“كاتاس خرجت لتوها من الحرب. حياة المواطنين بالكاد بدأت تستقر، ولا يمكننا أن نُحمِّل شعب كاتاس عبء الضرائب من أجل مساعدة دولة اتحادية أخرى. آسف، وأعتذر لدولة يوتار.”
“إذا انهارت يوتار، فكاتاس هي التالية. هل تعي ذلك؟”
“أدرك ذلك. من الأفضل أن نكتفي بتجنيد المزيد من الجنود وإرسالهم كدعم.”
طَقطَق- طَقطَق-
بينما كانت المجادلة بين الكونت كيلدرو ورئيس وزراء يوتار تدور أمام عينيه، لم تتوقف يد جِهاردي. أصابعه تنقر على الطاولة الخشبية بإيقاع منتظم، وفي عينيه بدا الملل والفتور واضحًا، ذلك الملل الذي لم تلحظه سوى روميا.
هو من انتظر طويلًا في البرد، لكن المضحك أنّ الذي سقط طريح الفراش لم يكن سواها هي الشظية الصغيرة.
‘ضعيفة.’
عَبَس جِهاردي قليلًا باستياء. كان ضوء الصباح المبكر قويًّا بما أن ستائر قاعة الاستقبال فُتحت على مصراعيها، ورغم البرد، استمرت الأيام الصافية المتوالية. لم يكن معلومًا متى سيتبدّل الطقس لينهمر الثلج بغزارة.
“المؤن الحربية لم تصل. إذا أوصلت كاتاس إمداداتنا حتى ماهادري، حيث يوجد جيشنا الخلفي في يوتار، فإن مشكلة نقص الغذاء ستُحل إلى حدٍّ ما.”
‘أما زال لم ينتهِ؟’
نقلت عينا جِهاردي ببطء نظرهما بين كيلدرو ورئيس وزراء يوتار.
لم يمضِ سوى سبع سنوات على إعلان نهاية الحرب.
أوليفيا رفعت الضرائب على النبلاء أكثر من المعتاد لإعادة إعمار الساحل الجنوبي الذي دمّرته الحرب، ومع أن هناك بعض الاعتراضات، إلا أن أغلب النبلاء كانوا يثقون بحكمها، فلم تكن المعارضة شديدة.
العاصمة عانت في تلك الفترة من صعوبات في تزويدها بالمؤن والغذاء والأدوية بسبب كون الأقاليم المحاذية مناطق حرب، حتى صار الموت جوعًا أو مرضًا منتشراً أكثر من الموت بالرصاص.
ما أنقذ الوضع كان تدفّق البرجوازيين الأثرياء. بقبول العملات الأجنبية من دول الاتحاد وغيرها بدأت أوضاع كاتاس الاقتصادية تتحسّن، ومع منح أوليفيا بعض الأراضي لهؤلاء البرجوازيين انفرجت أزمة الإمدادات شيئًا فشيئًا.
على غرار عائلة روميا بيرلوس مثلًا، عائلات بلا نسب ولا جذور.
ما إن خطرت روميا على باله حتى توقفت أصابعه عن النقر. وأخيرًا، قطع جِهاردي مجادلة الوزيرين التي كان يراقبها بصمت.
“وما معيار هذا القليل؟”
توقف كيلدرو ورئيس وزراء يوتار عن تكرار مواقفهما وحدّقا في جِهاردي. عندها فقط أدركا أمام من كانا يرفعان أصواتهما، وارتسم على وجهيهما حرج شديد.
تَنحنح رئيس وزراء يوتار وبدأ بالكلام. لقد أدارت جميع الدول الاتحادية ظهرها، ولم يبقَ سوى كاتاس باعتبارها المسؤول الرئيسي عن الاتحاد والوحيد القادر على إنقاذ يوتار.
“نرجو منكم تقديم بعض المؤن أيضًا للجنود على الجبهة، لا مجرد الدعم العسكري.”
لم يكن أمامه مجال للتراجع بعد وصوله إلى هنا. وواصل بكلمات مشبعة باليأس:
“يوتار لم تتجاهل أبدًا حرب بامروك التي خاضتها كاتاس، جلالة الملك.”
“أعلم ذلك.”
كان جِهاردي يدرك أن النصر في حرب بامروك ما كان ليتحقق لولا وصول دعم يوتار في الوقت المناسب. والأهم أنه هو نفسه من قاد تلك الجبهة. سبع سنوات مضت، وما تزال ذكرى اندفاعه إلى ساحة القتال بعمر العشرين بعد إنهاء الخدمة العسكرية حاضرة بوضوح.
الموت الجماعي بلا صرخة واحدة. أسوار الحصون تنهار بالقصف. صراع مستميت بين من يدافعون عن المواقع الاستراتيجية ومن يشنّون الهجوم للاستيلاء عليها. بنادق تُشهر ليل نهار مع التعب والجوع.
كان أسرع أن يحصي الأعداء الذين نجاهم بدلًا من الذين قتلهم، هكذا كانت الأيام تمضي بتوتر قاتل وعجلة لا تتوقف.
نعم، كان دعم يوتار حينها شعاع ضوء وسط الجحيم. ولكن…
“لكن مقابل إرسال قوات الدعم في حرب بامروك، حصلت يوتار على ماهادري من كاتاس. أظن أننا دفعنا الثمن كافيًا.”
لقد استولت يوتار على ماهادري، التي كانت تطمع بها منذ زمن، والآن تطلب المساعدة لحمايتها من الأعداء؟ كبح جِهاردي ضحكة ساخرة وواصل ببرود:
“قبل سبع سنوات فقط، قدّم شعب كاتاس أبًا وابنًا وحفيدًا ضحايا للحرب. والآن تريدون منهم أن يقدّموا ليس جنودًا فحسب، بل مؤنًا أيضًا من أجل يوتار؟ إن خسرنا ماهادري، فالدور علينا نحن بعد ذلك، أليس كذلك؟”
“…….”
تجمّد رئيس وزراء يوتار وقد بدا أنه استهان بملك شاب. صحيح أن ولي عهد كاتاس كان مشهورًا، لكن بين ولي العهد والملك فرق في الثقل، وقد ظنه لقمة سائغة. إلا أنه لم يجد ما يرد به.
كيلدرو الكونت تنفّس الصعداء بفضل جِهاردي الذي أوقف ذلك الطلب السخيف.
أدار جِهاردي رأسه وسط الصمت القاتم في القاعة. بدا أنه فقد الاهتمام في وزير لم يخرج سوى بورقة واحدة بلا بدائل. تطلّع إلى الطقس المشمس عبر النافذة، ثم نهض ببطء.
كاتاس، باعتبارها رأس الاتحاد وقائدهم، لم يكن بوسعها أن تدير ظهرها تمامًا ليوتار. لكن بما أن النتيجة كانت محسومة منذ البداية، لم يكن هناك داعٍ لإطالة الحديث.
“سوف نرسل قوات دعم، وكذلك مؤنًا. لكن السيادة البحرية على ماهادري، التي أخذتموها، ستعود إلى كاتاس.”
“آه…” لم يستطع رئيس وزراء يوتار أن يمنع أنينه الحزين. أغمض عينيه شاعرًا بهزيمة كاملة في المفاوضات.
كان لكلمة الملك الشاب أثر عظيم. فمع طول أمد الحرب لم تعد ماهادري ذات قيمة ليوتار. كان عليها قبول مساعدة كاتاس حتى لا تسقط جبهتها. وبمشاركة كاتاس في الحرب، ستتحول المعركة إلى حرب من أجل حماية ماهادري التابعة لكاتاس، لا يوتار.
بكلمة أخرى، هذا الملك الشاب أعلن أنه لن يخسر شيئًا أبدًا.
يتظاهر بمساعدة يوتار، لكنه في الحقيقة يحارب من أجل أرضه القادمة. وهكذا يكون كسب ودّ شعبه الذي أنهكته الحرب أمرًا أسهل.
أما رئيس وزراء يوتار، فلم يملك إلا أن يذعن بمرارة.
ترك جِهاردي الوزير المُحبَط خلفه وغادر قاعة الاستقبال، ولحق به الكونت كيلدرو بعد أن ودّع الوزير على عجل.
“أحسنت، يا جلالة الملك. إن استعدنا ماهادري فلن نكون قد خسرنا شيئًا.”
عند هذه الكلمة من المديح الخافت، توقّفت خطوات جِهاردي التي كانت تسير نحو غاية محددة.
توقّف كيلدرو بدوره بدهشة، فسأله:
“ما الأمر يا جلالة الملك؟”
“وإن كان هناك ما أرغب به حتى لو خسرنا مقابله؟”
“عفواً؟”
سأل كيلدرو باستغراب، لكن جِهاردي لم يلتفت له، بل وجّه نظره فوق كتفه إلى أشعة الشمس التي ملأت الرواق. عيناه نصف مغمضتين من الضوء تركزتا في مكان بعيد.
“حينها… فلا بد أن أملكه، مهما كلف.”
تمتم، وكأنه لم يطرح السؤال بغرض الحصول على جواب. كان عالمه يزداد التواءً على صورته، شيئًا فشيئًا.
حياته، التي لم تعرف تغييرًا لقرار اتخذه، بدأت تتغير ببطء، بهدوء، على نحو لا يدركه تمامًا.
كان يتبع المرأة التي لم يكن في أي جزء منها ما هو غير عذب.
روميا، التي كانت تحب الشمس رغم مرضها، لم تحتمل ملازمة السرير طويلًا، فخرجت إلى باحة القصر تحت شجرة عتيقة أغصانها جافة، تستمتع بأشعة النهار.
رغم بُعدها وظهورها الباهت، إلا أن ذلك جعل صورتها ترتسم في ذهنه أوضح وأقوى. ابتسم جِهاردي طويلًا وهو يراقب “بيرلوس” الحُلوة، دون أن يدرك أنه يضحك بصوت مسموع. وقف ساكنًا لا يتحرك.
أصبح الترقب والانتظار عادة مخيفة في ألفتها، لكنها لم تكن سيئة.
أحيانًا، وهو يتخيل روميا في الحديقة، يخطر بباله أنه لن يمانع اقتناء كلب. وأحيانًا، حتى رؤية مكتبه المبعثر لم تعد تثير غضبه، بل جعله يفكر: لعلّ ملء غرفة نومه الفارغة بوجود روميا سيكون أفضل بكثير.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 70"