كانت إيزابيلا تفتح الرسائل الواحدة تلو الأخرى، لكن وجهها سرعان ما أظلم. الختم على الرسالة بين يديها لم يكن غريبًا عليها—إنه ختم عائلتها.
لقد كانت قلقة لغياب أخبارهم طويلًا، غير أنّ وصول رسالة كهذه لم يكن مما يبهجها. وفوق ذلك، كان الجو المحيط بهيرين في الآونة الأخيرة غريبًا على نحو لا يطمئن. وعندما عادت إيزابيلا إلى حيث جلست هيرين، كان النقاش بينها وبين من حولها محتدمًا.
قالت إحداهن:
“هل ستُرسلين روميا حقًا إلى الليدي ليزارد؟”
أجابت هيرين بهدوء مصطنع:
“أنا والليدي ليزارد على علاقة وثيقة. أمامي التزامات مهمة لا أستطيع تركها، لذا فكرت أن أسأل عن حال إيلينا عبر روميا.”
ترددت الأخرى قليلًا ثم قالت:
“أعلم كم تحبّين الليدي ليزارد، لكن…”
ابتسمت هيرين بتكلف:
“إيلينا ستعجب بروميا كثيرًا. وإن رغبت، سأطلب من روميا أن تمكث فترة في بيت آل ليزارد.”
كان الأمر كلّه غير طبيعي. فمن يعرف الدوق ليزارد وسلوكياته لا يتوقع من هيرين أن تضع إحدى وصيفاتها في موضع كهذا. بل من عادة هيرين أن تذهب بنفسها—لو أرادت حقًا—بدل أن تبعث برسالة مع روميا. لذلك، رأت إيزابيلا أن وراء نوايا هيرين ما تُخفيه.
وفي غياب روميا عن المجلس اليوم، حمدت إيزابيلا ربها سرًا. فهيرين فوتاميا، تلك التي يتغنّى الجميع بطيبتها ولطفها، لم تكن في الحقيقة إلا بارعة في التظاهر.
كان العذر المعلن لإرسال روميا واضحًا، لكن الهدف الخفي لم يكن أقل وضوحًا:
لقد أرادت هيرين تسليم روميا إلى الدوق ليزارد.
شدّت إيزابيلا أنفاسها، تنظر إلى المكان الخالي بجوارها حيث تجلس روميا عادة. لقد قررت في سرّها:
حان وقت رد الدين، ولو كانت المرة الأخيرة.
ومن أجل ذلك جازفت، متحجبة عن زميلاتها، حتى وصلت إلى القصر الرئيسي سرًا لتطلب المثول أمام الملك.
كان صوته هو الذي أعادها إلى رشدها وسط صمت المكان الفسيح، حين قال:
“تقولين إن لديك ما تحدثينني به.”
ارتجف جسدها، لكنها أجابت بثبات:
“إن أذنتم لي يا مولاي…”
رفع رأسه قليلًا وسأل:
“هل أرسلتك الليدي؟”
أسرعت:
“لا، جئت من تلقاء نفسي. هي لا تعلم.”
لقد تهيأت عشرات المرات قبل أن تعبر الباب، لكنها الآن وجدت نفسها أمام ملكٍ يفوق كل تصور. ذلك الذي كانوا يمدحونه وليًّا شابًا صار فعلًا سيد كاتاس. شعرت إيزابيلا برهبته حتى وهي بالكاد تحاول أن تحافظ على تماسكها.
كانت روميا دائمًا نافذتها الوحيدة لترى جانبه الآخر. لكنها الآن، وجها لوجه، لم تستطع قراءة أعماق عينيه الباردة. ومع ذلك، لم يكن في وسعها أن تقف هنا لو لم تكن “رفيقة غرفة روميا”. وإلا، ما كان ليسمح لوصيفة أن تمثل أمامه.
ومع كل هذا، لم تتخلَّ عن يقينها بأنه يحمل لروميا بعض المودة، مهما بدت عابرة أو هشة.
حين سقطت روميا في الماء، هو من أنقذ قبعّتها العزيزة.
فكرت، الحب غير المُدرَك قد يكون أعمق وأكثر إيلامًا. ومع ذلك، العيون التي تحدق فيها الآن لم تبح بشيء. هل كان كل ما صدّقته مجرد وهم؟ لا يهم. لم يكن بإمكانها أن تتراجع بعد أن وصلت.
قالت أخيرًا:
“الأمر يخص روميا.”
عندها فقط تحولت نظراته إليها بثقل، بطيئة لكنها خانقة. فهمت أن هذا إذنٌ بالكلام.
