“سيّدي، أنا… بشأن الإجازة…”
“إيلي، هلّا جلبتِ لي بعض الشاي إلى المكتب؟ وأحضري بعض الحلوى الخفيفة أيضًا.”
“آه، حاضر.”
وهكذا فشلتُ فشلًا ذريعًا في محاولتي الأولى لفتح موضوع الإجازة بعدما أنهيتُ مساعدته في ارتداء ملابسه.
لا بأس، سأحاول مجددًا حين أقدّم له الشاي.
“سيّدي، أحضرتُ الشاي.”
بعد قليل، جهّزتُ شايًا دافئًا حلوَ المذاق، ووضعتُ بعناية صينية الحلوى المتقنة الترتيب على مكتبه، حيث بدأ العمل منذ الصباح الباكر.
نظرتُ بطرف عيني فرأيتُ يده تتحرّك بلا توقّف، وكان يبدو مشغولًا للغاية.
‘لو تحدّثتُ إليه وهو على هذه الحال، قد يوافق على مضض فقط لينهي الحديث.’
ففي العادة، حين ينشغل ريس، يصبح أكثر توترًا، ويميل إلى تجاوز الأمور غير المهمّة بسرعة.
وليس هناك شيء أقلّ أهمية من إجازتي، أليس كذلك؟ لذا ربما هذه أفضل فرصة لفتح الحديث.
“سيّدي، هل أستطيع أن…ـ”
لكن ما إن اغتنمتُ الفرصة وفتحتُ فمي…
“إيلي، هل يمكنكِ تدليك كتفيّ قليلًا؟ أشعر بتصلّب.”
“…نعم.”
وانغلقتْ كلماتي مجددًا في حلقي، فوقفتُ خلفه بصمت، أُدلك كتفيه بهدوء.
هذا النوع من المهام كان ديث يكلفني به دائمًا في الوردة السوداء…
‘المكان مختلف، لكن يبدو أن طبيعة العمل واحدة.’
وبينما كنتُ أرتجف قليلًا من ذلك الإحساس الغريب، تمكنتُ أخيرًا من التحرّر من مهمّة التدليك.
“سيّدي! أنا بشأن الإجازة…”
“الشاي قد برد، إيلي.”
“سأُعيد تسخينه حالًا.”
وبشكل غريزي، أمسكتُ بالصينية التي وُضعت عليها فنجان الشاي، وخرجتُ من المكتب.
وأنا أُسرع الخطى في الممرّ، أدركتُ فجأة أنّني فشلتُ مجددًا في طرح الموضوع.
“…هل هو مجرّد شعور؟ أم أنّني فعلًا أعجز عن الكلام كلّما أردتُ ذلك؟”
ولو أردتُ أن أكون صارمة، فإن طلبات ريس كانت منطقية كلّها بلا استثناء.
فإذا كان الشاي قد برد، فمن واجب الخادمة أن تُعيد تسخينه، أليس كذلك؟
والتدليك أيضًا، إن كان السيّد يشعر بتصلّب في كتفيه، فعلى الخادمة أن تهرع لمساعدته.
‘حتى لو كنتُ أؤدّي دور الخادمة، أليس هذا مبالغًا فيه؟ لكن إن أردتُ إنجاح هذه المهمّة فلا خيار آخر…’
كان هناك صراع محتدم في أعماقي بين روح الخادمة المُخلصة، وروح القاتلة الباردة التي تسكنني.
وبينما كان هذا الصراع يدور، وجدتُ نفسي أحمل الشاي الذي أُعيد تسخينه وأمشي نحو المكتب.
وضعتُ الصينية على مكتبه، واستنشقتُ نفسًا عميقًا مليئًا بالعزم.
هذه المرّة، حتى لو قاطعني، سأكمل كلامي حتى النهاية. هي مجرّد إجازة، ليس أكثر!
“سيّـ…”
“إيلي، هل يمكنكِ تنظيف غرفة الاستقبال؟ أشعر أنّ الغبار يؤذي حلقي.”
“حاضر!”
وفجأة، وجدتُ نفسي أمسح زجاج خزانة الزينة في غرفة الاستقبال بشغف غريب.
حكّ حكّ…
أه؟ منذ متى اصبحت خبيرة في الأعمال المنزلية؟
‘كيف وصلتُ إلى هذه المرحلة؟’
ومنذ تلك اللحظة، كلّما حاولتُ فتح فمي، رمى إليّ ريس بمهمّة جديدة، واحدة تلو الأخرى، فأُجبر على التزام الصمت.
بل كانت كلّ مهمة بحجّةٍ منطقيةٍ لا تُترك مجالًا للاعتراض أو حتى للانزعاج.
‘لماذا…؟ هل ارتكبتُ شيئًا خاطئًا؟’
بعد حوالي عشرين محاولة فاشلة، جاءني شعورٌ متأخّر، لكنّه كان مؤكدًا.
‘لا يُعقل… هل أدركَ منذ البداية أنّني سأطلب شيئًا، فكان يمنعني عمدًا؟’
لو كان حدسي صحيحًا، فلن أستطيع أبدًا قول ما أريده بهذه الطريقة.
لابد أنّه انزعج من أمرٍ ما، لكنّني لا أعرف ما هو، فكيف لي أن أصلحه؟
“سأتحدّث إلى كبيرة الخادمات فحسب…”
بصفتي خادمته الخاصّة، أحتاج إلى موافقته للحصول على إجازة.
لكن بما أنّ الوضع هكذا، فلا أمل في أخذها منه مباشرة، لذا قرّرتُ أن أطلب من رئيسة الخادمات أن تتصرّف.
وبعد أن أنهيتُ تنظيف مكتبة المكتب، أسرعتُ لفتح الباب بقصد الذهاب إليها.
