يونيا لوڤنروز، التي كانت بالكاد مركز الحلقة، أبدت حيرة في ملامحها وهي تحدّق في روميا التي تراها لأول مرة. لم يكن هناك فتاة في عمرها في العاصمة لم تسمع بها يونيـا التي وُلدت وترعرعت هنا، لكن وجه روميا بدا غريبًا. لم يخطر ببالها اسم ولا عائلة.
عندها، دفعتها صديقتها القديمة سيسيل بمرفقها وهمست:
“إنها من آل بيرلوس. تلك التي قيل إنها ستصنع قبعة مراسم تتويج ولي العهد.”
سقطت الكلمات من بين شفتي سيسيل وهي تغطي فمها بمروحتها، فما لبثت يونيـا أن أطلقت تنهيدة وكأنها استوعبت فجأة. لم يكن هناك من النبلاء المقيمين في العاصمة من يجهل حتى أصغر أخبار القصر. كانت آذانهم دومًا صاغية للثرثرة التافهة، لعلها تصبح مادة للحديث يومًا ما.
يونيـا أخذت تتفحص روميا بتمعن.
كان طبيعيًا أن تثير فضولها هذه الفتاة، التي كانت محور الشائعات المتسربة من القصر: ابنة ذلك البيت الدخيل، التي جعلت الملكة الراحلة تغيّر وصيتها، والتي يُقال إنها الآن تصنع قبعة ولي العهد.
“تشرفتُ بلقائك. آنسة بيرلوس، صحيح؟ أنا يونيا من بيت لوڤنروز.”
“تشرفتُ، أنا روميا بيرلوس.”
كما تدربت مرارًا مع إيزابيلا، انحنت روميا قليلًا بثني ركبتيها، ثم اعتدلت وهي تمسك بطرف فستانها بقبضة متزنة غير مبالغ بها. كان الموقف يبعث توترًا شديدًا، لكنها شعرت أنها أدّت الحركة بشكل مقبول.
كانت عيونهم تحدّق بها بامتلاء من الفضول. فخفضت رأسها قليلًا تخفي احمرار وجهها وابتسمت:
“لقد كان من دواعي الشرف أن تدعوني السيدة نوبرِدج إلى هذه المناسبة لأقيم أول ظهور رسمي لي. أرجو أن تعذروني إن قصّرت.”
“نعم، لكن…”
غير أن فضول يونيـا لم يدم طويلًا. فكما هو شأن جميع الحاضرين، كان كلٌّ منهم يرجو من الحفل منفعة ما: معلومة، أو صلة، أو مصلحة، مهما كانت.
لكن لم يكن من شيم النبلاء أن يتوسلوا الفرص بهذه المباشرة والبداهة.
النبلاء الحقيقيون يتوقعون أن تُمنَح لهم الفرص، لا أن يسعوا خلفها بتلهف. تلك كانت الفضيلة التي تربّت عليها يونيـا. تذكرت أن آل بيرلوس ليسوا سوى أثرياء اشتروا لقبًا، فتلوت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تطرف بعينيها.
التظاهر بالبراءة والسؤال بدافع الفضول لم يكن صعبًا عليها:
“آنسة بيرلوس، أين تقع إقطاعيتكم بالضبط؟”
“ماذا؟”
“تساءلتُ فقط أين تقع أرض آل بيرلوس.”
لم يكن بوسع روميا أن تجيب عن ذلك.
فالعائلة التي تشتري لقبًا بالمال لا تمنحها الأسرة المالكة أرضًا أو إقطاعية إطلاقاً.
كانت معظم الألقاب المشتراة تخص عائلات نبيلة متداعية، وبالتالي لم يكن لديها أراضٍ معتبرة أصلًا.
ويونيا، بصفتها سليلة أسرة لوڤنروز العريقة، كانت تعرف ذلك حق المعرفة. لكنها أرادت أن ترى كيف ستتصرّف هذه الفتاة الساذجة أمام نصل سؤالها.
“آه، قيل إن عائلتكم تعمل في صناعة القبعات؟ هل بيننا من زار صالون آل بيرلوس للقبعات؟”
التفتت إلى صديقاتها بحركة مبالغ فيها، لكن كلهن أومأن بالنفي.
وكان ذلك طبيعيًا؛ فآل بيرلوس لم يبلغوا من الشهرة ما يتيح لهم افتتاح صالون قبعات في العاصمة.
“يا للأسف.”
أخفت يونيـا ضحكة ساخرة وهي تراقب روميا التي شحب وجهها وانطبقت شفتيها بقوة. لم تستطع حتى أن تجيب عن هذا السيل من الأسئلة البسيطة. كان منظرها مثيرًا للشفقة.
كان جميع من في الحلقة من أسر أسست مملكة كاتاس منذ نشأتها، نبلاء يعتزون بنقاء دمائهم وأنسابهم.
أما هي؟ فمجرد دخيلة، تظن أن بعض المال يخولها أن تقف بينهم.
كان ينبغي أن تعرف حدودها وتبحث عن مكان يليق بها، لا أن تزج بنفسها وسط جماعتهم.
كانت حلقة يونيا متعجرفة بطبعها، ونظرت بازدراء شبه معلن إلى طبقة البورجوازيين الصاعدين. لكنها، بابتسامة مصطنعة، أمسكت يد روميا الباردة وقالت:
“رجاءً ادعينا يومًا إلى صالونكم. إن كانت قبعات آل بيرلوس جميلة إلى حد أن جلالة ولي العهد أوكل إليك صنع قبعة تتويجه، أليس من حقنا أن نراها بأنفسنا؟”
كانت يد روميا ساخنة على نحو مدهش. وضغطت يونيا بقوة عليها، وكأنها تصافحها. لكن الضغط كان في حقيقته شدًّا متعمدًا، أشبه بمبارزة. لم تستطع روميا أن تسحب يدها، فاكتفت بعضّ شفتيها بصمت.
