‘أي ورقة تملكها لتكون مقدمتها بهذا القدر من الضخامة؟’
ضاق فانيسا بعينيه قليلًا وهو ينظر بالتناوب إلى ساعته و شارون. لقد كان موعد بدء جدول جهاردي بعد الظهر يقترب. وبينما كان يتمنى أن ينتهي الأمر قبل ذلك، تمسّكت شارون بفانيسا الذي لم يكن يستحسن جلسة الشاي معها.
“ماركيز فانيسا. سمعتُ أنّك منذ أن كنتَ نقيبًا، لفتَّ نظر والدتي أوليفيا حتى وصلتَ إلى منصب رئيس الوزراء. أليس كذلك؟”
“…… لقد كان مجرد حظّ، إذ نلتُ رضا جلالة الملكة.”
لقد كان حديثًا يعود إلى أكثر من عشر سنوات. قضمت شارون قطعة من البسكويت بصرامة، ولم تعد تتصنّع التمثيل بعد الآن.
“وأنتَ، حين أنظر إلى وجهك، يبدو أنك لا تستطيع أن تفلت من السنين التي قضيتها مع العائلة الملكية.”
“ما الذي تودّين قوله؟”
زالت الملامح المبالغ فيها عن وجهها، فسأل فانيسا. كان قد بدأ يسأم من شارون التي استدعته بلا أن تدخل في صلب الموضوع.
وفجأة أشرقت ملامح شارون كما لو كانت تنتظر منه أن يسألها. وأمالت رأسها قليلًا لتكشف عن الغرض الحقيقي من استدعائها له.
“حين أنظر إلى وجه جهاردي…… أشعر أنّه يشبه أخي الراحل إلى حدّ ما، لكن الغريب أنّني لا أرى وجه ماريانا فيه إطلاقًا.”
في اللحظة التي انتهت فيها من كلامها، بدأ عقل فانيسا يعمل بسرعة. لأي غرضٍ أثارت هي هذا الشك؟ وإلى أي مدى وصلت معرفتها؟ هل تملك أدلة فعلية أم أنها فقط تحاول جسّ نبضه بالظنون؟…… وبينما كان يتقلب بين مختلف الاحتمالات، شعر بإحباط شديد.
تبا!
لقد كان منشغلًا بمحاولة فهم نوايا شارون، حتى أدرك متأخرًا أن صمته كان بالضبط هو الجواب الذي أرادته.
ابتسمت شارون برضا وقد حصلت على يقينها من صمته.
أغمض فانيسا عينيه بشدّة. كان عليه، بعد عودته، أن يرفع تقريرًا إلى جهاردي بشأن تحركات شارون – بما في ذلك خطؤه هو نفسه.
‘إنها مشكلة كبيرة. لقد التقطت الأميرة شارون الرائحة.’
قبض قبضته بشدّة وهو يدرك خطورة الموقف. أما شارون فبقيت بوجه عادي، على الرغم من أنها قد زرعت بذرة الشك.
حين كان فانيسا ما يزال نقيبًا ويخدم بجوار أوليفيا، التقى لأول مرة بجهاردي. ولطفلٍ كان من المفترض أن يصبح يومًا ما سيد كاتاس المستقبلي، كان مظهره بائسًا للغاية. لم يكن فيه أثر للكرامة أو النبل، بل بدا وكأنه طفل متشرّد في الشوارع.
لقد حاولت الملكة أوليفيا أن تمحو ماضي حفيدها. كان ذلك – برأيها – السبيل الوحيد لحماية سمعة العائلة المالكة بأكملها، بما في ذلك ابنها الأمير إدوارد آنذاك.
جهاردي دي كاتاس. لقد كان الابن غير الشرعي للعائلة المالكة.
***
“قالت صاحبة السمو الأميرة شارون إنها ستساعدني في التحضيرات لحفل الزفاف.”
“سيدتي، افعلي ما ترغبين.”