“الليدي هيرين تفكر بإرسال روميا لتصبح وصيفة عند الدوق ليزارد.”
الآن، مستقبل روميا معلّق بيديه. هو وحده من يقرر إن تُسلَّم إلى الهاوية أم تُنقذ.
تذكرت إيزابيلا الليالي التي كانت ترى فيها روميا تعود إلى الفراش مع طلوع الفجر، منهكة بعد ساعات طويلة من صنع القبعات. لذلك لم تشك لحظة أنه سينقذها، طالما ظل يوليها رعايته.
غير أن الصمت طال أكثر مما توقعت. لم يثر غضبه، ولم يُبدِ اعتراضًا أو حتى استغرابًا. نظرت إليه بقلق يزداد، تسائلت: لماذا لا يقول شيئًا؟
“ظننتُ يا مولاي، بما أنك تُحبّها، ستتدخل جلالتك لحمايتها. كما تعلم، الدوق ليزارد سيّء السلوك مع النساء.”
رفع حاجبه وقال ببرود:
“أُحبها، أنا؟”
ردّت إيزابيلا بسرعة:
“نعم.”
لكنها فوجئت، إذ لمحَت في عينيه بريقًا غريبًا—كعاصفة تختمر على وشك الانفجار. مشاعر مكبوتة تتلاطم، ثم… اختفت فجأة كأنها لم تكن، تاركة وراءها فراغًا مُستريحًا.
راح يتأملها مليًّا من رأسها حتى قدميها، ليس بوقاحة، بل بتمعّن حذر. عرفها من قبل، وصله عنها أنها الوحيدة في مجموعة هيرين التي كانت تحمي روميا. وها هي الآن تكرر ذلك، بملامح يكسوها القلق.
حين قالت بإصرار:
“الجميع يتحدثون عن كيف أن روميا بيرلوس صنعت قبعة التتويج لجلالتكم بإتقان تام. لا بد أنها نالت إعجابكم أيضًا.”
ابتسم بخفة، وقد أثارته كلماتها. حتى هي رأت ما لم يعترف به لنفسه بعد. ذلك النقص العميق الذي لم يجرؤ على تسميته، كشفت عنه في لحظة.
ثم قال ببطء، متسليًا بالسؤال:
“قولي لي إذن… ما الذي أُحبّه؟”
مال إلى الوراء ضاحكًا قليلًا، وعيناه تلمعان بالفضول.
“هل ما صنعته يداها؟”
ثم سكت، قبل أن يضيف بصوت أعمق:
“أم روميا بيرلوس نفسها؟”
وترك السؤال معلّقًا في الهواء.
شعر جهاردي أنّ سؤالَه الذي ألقاه على عاتق إيزابيلا لم يكن سوى اختبارٍ لمدى وعيها بمشاعره نحو روميا، لكن ردّاً واضحاً لم يعد بعد زمنٍ طويل. كان التردّدُ مكتوباً على ملامحها بجلاء، وهي تجاهد لاختيار جوابٍ لا تُدينه.
روميا، بعفويتها الفجّة وانفلات عواطفها، كانت نقيض إيزابيلا التي تتأنّى وتنتقي الكلمات بعناية. وحين فقد جهاردي اهتمامه أشار لها بيده نافضاً الأمر:
“امضي.”
ومع أنّ الأمر بدا كأمر طردٍ صريح، إلّا أنّ إيزابيلا لم تتحرّك. كان عنادها نسخةً باهتة من عناد صديقتها؛ إذ تشبّثت بمكانها كأنها تقول إنها لن تغادر حتى تنتزع الجواب الذي جاءت لأجله.
لكنها لم تكن تملك المزيد من الكلمات ولا الشجاعة، فقط نظراتٍ تفيض بالأمل والتوق. فاضطر جهاردي أخيراً إلى أن يقطع الصمت:
“لن يحدث أبداً أن تصبح روميا بيرلوس وصيفةً لآيدن.”
كانت تلك الكلمات القليلة كفيلة بأن تُجسّد لإيزابيلا كل رجائها. اغروقت روحها بالبهجة حتى بدت كأنها حازت الدنيا كلّها. فانحنت بعمق قائلةً:
“شكراً… شكراً جزيلاً!”
وما إن غادرت ببطء، وهي ما تزال تلتفت بتردّد إلى الوراء، حتى بقي جهاردي وحده مع الصدى. لم يترك في نفسه سوى سؤالٍ واحد، أشدّ وطأة من صمتها: ما الذي أرادت صديقةُ روميا أن تتيقّن منه حقاً؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"