فتح السائس باب العربة بتكاسل للسيدة النبيلة التي غطّت وجهها بطرحة سوداء، وللمرأة البسيطة بجوارها التي بدت كأنها خادمتها. وما إن سمع أن وجهتهما هي الغرب البعيد عن العاصمة حتى بدت على وجهه علامات الحيرة، فتمتمت السيدة النبيلة بشيء ما إلى خادمتها.
“تقول إن علينا أن نصل قبل ظهر اليوم. أرجو منك التيسير.”
“هيه، ما زالت بعض الطرق لم تذُب ثلوجها، وهذا خطر. ربما كان ركوب القطار أفضل.”
كان هذا أول موقف يضعه في حرج كهذا. الكيس الذي مدّته الخادمة كان يحوي مبلغًا لم يحلم يومًا أن يلمسه، فضلاً عن أن يملكه. بدا أنهن يملكن من المال ما يكفي لامتلاك عربة خاصة، ومع ذلك أصرين على السفر بعربة مأجورة إلى مسافة بعيدة.
ولما تمتم السائس ممتعضًا من غرابة الزبائن، توسلَت الخادمة برجاء شديد:
“هناك ظرف خاص. لا بد أن نذهب بالعربة… أرجوك.”
“إذن اركبا أولًا، هيا.”
فالمبلغ الذي ناله يكفيه للذهاب والإياب، بل والمبيت يومًا في الغرب، لذلك أشار إليهما بالدخول رغم تذمره.
أشرقت ملامح وجه الخادمة الشابة فجأة، وهزّت رأسها سريعًا موافقة.
***
رفعت شارون منديلها لتسدّ أنفها. فالكوخ البالي أمامها يوحي من النظرة الأولى بانعدام النظافة. الثلوج الذائبة جعلت الأرض طينية متسخة، وحذاؤها الفاخر غاص في الوحل، مما زاد من سوء مزاجها.
“لا يبدو أن أحدًا في الداخل. هل هذا العنوان صحيح؟”
لقد تكبدت مشقة ركوب العربة لمسافة طويلة وغير مريحة، ليكون البيت خاليًا!
عضّت شارون شفتها بخيبة أمل. كان المكان الذي اكتشفت بصعوبة أنه مسكن السيدة ميشيل، باليًا ومنعزلًا لدرجة جعلتها تشك إن كان مسكونًا أصلًا. ليس في مدينة مزدحمة، بل في كوخ وسط غابة خلف كروم العنب.
“تنحّي. سأطرق الباب بنفسي.”
أزاحت شارون خادمتها جانبًا وضربت الباب الخشبي المتآكل محدثة صريرًا مخيفًا. عندها، ومن خلفهما لا من الداخل، ناداهم صوت عجوز.
“لا أحد بالداخل.”
التفتت شارون وخادمتها بفزع نحو الصوت. كانت عجوز تلف رأسها ووجهها بغطاء، مستندة إلى عصا، تحدق بهما. تقدمت ببرود وفتحت الباب قائلة:
“إنه مكان رث، فهل ستتكرمين بالدخول يا صاحبة السمو؟”
***
“هل فقدت عقلك؟!”
نادراً ما يُسمع صوت أوليفيا الغاضب، المعتادة على الهدوء والابتسامة الرقيقة.
“وهل سيسيل في كامل وعيها إذن؟”
وضعت أوليفيا يدها على رأسها محاولةً تخفيف الصداع وهي ترى ابنها صامتًا أمامها. لم يسبق له أن أثار المشاكل، فإذا به يطعنها من الخلف بمجرد تثبيت ولاية عهده… زفرت أوليفيا بحسرة.
حتى يوم زواجه المدبر من العائلة المالكة، وهي تعلم أن لإدوارد امرأة أخرى يحبها، لكنها لم تبادر بذكر ذلك، خوفًا من أن يشعل كلامها نارًا لا تُطفأ فتربطهما أكثر.
سيسيليا ماغاريود. فتاة ذكية حكيمة. وقد تبناها آل ماغاريوْد ابنةً لهم، وكانت هادئة الطباع محبوبة ممن حولها. في أي مجلس تحضره، يثني الجميع على دماثتها ووداعتها.
لكن لتكون زوجة ولي العهد، كان ثمة عقبة: عمّها هو نفسه الذي كان قد خُطب إلى الأميرة شارون ثم فارقها.
وهذا وحده كان عائقًا أخلاقيًا وسياسيًا، فرفضت أوليفيا ارتباط سيسيليا بإدوارد.
وبينما كانت تظن أن العلاقة قد انتهت حين خطبت فتاة من أسرة أخرى لولي العهد، إذ بها كانت مخطئة.
ظنتها نزوة شباب عابرة، لكنها فوجئت بابنها يعلن بجرأة رغبته في الطلاق.