لكنّ إحدى الخادمات التي كانت تمرّ في الممرّ سارعت إليّ وهي تنادي:
“آه، إيلي! ها أنتِ! السيّد كان يبحث عنكِ! عليكِ الذهاب إليه فورًا!”
“…مجدّدًا؟”
“همم؟”
“آه، لا شيء…”
منذ الصباح، لم أتوقّف لحظة، بين التنظيف والطلبات، حتى نسيتُ كيف أتنفّس.
وحين نظرتُ من النافذة، رأيتُ الشمس تغرب خلف الأفق.
‘مستحيل! أردتُ فقط الحصول على موافقة لإجازة يوم واحد… وها هو اليوم ينقضي بأكمله؟!’
شعرتُ بصدمة عارمة جعلتني أُسند رأسي إلى الحائط كصفحة ممزّقة تتلاعب بها الرياح.
فالذكريات بطبيعتها تبهت بمرور الوقت، وعليّ أن أتحرّك بسرعة قبل أن ينسى مقامروا حلبة القتال ما حدث ذلك اليوم.
وربما لم يعودوا هناك أصلًا، فحتى أولئك الذين ضحّوا بكلّ شيء من أجل القمار قد يتحرّكون في أيّ لحظة.
‘هذه آخر مرّة. إن فشلتُ مجددًا، فسأتوجّه مباشرة إلى رئيسة الخادمات.’
ومع أنّني لم أقترب منها أصلًا، فإنّني اتّجهت إلى مكتب ريس وطرقتُ الباب.
طَرق، طَرق.
“سيّدي، إيلي هنا.”
حين فتحتُ الباب ودخلت، رأيتُ ريس مستندًا بيده إلى ذقنه، يحدّق في الأوراق بتعبٍ ظاهر.
لكن حين وقفتُ أمامه، ارتفعت عيناه البنفسجيتان المنهكتان ببطء نحو وجهي.
‘لم أره بهذا التعب منذ مدّة… بهذا الشكل، لا يمكنني حتى معاتبته.’
وحين التقت أعيننا، وضعتُ الصينية الجديدة التي كنتُ أحملها.
“إنّه شاي فواكه مفيد للتعب. اشربه أثناء عملك.”
“…إيلي، ما الذي تريدين قوله؟”
“نعم؟”
رفعتُ حاجبيّ حين سمعتُ سؤاله المفاجئ، فأكمل وهو لا يزيح نظره عنّي:
“كنتِ تحدّقين بي وكأنّ لديكِ ما تقولينه.”
صوته المنخفض انساب تحت نافذة يكسوها ضوء المغيب.
‘أخيرًا… الآن فقط لاحظ؟’
كتمتُ تعليقي، وأخرجتُ من صدري ورقة طلب الإجازة التي كنتُ أحتفظ بها بعناية.
“سيّدي، هل يمكنني أخذ إجازة ليومٍ واحد فقط غدًا؟”
“نعم.”
“سأعود بسرعة إن وافقتَ… هاه؟ حقًا؟”
أخذ ريس طلبي، وبتعبير ساخر، طبع ختمه في أسفل الورقة.
كنتُ واثقة أنّه سيرفض، لكنّه وافق بسهولة مذهلة، ما جعلني أشعر بنوع من الدهشة.
بل، مع أنّ الطلب جاء فجأة، لم يسألني شيئًا، لا عن السبب، ولا عن وجهتي.
كنتُ قد أعددتُ أجوبة لكلّ سؤالٍ محتمل… لكنّه لم يطرح شيئًا.
“يوم واحد قليل، خذي يومين.”
ثمّ كتب بخطّ يده “يومان” على أحد جوانب الطلب.
في الحقيقة، أنا اخترتُ يومًا واحدًا لسبب وجيه.
فمهمّتي تقتضي مراقبة الهدف وكشف سرّه، وابتعادي طويلًا عن ريس سيكون خطرًا كبيرًا.
فلو حدث شيء أثناء غيابي، لن أتمكّن من حمايته، وإذا اضطررتُ لاستخدام قوتي، ستكون الخسارة كبيرة، زمنيًّا وماديًّا.
‘كما أنّ محتوى التقرير سيقلّ.’
شرب ريس رشفة من شاي الفواكه، ثمّ أعاد إليّ الورقة وهو يبتسم بخفّة.
“كنتُ أودّ أن أمنحكِ إجازة أطول، لكن إن غبتِ، سأشعر بفراغ كبير.”
“…،سأنهي ما علي و أعود فورا. شكرًا جزيلًا.”
كنتُ أعلم أنّ قوله بأنّه سيشعر بالفراغ محض مجاملة. فهناك الكثير من الخادمات يلبّين طلباته.
وكان لديه خادمات قبلي أيضًا…
‘لماذا وجهي يحترق؟’
بما أنّه سيعمل حتى الفجر، فلن أحتاج إلى إطفاء شموع غرفة نومه الليلة.
وبعدما سلّمتُ الطلب إلى كبيرة الخادمات، وكنتُ على وشك العودة إلى غرفتي…
“ماذا نفعل الآن؟”
“من سيتولّى الأمر؟”
“أنا لا أستطيع…”
رأيتُ بضع خادمات في زاو
ية الممرّ يتحدثن بوجوه يعلوها القلق.
من ملامحهن، بدا أنّ المسألة خطيرة.
وأحسستُ بالفضول، لكنّني خشيتُ أن أتورّط، فقرّرتُ تجاهلهن ومتابعة طريقي بصمت.
“آه، إيلي! ممتاز، كنتُ أبحث عنك! تعالي معي قليلًا!”
ترجمة:لونا
التعليقات لهذا الفصل " 20"