كانت تُدعى الوردة الزرقاء لبيريدروز، آنسة الكونت. خطواتها الأنيقة كانت تخفق كالرفرفة الرشيقة لفراشة. عنقها مرفوع في اعتداد، وابتسامتها لم تعرف المبالغة يومًا. بروسي بيريدروز كانت هي المثال الكامل للسيدة النبيلة التي حلمت روميا أن تكونها طوال حياتها.
على خلافها هي، المولودة في أسرة ثرية حديثة النعمة، حصل والداها على لقب النبالة بشرائه بالمال، فصارت ابنة بارون بالاسم فقط. أما بروسي، فقد وُلدت بنبالة أصيلة، مجسِّدة كل ما حلمت به روميا في صورتها عن الأرستقراطية الكاملة، في المظهر والجوهر.
عبرت روميا الحديقة بخطوات متسارعة، تلوم نفسها للحظة على ترددها، ثم أسرعت، خشية أن تفقد بروسي من نظرها. توقفت وهي تلهث تحت شجرة في طرف الحديقة المقابل، حيث يمكنها رؤية الدفيئة الزجاجية التي تحبها بروسي.
“ها هي هناك.”
كانت روميا تعلم أن ضيوفًا يأتون كلما تركت بروسي قبعاتها للإصلاح. وغالبًا ما كانوا سيدات من علية القوم أو فتيات من عمرها، ومع حضورهن كانت بروسي تقيم أحيانًا حفلات شاي في دفيئة الورود الشهيرة التي تفخر بها أسرة بيريدروز.
وبينما تراقبها وهي تسير بقبعة أصلحتها روميا على رأسها ترافقها خادمة، اعتدلت روميا في وقفتها ورفعت كتفيها. رفعت نفسها على أطراف أصابعها محاولة تقليدها. حتى بهذا القليل، شعرت وكأنها هي نفسها أصبحت بيريدروز المحبوبة من الجميع.
السيدة النبيلة الأنيقة… روميا بيرلوس.
لم تغفل روميا حتى عن أصغر إيماءة لبروسي، مثل لمسة رقيقة وهي تزيح شعرها خلف أذنها. عيناها تتبعانها بلهفة وحركة لا تهدأ.
—
“إنها تفعلها مجددًا اليوم.”
“اتركيها، فالآنسة لا تقول شيئًا، فلماذا نتدخل نحن؟”
“لكنها… إنها تتحرك مقلدةً آنستنا! ما أقبح هذا!”
“تظن نفسها حقًا من النبلاء.”
“حتى لو قلدت آنستنا ألف مرة، فلن تصير بيريدروز حقيقية.”
“هي ليست إلا آنسة بيرلوس، ابنة من اشترى لقب النبالة بالمال.”
ضحكت الخادمات وهن ينقلن الغسيل، ساخرات من روميا وهي تقلد بروسي من بعيد. أطلق عليها سكان بيريدروز اسمًا ساخرًا: الثرية الحديثة التي تتلهف لتصبح الوردة الزرقاء لبيريدروز. كان الكثيرون يزدَرونها، يرونها فتاة تحاول تقليد الأرستقراطية الرفيعة بينما هي ابنة عائلة اشترت مجدها بالذهب.
كانت روميا، في الأيام التي تزور فيها قصر بيريد روز لتسليم القبعات بعد إصلاحها، تختبئ في الحديقة مقلدة بروسي. كانت تظن أنها تفعل ذلك بعيدًا عن الأعين، لكن خدم بيريد روز كانوا يعرفون غرابتها كلها.
ولم يكن في أعينهم مكان لتقدير فتاة تتصنع النبالة وهي لا تمت لها بأصل.
“انتبهوا لألسنتكن، إنها ابنة البارون بيرلوس.”
تدخلت كبيرة الخادمات بعد أن تركتهن يسخرن مطولًا، فقط لتوبخهن في النهاية بعبارة باردة. صمتت الفتيات للحظة، لكنهن كن يعرفن جيدًا أنها أيضًا كانت تسمع السخرية كاملة، ثم تتظاهر بالمنع في آخر الأمر.
—
ابتسمت بروسي ابتسامة رقيقة وهي تتأمل القبعة المعقودة بشريط حريري. روميا بيرلوس. الطموح الواضح في عينيها كان يثير شيئًا في نفسها، لكنها في الوقت ذاته رأت أن أنامل الفتاة ماهرة. كانت الخادمة “ماري” تتذمر دومًا من تأخر روميا في العمل، غير أن بروسي لم تؤاخذها قط، معتبرةً أن التسامح من صفات آنسة الكونت، لا سيما وأنها كانت معجبة كثيرًا بقبعاتها المعدلة.
وبينما كانت تخرج إلى الدفيئة، وصلت ضيفة بمساعدة خادمتها.
“كيف حالكِ اليوم؟ هل تشعرين بتحسن؟”
ضحكت الملكة أوليفيا ضحكة قوية، مغايرة لما بدت عليه الليلة الماضية حين وصلت متعبة.
“سؤالكِ بهذه المباشرة يوحي وكأن صحتي سيئة جدًا في نظركِ. لا بأس. كنت أترقب جلسة الشاي معكِ في الدفيئة.”
حين تدهورت صحة الملكة، قصدت ينابيع بيريد روز للاستشفاء. فالمكان بجباله الخلابة ومياهه الدافئة كان منتجعًا مثاليًا.