“أرجو أن تأذني لي.”
لم ينطق سوى هذا، طالبًا منها الاعتراف بسيسيليا والجنين الذي في بطنها من دمه.
“أريد الزواج من سيسيليا، وأن أنقل إرثي إلى طفلي القادم.”
قالها بخفة، بينما بدت كمن نزلت به صاعقة.
“جلالتكِ.”
“الطلاق غير مسموح به.”
قطعت أوليفيا رجاء ابنها بحزم، وهي تغرق في تفكير قاتم. لو خرج الأمر للعلن، لضُربت صورة العائلة المالكة في الصميم، وتبخرت السمعة التي بنتها سنوات طويلة. لأول مرة منذ زمن، شعرت بالخوف.
“جلالتكِ!”
رغم صرخة الإحباط، لم تتزعزع أوليفيا. لو كان ابنها الحبيب أكثر عقلانية… أوليفيا، التي كانت تكتم حزنها على ما حدث، استقامت ببطء.
“أعتقد أنه من الأفضل إعلان خبر حمل زوجة ولي العهد.”
كان من الواضح جليًا معنى إعلان حمل زوجة لم تقضِ ليلة أولى لائقة. نادت أوليفيا على ميشيل، متظاهرة بعدم ملاحظة وجه إدوارد الشاحب.
***
‘امرأة قاسية. حقًا مدهشة.’
تمتمت شارون في سرها بعد انتهاء رواية ميشيل. كانت تتوقع سرًا وراء ولادة جيهاردي، لكن ما روته كان عاصفًا كعاصفة، رغم نبرتها الهادئة.
تغيير أم ولي العهد الحقيقية إلى ديانا حفاظًا على شرف العائلة؟ خطة مذهلة!
تذكرت شارون ابتسامة أوليفيا الدافئة، فارتعدت.
“وماذا عن سيسيليا، والدة جيهاردي؟”
بالتفكير في الأمر، هذا ما حدث. كان إدوارد يُواعد امرأةً منذ شبابهم، لكنها اختفت منذ زمن.
آنذاك كانت شارون منشغلة بزواجها من دوق ليزارد وإنجاب ابنها إيدن، ثم جاءها خبر وفاة ولي العهد وزوجته، فغابت عنها تلك التفاصيل.
“حتى لو مات أخي وزوجته، ألم يكن يفترض أن تبقى سيسيليا حيّة؟”
“في تلك العربة، لم يكونا وحدهما.”
“إذن…”
“كانت الرحلة في الأصل مخصّصة لولادة السيدة سيسيليا.”
شهقت شارون ووضعت يدها على صدرها. لم تكن تتوقع أن العربة ضمت غير الأمير وزوجته.
“لقد رويت لكِ كل ما يمكنني قوله.”
“تتكلمين وكأنك كنتِ تنتظرينني.”
“كنت أتوقع أنه في يوم ما سيأتي شخص ما ويتساءل عن أصل جلالته. صحيح أن الملكة الراحلة نفت كل من علم بالأمر، لكن لا وجود لسر يبقى خافيا للأبد.”
بدأت ميشيل تُعدّ الشاي مع غليان الماء على المدفأة، فيما حاولت شارون استعادة هدوئها.
“ولمَ تروين لي هذا؟ ألستِ تخشين أن أستخدمه ضد جيهاردي؟”
أسقطت أوراق الشاي في الماء المغلي برفق، وأخذت تحركه بملعقة خشب. ملامحها لم تتغير.
“الجو بارد يا مولاتي. لا أملك إلا فنجان شاي أقدمه لك.”
صوتها العجوز كان يفيض عناية لا أكثر. لكن شارون لم تُسقط حذرها.
“أتعلمين أنني بهذا الحديث أستطيع أن أُحدث فضيحة؟ أنت تعرفين أنني أكثر من رغبت أن أخلف أمي وأصير ملكة، وقد شهدتِ ذلك منذ صغري.”
كانت عازمة على انتزاع الاعتراف بالقوة إن لزم، لكن ميشيل أجابتها بكل ما أرادت معرفته. وهذا جعلها أكثر ريبة.
ارتشفت ميشيل شايها بهدوء، ثم حدّقت في وجه شارون المشوّه بالغضب.
لقد شاخت الأميرة الصغيرة الجميلة التي عرفتها، وغزاها الزمن مثل الجميع.
“الأميرة التي أحمل صورتها في ذاكرتي، لن تفشي هذا السر أبدًا.”
“ماذا؟”
يا لسخف الكلام! كيف وهي تتلهف للإيقاع بجيهاردي! نظرت إليها بذهول، فقط لتسمع كلماتها التالية التي نزلت بها كالصاعقة:
“فأنتِ أيضًا فرد من عائلة كاتاس الملكية.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"