فتح كاستر فمه مجددًا ليرفع معنويات السمو و يجعله يحلق في عالم السعادة: “عليك يا سمو الأمير أن تقدّر مشاعر المرأة التي ترغب في أن تبدو جميلة في عيني الرجل الذي تحبه”
“الرجل الذي … تحبه؟”
تمتم أليستو و كأنه يسمع هذا الكلام لأول مرة ، بينما كان كاستر يلومه في سره: ‘يا لك من غافل’.
“نعم ، الرجل الذي تحبه. لقد جاءت خادمة جناح آلموند و قالت إن القدّيسة -ولا أعلم ماذا حدث بينكما ليلة أمس- كانت تحاول اختيار فستان لتبدو أكثر جمالاً في لقائكما القادم ، و عندما لم تجد شيئًا ، انفجرت بالبكاء المرير”
“… بكت؟”
“نعم! لقد كان حزنها شديدًا لدرجة أن صوت شهيقها و نحيبها وصل صداه إلى مكتب أكاليا!”
بالطبع ، أضاف كاستر الكثير من المبالغة على كلمات روبي ، مما جعل أليستو يشعر بوخز في ضميره و ضيق في صدره.
“يا للهول! يكفي أن وجهها جميل ، فما الحاجة لكل هذا العناء لتبدو أجمل؟”
لم يكن يشعر بالاستياء ، بل على العكس ؛ فما من رجل لا يسعد حين يعلم أن المرأة التي يحبها تبكي لأنها تريد أن تظهر بأبهى حلة أمامه.
لكنه شعر بالصدمة لأنها بكت لمجرد عدم وجود فستان يعجبها ، رغم أنه أمر بملء خزانتها.
‘هل يستحق الأمر كل هذا البكاء حقًا؟’
أفلتت منه ضحكة خافتة.
تخيل القدّيسة و هي تبكي بحرقة لأنها تجد صعوبة في أن تبدو جميلة في نظره.
‘أليست ساذجة و لطيفة جدًا؟’
‘إنها جميلة مهما ارتدت ، لماذا لا تدرك ذلك؟’
“هاه”
‘لقد جعلت قلبي ينشغل بها أكثر’
“رافقها في خروجها”
أجاب كاستر بسرعة قبل أن يتراجع السمو عن كلمته: “أمرك ، سمو ولي العهد”
و بينما كان يهم بمغادرة المكتب مسرعًا قبل أن يغير أليستو رأيه ، سمع تمتمة السمو من خلفه: “… بما أن كاستر سيرافقها ، فلن يحدث شيء سيء على الأرجح. أخشى أن يختطفها أحد من شدة جمالها”
مال رأس كاستر بذهول حين سمع هذا الكلام.
‘اختطاف؟ صحيح أنها رقيقة و لطيفة ، لكنها ليست بهذا القدر من … أليس كذلك؟’
يبدو أن ولي العهد قد غرق في حبها لدرجة أنه يرى العالم من منظور مختلف تمامًا.
***
خرجت آثا إلى منطقة الأسواق تحت مرافقة كاستر.
تكونت المجموعة من أربعة أشخاص: آثا ، كاستر ، روبي ، و جاك بومة فريق بلوسوم كحارس شخصي.
لم تكن آثا تعلم ، لكن الصكوك المالية و النقود كانت جاهزة بالفعل في درج الطاولة بجانب سريرها في جناح آلموند.
أوضح كاستر أنه بما أن مراسم الزفاف لم تتم بعد ، فلا يمكن صرف مخصصات رسمية لها ، لذا تم تجهيز هذه المبالغ مسبقًا ، و اعتذر لأن المعلومة لم تصلها بشكل صحيح.
و عندما أخبرها كاستر أن بإمكانها طلب المزيد إذا لم يكفها المبلغ ، و عرفت قيمة المبلغ الإضافي الذي يُصرف بداية كل شهر ، أدركت أن المال لن يكون مشكلة أبدًا.
و تقرر أن تتولى روبي إدارة الشؤون المالية لجناح آلموند.
