لماذا أليستو الحالي رقيق و ودود إلى هذا الحد مع آثا؟
هل لأنه يحبها؟
كان إيسيس يعرف جيدًا أي نوع من الرجال هو أليستو من خلال حيواته المتكررة ؛ لذا كان من الصعب عليه الإجابة على هذا السؤال ببساطة.
و مع كامل الأسف لآثا ، لم يكن هناك رجل أقل ملاءمة لكلمة حب من أليستو.
لذلك ، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون دلاله هذا مجرد وسيلة لإبقاء قوة القديسة بجانبه.
“لا أحد يعرف متى ستظهر طبيعته الحقيقية”
سمعت آثا تمتمته الصغيرة تلك ، فأطرفت برأسها قليلاً.
“هل يجب أن … أهرب الآن فورًا؟”
أمام هذا السؤال المصيري ، لم يكن لدى إيسيس ما يقدمه لها من مساعدة.
“ليس من دوري أن أتخذ القرار نيابة عنكِ”
‘لو كان بإمكاني ذلك ، لما تركتُ سيدريك يقتلكِ مرارًا و تكرارًا’
‘في لحظات كهذه ، أكره مهنتي كمدير’
‘كم سيكون رائعًا لو أخذتكِ إلى مكان هادئ مثل سهول ريبيلا ، لنعيش هناك نراقب النجوم فقط’
بينما كان يبتلع أطماعه المستحيلة ، تحدثت آثا على عجل: “لا يمكنك اتخاذ القرار نيابة عني؟ إذن ، إذا اتخذتُ أنا القرار ، هل ستفعل لي ما أطلبه منك؟”
ضحك إيسيس بخفة و مسح على شعرها: “حقًا ، أنتِ بارعة في تصيّد الكلمات و تفسيرها كما يحلو لكِ”
كان عليه أن يقول “لا”.
و لكن ، هل هو عجز عن صدها ببرود لأنها تثير شفقته؟ أم بسبب أطماعه هو؟
‘أنا أيضًا أريد ذلك حقًا’
‘أريد أن أفعل لكِ كل ما تطلبينه’
‘و لكن ماذا أفعل و قوانين المدير اللعينة قاسية كالجحيم؟’
“اهدئي يا يون سو. أليستو لم يفشل في شيء بعد ، و في الحقيقة ، احتمال فشله يكاد يكون منعدمًا”
‘كم هو رجل دقيق و محكم في خططه ، لدرجة تثير القشعريرة’
“لذا ، هناك احتمال كبير بألا تأتي أبدًا اللحظة التي يحتاج فيها لإعادة الزمن”
سلمت آثا رأسها ليده طائعة ، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها.
“و ماذا لو فشل في شيء ما؟ ماذا لو شعر أنه بحاجة ماسة لقدرة إعادة الزمن؟”
كانت عيناها تبحثان عن تأكيد.
تأكيد بأنه سيساعدها بكل سرور إذا طلبت العون في لحظة الأزمة الحقيقية.
مرت قوانين المدير في ذهن إيسيس للحظة:
[يُمنع كشف القدرة المقدسة للبشر]
[يمكن تزويد القديسة بالمعلومات إذا اعتُبر ذلك ضروريًا لحماية شجرة العالم]
[لا يجوز التدخل في خيارات البشر ، و يُمنع تقديم المساعدة المادية]
[و غيرها من القوانين …]
و المساعدة المادية هنا تشمل تهريبها من موقف خطير.
بينما كان يتردد في الكلام، طرق أحدهم الباب—
طرق— ، طرق—
“آنسة آثا ، سمو ولي العهد قد وصل”
بمجرد سماع صوت روبي ، اختفى إيسيس و أدوات الحياكة التي كانت على الطاولة كالدخان.
لم تحصل آثا على أي إجابة أو وعد ، فشدت قبضتها بقوة ، و لكن ما الذي يمكنها فعله؟
لا شيء.
‘تبًا’
‘بأي وجه سأقابل أليستو الآن؟’
‘من المؤكد أن تعابير وجهي ستفضح كل شيء ؛ أن هناك خطبًا ما ، و أنني قلقة بسبب ما سمعته’
‘ماذا سأقول إذا سألني ما الخطب؟’
‘هل أسأله: سيدريك قال كذا و كذا ، فهل هذا صحيح؟’
لم ترد على كلمات روبي بقدوم أليستو ، بل دست نفسها تحت اللحاف و أغمضت عينيها.
‘سأهرب فحسب. يقولون إن هناك بشرًا من “النمط الانسحابي” ، أليس كذلك؟ لابد أن لوجودهم سببًا في التطور البشري’
‘سأكون أنا ذلك الإنسان الانسحابي’
‘نعم ، و ما العيب في الهروب؟’
‘تخيلوا لو أن كل سكان العالم يواجهون مشاكلهم وجهًا لوجه؟ سيكون العالم في فوضى عارمة!’
‘لا يهمني’
‘ليحدث ما يحدث’
‘إذا لم أجد مكانًا ألجأ إليه ، سأطلب من سيدريك المساعدة’
‘لقد قال إنه سيمد يد العون في أي شيء’
‘سأطلب منه تهريبي من بلوسوم ، ثم إخفائي في زاوية بعيدة من مقاطعة دالبيرت’
‘رغم أن رد فعل إيسيس أوحى بأنه لا يستلطف سيدريك ، لكنه لم يذكر السبب ، لذا فالأمر ليس بتلك الأهمية’
صرف أليستو الخادمة روبي المرتبكة ، ثم فتح باب غرفة القديسة ببطء.
