لقد خانت توقعات أليستو حين بدأت القدّيسة تضغط على صدرها بقوة فور سماعها عرض زواجه.
في البداية ، ظن أنها تحاول تهدئة بعض التوتر الطبيعي فحسب.
و لكن مع مرور الوقت ، شحب وجه القدّيسة تمامًا ، و أصبح تنفسها ثقيلًا و مضطربًا و كأنها تختنق.
بدأ عقل أليستو يفرغ من الأفكار و يتحول للون الأبيض تمامًا مثل وجهها.
“أين تشعرين بالألم؟”
هزت رأسها فحسب ، و كأنها لا تملك القوة حتى للحديث.
“هل تتألمين؟ هل تشعرين بضيق في صدركِ؟”
كان من الواضح أن جسدها يعاني من أعراض غير طبيعية ، لكن صمتها و هز رأسها جعل القلق يتراكم في قلبه كالجبال.
لم تفتح فمها إلا بعد أن أخذت عدة أنفاس عميقة بصعوبة.
“انتظر قليلًا ، من فضلكَ. أشعر و كأن قلبي … على وشك القفز من فمي الآن”
كانت جملة لا يمكن لأي شخص سماعها دون أن يشعر بالخطر.
“هل حدث لكِ شيء كهذا في الماضي؟”
“كلا ، هذه المرة الأولى …”
و قبل أن تستقر كلماتها على الأرض ، كان أليستو قد حمل القدّيسة بين ذراعيه و بدأ يركض.
أسند جذعها الصغير بذراعه اليسرى محيطًا فخذيها ، و بيده اليمنى أحاط رأسها الصغير و جذبها بقوة نحو عنقه.
حينها ، أدرك مرة أخرى كم هو هزيل و ضعيف جسد هذه المرأة الصغيرة و النحيلة.
كانت نحيفة جدًا لدرجة أنه شعر أن عظامها قد تتحطم لو ضغط عليها بقوة أكبر قليلًا.
‘تبًا ، هل أنا أحمق؟’
لم يكن عليه تجاهل حقيقة أنها نامت دون تناول طعام بالأمس.
عليه أن يجري لها فحوصات طبية دورية من الآن فصاعدًا.
‘اللعنة’
“مـ من فضلك ، أنزلني”
ظن أليستو أنه ربما يحملها بقوة مفرطة ، فعدل من وضعيته و هو يهدئها: “تحملي قليلًا و إن كنتِ غير مرتاحة. لقد اقتربنا من الوصول”
“كلا ، أنا لستُ مريضة”
“أخبرتكِ ، أنا بخير”
بالطبع ، لم تلقَ كلماتها أي آذان صاغية.
كان أليستو يدرك أن البعض يخاف من الأطباء.
سكرتيره كاستر خير مثال ، فقد سبق له أن ترك مرضه يتفاقم بشكل مثير للشفقة لمجرد أنه لا يريد مقابلة الطبيب.
‘يبدو أن القدّيسة جبانة بعض الشيء …’
لذا لن يكون غريبًا أن تخاف من الطبيب.
فالعيش بجسد صغير و رقيق كهذا يجعل الكثير من الأشياء في العالم تبدو مخيفة.
‘بالأمس خضعت للفحص فور استيقاظها من النوم ، فربما لم تملك فرصة للرفض’
ربما قالت إنها بخير بالأمس فقط للهروب من الموقف.
بتفكيره في ذلك ، ازدادت ملامحه تشنجًا.
و في النهاية ، بعد أن رسم في عقله شتى السيناريوهات المظلمة ، تعهد بأن يشدد الرقابة على صحتها أكثر.
ثم ، بلهجة مريحة قدر الإمكان و كأنه يلاطف طفلًا خائفًا ، حاول طمأنتها: “هل تذكرين طبيبي الخاص الذي رأيتِه بالأمس؟ تشينو بارع جدًا ، و سيكتشف السبب و العلاج بسرعة. أعدكِ أن الأمر لن يكون مؤلمًا”
ركض بأقصى سرعة يمتلكها.
لم يتذكر متى كانت آخر مرة ركض فيها هكذا.
و رغم ضيق تنفسه ، لم يخفف سرعته ؛ بل لم يكن يستطيع ذلك.
بالطبع لم يكن أحمقًا.
