستطيع حتى الاعتناء بنفسها كما ينبغي ، فما فائدة كل هذه المعرفة؟ أمر سخيف تمامًا”
و لكن على الرغم من كلماته ، كان تعبيره ساخرًا.
في الواقع ، بدا مسرورًا بعض الشيء.
“سأذهب لرؤيتها”
بإبتسامة منعشة ، نهض رودريك من مكانه.
* * *
نظرت ديبورا إلى لي جاي بتعبير مُربَك بعض الشيء.
لم تكن الخادمات من حولها مختلفات.
“إنها بارعةٌ جدًا في هذا”
“في الواقع ، تبدو مرتاحةً الآن”
“لم تكن عاديةً في الخياطة أيضًا”
“أيُّ حياةٍ عاشتها …؟”
من الغريب أن مواهب الملكة بدت في أوج تألقها عندما كانت تقوم بالأعمال الشاقة.
جميع وصيفات الملكة كنّ من أصولٍ نبيلة.
هذا يعني أن أيًّا منهنّ لم يسبق لهنّ القيام بأعمالٍ شاقة.
و لكن حتى من النظرة الأولى ، كان الأمر واضحًا – لي جاي هي من قامت بها.
كانت تمد يدها إلى الأشياء المتسخة دون تردد ، و تتعامل مع الحطب بسهولة ، و تتحقق من النيران بإستمرار ، بل و تُهوّيها بألفةٍ مُعتادة.
في هذه الأثناء ، كانت لي جاي غارقةً في التفكير ، منحنيةً و ذقنها مُستقرّة على يدها.
سينتوبوري*. أجسادنا بحاجةٍ لما هو لنا.
يجب أن يُغذّى الجسد الملكي بأعشاب الغابة الملكية.
[*سينتوبوري: مقولة كورية تعني في الأصل “لا ينفصل الجسد عن التراب”. في جوهرها ، يكون جسدنا و روحنا في أفضل حالاتهما عند تناول أطعمة تنمو على التراب الذي نطأه. في هذه الحالة ، تقصد لي جاي أن على رودريك أن يتغذى بأعشاب غابة آرثر ، لأن العائلة المالكة نفسها يجب أن تمتلك القدرة على طرد الأرواح التي تُطارِد رودريك]
أثنَت لي جاي على نفسها ،
‘هذه فكرة ذكية جدًا’
جدتي ، أنا آسفة على تذمري آنذاك – عِند قَولي إنّ على الشامان أداء الطقوس فقط بدلًا من تكليفي بكل هذا العمل الإضافي. لم أقصد ذلك.
ترددت الخادمات ، غير مدركات للأفكار السخيفة التي تجول في ذهن الملكة ، قبل أن يتقدمن.
“جلالة الملكة ، هل نغسل هذه؟”
“هاه؟ أوه … أجل”
أومأت لي جاي برأسها شاردة الذهن.
“جلالة الملكة ، هل نقشر هذه؟”
“أجل ، آه ، لكن اقطعي الجزء السفلي أيضًا. قد يكون سامًا”
نظر الطبيب ، و هو يراقب من الجانب ، إلى الملكة في حيرة شديدة.
لماذا تعرف جلالتها مثل هذه الأمور؟
في أحد الأيام ، توجهت الملكة إليه فجأة لتسأله عن أعشاب تُعيد الطاقة. لكن بدلًا من طلب وصفة طبية ، بدأت بزراعة الأعشاب بنفسها.
على مدار خمسمائة عام من تاريخ كايين ، اهتم العديد من أفراد العائلة المالكة بتنسيق الحدائق – لكن أن تزرع الملكة أعشابًا طبية؟ هذا أمرٌ نادر.
و الآن ، ها هي ذا ، تستنشق دخان النار الحاد ، و تُشعلها بجد.
لم يكن الأمر صحيحًا ، لكن ديبورا و الطبيب كانا في حالة ذهول تام. أما الخادمات الأصغر سنًا ، فقد بدت عليهن حماسة غريبة.
سألت لي جاي ، و هي تحوم بالقرب منهن: “هل أفعل ذلك؟”
“لا ، يا جلالة الملكة! سأفعل ذلك. أستطيع القيام بذلك جيدًا!”
في الحقيقة ، اقتربت لي جاي لأنها كانت متشككة بعض الشيء ، لكن عندما سمعت ذلك ، أومأت برأسها.
“حسنًا ، أثق بكِ”
نظرت لي جاي إليهم و هم يمسكون بالسكين بأيدٍ مرتبكة ، فخدشت خدها و عادت إلى النار.
أحضرت خادمة بسرعة كرسيًا منخفضًا ، مناسبًا أكثر للجلوس على الأرض.
“جلالتكِ ، تفضّلي بالجلوس. سيستغرق هذا بعض الوقت ، ستؤلمكُ ساقيكِ”
لاحظت لي جاي شعورًا غريبًا بالإثارة ينتشر حولها ، فإنفجرت ضحكًا. لطالما كان انضمام الناس بنوايا حسنة مصدر فرح و نعمة.
في خضم هذا المشهد غير العادي ، ظهر الملك.
“هايلي”
يا إلهي؟ ليس بعد – لقد تأخرتُ كثيرًا! لم ينتهِ الأمر بعد!
بينما كانت الملكة تنظر ذهابًا و إيابًا بين الدواء المغلي و الملك المُقتَرِب ، تدخّل الطبيب.
“يا جلالة الملكة ، من فضلكِ تحدّثي مع جلالته. هذا واجبي. سأتولى الأمر”
“لا ، سأتولى الأمر. تحدّث معه أنت”
“…”
صُدم رودريك تمامًا بكلامها للطبيب.
من أنا؟ شخصية جانبية؟
بحركة من يده ، أبعد الطبيب بعيدًا وانحنى بجانب لي جاي.
في الحقيقة ، وجدها محببة – تحدق في النار بإهتمام شديد.
هي أيضًا صغيرة و ثمينة اليوم.
عندما علم أنها شديدة التركيز ، حاول كبح جماح نفسه ، لكنه في النهاية لم يستطع المقاومة.
“ماذا تفعلين؟ تتصرفين كامرأة عجوز؟”
“آه ، لا تتحدث و أنتَ بالقُرب مِن النار”
رمقته لي جاي بنظرة غاضبة.
“…حسنًا ، لا بأس”
ترددت و هي لا تزال تحدق في الدواء المغلي قبل أن تدفع كرسيها نحوه.
“هيا. اجلس”
“…”
“ماذا تفعل؟ اجلس”
“ألم تطلبي مني ألّا أتحدث؟”
“أنتَ تُبالِغ أحيانًا”
تجاهلته لي جاي ، و ضغطت بإصبعين على صدرها و تمتمت ببعض الأدعية الصامتة.
اختلست نظرة إلى رودريك.
في الحقيقة ، لم تكن ترغب في إطعامه شيئًا صحيًا فحسب ، بل أرادت أن تُمطره بالفاصوليا الحمراء و الملح الخشن.
كان قلبها يؤلمها من شدة الرغبة. و لكن مهما كان رودريك زوجًا صالحًا ، فإن إلقاء الأشياء على الملك سيُدخِلها السجن على الأرجح بتهمة الإساءة إلى الذات الملكية.
إذن ، كان هذا هو عبئها.
لم تكن صادقة منذ البداية ، و الآن هي غارقة في خداعِه.
حدّقت لي جاي بهدوء في النار ، غارقة في أفكارها.
في هذه الأثناء ، كان رودريك يراقبها فقط.
و رأى الجميع ذلك – الابتسامة الدافئة التي انتشرت ببطء على وجه الملك.
ما إن أصبح الدواء جاهزًا ، حتى سكبت لي جاي بعضًا منه في وعاء صغير و قدّمته إلى رودريك ، الذي قبله بابتسامة.
و لكن قبل أن يشرب ، تدخل جايد.
“سامحيني يا جلالة الملكة”
“… لماذا؟”
“لا يجوز لجلالته ولا لجلالتكِ شُرب شيء لم يُجرَّب أولًا”
كان هذا تصريحًا حذرًا ، يحمل شعورًا كامنًا بعدم الثقة.
حدّقت الخادمات على الفور في الخدم ، و حتى رودريك بدا و كأنه يريد توبيخ جايد. لكن لي جاي بدت و كأنها اكتسبت بصيرة جديدة.
“آه ، هذا منطقي”
“…”
“هذا صحيح تمامًا”
قبل أن يتمكن أحد من إيقافها ، أخذت رشفة من السائل الداكن بنفسها.
فغر جايد فاهه مصدومًا – لم يتوقع أن تكون الملكة هي من تتذوقه.
ابتسمت لي جاي و مدّت الوعاء لرودريك مرة أخرى.
هذه المرة ، شربه كله. ثم ، و هو يشاهد الثعلبة الصغيرة التي تسببت في هذا المشهد ، ضحك ضحكة مكتومة.
مدّ يده و مسح شعرها.
“استمتعي بوقتكِ. أراكِ على العشاء”
بينما غادر الحديقة ، نظر رودريك إلى صديقه القديم و تحدث بإبتسامة خفيفة.
“جايد”
“أجل ، جلالتكَ”
“حاول ألا تقول أشياء كهذه للملكة كثيرًا”
“… عفوًا؟”
“هل تعتقد أنني أقول هذا لمجرد أنني أريد الوقوف إلى جانبها؟ لا ، هذا من أجلكَ”
“…”
“إذا فعلتها مرتين ، فقد تبدأ بالاستياء منك. لقد فهمت منطقك و قدّرته فورًا ، لكن في المرة القادمة ، لن تُقدّمه بنفسها”
ضحك رودريك و هو يبتعد.
“ليتكم جميعًا تمتلكون نصف الوعي الذي تمتلكه الملكة”
لا أحد يستطيع فهم سبب سعادة الملك.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: سورا
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 48"