بمجرد أن استلقت على سريرها ، هاجمتها أفكار شتى ، و كان جلّ تفكيرها ينصبّ على هذا العالم.
رغم أنها آمنت منذ البداية بأنها داخل رواية ، إلا أن هؤلاء الناس—
‘لا، هل يمكن تسميتهم بشرًا حقًا؟’
إذا كانوا يشعرون بالعواطف و يتحدثون بحوارات محددة مسبقًا بغض النظر عن إرادتهم الحرة ، فبماذا يختلفون عن الدمى أو الروبوتات؟
ربما كنتُ أنا الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يمكن تسميته إنسانًا.
و بينما كانت تشعر بالوحدة مجددًا—
“هل استمتعتِ بمواعدة ولي العهد؟”
كان صوت الحاكم.
انتفضت آثا جالسة ، ليسألها بملامح متبرمة مجددًا: “سألتُكِ ، هل كانت المواعدة ممتعة؟”
هل ظهر الآن تحديدًا لأنها كانت تشعر بالوحدة؟
أم لأنه الكيان الوحيد الذي يعرف أنها جاءت من عالم آخر؟
شعرت ببهجة غير مبررة و ارتسمت ابتسامة على ثغرها.
“لماذا تضحكين؟”
ضيق الحاكم عينيه بارتياب ، فقالت آثا بنبرة مازحة متعمدة: “لا شيء ، الأمر مضحك فحسب. إلحاحك في سؤالي عما إذا كانت مواعدتي لرجل آخر ممتعة ، يجعلك تبدو تمامًا كزوج يحقق مع زوجته الخائنة ، ألا تعتقد ذلك؟”
“ماذا؟! زوجة؟! تحقيق؟!”
أطلق ضحكة قصيرة من شدة الذهول ، ثم مسح شعره بيده و تصرف كوصي صارم: “من أين تعلمتِ هذه الكلمات؟ إنها سوقية للغاية”
وضعت آثا وسادتين فوق بعضهما و سندت ظهرها عليهما لتجلس بوضوح: “كيف عرفتَ بأمر المواعدة؟”
رفع كتفيه بزهو على الفور: “لديّ طرقي في معرفة كل شيء”
حينها لمعت عينا آثا باهتمام: “أوه— هل تعرف كل شيء حقًا؟ من يفعل ماذا و أين؟ هل تعرف كل سكان العالم؟”
توقف الحاكم لبرهة: “هاه؟ لا … ليس كل شيء تمامًا …”
تظاهر بالانشغال بشيء آخر للحظة ، ثم عاد ليرمق آثا و يسأل: “لكن يبدو أنكِ أخبرتِ ولي العهد بكل شيء أمس؟ من أين بدأتِ و إلى أين وصلتِ؟ و كم كان كلامكِ مفصلاً؟ خُيل إليّ أنكِ ذكرتِ له أن الزمن يعود بموتكِ. ألم تخبريه بكل شيء بالفعل؟”
عندما ارتفع صوته تدريجيًا ، رفعت آثا سبابتها اليمنى و وضعتها على شفتيها: “ششش— اخفض صوتك. سيسمعنا من بالخارج”
أطلق الحاكم “شخيرًا” ساخرًا: “أخبرتُكِ أنني حاكم! لقد اتخذتُ تدابيري بالفعل لضمان عدم تسرب أي صوت للخارج. يبدو أنكِ تحاولين تغيير الموضوع ، و هذا مريب. لقد أخبرتِه بكل شيء ، أليس كذلك؟ هل تحدثتِ عن لقائكِ بي؟ لا ، هل أخبرتِه أنكِ جئتِ من عالم آخر أو عن ‘فخ الزمن’؟”
أدركت آثا أن الحاكم الذي يتصرف كأنه يعلم كل شيء ، لا يعرف في الحقيقة كل التفاصيل— لذا نفت بصرامة: “لم أقل ذلك. و إخباري له بأن الزمن يعود بموتي كان فقط لكي أطلب منه حمايتي”
حينها قال الحاكم بوقاحة مذهلة: “و هل سأقصر أنا في حمايتكِ؟”
عند سماع هذه الكلمات—اشتعل الغضب داخلها.
