دوى صوت الرصاص حتى اهتزّت به أرجاء ساحة التدريب. احمرّت خدود جيهاردي بدماء اندفعت فجأة، وعبق الدم اخترق أنفه.
“جلالتك!”
اندفع الضابط غلووس مهرولًا وركع على ركبتيه. كان من المفترض أن يُعاقَب لعدم قدرته على حماية سلامة من هو أسمى منه. عينا جيهاردي اتجهتا نحو الكلب المتدحرج على الأرض.
رصاصة اخترقت جسد فين، فأطلق صرخة قصيرة قبل أن يهوي أرضًا، وأنفاسه تخبو ببطء. منظر جسده وهو يتشنج مزمجرًا، والزبد يخرج من فمه، بدا غريبًا. ظلّ جيهاردي يحدّق فيه طويلًا، ثم رفع يده ليمسح الدم الذي سال على ذقنه وكاد يتقطر. الملازم هاريسون، المرافق للضابط غلووس، أسرع يمدّه بمنديل، لكن جيهاردي بدلًا من ذلك أدار رأسه نحو مصدر الطلق.
لم يجد وقتًا ليسمع صوت الضابط غلووس راكعًا تحت قدميه يطلب الغفران.
“آ… أعتذر….”
وحين التقت عينا جيهاردي الواضحتان بعينيه، ارتجف ديفون، الابن الأكبر لبارون إيفيوس، وهو يطأطئ رأسه.
الذي أطلق النار على فين الراكض باتجاه الملك كان ديفون. كان بيت إيفيوس منذ أجيال ينحدر من البحرية. أدرك جيهاردي فورًا أنه ابن البارون إيفيوس، فتقدّم نحوه، وانحنى ليجعل نظره بمستواه، وتقابلت أعينهما.
العينان المذعورتان المرفوعتان إليه تشبهان بقوة شخصًا آخر.
للحظة، انتابته فكرة سخيفة: أن يستسلم لكل ما يملك ويُغمض عينيه هكذا.
وقاحة. وهو الذي لم يستطع أن يقدّر حتى جزءًا يسيرًا من الجراح التي سبّبها لتلك المرأة.
إن مات فقط طلبًا لراحته، فلن تغفر له روميا بيرلوس حتى بعد موته. لذا، كان عليه أن يعيش.
قبل أن يعرفها جيدًا، سمّاها “فتاتًا”. لكن تلك العينين النقيتين، التي كانت تحدّق فيه دون حاجة للكلام، كانت دائمًا تقول الصواب.
روميا بيرلوس… التي عرفت كل مشاعره: فرحه، حزنه، غضبه، وتلك العواطف الباطلة كلّها.
تلك الفتاة، التي رغم خوفها منه، ظلّت في صراع وهي تنظر إلى الباب المفتوح.
الآن، هي سبب فرحه، حزنه، وغضبه الكامن. بات يفهم قليلًا لماذا تسخر منه هيرين فوتاميا كلما نظرت إليه.
ابتسم بمرارة عند تذكّر بيرلوس التي لن تعود. ثم طوى تلك الخاطرة القصيرة، ومسح ابتسامته ببطء.
كان وجه ديفون قد بدا في غاية الارتباك بما ارتكبه. صحيح أن ما فعله كان لحماية حياة الملك، فلم يجرؤ أحد على تأنيبه، لكن لم يُثنِ عليه أحد أيضًا.
لو كانت رمايته أكثر سوءًا، لربما أصاب الملك نفسه. كان ديفون يعرف جيدًا أنّ ما أنقذه كان الحظ وحده، وأنه لو أصاب جلالته بدل الكلب، لتحوّل الأمر إلى كارثة.
حاول ديفون أن ينهض مرتكزًا على ركبتيه ويديه، لكن جسده لم يطاوعه إذ خارت قواه. حينها، وُضعت يد جيهاردي الثقيلة على كتفه.
“أحسنت.”
“ماذا؟”
كلمة لم تخطر بباله قط. بل مديح لفعله…
اتسعت عينا ديفون دهشة، فابتسم جيهاردي ابتسامة خفيفة. ثم اعتدل واقفًا، تاركًا للضابط غلووس أمر ترتيب الموقف، واستدار مغادرًا.
كان آخر ما رآه ديفون ظل الملك يتلاشى.
***
لم يكن عجزه عن الموت هو ما أثقل قلبه، بل حين فتح جيهاردي عينيه ولم يجد روميا، فكان ذلك أشد وقعًا عليه.
كان قد حان الوقت للكفّ عن التسكّع قرب النافذة، والتحديق في الخارج بلا جدوى.
حين تذكّر كلماتها المتغطرسة “لا تحبني”، وسؤالها: “هل تحبني؟” أدرك أنها كانت اعترافًا خفيًا بالحب. لكن حين وعى ذلك، لم يعد هناك شيء متبقٍ.
‘لماذا فهمت هذا الأمر البسيط والواضح الآن فقط؟’
هو، الذي طالما كانت روميا تحسده على إمتلاكه ما لا تملكه… لو عادت، كان سيخبرها بشيء واحد:
كلما ازدادت ممتلكات المرء، ازداد خوفه.
