رمقته بعينين ضيقتين غاضبتين، لكن جهاردي لم يجب، بل ذكّر روميا بوضعها بطريقة أوضح وأقسى.
“روميا بيرلوس. قولي ما الذي تريدينه.”
سؤال واحد جعل حالها مثيراً للسخرية. شدت جفونها حتى لا تفضحها دموعها التي كادت تنهمر.
“هل تحبّني؟”
لو أنكرت أن في قلبها بصيص أمل لكان كذبا.
“لا.”
أجاب جهاردي بلا أدنى تردد. وفي لحظة واحدة استسلمت روميا لعلاقتها به كـ”عشيقة”، كما لو أنها لم تعد تملك خياراً. ربما كان ولي العهد يدرك منذ البداية أنها لن تستطيع الهرب. لم يكن لديها الجرأة ولا الشجاعة الكافية لذلك.
لم تولد وهي تملك شيئاً في يديها، لذلك كانت تخشى بشدة أن تفقد هذه اللحظات التي حصلت عليها أخيراً.
كان رجلاً يتلاعب بها. في تلك الليلة أيضاً، وهو يعلم أنها لن تقاوم، وسم قلبها بليلٍ طويل.
“…إذن لا تفعل أبداً.”
خرجت الكلمات بلا وعي، لا تدري لمن وُجّهت. لكنها غرست خنجراً قاسياً في صدرها. أغمضت عينيها بقوة وقالت:
“أنا لست فوتاميا… أنا بيرلوس.”
رغم جرأة الكلمة، ارتجف جسد روميا. تطلع إليها جهاردي ملياً. كان منظر ملابسها وهي تحاول يائسة إخفاء آثاره مثيراً للسخرية. لكنه لم يمانع أن يجاريها في لعبتها. فهو أيضاً لم يتوقع يوماً أن يقع في حب صانعة قبعات مثل بيرلوس.
كانت بالنسبة له تافهة جداً، بلا مال ولا مكانة ولا كبرياء تتفاخر به مثل الآخرين.
لم تكن سوى نزوة عابرة في أيام شبابه المشتعلة، بقعة حبر أسود على ورقة بيضاء. حين يغدو البياض ممتلئاً ببقع لا تزول، كان جهاردي يعتقد أن المشاعر القديمة المزعجة التي راودته تجاهها ستزول أخيراً. حتى لو كبّل اليومُ مستقبلَه، لم يهتم.
منذ متى لم يشعر بمثل هذه المشاعر الطويلة، الثقيلة؟ إنها مزعجة، تُشغله أكثر مما يحتمل. لذلك كان الأهم أن يفرّغها الآن، ليستعيد حياته الهادئة كما كانت قبل ظهور روميا بيرلوس.
“هذا أمر بديهي.”
لو طلبت المزيد من الكنوز والنِعم لأعطاها عن طيب خاطر. لو أرادت الرسم طوال اليوم لمنحها أوراقاً فاخرة وألواناً باهظة الثمن. مجوهرات، فساتين، طعام فاخر… لم يكن أيٌّ منها صعباً عليه.
“لكن…”
حتى تخمد رغبته، ستظل روميا بيرلوس…
“من الأفضل أن تنسي فكرة الرحيل.”
كان عليها أن تتذكر موقعها دائماً.
“فالـكورتيسان، من الطبيعي أن تبقى.”
ارتسم على وجهها انكسار كأنها سمعت حكماً بالإعدام.
—
“لقد أصبح وجهك أكثر إشراقاً هذه الأيام.”
“بفضل الشموع العطرية التي أرسلتِها، يا سيدتي.”
أجاب جيهاردي برقة على تحية هيرين. لم يرفض دعوتها لشاي الصباح، فقد بدا الجو دافئاً بعد فترة طويلة.
لكن لم يكونا وحدهما. كان بجانب هيرين دوقة فوتاميا، والدتها، شقراء الشعر مثلها تماماً.
“يبدو أن ليلتك كانت هادئة للغاية.”
قالت هيرين بابتسامة خفيفة وهي تمسك فنجان الشاي. لم يكن جهاردي ليخطئ المعنى الحقيقي في كلماتها.
“هذا مطمئن.”
ابتسمت كأنها بصدق تشعر بالراحة، لكنها كانت ابتسامة مصطنعة. كانت تريد أن تجرح خطيبها الذي خذلها، ولو بهذا الشكل. ربما لم يكن رجلاً يُجرَح بسهولة، لكن كان لا بد أن يفهم على الأقل أمام من يجلس الآن.
حين سمعت أن روميا التي أرسلت معها الشموع لم تعد طوال الليل ، تحطّم كبرياء هيرين. يوم بعد يوم، حتى عرفت أنه صار يستدعي روميا بنفسه. بدا لقب فوتاميا بلا قيمة أمام مجرد بيرلوس.
فتاة غبية قبلت الشموع ببساطة، بلا أن تعرف شيئاً!
ابتسمت هيرين بعصبية. كانت والدتها إلى جوارها، ولم يكن من الحكمة إظهار مشاعرها أكثر.
قضت حياتها كلها تقريباً كرفيقة لـجهاردي. لم يكن من الصعب عليها أن ترتدي ابتسامة مصطنعة كي تليق به.