طلبت هيرين لقاءً مع جهاردي. لقد سئمت من الابتسامات الزائفة التي يُظهرانها لبعضهما أمام الناس ليوحيا بأنهما خطيبان متحابان. في النهاية، حتى لو لم تكن هناك روميا بيرلوس، فلن يصدق أحد تلك الصورة بعد الآن.
وحين طلبت منه مرافقتها في جولة تسوق، جاء رد جهاردي سريعًا بالموافقة. وهكذا، تجوّلا في الشارع السابع من ساحة رافاييلا، وهو مكان مشهور بكونه يضم معظم الصالونات الراقية.
أخذت هيرين جهاردي معها إلى الصالون الذي اعتادت ارتياده، وبدأت تتسوق الملابس والأحذية أمامه.
وحين ذهب الموظف للبحث عن مقاسها المناسب، وبقيت لوهلة بلا حراسة، استغلت الفرصة لتفصح عن سببها الحقيقي للقاء.
“هل ستكون بخير حقًا؟ الزفاف في الشتاء، وأود أن يكون الجزء الخارجي قصيرًا قدر الإمكان. يجب أن نفكر أيضًا في الضيوف.”
“لا يهمني أي شيء.”
كان جهاردي هادئًا كعادته، بل وكأنه توقع حديثها. ولم يكتفِ بالموافقة، بل أيّد كل كلمة قالتها، وكأنه يؤكد مجددًا أنّ هذا الزواج مجرد واجب. يكفيه أن يتقيد بالتقاليد الشكلية فقط. وبرغم أن موقفه كان كفيلًا أن يثير استياءها، إلا أن هيرين اكتفت بهز رأسها بابتسامة باردة.
فما بينهما لم يعد فيه سوى الزواج للحديث عنه. لقد صار بعيدًا عنها إلى درجة أنها لم تعد تستطيع سؤاله حتى عن أحواله.
كان رجلًا اعتادت أن تشم منه رائحة الحبر من أقلامه، أو رائحة البارود بعد عودته من الصيد، أو رائحة السيجار حين تطول الاجتماعات. أما الآن فكان يحمل أثر رائحة الصباغ الخفيفة. رائحة مألوفة، لكنها لم ترغب أبدًا في تذكرها.
عضّت هيرين شفتها وهي تدّعي أنها منشغلة بتفحّص الأحذية.
‘سيكون الأمر كذلك. لم آتِ لأطلب إذنك أصلًا.’
كلما سمعت أخبارًا عن روميا وجهاردي، كانت تفكر وتفكر. كيف يمكنها استعادة سمعتها التي انحطّت؟ كيف تعيد كرامتها المكسورة وأنفتها المهدورة؟ كيف تعيش حياة تليق باسم فوتاميا؟
لقد كان استنتاجًا قاسيًا، لكن لم يكن لها خيار سوى الاعتماد على اختياره.
لقد رغبت فيه، لكن لم يكن حبًا ما جمع بينهما. لم يكن لها في حياتها أي بديل غيره، فقبلت به كما هو. ولهذا، حتى لو انتزعت روميا ذلك الرجل منها، ما زال هناك ما لم يُنتزع بعد.
“أنا أؤمن بك. أنا أكثر من قضيت وقتًا بجوار جلالتك، أليس كذلك؟”
“….”
“إذن سأعتمد على وعدك أنك لا تغيّر ما قررته.”
دخل الحذاء الأحمر الذي اختارته قدماها بسهولة تامة، وكأنه صُمم لها. طقطقت بكعبه بخفة على الأرض وهي تتأمل نفسها في المرآة، ثم استدارت فجأة نحو جهاردي.
“لا بد ألّا تقع مفاجآت. لا أنا ولا جلالتك نحب المتغيرات، أليس كذلك؟”
وعند صوت حركتها، استدار جهاردي هو الآخر.
في المرآة، كان جهاردي يحدق في نقطة واحدة طيلة حديثها. ولما تبعت نظره، كان المصيب أن عينيه اتجهتا نحو روميا بيرلوس.
