كانت الشمعة على الطاولة الجانبية تهتز مهددة بالانطفاء. قبل النوم، كانت آخر عادة له في يومه أن يقرأ الكتاب الذي بدأ بقراءته صباحًا. لكن الكلمات لم تدخل عينيه أبدًا.
‘سمعت أن هذا كتاب ألّفه عالم مشهور جدًا في العاصمة.’
أغلق جهاردي الكتاب، ورفع رأسه نحو الظلال المرتسمة على ضوء الشمعة المتراقص.
حقًا يا سيدة فوتاميا، ما أروع مزاجك الراقي.
عيني جهاردي كانتا ساكنتين، لكن ما وراءهما كان ينفذ تمامًا إلى الجانب القاسي من هيرين.
في ساعة متأخرة كهذه، أن تُرسل إليّ تلك الفتاة بهذا المظهر؟ إنه فعل يليق حقًا بفوتاميا.
ربما روميا بيرلوس لا تدرك الأمر، لا تعلم مكر فوتاميا وخبثها. لذلك جاءت إليّ بهذه الهيئة في مثل هذه الليلة الموحشة. أهي نقية؟ ساذجة؟ أم أنها غبية؟
أيًّا يكن، فوتاميا بقيت كما هي، وروميا ظلت روميا.
ذلك الوجه الأبيض البريء، الذي بدا وكأنه يدرك أن هناك أمرًا ما خاطئًا وغريبًا للغاية، لكنه لم يستطع تحديد ما هو بالضبط، فظل تائهًا.
يا لها من فتاة عجيبة. تدرك مشاعري المصفّاة تمامًا، المشاعر التي لم تعرفها حتى مُرضعتي التي عاشت معي طويلًا. لكنها، في المقابل، لم تستطع أن تجد جوابًا لما ارتسم على وجهها هي نفسها.
وهذا بالذات ما يجعلها روميا بيرلوس، مما جعل جهاردي يحدق فيها بنظرة غريبة.
صوت فرقعة النار المنتظمة كان يتردد كإيقاع. قطع جهاردي الصمت فجأة.
“ابقي هكذا الليلة.”
“وأنا ممسكة بهذه الشمعة المعطّرة مضاءةً؟”
“على أي حال، في كاتاس لا ينام أحد في القصر قبل أن ينام الملك.”
“لكن سموك لست الملك بعد.”
ردّت روميا بوجه متجهم.
“أين أنا الآن؟”
“في قصر بوردِرين.”
“وقصر بوردِرين هو القصر الذي يقيم فيه الملك. منذ اللحظة التي ورد فيها اسمي في وصية جدتي كخليفة للعرش، أصبحتُ أعيش في هذا القصر كملك، عدا أنني لم أعتلِ العرش رسميًا بعد. فهل تظنين بعد هذا أنه يمكنك النوم قبل أن أنام أنا؟”
وهذا بالذات ما كانت روميا، التي تعمل في القصر، تعرفه جيدًا. كلماتها الطائشة جعلتها تشعر وكأنها خسرت كل شيء بلا مقابل.
“إذن، هل أستطيع الذهاب عندما ينام سموكم؟”
“لا. لا يمكنك الذهاب حتى تنطفئ تلك الشمعة.”
نظرت روميا إلى الشمعة التي تحملها في يدها. رائحة خفيفة، لكنها نافذة، تغلغلت في أنفها منذ قليل. كان الضوء الأحمر المنبعث يملأ الغرفة ويجلب معها نعاسًا زاحفًا.
“مهمتك لا تنتهي إلا حين تتأكدين مما إذا كنت قد نمت جيدًا أم لا بفضل الشمعة التي أرسلتها السيدة.”
في غرفة النوم الهادئة، دوّى صوته الرقيق الجذاب بوقع هادئ.
شعرت روميا أن جسدها المنهك من الإرهاق طوال الأيام الماضية قد بدأ يخذلها، ورأسها أصبح ثقيلاً، والحرارة تتصاعد في كامل جسدها. لم تعرف إن كان ذلك من أثر الشمعة، أم أن نزلة البرد اشتدت عليها.
أو ربما لأن الوقت مختلف عن العادة، أو بسبب الملابس التي لم تكن معتادة على رؤيته بها، أو لأن المكان هذه المرة لم يكن مكتبه المعتاد بل غرفة نومه. أياً تكن الأسباب، فقد كانت روميا متوترة حتى ارتجّ جسدها كله.
كانت وقفتها الصلبة، بلا حراك، مثل قطعة أثاث في الغرفة، هي أفضل ما استطاعت فعله.
“اجلسي.”
لكن حتى هذا تحطم أمام كلماته.
“سأبقى واقفة هنا وأنتظر…….”
“قلت اجلسي.”
قدماها اللتان ظنت أنهما لن تتحركا، تحركتا بلا إرادة منها. كلماته كانت دومًا قاسية، تحمل قوة لا يمكن عصيانها.
جلست روميا على المقعد المقابل له، حيث كان يقرأ الكتاب، وحبست أنفاسها.
كان السكون مخيمًا لدرجة أن مجرد تنفسها بدا وكأنه صخب. وضعت روميا الشمعة بعناية فوق ركبتيها المضمومتين.
وبينما كانت تنظر إلى اللهب الذي يتمايل مع أي حركة بسيطة منها، شعرت وكأنه يشبهها حالا. فتعاطفت مع لهب شمعة.
هكذا كان يفعل جهاردي في كل مرة.
يدفعها إلى الزاوية.
—
لا يُعرف كم مرّ من الوقت، لكن جهاردي أغلق الكتاب الذي قرأ نصفه، ورفع رأسه.
أمام عينيه، كانت روميا قد غفت وهي تحتضن الشمعة على ركبتيها.