لم يكن يظن فعلًا أن قلب القدّيسة سيخرج ماديًا من فمها كما قالت قبل مقابلة الطبيب.
و لكن ، أليس من الممكن أن تكون هناك مشكلة توازي ذلك في خطورتها؟
“كلا ، ليس الأمر كذلك …”
“لقد وصلنا”
بعد أن قطع المسافة إلى قصر بلوسوم بأقصى سرعة ، توجه مباشرة إلى جناح الطبيب الخاص المشمس في الطابق الأول.
و— بام—!!
فتح الباب بعنف دون طرق ، و وضع القدّيسة على السرير المجاور للنافذة و هو يصرخ: “تشينو!”
كان تشينو قد ارتدى نظاراته بالفعل و خرج إلى الصالة فور سماعه الصوت العنيف للباب.
“لي الشرف بلقاء الشخصية الـ …”
“كفّ عن التحيات ، و تعالَ بسرعة لترى حالة هذه المرأة”
“حـ حاضر-“
حاولت آثا النهوض عن السرير في تلك اللحظة أيضًا.
“كلا ، أنا لستُ مريضة حقًا-“
ضغط أليستو على كتفيها برقة و أجبرها على الاستلقاء تمامًا.
“لا يوجد ما يخيف هنا. سيتحقق فقط من مكان الألم و سينتهي الأمر بسرعة”
لم تكن آثا تملك أي وسيلة لمقاومة قوته.
و عند هذا الحد ، استسلمت عن محاولة توضيح سوء الفهم.
‘آه ، لا يهمني’
‘ليحدث ما يحدث’
تخلت آثا عن كل شيء ، و انصاعت لأوامر تشينو ، طبيب ولي العهد.
عندما طلب منها النظر للأعلى ، نظرت للأعلى.
عندما طلب منها فتح فمها ، فتحته.
و عندما وضع أداة على ظهرها لسماع الأصوات—و التي خمنت أنها سماعة الطبيب في هذا العالم—استلقت بهدوء.
و أخيرًا ، بعد مراقبة دقيقة و طويلة ، فتح تشينو فمه ليتحدث بصوت رزين: “باستثناء سوء التغذية الذي تم إهماله لفترة طويلة كما في المرة السابقة ، يبدو أنها لا تعاني من أي مشكلة أخرى ، لحسن الحظ”
“افحصها مجددًا”
“أمرك يا صاحب السمو”
أعاد تشينو الفحص بدقة بالغة كما فعل في المرة الأولى.
و بعد ذلك—
“النتيجة هي ذاتها. باستثناء سوء التغذية …”
“شحب وجهها فجأة ، و بدأت تلهث ، ثم أمسكت بصدرها و قالت إن قلبها على وشك القفز من فمها. اكتشف ما المشكلة”
‘بسماع كلمات هذا الرجل ، يبدو و كأنني مصابة بمرض عضال حقًا’
بدا أن الطبيب فكر في الأمر ذاته ، حيث تصلبت ملامحه بجدية و بدأ يسأل عن عدة أمور.
“يرجى إخباري بمزيد من التفاصيل حول عرض ‘شعور القلب و كأنه سيقفز من الفم’.”
بحثت آثا عن جحر لتختبئ فيه كالعادة ، لكنها لم تجد.
نظرت بالتناوب إلى عيني أليستو و تشينو الموجهتين نحوها ، ثم بملامح يائسة تمامًا ، فتحت فمها ببطء: “لقد كان قلبي ينبض بقوة شديدة لدرجة أن صدى النبض تردد في داخلي ، فقلت إنه سيخرج من فمي. لم أقصد أن القلب تحرك ماديًا و صعد إلى حلقي”
حول أليستو نظره نحو تشينو بملامح جادة ، و كأنه يطالبه بتفسير سبب حدوث ذلك.
مال تشينو برأسه كأن الأمر غريب و تابع أسئلته: “خفقان القلب لدرجة ضيق التنفس دون سبب واضح هو أمر غريب بالتأكيد ، و لكن هل لديكِ أي فكرة عن سبب تسارع نبضات قلبكِ؟”
“… نعم”
قبل أن تجيب ، بحثت آثا عن اللحاف و سحبته فوق رأسها لتتغطى به تمامًا ، ثم تركت جملة أخيرة و كأنها وصية: “لأن سمو ولي العهد طلب مني الزواج منه”
***
في ذلك الوقت—
غرفة الاجتماعات في الطابق الثاني من قصر بلوسوم—
كان جيرولد و البوم مجتمعين هناك، مع سدريك دالبرت و أتباعه.
