“لم يأتِ أحد. لذا قضيت وقتي مع السيدة ريتشيتو في صناعة القبعات.”
“هل تشعرين بخيبة أمل؟ لأنه لم يأتِ أحد؟”
“تعلمت أن خيبة الأمل لا تغيّر شيئًا.”
“أحسنتِ التعلّم.”
في وقت متأخر من الليل، حين عاد جهاردي إلى القصر الرئيسي، وجد روميا تعتمد على مصباح واحد وهي تقصّ القماش. عادةً حين يتأخر، كانت روميا تستسلم للنعاس وتغفو أولًا من طول الانتظار. لكن هذه المرة لم تنم، بل انشغلت بالعمل، مما دلّ على أن مزاجها لم يكن بخير.
ذلك “الفتات الصغير” – كما اعتاد أن يصفها – كان كلما ساء مزاجه، يصنع فتاتًا آخر يشبهه. جهاردي الذي مرّ في النهار من صالون روميا برفاييلا، كان قد رأى بوضوح من الخارج الصالون الخالي، لكنه تظاهر بالجهل.
غير أن روميا، التي لم تعرف ذلك، ردّت بفتور، ولم تنظر حتى إلى جهاردي حين اقترب منها، منشغلةً بقص القماش بجدّية.
أما حقيقة أنه التقى بهيرين في وقت متأخر من المساء فلم يذكرها.
“سأخرج غدًا أيضًا.”
“حسنًا.”
بدت كلماتها وكأنها تحدٍّ، لكن جهاردي أجاب باقتضاب وبنظرة ثابتة بلا انفعال.
فهو كان يعلم أن الغد لن يختلف عن اليوم. سواء كانت هيرين أو أي شخص آخر، فقد كان من الواضح أنهم قد بثّوا بين معارفهم فكرة مقاطعة روميا. هكذا كانت حياة سيدات المجتمع: صراعات مرهقة وعديمة المعنى.
لكن روميا، حتى لو ماتت ثم عادت، فلن تتوقف عن فتح صالونها. ولهذا لم يُخبرها جهاردي بالأمر، لأنه يعرف جيّدًا مدى عناد ذلك الجسد الصغير.
كان ذلك إصرارها الخاص، حتى لو كان عنادًا بلا جدوى. نظر جهاردي حول الغرفة، فوجدها مبعثرة بآثار “الفتات” الذي خلق لنفسه رفقاء صغار من الأوراق والأقمشة.
غرفته النظيفة والمنظّمة دائمًا، تحولت بسبب روميا إلى فوضى عارمة حتى صارت الأرض خالية من أي مساحة يمكن أن يخطو عليها.
ابتسم جهاردي بخفوت. لم يكن سيئًا أبدًا أن يرى غرفته الأنيقة وقد قلبتها تلك الفتاة رأسًا على عقب.
قطعت أصوات المقصّ الهادئة صمت الغرفة.
“روميا.”
ناداها جهاردي بهدوء.
***
“من أين دخل هذا يا تُرى؟ لا يبدو كجرو من القصر.”
“لا بد أن هناك فجوة لا نعرفها.”
كان القمر ساطعًا متلألئًا. الهواء البارد لسع رئتيه قليلًا، لكنه كان مثاليًا لتصفية ذهنه. بدأت ابتسامة روميا تعود تدريجيًا.
والسبب كان ذلك الجرو الصغير الذي صادفاه أثناء تجوالهما في حديقة القصر. جرو صغير بفرو أبيض منفوش، أشبه بكتلة قطن مهملة، لكن جماله في تلك الهشاشة.
كان هدف الخروج الليلي أن يرفّه جهاردي عن روميا، لكن سرعان ما سُرق انتباههما بذلك الكائن الصغير. صوته بدا باهتًا وهو يتحدث، وقد استولى الجرو على كل تركيزها.
ركعت روميا على الأرض، تمسّد الجرو الذي يقترب منها، ثم رفعت رأسها نحو جهاردي وسألت:
“وماذا لو كان قد فقد أمّه؟”
أعاد جهاردي ترتيب خصلات شعرها العالقة في وشاحها، وقال:
“سيتعلّم كيف يعيش وحده.”
فما كان من ملامحها إلا أن تعكّرت بسرعة.
“…… كلامك غير مسؤول أبدًا. إنه لا يزال صغيرًا. ألا يجب رعايته حتى يكبر؟”
لم يستطع تجاهل عينيها المليئتين بالشفقة. نظر جهاردي إلى الجرو الذي يهزّ ذيله في هذا البرد القارس، يتجوّل وحيدًا. بدا وكأنه قد تاه طويلًا، إذ تلطّخ فراؤه الأبيض بالرماد الرمادي.
حين اقترب بخطوات قصيرة ومرهقة ليصعد إلى ركبة روميا، تذكر جهاردي الكلب الذي ربّاه في طفولته، فانقبض حاجباه لا إراديًا.