وماذا لو شبّت النار؟
نهض وأخذ الشمعة من يديها.
“فتاة بلا حذر.” حرّك شفتيه كمن يتمتم اعتراضًا، ثم آثر الصمت.
في القصر الملكي لكاتاس، كان من غير المسموح أن ينام أحد قبل الملك، لكنها كسرت تلك القاعدة أيضًا. في كل شيء، كانت مختلفة.
هل يمكن لإنسان أن يكون بهذه الشفافية؟ روميا بيرلوس كانت بالنسبة له موضوع دراسة. رأسها المائل الذي سقط في غفلة، وجسدها الذي ارتخى على الأريكة، جعلها تبدو عزلاء تمامًا.
حتى ذلك اليوم في الحديقة، كانت هكذا أيضًا.
غطّى ظل أسود وجهها النائم. مدّ يده وضغط أصابعه على شفتيها. الملمس الغريب كان ساخنًا جدًا.
لم يشعر أبدًا من قبل برغبة في إدخال أصابعه بين شفتي أحد… إلا معها.
وهو الذي لم يسمح لنفسه يومًا أن يُستَعبَد برغبات تافهة، كره ذلك في نفسه. ولهذا كان أكثر قسوة وإهمالاً معها.
كان يعرف أن أي اهتمام منه سيجلب عليها عواقب وخيمة، ومع ذلك، فعل.
استخدامه لروميا كأداة في السياسة لم يكن إلا ذريعة لإطفاء عطشه.
أطلق جهاردي تنهيدة عميقة منخفضة.
ساخنة… ولينة. على مقربة بحيث يمكن أن يلامسها بأنفاسه، طبع شفتيه عليها بحذر.
عضّها برفق، فانساب من روميا النائمة أنين خافت. الفرجة الصغيرة بين شفتيها كانت ضيقة ودافئة.
قبلة أشبه بالافتراس، كانت تخص جهاردي وحده.
ولن يتغير شيء لمجرد هذه القبلة.
وهذا أيضًا كان جزءًا من غروره.
—
“سمعت أنكِ تساعدين السيدة نوبريدج في الحفلة الخيرية.”
بدأت السيدة ذات الشعر الفضي المصفف حديثها أولاً. وضعت هيرين الفنجان بهدوء، وابتسمت.
ضيف غير مرغوب فيه جاء في صباح هادئ.
الأميرة شارون نادرًا ما كانت تبحث عن هيرين. أيام حياة أوليفيا كانت تزورها أحيانًا لشرب الشاي معًا، لكن الآن لم تعد العلاقة ودية لتلك الدرجة.
بعد تتويج جهاردي، كان من المقرر أن يقام زفافه إلى هيرين. من حيث التسلسل الملكي، كانت الأميرة شارون أعلى بكثير من هيرين، لكن من حيث المكانة، كانت مضطرة لإلتزام التقاليد تجاهها.
لم تكن العلاقة قريبة بما يكفي لاعتبارهما صديقتين، ولم تكن متباعدة بما يكفي لتجاهل بعضهما، خصوصًا مع وجود العداء بين ابن شارون، إيدن، وولي العهد جهاردي.
حتى ظهور هيرين في المجتمع، كانت الأميرة شارون هي التي تسيطر على الدوائر الاجتماعية. لذا لم يكن غريبًا أن يكون الوضع متوترًا.
وهكذا، كانت زيارتها في هذا الصباح تهدف بوضوح لإثارة غضبها.
ورغم أن ذلك لم يكن ناضجًا، إلا أن أفضل وسيلة فعالة كانت الجلوس وجهًا لوجه والتحدث بود، لتوجيه الطعنات بين السطور.
فتحت هيرين فمها بهدوء، محافظة على وجهها البارد.
“أنتِ تعرفين صلتي القوية بالسيدة نوبريدج.”
“سمعت أيضًا أن إحدى وصيفاتك ستظهر لأول مرة في تلك الحفلة، أليس كذلك؟”
مدّت هيرين يدها نحو فنجانها لكنها توقفت لحظة عند ذكر شارون لاسم روميا، وإن ظلت ابتسامتها. إذن، هذا هو الهدف. كان متوقعًا، لكن يبدو أن شارون جاءت بعد أن تأكدت من الأمر. للحظة، فقدت هيرين رباطة جأشها.
“نعم. إنها وصية جلالة الملكة الراحلة.”
“وأنا أرى أن ذلك كان أعظم خطأ ارتكبته والدتي قبل وفاتها.”
كانت هيرين تحاول إقحام اسم أوليفيا لتجنب موضوع مزعج، لكن شارون ضحكت بسخرية.
“إنها تلك الفتاة، أليس كذلك؟”
جالت بعينيها تبحث حولها. من السهل جدًا أن تعثر على بيرلوس المذكورة في الشائعات.
كانت قد سمعت من خدمها المخلصين أوصاف روميا بيرلوس، وأنها مختلفة تمامًا عن فتيات العاصمة.
وقد كان صحيحًا. كان منظر روميا بائسًا. حاولت أن تبدو مرتبة قدر الإمكان، لكن ذلك كل ما استطاعت. مجرد جهد يستحق التعاطف، لا أكثر.
جلوسها هكذا مباشرة على الأرض، ترسم شيئًا بلا اكتراث، كان كافيًا ليكشف أنها من طبقة مختلفة عنهم.
كيف يمكن أن تجلس على أرض قذرة دون أن تضع شيئًا تحتها؟ هذا أمر لا يمكن فعله.
بسرعة التقطت شارون بعينيها روميا الجالسة تحت شجرة في حديقة قصر الليلي. وأشارت إليها.
تبعت هيرين نظرتها لا إراديًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"