“بعد التتويج غداً، يجب أن تحددا موعد الزواج رسمياً.”
“أمي، دعي سموّه يقرر بنفسه… لا تقلق يا سمو الأمير، يمكننا تأجيل الزواج ما شئنا. حتى تستقر الأمور بعد أن تتسلم العرش، لن يكون متأخراً.”
“يا إلهي، هل تسرعتُ في كلامي؟ يبدو أن التقدم في العمر يجلب الكثير من القلق.”
ضحكت الدوقة بخفة وهي تخفي فمها. محاولة لتمرير الأمر كزلة عابرة. أظهرت هيرين أسفاً مبالغاً فيه تجاه جهاردي، لكنه كان قد فهم منذ أن حضرت الدوقة أن الأمر كله كان جزءاً من خطة ابنتها.
لم يعجبه أن تستعين بآخرين للتحذير، لكن لا بأس… كانت طريقة ذكية ولطيفة. روميا بيرلوس لم تكن لتفكر في شيء كهذا.
ذكر اسم روميا أزاح الضباب عن رأسه. تذكّر وجهها المستسلم وهي تقول إنها ستصبح عشيقة له بشرط ألا يحبها. كاد أن ينهض الآن ويمزق صبره المقيّد.
لكن خلف هيرين لم يظهر ظل روميا. توقّع أنها ستختبئ خائفة في زاوية ما، لكن يبدو أن هيرين أخفتها بعيداً عمداً. قدّر جهاردي جهدها.
“أفهمكِ. وأنا ممتن لمشاعركِ.”
لم يكن بحاجة إلى ميزان ليعرف أن قيمة هيرين فوتاميا أعلى بلا شك من روميا بيرلوس. بين نزوة عابرة ومستقبل كاتاس، كان يعرف تماماً ما الذي يجب أن يقوله.
تقاطعت عيناه بلون العاج مع عينيهما المليئتين بالترقب والقلق. وضع فنجان الشاي البارد جانباً وقال:
“لكن أرى أنه لا داعي لتأجيل الزواج بعد التتويج.”
“حقاً… أخيراً…!”
صرخت الدوقة بفرح ثم كتمت صوتها بسرعة. وضعت يدها على يد هيرين بوقار، متحكمة بفرحها كي لا يبدو مفرطاً.
حتى هيرين، التي لم تتوقف عن الشك في علاقته بـروميا، تفاجأت. رغم كل الانحرافات، لم يخذل ثقتها أبداً. شعرت بالخجل من شكوكها، وبالرضا والراحة في آن.
“سأتحدث مع رئيس الوزراء لتحديد الموعد رسمياً.”
—
‘أرأيتِ؟ بيرلوس لن تصبح فوتاميا أبداً.’
رمت روميا المقص بعصبية وهي تقطع القماش، ثم سقطت متهالكة. غطت المواد والخامات في كل مكان، لكن لم يكن لديها رغبة بفعل أي شيء. لم يتبق سوى أن تخيط الدانتيل على القبعة… عمل بسيط للغاية، لكنها لم تستطع إكماله. منذ أن عادت البارحة من لقاء فيوليت، جاءها الخبر.
إيزابيلا قالت إن حفل زفاف ولي العهد والليدي فوتاميا قد تحدد بعد ثلاثة أشهر من التتويج.
كان الأمر مُهيناً، لكنه واقعها. لم يكن خضوعها مجرد خوف من أنه ولي العهد، بل لأنه أيضاً كان رجلاً جذاباً للغاية. رغم إنكارها، كانت نظراتها تتوقف دوماً عند جهاردي.
مهما كرهته وبغضته، في النهاية كان هو الرجل الذي يملك كل ما كانت تتوق إليه بشدة.
لم يكن بوسع كراهيتها أن تُلحق الأذى ولو بشعرة واحدة منه.
وفوق ذلك، حتى هذا المكان، كان أيضًا ملكه.
كانت تلك الحقيقة تُثير في نفسها غضبًا لا يُحتمل.
لقد تخلّت منذ زمن بعيد عن فكرة الهرب، ولكن إن اعتادت على الأشياء التي يمنحها لها بتلك الطريقة، فذلك بحد ذاته لا يزال مخيفًا.
ومع أنها سمعت وقع الخطوات يتردّد من الممر، إلا أنّ روميا لم تتحرك وظلّت ممدّدة على الأرض.
وهي قابضة على المقص، منكمشة كأن الزمن قد توقّف، حتى بلغها الصوت الخفيض لجهاردي فوق رأسها.
“هل تنوين القيام بالتمرد؟”
–
كلمة كورتيسان كلمة أوروبية الأصل، وتُستخدم تاريخيًا للإشارة إلى:
امرأة من البلاط كانت ترافق الملوك أو النبلاء وتشارك في الحياة الاجتماعية والفنية.
في عصر النهضة وما بعده أصبحت الكلمة تعني: محظيّة أو عشيقة راقية، أي امرأة تُقيم علاقة مع رجل من الطبقة العليا، وغالبًا ما كانت مثقفة وجميلة وتُجيد آداب المجالس. وتختلف عن العشيقة العادية.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"