“حتى لو رعيتِه، قد يموت. أحيانًا، النموّ بمفرده يجعله أقوى وأكثر صلابة. لكن لو اعتاد معونة بشر، فحين يعود، قد يُستبعد بسهولة.”
لم يكن مقتنعًا أبدًا بفكرة رعايته. حتى لو تبنّياه، لم يكن هناك ضمان أن يعيش طويلًا. لكن إن تُرك، فسيواجه الجوع والبرد بعد فقدان والدته.
ومع ذلك، لم يُرد ذلك. فقد كره الكلاب.
نظرت روميا إليه بوجه متردّد. بدا أنه يكره الأمر، لكنه لم يكن يبدو كارهاً كليًا. بل كانت نظراته للجرو الذي يلعق يديها دافئة على نحو غريب.
سألت بخجل بعد صمت طويل:
“…… هل أنت حزين الآن؟”
“أنا؟”
ردّه المندهش زاد من يقينها.
“لماذا أنت حزين إذن؟”
“…… كان لدي كلب. في صغري، جدتي أعطتني مسألة رياضية صعبة جدًا، وقالت أنني إن أجبتها سأحصل على ما أريده هدية لعيد ميلادي.”
“وكانت هديتك كلبًا؟”
“نعم. كلب.”
رجل بارد مثل الحجر، وربّى كلبًا صغيرًا؟! لم تصدّق روميا عينيها. لكنها سرعان ما غطّت دهشتها، وسألت بقلق:
“والآن…؟”
“مات.”
جاء صوته جافًا وكأنه كان يتوقع السؤال. رمشت روميا بحزن شديد، غير قادرة على تجاوز ذلك.
“هل كان مريضًا؟”
بينما كانت تضم الجرو الجديد بين ذراعيها، نظر جهاردي إليه وقال ببساطة:
“لا، أنا قتلته.”
صُدمت روميا. الكلمات المباشرة بدت كصفعة. تمنّت لو كانت أخطأت السمع.
“هذا كذب…… أليس كذلك؟”
“بل تتمنين لو كان كذبًا.”
لكن نبرته لم تترك مجالًا للشك. فأطلقت روميا نظرة حانقة وهمست:
“رجل سيء…….”
ابتسم جهاردي ابتسامة قصيرة، كأنه يسخر من دقّتها في كشف الحقيقة.
تذكّر أن كلبه الصغير، ما إن اعتاد على يديه، حتى انتُزع منه. يتذكر بضع لحظات ضحك ولعب معه، لكنها مشوّشة بفعل الزمن. أما الذكرى الأوضح فهي يد أوليفيا القاسية، وهي تفصل بينه وبين كلبه، بحجة أن حفيدها لا يليق به أن يُظهر مشاعر كتلك.
قيل له لاحقًا أن الكلب أعيد إلى أمه، لكن الأم لم تعترف به. والخادم الذي نقل الخبر لم يتجرأ على قول الباقي: أن الجرو هلك، بلا شك.
أعادته روميا من أفكاره:
“إذن سأرعى هذا الجرو بنفسي.”
“أنتِ؟”
“نعم.”
رفعت الجرو ووضعته داخل معطفها لتدفئه من البرد.
“هل سبق أن ربيتِ كلبًا؟”
رفع جهاردي حاجبيه بدهشة من مشهدها وهي تحضنه كما لو كانت أمّه. بدت سخيفة في عينيه؛ فالجرو اختارها بدافع غريزي للبقاء، بينما هي تعامل الأمر وكأنه طفلها.
كلاهما في نظره لم يكن إلا “فتاتًا” صغيرًا.
شعرت روميا بالإهانة من نبرة شكّه، فأجابت بجدية:
“كنت أعتني بقطط وكلاب الحيّ في بيريدروز، كنت أطعمها.”
“لكن إطعامها فقط، هل يُسمى رعاية؟”
“إذن ماذا عليّ أن أفعل؟ لا يمكن أن أتركه لسيادتك، أليس كذلك؟”
لم يكن بإمكانها أن تضعه بين يدي هذا الرجل القاسي. ضمّت الجرو أقوى داخل معطفها، تحميه منه.
ضحك جهاردي بخفوت، ثم لمس بخفة أنف الجرو الذي تحمله.
“أن ترعي أحدًا، يعني أن تتحمّلي مسؤوليته كاملة.”
“ماذا تعني؟”
لم يكن ينوي منعها من رعايته، لكنه لم يتقبل فكرة أن يرى الجرو يتجول في غرفته. يكفيه أن صبره يُستنزف من الأقمشة والخرز، فكيف الآن مع هذا الكائن الصغير أيضًا؟
فكّر قليلًا ثم قال:
“هناك شخص أنسب من غيره لهذا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 60"