الأشياء التي لا تملكها لا ترحل، لكن الأشياء التي تملكها قد ترحل في أي وقت.
والذي اعتقد جيهاردي أنه “يملكه” منها، رحل، ولم يبقى سوى الندم.
“جلالتك! لماذا لم تجب على الطَرق؟!”
قاطع تفكيره صوت مرتعش خلفه. كان الماركيز فانيسا.
“كارثة يا مولاي. وصلتنا برقية. لوماهوي من الاتحاد الغربي قد دخل الحرب. صحيح أن ريلنوك مشهور بجيشه القوي، لكن لو انضمّ الغرب بأسره، فلن يصمد طويلًا. وقد كانت قوات لوماهوي نفسها هي من قطعت إمداداتنا.”
نظرات جيهاردي البطيئة اتجهت نحو الماركيز، الذي بدا وجهه شاحبًا. خلفه دخل الكونت كيلدرو.
“بهذا الشكل، سيتم محاصرة ريلنوك يا مولاي.”
“وصلتني رسالة من إمبراطور ريلنوك.”
أجاب جيهاردي بهدوء، على عكس القلق الذي يعتري الآخرين. بدا وكأنه كان يتوقع هذا اليوم منذ زمن، فلا أثر للدهشة في وجهه. أخرج رسالة مختومة بعلم ريلنوك ووضعها أمامهم.
“بحر ماهادري هو قلب الاتحاد. يوتار لم يكن يريد مجرد قوة عسكرية. كان إمبراطور ريلنوك يعلم أيضًا أنّ دول الغرب الأخرى ستنضم عاجلًا أم آجلًا.”
“إذن… لا يعقل….”
“أراد أن يصبح سيد الاتحاد.”
كلمات جيهاردي جعلت الماركيز فانيسا والكونت كيلدرو يخرسان. مزيج من الذهول من طموح يوتار ومن دهشتهم لأن جيهاردي كشفه.
تقدّم كيلدرو وسأله:
“مولاي، هل كنتم تتوقعون هذا؟”
“منذ أن جذبنا ريلنوك إلى جانبنا، كان من الطبيعي أن يفكر يوتار أنّ استعانته بلافليكا وحدها لن تكفي. وإذا كان هدفه الاتحاد من البداية، فلا غرابة أن يلجأ إلى ذلك.”
بعد أن تأخرت كاتاس عن الاستجابة كما أراد، وانحرف عن هدفه، لم يجد يوتار بدًا من التفكير بابتلاع اتحاد يرتكز على كاتاس، حتى ولو استعان بدول الغرب.
بعد أن كسب وقتًا عبر لافليكا، التي لها مبرر هزيمة قبل سبع سنوات، تمكّن يوتار من إقناع لورماهوي.
أمسك جيهاردي بمعطفه وقال:
“نحن أيضًا سنتوجه إلى ريلنوك.”
***
دوووم-!
كان الصوت في البداية بعيدًا، لكنه سرعان ما صار مسموعًا هنا. دوّي الحرب أثار القلق في قلوب شعب ريلنوك للحظات.
وكذلك كان الحال مع روميا، التي عليها البقاء في ريلنوك حتى الولادة.
“ألا تخافين؟”
سألت روميا، وهي تحمل سلة من الفاكهة الناضجة. ابتسمت السيدة لينا ابتسامة غامضة أولًا، ثم لوّحت يدها ضاحكة.
“أتدرين ما هو لقب إمبراطورنا؟ إنه ’المهووس بالحرب‘.”
“عفوًا؟”
“نعم، نخاف. لكن جلالته يحب أن يُستدعى إلى كل ساحة حرب. ربما هي طبيعته، لا أفهمها. لكنه يحب الحرب كثيرًا، وهذه هي مشكلته.”
كان هذا ما سمعته تقريبًا من إيزابيلا من قبل: أن إمبراطور ريلنوك رجل مهووس بالحروب.
بل وقيل إنه أحيانًا يفتعل المشاكل مع الدول المجاورة لمجرّد التسلية، ليجد ذريعة للحرب.
تذكّرت روميا حديث إيزابيلا، وابتسمت بتوتر.
هي، التي تُخفي قلقها خوفًا على الجنين، لاحظت أن شعب ريلنوك وإن كانوا يقلقون، إلا أنهم يعيشون براحة.
راحة لا يمنحها إلا إيمانهم بملكهم.
في العادة، عند قيام حرب، لا بد أن تجد بعض الفارين، لكن في القرية التي تقيم فيها روميا لم يغادر أحد.
“وفوق كل ذلك، لدينا أيضًا دوق بيلفيروتر، حامي بيلفيروتر.”
قالت السيدة لينا وهي تضيف المزيد من الفاكهة لسلتها وتغمز بعينها.
بما أنّ دوق بيلفيروتر هو زوج إيزابيلا، فقد احمرّت وجنتا روميا وهي تهز رأسها شاكرة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 95"