ما هذا الكلام الذي يأتي بعد فوات الأوان؟
“ألم تقل إنك لن تحميني؟”
كان صوت آثا مليئًا بروح هجومية ، مما جعل الحاكم يشعر بالارتباك أمام نبرتها غير المطمئنة.
“… هاه؟”
“لقد ترجيتُك. طلبتُ منك أن تحميني قليلاً. ماذا قلتَ حينها؟ قلتَ ‘لا يمكنني’ ، أليس كذلك؟ فما الذي دهاك الآن لتقول إنك ستحميني و ما إلى ذلك؟”
ابتلع الحاكم ريقه بصعوبة.
و فكّ تكتيفة يديه و ساقيه المتقاطعتين.
“لا ، قصدتُ أنني لا أستطيع إخفاءكِ. لكنني فكرتُ في أن أحميكِ في الخفاء …”
“ألم تقل إن لديّ دورًا أهم من مجرد عدم الموت؟ لم تكن لديك أدنى نية لحمايتي ، و مع ذلك تكذب بأسلوب دافئ و جميل. هل تركتَ ضميرك في المعبد؟”
انحنى الحاكم قليلاً تحت وطأة هجومها ، و حوّل نظره بعيدًا متفاديًا عينيها.
لكنه ظل يجادل بما تبقى لديه من كلمات: “لا ، أنا أيضًا لديّ مهام في المعبد. قلتُ ذلك لأنني لا أستطيع البقاء ملتصقًا بكِ طوال الوقت ، لكنني أملك نية حمايتكِ في الأساس”
عندما خفض صوته و راح يتمتم ، تنهدت آثا بخفة و غيرت الموضوع: “و لكن لماذا جئتَ؟”
بمجرد تغيير الموضوع ، تطلع إليها و كأنه لم يكن محبطًا منذ لحظة: “لا شيء ، تملكني الفضول فجأة بشأن أمر ما. إذا كنتِ ستتزوجين ولي العهد— حسنًا ، كم طفلاً ستنجبين؟”
اعتلت ملامح الذهول وجه آثا: “ماذا؟ فجأة هكذا؟ هل جئتَ في منتصف الليل لتسأل عن هذا؟”
هز الحاكم كتفيه و كأن السؤال لا عيب فيه: “أنتِ أكبر اهتماماتي حاليًا ، و من الطبيعي ، هاه؟ عندما أفكر في مستقبلكِ أن يراودني الفضول بشأن أشياء كثيرة. لذا ، كم طفلاً ستنجبين؟”
“……”
صمتت آثا و هي تنظر إلى الحاكم الذي يسأل سؤالاً قد لا تسأله حتى الحماة ، بل و يستعجلها في الإجابة.
لقد أدركت منذ قليل أن هذا الحاكم يملك شخصية … لا تطيق كتمان الفضول.
و بما أنها ظلت تحدق فيه بجمود دون نبس ببنت شفة ، أخذ نفسًا عميقًا من الضيق.
ثم أطلق زفيره بملامح توحي بصبرٍ عظيم ، و سأل بنبرة رقيقة: “ألن تجيبيني؟”
تمهلت قليلاً قبل أن تسأله بدلال: “هل أنت فضولي إلى هذه الدرجة؟”
عندما رأته يومئ برأسه بحماس و عيناه تلمعان ، خطرت لآثا فكرة مفاجئة بأن تنتزع منه شيئًا ما.
“إذا أخبرتُك ، فماذا ستعطيني في المقابل؟”
بدت كلماتها غير متوقعة بالنسبة له.