كان السبب هو اجتماع متعلق بالتجارة البحرية.
أو بالأحرى.
هل يمكن تسمية هذا اجتماعًا؟
في الواقع ، كان هذا اللقاء مكانًا يضغط فيه “بوم” أليستو ، المسؤولون عن دبلوماسية الإمبراطورية ، على دالبرت للمشاركة الكاملة في فتح طرق ملاحية جديدة.
ربما كان الأمر طبيعيًا.
فمنذ البداية ، كان دعم ولي العهد بالجيش للقضاء على قراصنة دالبرت يهدف لفتح طرق ملاحية.
كان أليستو يحتاج لأشياء كثيرة.
أولًا ، المال.
قبل أن يمسك بزمام أمور الدولة ، كانت ميزانية الإمبراطورية في حالة فوضى عارمة ، و كان معظم ذلك بسبب نزوات الإمبراطور النسائية و انغماسه في الملاذات الفاخرة.
الحديث في هذا يطول ، و باختصار، كان الإمبراطور شخصًا لا يمكن إصلاحه.
لهذا السبب ، لم يستطع حتى كبار المسؤولين في الإمبراطورية منع ولي العهد الذي بدأ يتدخل في شؤون الدولة ، مما مكن أليستو من السيطرة على الحكم بثبات.
و بفضل ذلك ، أصبحت الميزانية الآن في حالة مستقرة إلى حد كبير.
و لكن—
رغم ذلك ، كان أليستو يرى أن هذا لا يكفي.
لأن ما يصبو إليه هو رفع المستوى الفكري و المعيشي لجميع مواطني الإمبراطورية.
بصراحة ، لكي يستمر الحكم الملكي لفترة طويلة ، فمن الأسهل أن يظل الشعب جاهلًا.
من لا يعرف ذلك؟
إلا أن—
ربما لأن أليستو لم يولد و في فمه ملعقة ذهبية كبقية أفراد العائلة الإمبراطورية.
لم يكن يريد نظامًا ملكيًا لا يتزعزع يستمر لآلاف السنين بقدر ما أراد رفع مستوى وعي الجميع.
و لم يكن من المبالغة القول إن تحسين مستوى الوعي هذا ينبع في النهاية من “التعليم” و “الرفاهية”.
و لكن لكي يأتمن الناس المؤسسات التعليمية على أطفالهم ، يجب أن يكون مستوى المعيشة مدعومًا ، بالإضافة إلى توفير رفاهية قوية.
و بناءً على ذلك ، كانت هناك حاجة ماسة لـالمال.
و الكثير منه—
و كما ذكرنا أعلاه ، رغم استقرار الميزانية ، إلا أنها كانت بعيدة كل البعد عن تحقيق أهدافه.
لذا ، كان المخرج الذي وجده أليستو لحل هذه المشكلة هو— التجارة البحرية.
السبب الذي جعله يركز على التجارة البحرية من بين العديد من المشاريع كان بسيطًا.
فمن خلالها يمكن تأمين موارد مادية جديدة ، و تعظيم الأرباح لإنشاء قاعدة اقتصادية صلبة.
و خاصة ، إذا نجح فتح الطرق الملاحية و تم العثور على طريق تجاري منتظم في البحر؟ سيصبح التواصل الدائم ممكنًا حتى مع الدول التي كان يتم التبادل معها عبر طرق برية طويلة و ملتوية فقط.
حينها ، ستنتعش صناعة الحديد التي كانت تعاني من قيود التصدير بسبب الأوزان الثقيلة.
و سيكون لذلك تأثير إيجابي ليس فقط على ميزانية الإمبراطورية ، بل على الاقتصاد العام للإمبراطورية ككل.
على الأقل ، كان هذا هو تفكير أليستو و قصر بلوسوم.
إذًا …
ما هو موقف دالبرت—الذي سيكون الطرف الفعلي في فتح الطرق الملاحية؟
التعليقات لهذا الفصل " 32"