فتحت آثا فمها و أغلقته عدة مرات ، و لم تجد جوابًا فوريًا.
بالتفكير في الأمر ، لم تشعر أنها صديقة لسيدريك تمامًا ، لكن إنكار الأمر تمامًا لم يبدُ صائبًا أيضًا.
فقد تبادلا أطراف الحديث عدة مرات ، و شعرت بـ”ألفة داخلية” معه حين عرفت أنه يحب إيسيس.
و يبدو أن سيدريك بادلها هذا الشعور بالألفة أيضًا.
‘لابد أنه أخبرني بتلك المعلومات عن أليستو مخاطرًا بنفسه لهذا السبب’
إذن ، ألا يعتبران صديقين؟
هزت آثا كتفيها قائلة: “أعتقد أننا صديقان”
ارتفع حاجب إيسيس بتعجب: “إما أن تكونا صديقين أو لا ، ما معنى ‘أعتقد’ هذه؟”
“أقصد ، لسنا صديقين مقربين جدًا ، لكنه شعور يجعلك تقول إننا أصدقاء ، هل فهمت؟”
أضافت آثا هذا التوضيح ، لكنه لم يكن وافيًا تمامًا.
تنهد إيسيس و كأنه لم يجد كلامًا يرد به ، ثم سألها عن موضوع آخر ليتجاوز الأمر: “و ما هي تلك الأخبار الصادمة؟”
أجابت آثا على الفور: “كان كلامًا عن أليستو. عن حقيقة معرفته بالنبوءة في اليوم الأول الذي التقينا فيه بـمعبد سول ، و أيضًا …”
على عكس ارتباكها عند سؤالها عن علاقتها بسيدريك ، كانت هذه المرة تتحدث بـنبرة واضحة و طلقة.
نقلت آثا لـإيسيس كل ما دار بينها و بين سيدريك من حديث.
هنا لنتوقف قليلاً———
هل يعقل أن “البوم” لم يعلموا بتنزه سيدريك و آثا معًا في حديقة بلوسوم؟
مستحيل.
فمنذ حادثة الاغتيال التي استهدفت آثا ، وضع أليستو غارنيت لمراقبتها و حمايتها.
و غارنيت ، المقربة من ولي العهد و فارسة حراسته ، كانت واحدة من البوم رفيعي المستوى ، تمتاز بـمهارة فائقة في التخفي و قدرة عالية على تقدير المواقف و إدارة الأزمات.
كانت تتنصت على كل ما دار بين ماركيز دالبيرت و القديسة من فوق شجرة قريبة ، ثم تتبعت سيدريك بـهدوء بعد ذلك.
و عندما تأكدت من دخوله إلى “نادي الرجال” (Men’s Club) في أطراف المدينة ، عادت إلى بلوسوم.
في هذه الأثناء ، دخل سيدريك إلى النادي—
صعد إلى الطابق الرابع مباشرة و طرق باب الغرفة الخاصة بالكونت هانسرودي ديرك.
طرق— ، طرق— ، طرق—طرق—طرق—
طرق الباب بـنمط معين ، ففتح له خادم ضخم الجثة.
دخل سيدريك الغرفة بـسرعة ، لكنه توقف عندما وجد ضيفًا هناك.
نظر الكونت ديرك و الضيف إلى سيدريك في آن واحد ، و كان الكونت هو أول من تحدث: “سيادة الماركيز ، ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ آه ، تفضل بالجلوس أولاً”
عرض عليه الجلوس ، لكن سيدريك ظل واقفًا و هو ينظر للضيف بـحذر.
“لا بأس ، أنا فقط …”
عندما أبدى رغبته في التحدث معه على انفراد ، نهض الكونت ديرك أخيرًا.
و بناءً على اعتذاره اللبق للضيف ، بدا أن الأخير شخصية مهمة للغاية.
“سأغيب للحظة ، فهذا الصديق شديد الحذر”
لحسن الحظ ، ضحك الضيف بـحرارة و أومأ برأسه بـترحيب: “الحذر صفة جيدة في الشباب. اذهب ، سأنتظرك”
انحنى سيدريك للضيف الذي كان يخاطب الكونت بـكلفة مرفوعة ، ثم تحدث بـسرعة بمجرد اقتراب الكونت منه: “جئتُ لأعرض عليك أمرًا”
أمال الكونت ديرك رأسه كـإشارة له ليتحدث ، فازدادت نظرة سيدريك قوة: “أولاً ، أود إبلاغك أنني نقلت للقديسة حقيقة نوايا ولي العهد. و ثانيًا- عندما نخرج القديسة من القصر الإمبراطوري ، سأكون أنا المسؤول عن حمايتها”
و بعد ضحكة قصيرة ، اختفت الابتسامة عن وجهه تمامًا.
“اسمع يا سيادة الماركيز. أنا طلبتُ منك أن تنقل للقديسة حقيقة ولي العهد ، و لم أطلب منك حمايتها أبدًا. القديسة تنتمي لـمعبد سول ، و كبير الكهنة إيمو ينتظر عودتها بـفارغ الصبر”
كان يقصد بـكلامه: ‘من أنت لتتولى حمايتها؟’.
توقع سيدريك هذا الرد.
لقد جاء لأنه لا يريد الدخول في نزاعات مستنزفة مع جهة الإمبراطور حول ملكية القديسة بعد تهريبها.
لذا وضع شرطه دون تغيير في تعابير وجهه: “سأدخل في صلب الموضوع مباشرة. مقابل حصولي على حق حماية القديسة ، سأمنحكم فشل التجارة البحرية”
صمت الكونت ديرك للحظة.
فـثمرة فشل التجارة البحرية كانت مغرية جدًا لدرجة يصعب رفضها فورًا.
لكن ، مقارنة بـالاستحواذ على قوة إعادة الزمن ، كانت الكفة تميل قليلاً لصالح الأخيرة.
“فشل التجارة البحرية وحده؟ ألا تنوي منحي شيئًا آخر؟”
عندما لمح سيدريك بريق الجشع في عيني الكونت ، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه: “أعدكم بـإعادة الزمن أيضًا”
في تلك اللحظة ، لمعت عينا الكونت ديرك: “هل وافقت القديسة على إعادة الزمن؟”
أجاب سيدريك بـزهو ، مع إضافة القليل من المبالغة: “تبين أنه يمكن إعادة الزمن حتى دون موافقة القديسة. لقد عرفتُ الطريقة تقريبًا”
كان هذا خبرًا سارًا جدًا للكونت ديرك ، لكنه أراد التأكد: “كلمة ‘تقريبًا’ تعني أنك لست متأكدًا بعد ، أليس كذلك؟”
تردد سيدريك للحظة.
كلامه صحيح؛ فهو لم يتأكد بعد.
بينما كان في طريقه للنادي ، ظل يفكر في طريقة إعادة الزمن.
كان متأكدًا أن القديسة نفسها هي الوسيلة ، لكن الأمر بدا و كأنه خلف ضباب ؛ يراه ولا يمسكه.
‘هل أخبر الكونت ديرك بـاستنتاجاتي ليساعدني؟ إنه رجل ذكي ، ربما …’
بعد صراع داخلي قصير ، تحدث ببطء: “يبدو أن القديسة نفسها هي الوسيط لإعادة الزمن”
و عندما كشف له عن الأسباب التي جعلته يفكر هكذا ، لم يتأخر الكونت الذكي في تقديم الإجابة المنطقية: “بناءً على افتراضك ، هذا يعني أن القديسة هي ‘الأضحية’.”
امتقع وجه سيدريك قليلاً لـاختيار الكونت كلمة تبدو عنيفة.
لكن الكونت ديرك واصل حديثه دون اهتمام بـتعابير وجه الماركيز: “لقد قرأتُ في مذكرات السحرة السود القدامى ؛ أن تحقيق الأمنيات العظيمة يتطلب أثمانًا باهظة. فما هو الثمن الذي تتطلبه إعادة الزمن؟”
في تلك اللحظة ، خطر بـبال سيدريك ثمن مرعب.
“… هل يعقل”
‘الموت؟’
أومأ الكونت ديرك برأسه و كأنه حزر الكلمة التي لم يجرؤ سيدريك على نطقها.
***
بعد أن استمع إيسيس لكل ما دار بين آثا و سيدريك ، أطلق ضحكة ساخرة: “واو …”
‘إنه مزيج متقن من الحقيقة و الكذب ، لدرجة أنني لا أعرف من أين أبدأ بـتصحيحه’
أولاً: “بعد سماع كل هذا الكلام عن أليستو من سيدريك ، كيف تشعرين الآن؟”
تنهدت آثا بـهدوء و هزت رأسها: “لا أعرف. أنا مشتتة فحسب … في نظركَ ، هل سيحاول أليستو إعادة الزمن إذا فشلت خططه المستقبلية؟”
سألت و هي تتمنى بـصدق أن يقول ‘لا’.
فلو قال إيسيس ذلك ، لشعرت أنها تستطيع تصديقه بـثقة.
لكن—
حك إيسيس رأسه بـحيرة قائلًا: “لا أحد يعرف شيئًا عن المستقبل الذي لم يحدث بعد”
حتى لو عاد المرء للماضي ، فلن تتكرر الأحداث بـحذافيرها ؛ فقد تحدث تغييرات طفيفة ، و أحيانًا تغييرات جذرية.
و ماذا عن الآن؟
آثا تعيش حياة مختلفة تمامًا عن المرة السابقة ؛ علاقاتها الإنسانية جديدة كليًا ، و علاقتها بـسيدريك و أليستو اختلفت تمامًا.
في هذا الوضع ، لم يملك إيسيس ما يقوله عن المستقبل.
أظلم وجه آثا عندما لم تسمع الجواب الذي كانت ترجوه.
‘هذا يعني أن أليستو قد يعيد الزمن حقًا؟’
فجأة ، و بشكل لا إرادي ، وضعت يدها على بطنها.
رغم أنها لم تتأكد بعد من وجود طفل ، إلا أنها فكرت: ‘لو متُّ ، فماذا سيحدث له؟’
لم يغب عن إيسيس حركتها تلك ، فاتسعت عيناه بـصدمة: “أنتِ …؟!”
هزت آثا رأسها و هي تسمع صيحته: “لستُ متأكدة. أنا فقط-“
و قبل أن تنهي جملتها ، نهض إيسيس و جلس على ركبتيه أمامها مباشرة.
نظر إليها بـتوسل كأنه يطلب الإذن ، ثم وضع يده بـحذر فوق بطنها المسطح و مسح عليه.
تغيرت ملامح عينيه الهادئتين فجأة: “إنه موجود. أشعر بـالحياة ، رغم أنها ضئيلة جدًا”
اهتزت حدقتا آثا و إيسيس في آن واحد.
كانت آثا هي من كسر الصمت: “إذا علم بـوجود الطفل ، ألن يتراجع أليستو عن إعادة الزمن حتى لو فشلت خططه؟”
و لكن ، و بكل أسى: “لا أستطيع ضمان ذلك. أليستو في هذا الزمن يبدو أرق من أي وقت مضى ، لكن لو تذكرتِ كيف كان في الزمن السابق … لقد كان رجلاً بلا دماء ، بلا دموع ، و بلا مشاعر. هل تعتقدين أنني وصفته بــ’المجنون’ من فراغ؟”
التعليقات لهذا الفصل " 106"