لقد سمعت هيرين أن صالونها يفتح حتى في أيام الأحد، وعرفت أنه فتح فرعًا في الشارع السابع من رافاييلا. كانت قد أدركت منذ لحظة دخوله أن نظره بدأ يميل بعيدًا عنها. لكن في مثل هذه اللحظات، كان جهاردي يبدو لها غريبًا حد الجنون.
إن انشغاله عن محادثته مع من أمامه لم يكن تصرفًا نبيلًا.
عضّت هيرين شفتيها بقوة، ثم تكلمت لتوضح موقفها.
“مشاعرك نحو تلك الفتاة لا تهمني. لكن إن كانت تلك المشاعر تجاه روميا ستمنعني من أن أصبح ملكة…….”
قبل أن تنهي عبارتها، اضطربت نظرته نحوها قليلًا.
“لن يحدث ذلك يا آنسة.”
كان في عينيه تحذير صريح ألا تقترب مما يخصه.
***
“إلى أين كنتِ ذاهبة إذن؟”
التي أوقفت روميا، وهي ترتدي قبعة من الفرو الأبيض الناعم، لم تكن سوى هيرين. كانت هيرين قد أنهت جولة التسوق مع جهاردي، بينما عادت روميا إلى القصر بعد لقائها مع ريتشيتو استعدادًا لصناعة قبعة الأميرة شارون.
امتلأت ذراعاها بالأقمشة الملفوفة التي حجبت عنها الرؤية، فلم ترَ هيرين إلا عندما سمعت صوتها المألوف يناديها. فتوقفت متوترة وتقدمت بخطوات حذرة نحوها لتحييها.
“… سيدتي.”
“ألا ترين أن المرور بي دون تحية بيننا قسوة شديدة؟”
وجه هيرين، الذي لم تره منذ مدة، كان لا يزال مثل شعاع شمس رقيق فوق الثلج البارد. أما هي، فكلما وقفت أمامها، شعرت كم هي تافهة وبائسة مقارنة بتألقها.
لا تزال ذكرى لقائهما الأخير عالقة في ذهنها. صوت صراخ هيرين وهي تقذف أمتعتها أرضًا وتصرخ: “وضيعة”، “قذرة”، لا يزال يتردد في أذنيها.
كانت تدرك أن مثل هذا اللقاء سيأتي يومًا، لكنه جاء أسرع مما توقعت. وخفق قلبها بشدة من القلق: ماذا لو غضبت منها مرة أخرى؟
مثلما اجتاحتها الحمى سابقًا، أحسّت بجسدها كله يشتعل بالحرارة.
ورغم أنها أنهت تحيتها، أبقت رأسها منخفضًا حين أجابت:
“لقد خرجت قليلًا من أجل قبعة صاحبة السمو الأميرة شارون.”
“أفهِم. عودي دون أن تتأخري.”
“نعم.”
تأملت عينا هيرين العسليتان روميا من رأسها حتى قدميها بدقة مقلقة، وكأنها تبحث عن شيء.
“روميا. هنا، خيط بارز.”
وحين مدت يدها نحو رأس روميا فجأة، ارتدّت الأخيرة للخلف دون شعور.
وحين أدركت خطأها، سارعت بالكلام لتخفف من حدة الموقف:
“آه، سأفعل ذلك بنفسي…….”
لكن هيرين، وقد اقتربت المسافة بينهما، مالت ببطء نحو أذنها. وانطلقت من بين شفتيها الحمراء كلمات باردة كالجليد غرزت في أذنها:
“أنا أكرهكِ يا روميا.”
“….”
“أكرهكِ إلى حدّ لا يُطاق.”
“….”
“أصلي كل ليلة وأتمنى أن أستيقظ فأجدكِ قد متِّ.”
ثم ابتعدت ببطء، تمامًا كما اقتربت ببطء. ومع ابتعاد عطرها، جمعت هيرين ملامحها في ابتسامة رقيقة، لا تختلف كثيرًا عن تلك التي قابلتها بها في البداية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 59"