—
“أوه…”
كان الغثيان يتصاعد في صدرها. أحسّت روميا برفض الجماعة لها بكل وضوح. في البداية حسبت أنهم ودودون، لكن لم يكن صعبًا أن تلمح الأشواك المخبأة خلف كلماتهم.
كان هذا التعامل مألوفًا لديها منذ أيام بيريدروز.
أينما ذهبت، كان أصلها سببًا للرفض. حتى هنا، في أول ظهور رسمي لها في العاصمة، كان الأمر نفسه. لم تكن في نظرهم سيدة تنتمي للعاصمة.
والحقيقة أنها لم تكن لتصبح يومًا ندًا لهم، حتى لو اجتازت مراسم التقديم معهم.
‘ظننت أن الخروج من بيريدروز سيغيّر كل شيء…’
لكن حتى هنا، كانت الحدود مرسومة بدقة: نسب، مرتبة، دماء. ألقاب مثل “ابنة الأثرياء الجدد” و”صانعة القبعات” كانت تطاردها كالظل.
وقفت على الشرفة، تكبح اضطراب معدتها، وعيناها تتجول في القاعة. لم يسبق أن شعرت أن مظهرها المتأنق بدا بهذا البؤس. والأسوأ، أنها لم تستطع حتى أن تنبس بكلمة مناسبة.
استندت إلى الجدار تلتقط أنفاسها. لم تكن فيوليت في الأرجاء. تركتها وحيدة، وربما انشغلت بالشراب مع رفقة تناسبها. إدراك أنها بلا سند، وحيدة تمامًا، سلب روميا آخر بقايا التورد من وجنتيها.
كانت ابتسامتها تتلاشى، ووجهها يزداد كآبة، حين توقفت خطوات أمامها، يتبعها وقع كعب حاد:
“مر وقت طويل يا روميا.”
***
“منذ قليل، ما الذي كنتِ تنظرين إليه هكذا؟”
“آه، أعتذر. لمحـت وجهًا مألوفًا.”
“صديقة؟”
“لا أظن… ليست صديقة، لكن…”
نادراً ما كانت بروسي تترك جملتها معلقة، لكن بصرها لم يفارق المكان الذي اختفى فيه ذلك الوجه. كانت قد سمعت أن تلك الفتاة ستقدّم أول ظهور لها في حفلة السيدة نوبرِدج، كما عرفت أنها تعمل وصيفة لدى الليدي فوتاميا في القصر.
كانت هي نفسها التي ودّعتها بحرارة قبل مغادرتها بيريدروز، متحسّرة أكثر منها على انقطاع علاقتها بصانعة قبعاتها المفضلة.
منذ ذلك الحين، لم تتقصّد بروسي أخبارها. لكنها حين وصلت إلى العاصمة لحضور الحفل، لم يكن في الأرجاء حديث سوى عن “بيرلوس” وصاحبتها.
ابنة بيرلوس التي تصنع قبعة ولي العهد.
غامت زرقة عيني بروسي بسكون.
آنذاك كما الآن، لم تكن تنوي التدخل في شؤون روميا أو إسداء النصح لها. لكنها، حين كانت تراقبها أحيانًا كغريبة محضة، لم تستطع أن تمنع تنهيدة من التسرب.
كانت طبيعتها الساذجة تثير الضيق. لم تصرح بروسي يومًا بذلك، لكنها لم تكن تحب في روميا تلك البراءة حد الغباء.
أتراها تدري؟ أن الأحاديث القذرة الملتصقة باسمها تفوح في كل مكان مع خبر “قبعة ولي العهد”. أن الملك الشاب، بميراثه المجيد، قد يجد في روميا بيرلوس لعبة بريئة مناسبة لنزوة عابرة؟
هذا وحده كان خطرًا قاتلًا عليها.
لم تكن روميا ذكية بما يكفي لتستوعب عواقب وضعها، ولا تمتلك من المكر ما يمكّنها من استخدامه لصالحها إن أدركته.
حتى الآن… هذه الفتاة…
“آنسة بروسي!”
التفتت بروسي لترى روميا تلمع عيناها بالفرح بلقائها. حدقت فيها طويلًا، ثم تمتمت ببطء:
“كيف حالك؟”
عادة ما كانت لتتجاهلها، لكنها لم تستطع غض الطرف وقد رأت روميا تتحطم تحت لسان لوڤنروز ورفيقاتها. ربما كان ذلك لأنها ما زالت تتذكر القبعة التي صنعتها لها في بيريدروز، والتي راقت لها بحق.
مد يد المساعدة إلى روميا في هذا الموقف لم يكن يضيرها، بل قد يُعد لمرة واحدة نوعًا من السخاء يليق باسم بيريدروز.
ثم إن رؤية روميا تحدق فيها وكأنها عالمها كله، بعينين تلمعان كالماضي، لم يكن أمرًا تكرهه تمامًا. ربما، في قرارة نفسها، كانت تستمتع قليلًا بدور “المثل الأعلى” في عينيها.
بهذا الخاطر، اعتذرت بروسي من خطيبها أوبيرت، واتجهت إلى روميا التي تقف وحيدة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات