في المرة السابقة جعلت أرضية المكتب فوضى عارمة بمختلف المواد، وها هي اليوم قد نشرت أمامه عددًا لا يُحصى من الدعوات المرسلة باسمها. تقرؤها واحدة تلو الأخرى، وتكتب الردود بنفسها في الحال بعد أن تغمس ريشة الكتابة في الحبر، وكأنها شيء في غاية الجدّية. المشهد بحد ذاته كان يثير الحيرة.
لم يستطع جهاردي أن يتحمل أكثر، فأغلق الكتاب الذي بين يديه ونهض.
“ليس عليك أن تردّي على كل واحدة منها.”
“لكنهم أبدوا كرمهم بإرسالها.”
“مجرد بطاقات يرسلونها مع الخادمات، لا داعي لأن تعطيها قيمة.”
ورغم سماعها ذلك، لم تتراجع روميا بيرلوس عن رغبتها في أن تكتب ردودها بيدها. وكانت تشعر بالرضا كلما أتمّت رسالة بعد جهد.
“أنا أستمتع بالأمر، لهذا أفعله.”
“…”
حين رفعت روميا رأسها وجدت جهاردي يحدّق فيها من فوق الأريكة، بوجه لا يخلو من الانزعاج.
تلعثمت قليلًا وهي تواصل الكتابة:
“قالت السيّدة إنني أستطيع حضور أي دعوة أتلقاها. وطالما لم أبدأ بعد في صناعة القبعات التي طلبتها الأميرة شارون والسيدة، فقد أودّ زيارة بعض الأماكن.”
“…”
تطلعت روميا إلى الرسائل بحماس طفولي، تكتب بعناية، ثم تمحو وتعيد الكتابة إن أخطأت، كأنها غارقة تمامًا في عالمها الصغير.
بينما كان جهاردي يراقبها، شعر بانقباض غريب. منذ أن سمح لها باستخدام مكتبه كمرسم، لم تغادر سجادة الأرض الحمراء أبدًا، وكأن وجودها محصور هناك. أما هو، الواقف خارج ذلك الحيّز، فبدت وكأنها لا تراه أصلًا.
قال بصوت جاف:
“افعلي ما تشائين.”
لكن روميا، منشغلة بكتابة رد آخر، لم تلحظ التوتر الذي انطوى في كلماته.
ثم تمتمت مبتسمة:
“أود أن أتعرف على أصدقاء جدد. اكتشفت للتو كم هو جميل أن تجد شخصًا يفهمك.”
دوّى صوت كتاب أُغلق بعنف فوق الطاولة.
“مثل كارلايل دواين؟”
“هاه؟! هل تعرف السيد كارلايل؟”
كيف لا يعرفه؟ لا يزال مشهدها معه في حفل التتويج في قاعة كينزي عالقًا في ذهنه.
قال بحدة:
“انهضي.”
ارتبكت روميا من نبرة صوته، ثم وضعت القلم. تقدّم جهاردي حتى داس بحذائه الرسائل التي كتبتها لتوّها.
“انزعيه.”
عرفت فورًا ما الذي يأمرها به، فغشّى وجهها حزن ثقيل.
“هل غضبت مجددًا؟”
ظنت، لسذاجتها، أن الأيام الأخيرة التي بدا فيها عطوفًا قد غيّرت شيئًا. لكنها نسيت أنها ليست سوى محظية. كل ما ظنّت أنه حنان، لم يكن إلا وهمًا.
“…”
بثوبها المنزلق عند قدميها، واجهت قسوة نظراته. جرت دموعها رغماً عنها. مسحها جهاردي بكفّه، لكنه لم يمنع برد الغرفة من أن يلسع جسدها العاري.
ضغطها إلى الأمام، حتى ارتتمت أرضًا فوق الرسائل، تتلطّخ بمداد الحبر غير الجاف. ركبتيها احتكتا بالسجادة الحمراء حتى تألمت. ثم حملها أخيرًا وألقى بها على سريره، حيث تابع ببطء لمس ركبتيها المجروحتين، كأنه يمنحها حنانًا وسط القسوة.
***
حلّ الشتاء، والريح الباردة باتت تخترق حتى أثخن المعاطف. وقفت روميا أمام بوابة القصر الكبير، يديها متشابكتان من البرد، تنتظر طويلًا.
اقترب منها كبير الخدم بعد أن عاد بالخبر.
“هذا غريب… لم يحدث هذا من قبل.”
سألت روميا بقلق:
“هل تأكدت مرة أخرى؟”
“تأكدت مرارًا. لكن اسمك غير موجود في قائمة الضيوف.”
ناولها بطاقة الدعوة المختومة بشعار أسرة الكونت أوترويس، ثم أردف ببرود:
“أعتذر، لكن عليكِ العودة. لا يُسمح بدخول ضيف غير مُسجّل.”
صرخت روميا في سرها:
‘هذا مستحيل…!’
كان من المؤكد أن الدعوة وُجّهت باسم روميا بيرلوس. كان اسمها مكتوبًا عليها، وقد طُبع ختم عائلة الكونت أوترَوس أيضًا. حتى كبير الخدم، الذي قال إن مثل هذا الأمر لم يحدث من قبل، بدا محرجًا، وكذلك روميا التي جاءت بناءً على الدعوة. وبينما يقفان في ذلك الموقف المربك، جاء من الخلف صخب وضجيج.
“أنا ليليانا كاسبيث. هذه دعوة تلقيتها مباشرةً من السيّدة أوترَوس.”
تقدّمت مجموعة من الأشخاص متجاوزين روميا، وسلّمت الدعوة إلى كبير الخدم أمام ناظريها. وما كان بابًا مُغلقًا في وجه روميا، فُتح لتلك المجموعة بقيادة ليليانا كاسبيث بسهولة مُهينة.
“تفضلوا بالدخول. السيدة بانتظاركم.”
أدار كبير الخدم ظهره لروميا الواقفة مذهولة، وأسرع يرحّب بليليانا ومرافقيها إلى الداخل. نظرت روميا إليهم يبتعدون وهي تشد قبضتها بقوة.
كانت قد حاولت أن تصدق أن الأمر مجرد صدفة، لكن ما رأت أكد لها يقينًا.
لقد كانت بينهم ضيفة غير مدعوة، وكل ما جرى لم يكن إلا أمرًا مقصودًا يستهدفها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"