كانت هذه المرة الأولى التي تستكشف فيها آثا أسواق العاصمة.
عندما كانت في ضيعة عائلتها ، لم يكن بوسعها المجيء للعاصمة ، و بعد انتقالها لهناك ، منعتها البارونة هيرمان من الخروج ؛ و السبب هو أن بشرتها يجب ألا تتعرض للشمس ، و يُمنع عليها أكل المسليات في الشارع ، و الأهم من ذلك أن البارونة كانت تتكاسل عن مرافقتها و مراقبتها.
على أي حال.
قادهم كاستر إلى “الشارع الملكي” الواقع في أطراف منطقة الأسواق.
كان الشارع يتميز بطوبه المنتظم ، طرقاته الواسعة ، و أرصفته النظيفة ؛ مكان يشعرك و كأنك في مركز تسوق ضخم مفتوح.
شرحت روبي أن المحلات هنا يديرها خبراء في كل مجال ؛ حتى قطعة الشوكولاتة الواحدة تُصنع بروح الحرفة و الإتقان.
باختصار ، إنه شارع العلامات الفاخرة.
و ما يميزه هو خلو واجهات المباني من لافتات المحلات ؛ كان عليك تخمين نشاط المحل من خلال ما يظهر عبر الزجاج أو من لافتة صغيرة عند المدخل.
كان الأمر متعبًا قليلاً ، لكنه ممتع في الوقت نفسه.
بينما كانت تسير ببطء تستكشف الشارع ، ناداها صوت من خلفها: “آنسة آثا؟”
كان صوتاً لا يبعث على السرور أبدًا.
التفتت لتجد ، كما توقعت ، صاحبة الصوت التي رأتها في حفلة الشاي سابقًا.
هيلا من عائلة هاوزر.
عرفتها آثا على الفور.
“… آنسة هيلا؟”
حاولت آثا إظهار عدم ترحيبها ، لكن يبدو أن الأخرى لم تلحظ ذلك تمامًا.
اقتربت هيلا بترحاب مبالغ فيه و كأنها تلتقي بصديقة طفولة ، و حشرت نفسها بين آثا و روبي لدرجة اضطرت معها روبي للتراجع خطوة للخلف.
تمنت روبي لو سدت الطريق أمام هيلا ، لكنها لم تستطع فعل شيء دون أمر من آثا ؛ فالآداب المتبعة بين النبلاء و القوانين التي تحكم عمل الخادمات كانت عائقًا أمام رغبتها.
“يا إلهي ، إنها حقًا الآنسة آثا! ما الذي يأتي بكِ إلى هنا؟”
هل من المعتاد سؤال شخص تلتقي به في السوق “ما الذي يأتي بك إلى هنا؟”
أم أن كلمات هيلا توحي بأن هذا المكان لا يناسب أمثال آثا؟ هل أنا أبالغ في تحليل كلامها؟
أخفت آثا شعورها بالغرابة و ابتسمت بهدوء: “جئت للقيام ببعض التسوق”
اتسعت عينا هيلا بدهشة مصطنعة ، ثم انفجرت بالضحك: “أوه؟ هل أعطاكِ سمو ولي العهد بعض ‘المصروف’؟”
نظرت آثا إلى زوايا فم هيلا التي تشبه الابتسامة الساخرة و فكرت مجددًا: هل أنا أبالغ في الفهم؟
“نعم ، نوعًا ما …”
نظرت هيلا إلى روبي بنظرة متعالية ، ثم اقتربت من آثا بودّ زائف و سألت: “أي المتاجر تقصدين عادةً؟”
تراجعت آثا نصف خطوة للخلف لشعورها بالضيق: “هذه مرتي الأولى هنا ، لذا سألقي نظرة ببطء”
لكن هيلا “العلقة” اقتربت أكثر بل و تشبتت بذراع آثا!
كما شعرت سابقًا ، هيلا تفتقر تمامًا للذوق و الإحساس بمشاعر الآخرين.