ولأن حالتها كانت قد شاعت في إمبراطورية كاتاس، لم يكن غريبًا أن تسألها بروسي عن صحتها.
“من واجب أي مواطن في كاتاس أن يقلق على سلامة جلالتكِ.”
“هاها، تحسنين تزيين الكلام عن علّتي المشهورة.”
“ولذلك أحببتني جلالتكِ منذ صغري.”
“ظريفة أنتِ.”
تمتمت أوليفيا وقد أعجبتها كلمات المجاملة الرقيقة التي لم تتجاوز حدودها. بين السياسيين المهووسين حولها، كان وجود بروسي راحةً حقيقية. فهي ابنة مونيكا، الوصيفة التي أحبتها الملكة قديمًا وصارت كونتيسة ثم رحلت مبكرًا. كلما حنّت إليها، كانت أوليفيا تزور بروسي بحجة الاستشفاء. حتى كلماتها المزعجة بدت محببة لأنها تحمل ملامح أمها.
“جلالتكِ، يجب أن تحافظي على صحتكِ.”
“حتى نصائحكِ حول الصحة لا تنقطع.”
ارتشفت أوليفيا شايها الفاتر ثم قالت ببطء:
“…حين أموت، سيخلفني ولي العهد.”
“لا أحد أنسب من سموه للعرش.” أجابت بروسي تلقائيًا، فابتسمت الملكة بسعادة لمن تفهم مقصدها.
“بديهي، لقد ربيته بنفسي، وسيكون حاكمًا عظيمًا.”
“ومع ذلك، أهناك ما يثير قلقكِ؟”
ترددت أوليفيا قليلًا. حفيدها “جهاردي” نادرًا ما أظهر عواطفه منذ طفولته. كانت فخورة بثباته كولي عهد، بلا خطأ يذكر، لكن برودة ملامحه أحيانًا منحتها شعورًا غريبًا.
مجرد أوهام.
هزّت رأسها لتطرد أفكارها.
“لقد كان ذكيًا منذ صغره. الكل عدّه قدوة للملوك. لن يكون هناك حاكم أكمل منه. سيصبح ملكًا عظيمًا لكاتاس.”
كأنها كانت تقنع نفسها أكثر من غيرها، لتهدئ مخاوفها. نهضت مبتسمة:
“ما رأيك في نزهة قصيرة؟ جلست طويلًا حتى تعبت قدماي.”
أسرعت بروسي واقفة لتقدم يدها.
“سأرافقكِ.”
“يا لرقّتكِ.”
ضحكت الملكة في سعادة، ناسِية هموم ولي العهد.
—
“ستعود جلالتها في نهاية هذا الشهر.”
قالها رئيس الوزراء، الكونت كيلدرو، فأومأ جهاردي صامتًا.
في غياب الملكة، تولى المستشار ورئيس الوزراء مهامها. ومع أنهم موالون لها، فقد كانوا يزورون جهاردي أحيانًا وكأنهم مكلَّفون بمراقبته.
فهم جهاردي أن مرض الملكة أُريد به أن يكون فرصة ليظهر كولي عهد مستعد لتولي الحكم. جدة بحق. حتى هو، المعروف ببروده تجاه الآخرين، أُعجب ببُعد نظرها.
كان ينظر بصمت إلى الوزيرين اللذين لا ينفكان يتحدثان بالسياسة. ولما رفع عينيه إليهما قليلًا، التقطا نظراته مباشرة.
“أليس من الأفضل أن تبدأوا بإعداد سموكم للظهور في المجلس؟”
خفض جهاردي جفونه، مثقلًا بالانزعاج.
“ألا تظن أن ذلك مبكر جدًا؟”
“لكن جلالتها تعلق آمالًا كبيرة عليك، يا مولاي.”
كان الكونت كيلدرو يعلل إلحاحه باسم الملكة، بينما تطلعت عيناه بانتظار شخصي واضح.
تنهد جهاردي، ماسحًا جفنيه المتعبين بيده.
“هذا أمر لا ينبغي أن يُتداول بخفة.”
وحين نهض مغادرًا، التزم الرجلان الصمت وتبادلا النظرات. لم يريدا إثارة غضبه أكثر، لكن كان ثمة كلام لا بد أن يُقال.
تكلم الكونت أخيرًا:
“هل بلغ مسامعك يا مولاي؟ إشاعات بشعة تنتشر. تقزز لساني من ذكرها، لكنها تتردد بين العامة. ويبدو أن علينا إيقافها.”
توقف جهاردي والتفت، فتابع الكونت بعد أن تنحنح:
“يقال إن جلالتها قد توفيت بالفعل.”
ساد الصمت الثقيل، وعيني جهاردي تتلألأان بحدة. كانوا يريدون أن يُقنعوه بحقيقة الشائعات كي يطلب عودة الملكة أبكر من موعدها المعلن.
عملي يزداد إذن.
تمتم في نفسه وهو يدير رأسه. كان مدينًا لجدة اعترفت به حفيدًا، وعلى عاتقه كولي عهد وملك مقبل أن يحفظ هيبة العرش. فاسم كاتاس الذي يحمله يخص العائلة الملكية وحدها، ولن يزول حتى بالموت.
حتى لو كانت الدماء الملكية تجري في نصفه فقط.
لحظة أن اعترفت به أوليفيا، صار من واجبه أن يكون الوريث الكامل الذي يحمي عرش كاتاس. وإسكات كل لسان يجرؤ على إعلان موت ملكة ما زالت حية، كان واجبه هو وحده.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات