بينما كانت آثا تراقب يد الخادمة المهتزة للحظة ، سألت الإمبراطورة أونيسيا: “كيف تسير استعدادات الزفاف؟”
و عندما فتحت آثا فمها للإجابة ، سُمع صوت ارتطام قوي.
يبدو أن الخادمة التي صبت الماء كانت متوترة للغاية ، فبينما كانت تتراجع بعد صب الماء ، تعثرت و سقطت على العشب رغم خلوه من أي عوائق.
و بينما تشتت انتباه آثا للحظة و هي تنظر إلى الخادمة بعينين قلقين ، أجاب أليستو بدلاً عنها: “نعم. الأمور تسير بسلاسة ، فلا داعي للقلق”
لمحت الإمبراطورة ابنها بنظرة تأمره بعدم التدخل ، ثم تحدثت مجددًا: “لقد سألتُ الدوقة. يا ابنتي ، هل اخترتِ طاقم المساعدين؟”
سحبت آثا نظراتها عن الخادمة التي نهضت بسرعة و اختفت ، ثم عدلت صوتها: “نعم. لقد تلقيتُ تأكيدًا من الآنسة سيسيليا من عائلة إيرت لتولي منصب السكرتيرة ، و أفكر في الآنسة هيلا من عائلة هاوزر لمنصب أمين الصندوق”
اتسعت أعين الإمبراطورة و أليستو و جيرولد قليلاً بسبب هذا الكلام غير المتوقع.
“هيلا؟”
عندما رأت آثا علامات الاستغراب تمر في أعين الثلاثة و هم ينظرون إليها ، أضافت موضحة: “نعم. سمعتُ أنها تنتمي لعائلة تجار و هي بارعة في الحسابات. أعتقد أنها ستكون الأنسب لتولي شؤون المحاسبة”
حينها ، عاد تعبير جيرولد إلى جموده المعتاد ، بينما ابتسم أليستو بخفة.
لقد كان يعلم بالعلاقة المتوترة بين آثا و هيلا من التقارير السابقة.
و رغم رغبته في التدخل لضبط تصرفات هيلا ، إلا أن سبب عدم قيامه بذلك هو مكانة آثا.
فهي المرأة التي ستصبح إمبراطورة مستقبلاً.
كان من الأفضل لها أن تكتسب تدريجيًا مهارة التعامل مع نبلاء العاصمة بدلاً من أن يخبئها خلفه و يحميها.
من هذا المنطلق ، كانت هيلا شريكة جيدة للتدرب عليها.
بما أنها من نفس عمرها ، فسيكون من السهل التحدث معها أكثر من السيدات النبيلات الأكبر سنًا ، كما أن هيلا من النوع الذي تظهر نواياه بوضوح ، لذا لا داعي للقلق من تدبيرها لمكائد خفية.
كما أن والد هيلا موجود في بلوسوم ، لذا في حال حدوث أي طارئ ، سيكون من السهل إرسالها إلى منطقة أخرى.
على أي حال—رأى أليستو أن عدم تدقيق القدّيسة في أصل الشخص و استبعادها للمشاعر الشخصية عند اختيار الكفاءات ، يجعلهما متشابهين.
و عندما اكتشف نقاط تشابه بينهما ، ازداد شعوره بقوة بأنهما “توأم روح”.
و كأن حبه لهذه المرأة لم يكن مجرد صدفة تكررت ، بل كان قدرًا محضًا.
‘آه …’
الحب.
صحيح.
فمشاعره تجاه القدّيسة قد تجاوزت بالفعل مجرد الإعجاب و المودة.
لقد كان هذا حبًا بكل تأكيد ، و لم يكن قد بدأ للتو.
بل تعمق تدريجيًا لدرجة أنه لا يعرف متى بدأ بالضبط.
و بينما كانت نظراته تزداد عمقًا و هو يراقب القدّيسة ، سألت الإمبراطورة مجددًا: “هل ستكونين بخير؟”
كان تفكير أونيسيا مختلفًا قليلاً عن أليستو.
كانت ترى أن العلاقة مع الشخص المقرب أهم من كفاءته.
فمهما كان الشخص بارعًا في عمله ، فما الفائدة إن كنتِ تشعرين بعدم الارتياح في كل مرة تقابلينه فيها؟
و كيف ستتحملين كل ذلك الضغط النفسي؟
و سواء كانت ابنتها تدرك هذا القلق أم لا ، فقد ابتسمت لها بوضوح و قالت: “أنا أيضًا لا أعرف بعد. أنوي تجربة أشياء مختلفة”
بعد ذلك ، تركز الحديث بشكل أساسي على جدول الزفاف.
تقرر أن تشرف الإمبراطورة أونيسيا معها على اختيار الفستان و الأحذية و غيرها ، كما تلقت ترشيحات لمعلمين لتعليمها آداب القصر الإمبراطوري.
بعد ذلك ، أخبر أليستو أن كبير الكهنة إيسيس سيحضر حفل الخطوبة و الزفاف كبديل عن جانب العروس بدلاً من الكونت هيرمان و زوجته.
في تلك اللحظة ، مر بذاكرة آثا وجه الحاكم الذي كان يأتي دائما فجأة بابتسامته الماكرة.