“إذن ، ما رأيكِ في مرافقتي إلى متجر ‘مدام دروسيلا’؟ إنه متجر حقائب ، تصاميمه راقية و أجواؤه رائعة جدًا”
تلاقت نظرات كاستر و جاك ؛ كان كلاهما يشعر بعدم الارتياح ، لكن مهمتهما كانت الحماية فقط.
مهمتهما حماية القدّيسة جسديًا ، لا التدخل في رفقتها أو وجهتها.
طالما أنها في “الشارع الملكي” و ليست في زقاق وعر ، فلا يمكنهما منعها.
فكرت آثا بجدية: هل أنا من النوع الذي يسهل التلاعب به؟
‘ممم …’
يبدو أن الأمر كذلك ؛ من النوع الذي ينقاد إذا ما ضُغط عليه ، أو ربما لا أجيد الرفض.
أيًا كان السبب ، فالحياة ستكون صعبة عليّ بهذا الشكل.
“الحقائب هنا باهظة الثمن حقًا ، أليس كذلك؟”
أيقظ صوت هيلا آثا من تفكيرها.
“نعم ، يبدو كذلك”
قالت هيلا و هي تتفحص الحقائب المعروضة في الخزائن الزجاجية بنبرة هادئة: “في الأصل ، لا توضع في هذه الخزائن إلا الحقائب القيمة التي صنعها الحرفيون المهرة. الحقائب النكرة التي يصنعها أي شخص لا مكان لها هنا”
كما قالت ، كانت الحقائب تبدو فاخرة للغاية.
أومأت آثا برأسها و هي تنظر للحقائب ، فابتسمت هيلا و قالت: “ألا تشبه هذه الخزائن مجتمع العاصمة المخملي؟”
توقفت آثا عن الإيماء.
“مجتمع العاصمة؟”
‘دعينا نفكر مجددًا ، هل أنا أبالغ في الفهم؟’
استمرت هيلا في حديثها و هي تراقب استمتاعًا ملامح آثا التي بدأت تتصلب: “بالمناسبة ، آنسة آثا ، أنتِ محظوظة حقًا. لولا الحظ لكنتِ تعيشين حياة لا يعرف أحد أين أو متى بدأت ، و فجأة تجدين نفسكِ في القصر الإمبراطوري”
تحركت حدقتا آثا جهة اليمين.
‘هذا القدر من الكلام … لا يمكن أن يكون مجرد سوء فهم من طرفي ، أليس كذلك؟’
“آه! و التسوق في الشارع الملكي أيضًا! أليست تجربة لم يكن بإمكان عائلة البارون هيرمان حتى الحلم بها؟ بمجرد دخولكِ القصر ، بدأتِ تتجولين في أغلى الشوارع؟”
هل تلمحين إلى أنني أعيش حياة باهظة بمال غيري؟
أتقصدين أنني لا أملك ذرة خجل؟
قررت آثا أن تجعل كلمات هيلا تدخل من أذن و تخرج من الأخرى.
في البداية قالت لنفسها: ‘لننتظر قليلاً ، ربما أسيء الفهم ، ربما لا تقصد شرًا ، ربما هذا هو أسلوبها في الكلام’.
لكن الآن ، أدركت الحقيقة.
هذه المرأة لا تستحق أن يُصغى لكلامها.
اختارت آثا حقيبة يد صغيرة و نادت البائع: “من فضلك ، قم بتغليف هذه”
بينما كان البائع يفتح الخزانة و يأخذ الحقيبة ، قالت هيلا مجددًا: “آنسة آثا ، ذوقكِ في الاختيار سيء حقًا”
الآن ، و بعد أن تأكدت آثا من حقيقة نية هيلا ، لم تعد تنوي البقاء صامتة.
لم تعد تشعر بضرورة الرد بكلمات طيبة ، و تظاهرها بالبلاهة وصل لحده الأقصى.
“و أنتِ تفتقرين لللباقة تمامًا”
“… نعم؟”
“و تفتقرين للذوق و الإحساس بمشاعر الآخرين أيضًا”
تصدعت ملامح هيلا التي كانت هادئة طوال الوقت: “ماذا قلتِ للتو …؟”
التعليقات لهذا الفصل " 68"