تلعثم الحاكم بملامح مذهولة: “ما-ماذا أعطيكِ؟”
هزت آثا كتفيها: “لم أفكر في الأمر بعد ، لكن بالتأكيد هناك شيء تملكه. مثلاً ، ممم … شيء يلمع باللون الذهبي ، ما رأيك؟”
نقر الحاكم بلسانه بذهول: “هل أنتِ بلطجية؟”
فتحت آثا عينيها على وسعهما: “أنا؟”
“نعم أنتِ ، و من غيركِ؟ أنا أسألكِ لأتمكن من حياكة الجوارب مسبقًا بما يتناسب مع عدد الأطفال في حال أنجبتِ مستقبلاً ، ألا يمكنكِ الإجابة على هذا فحسب؟ ماذا؟ ‘ماذا ستعطيني’؟”
حينها غمزت آثا بإحدى عينيها و هزت رأسها بالرفض القاطع: “الزواج لا يزال بعيدًا جدًا ، أليس كذلك؟ إذا لم يكن لديك ما تعطيه لي ، فتفضل بالمغادرة الآن. و توقف عن مراقبتي دون علمي”
“أنتِ حقًا …!”
نهض الحاكم من مكانه بغضب و أشار بإصبعه نحو آثا: “لقد كنتِ هكذا منذ القديم! طفلة لئيمة و بلا قلب! و مع ذلك جئتُ لأنني كنتُ أفكر فيكِ ، و أردتُ أن أعدّ جوارب الأطفال مسبقًا!”
كان منظره و هو يتذمر بمفرده غريبًا.
لا ، يحضر جوارب لأطفال لم يولدوا بعد ، ولا أحد يعلم متى سيولدون؟
أي نوع من الجوارب العظيمة ينوي إحضارها؟
‘و هل نحن في علاقة تسمح بذلك أصلاً؟’
ألا يجب أن يسأل أولاً إن كانت لديّ نية للإنجاب؟
‘هل يعقل أن هذا أيضًا متعلق بفخ الزمن؟’
عندما شعرت آثا بحدسها أن هناك شيئًا غير مريح و أصبح جوها جادًا ، سألها الحاكم بملامح جادة أيضًا: “ما-ماذا؟ لماذا أصبحتِ جادة فجأة؟”
حدقت آثا فيه بتمعن ، فقام هو بتفحصها ببعض القلق و الحيرة: “هل لأنني قلتُ إنكِ لئيمة؟”
لا ، كلمة “يراقب رد فعلها” كانت أدق من القلق أو الحيرة.
“لماذا تهتمين بكلمة كهذه؟ ليس و كأن لؤمكِ أمر جديد. و حتى لو كنتِ لئيمة ، هاه؟ هذا لا يعني أنني أكرهكِ”
بمجرد سماع كلماته ، لم تضيع آثا الفرصة و سألت: “إلى أي مدى يمكنني أن أكون لئيمة؟”
“هاه؟”
“لا ، مجرد سماع فكرة أنني لئيمة جعلني أشعر بالقلق فجأة. ماذا لو قرر الحاكم محوي و إعادة الزمن ، ثم تعليمي من جديد بعد أن أكون في حالة لا أعرف فيها شيئًا؟”
كان هذا جزءًا مهمًا جدًا بالنسبة لآثا.
لقد وضع الحاكم خطًا فاصلاً بإخبارها أن لديها مهمة أهم من عدم الموت.
و رغم قوله المتأخر إنه سيحميها ، إلا أنها لا تستطيع قراءة ما في باطنه ، فكيف تثق به؟
شخصية الحاكم لا تظهر كثيرًا في روايات الرومانسية و الفانتازيا. لكن الكيانات التي تملك قوة هائلة تميل دائمًا للتصرف على هواها ، و مزاجها يتقلب كما تشتهي.
رغم أن هذا العالم مجرد كتاب ، إلا أن الخوف من الموت لا يزال حقيقيًا ، و للمفارقة—
لا تملك حلاً ، فهي خائفة فحسب.
عندها ، فغر فاهه بذهول ، و هو الذي لم يملك أدنى نية لأذيتها: “كيف فكرتِ في هذا؟ يا هذه ، لا تقلقي. حتى لو أعدتُ الزمن ، فأنتِ التي لا تعرف شيئًا ستكونين لئيمة بهذا القدر تمامًا. أنا لا أعيدكِ إلى طفولتكِ المبكرة ، بل أعيدكِ ستة أشهر فقط ، فهل تظنين أن شخصيتكِ ستذهب لمكان آخر؟ أحلامكِ وردية يا فتاة”
التعليقات لهذا الفصل " 48"