وفقًا لما تعرفه ، فإن كبير الكهنة إيسيس هو الحاكم نفسه.
فقد كُتب في الرسالة التي أرسلها: “إذا كنتِ فضولية لمعرفة التفاصيل ، فابحثي عن كبير الكهنة إيسيس في المعبد”
ارتجف صوتها قليلاً و هي تسأل: “كبير الكهنة إيسيس؟”
ابتسم أليستو بلطف و كأنه يطمئنها: “نعم. لقد أعرب كبير الكهنة عن رغبته الصادقة في الحضور ، قائلاً إن الآنسة آثا ليست مجرد فرد في المعبد ، بل هي كفرد من عائلة الحاكم إيسيس”
“آه …”
عندما أصبح تعبير وجهها غريبًا قليلاً ، مال أليستو برأسه و سأل بحذر: “هل أنتِ غير مرتاحة للأمر؟”
هزت آثا رأسها بسرعة ردًا على سؤاله: “لا. أنا مرتاحة. و لكن ، هل قال ذلك حقًا؟ كفرد من عائلة … الحاكم إيسيس؟”
لسبب ما ، شعرت بوخزة في طرف أنفها.
‘كنت أظن أنني وحدي من أشعر بالألفة تجاهه ، و لكن إيسيس أيضًا كان يفكر بي هكذا؟’
‘حقًا؟’
أومأ أليستو برأسه و كأنه يجيب على تساؤلها الداخلي: “نعم. لقد قال ذلك بوضوح”
لم تكن تعرف ما هو هذا الشعور ، لكنها شعرت أن الدموع قد تفر من عينيها بشكل غير لائق.
رمشت بعينيها بسرعة ، ثم نظرت إلى السماء مرة واحدة ، و زمّت شفتيها.
أرادت رؤيته في الحال.
“هل أنتِ بخير؟”
لم تكن آثا بارعة في التحكم بتعابير وجهها ، لذا سرعان ما انكشف اضطراب مشاعرها.
أومأت برأسها ردًا على سؤاله: “نعم. بسماعي أنه قال ذلك ، شعرتُ للحظة و كأنني حصلتُ حقًا على عائلة”
بسبب كلماتها ، خيم جو من الوقار على المكان لبرهة.
فأليستو و جيرولد كانا يعلمان جيدًا كيف هي العلاقة بين الكونت هيرمان و زوجته و القدّيسة ، لذا كان تأثرهما أكبر.
و لم يفكرا بأي شيء غريب عند رؤية عينيها تحمرّان من تأثر مفاجئ.
ألم تقطع علاقتها بالكونت هيرمان و زوجته منذ فترة وجيزة؟
فالشعور بالراحة لوجود مكان تستند إليه غالبًا ما يصاحبه الدموع.
فكرا في أنها لا بد و أنها كانت تمر بوقت عصيب نفسيًا رغم عدم إظهارها لذلك.
“أنا ، سأذهب للمرحاض للحظة …”
بمجرد مغادرة آثا لمكانها ، تجددت الأجواء قليلاً.
و كانت الإمبراطورة هي أول من تحدث: “يا لها من رقيقة القلب ، كيف ستتدبر أمرها؟”
نظر أليستو إلى ظهر آثا المغادرة بقلق ، ثم شرب رشفة من النبيذ: “ليست مجرد شخص رقيق القلب. سوف تبلي بلاءً حسنًا ، فلا داعي للقلق”
***
في الطريق إلى المرحاض—
أمسكت آثا بقلادتها بقوة.
كانت لا تزال مترددة قليلاً.
‘هل يمكنني استدعاؤه؟’
كانت تتذكر جيدًا اتفاقهما على استدعائه في حالات الطوارئ فقط.
لكنها أرادت رؤيته في الحال.
أرادت أن تسأله إن كان ما قاله لأليستو حقيقة ، و إن كان حقًا يعتبرها كعائلته ، و أرادت أن تخبره أنها تشعر بنفس الشيء أيضًا.
أليس الشعور بأن نَفَسي سينقطع لأي سبب كان ، حالة طوارئ؟
‘بلى ، و لماذا لا يكون؟ إنها حالة طوارئ بكل المقاييس’
دخلت المرحاض و أغلقت الباب بإحكام.
ثم فكت القلادة و وضعتها على الحائط ، و ضربتها بحذائها.
بدأ الظل الموجود تحت المرآة يكبر و يتحول إلى شكل ثلاثي الأبعاد ، و سرعان ما ظهر إيسيس.
“ماذا هناك …”
توقف إيسيس الذي كان يوشك على السؤال لبرهة.
نظر حوله ليرى أين هو ، ثم ارتسم على وجهه تعبير لا يمكن وصفه.
وجه يشبه من رأى فيلاً داخل ثلاجة؟
“هل جُننتِ أخيرًا؟”
هزت آثا رأسها بوقاحة: “إنها حالة طوارئ”
جالت عيناه في الأنحاء مرة أخرى ، ثم سأل مجددًا بتعبير يشبه من فقد شجرة العالم: “… هل جُننتِ؟”
التعليقات لهذا الفصل " 87"