سحب الكرسي الذي كان بجانب النافذة و وضعه قرب السرير ، ثم زفر نفسًا رقيقًا و هو ينظر إلى اللحاف المرتفع.
لقد قالت سابقًا إنها تنام عندما تشعر بالتوتر.
و بما أنها تحت اللحاف في وضح النهار ، يبدو أن حديثها مع ماركيز دالبيرت كان مجهدًا جدًا لها.
‘هذا متوقع’
‘فكل كلمة خرجت من فمه كانت تهدف لزلزلة ما بيننا’
“…”
طبطب على اللحاف فوق ما يفترض أنه كتف القديسة.
كانت لمسة حذرة للغاية.
“هل تتذكرين ما قلته لكِ؟”
كان صوته منخفضًا.
لم تظهر القديسة النائمة أي رد فعل ، لكنه لم يكترث.
تمنى أن تصل كلماته إليها حتى و هي في غفوتها ، لتخفف عنها قلقها و لو قليلاً في وعيها الباطن.
تابع حديثه بهدوء و كأنه يعترف بمكنونات صدره: “لن أستغل قدرتكِ أبدًا”
مرت الأحداث التي جمعته بالقديسة في ذهنه.
‘يمكنك أن تأخذني اليوم’
منذ لقائهما الأول الجريء—
و هي تصعد العربة بوقاحة مبتسمة مدعية أنها تتنزه بملابس الخادمات—
يوم ركض بها محمولاً على ظهره حتى بلوسوم و هي تكاد تفقد أنفاسها من فرطه اعترافه—
نظرتها التي لا توصف و هي تراه يضع السلطة في طبقها لأنها كانت تأكل اللحم فقط—
الليالي التي جلسا فيها يشربان الحليب معًا—
زهرة الستاتيس التي كان يلوح بها لجذب القطة—
و الليالي الساخنة التي استمرت حتى مطلع الفجر الأسود—
أصبح كل تفصيل منها ذكرى لا يمكنه التخلي عنها.
لم يكن يريد إعادة الزمن لتتلاشى تلك الذكريات و تصبح كأن لم تكن.
لم يستطع فعل ذلك.
و علاوة على ذلك—
‘كيف لي أن أقتلكِ؟’
‘حتى و إن كنتُ أعلم أن موتكِ ليس النهاية ، و أنكِ ستعودين للحياة مع عودة الزمن’
‘ليس فقط لأن الذكريات ثمينة ، بل لأني ببساطة لا أستطيع غرز خنجر في جسدكِ’
‘لا يمكنني تحمل رؤيتكِ تتألمين و لو للحظة واحدة’
‘نعم’
‘حتى لو انهارت كل خططي المستقبلية ، و فشلت ، و اتهمت بالخيانة و سيق بي إلى المقصلة’
‘لن أستغلكِ في النهاية’
فتح فمه مرة أخرى بحذر.
و كأنه يقطع عهدًا ، أو يقدم وعدًا ، أو ربما ينقل حقيقة ببرود: “مهما حدث ، لن أعيد الزمن”
في تلك اللحظة—
هبت القديسة التي كانت تستمع بصمت ، و رفعت جسدها فجأة و هي تزيح اللحاف.
اتسعت عينا أليستو الذي كان يظنها نائمة ، بينما نظرت إليه آثا و سألت بحدة كأنها تستجوبه: “مهما حدث؟ أبدًا؟”
كانت تعابير وجهها حازمة ، لكن شعرها الذي تشتت في كل اتجاه بسبب الكهرباء الساكنة من اللحاف و الوسادة جعلها تبدو في غاية اللطافة.
شعر أليستو بالذهول من نفسه لأنه يجدها لطيفة حتى في موقف كهذا.
وصل به الأمر لدرجة أنه لم يعد يعرف أكان يحب شعثها ، أم أنه يحبها حتى و هي شعثاء.
شعر بأنه أصبح حالة مستعصية ، فمسح على شعرها البني الجميل و رتبه خلف أذنيها.
“نعم. أعدكِ ، مهما حدث ، لن أعيد الزمن أبدًا”
تمنى لو تصدقه قليلاً.
و لكن للأسف ، لم تنقشع ظلال القلق عن وجهها.
شعر بغصة من الاستياء للحظة ، لكنه تفهم الأمر من ناحية أخرى.
فالأمر يتعلق بحياتها ، فكيف لها أن تطمئن بمجرد وعد شفهي؟
بينما كان ينظر إلى حدقتيها البنيتين القلقتين ، راوده هذا الخاطر: ‘ماذا لو خافت و حاولت الهروب؟’
لقد قالت آثا سابقًا إنها لن تهرب.
هل يمكنه تصديق ذلك الكلام بعد؟
“…”
هاه.
يصدق ماذا؟
لقد سبق لها أن غدرت به مرتين ، فهل ستكون الثالثة صعبة؟
خاصة و هي تشعر بتهديد لحياتها؟
بالطبع ، لن تنجح في الهروب.
و لكنه كان مستعدًا للمراهنة بعرشه على أنها ستحاول الهروب مرة أخرى حتى لو فشلت.
‘إذا كان الأمر كذلك … فمن الأفضل …’
التعليقات لهذا الفصل " 108"