تحجّجتُ بالمهمّة لأفترق عن الخادمات، ثمّ توجهتُ إلى المكتبة الواقعة في أقصى غرفة من جناح المبنى الفرعي لأُحضِر الوثائق التي أشار إليها ريس.
ما إن أُسلِّمها، فلن تكون لديّ مهام أخرى لبقيّة النهار.
لكن، لِمَ أشعر بهذا الشعور الغريب؟
“سيّدي؟”
نظرتُ حولي، لكن ريس لم يكن في أيّ مكان.
فتّشتُ في الحديقة، والمكتبة، وغرفة التدرّب، وكلّ الزوايا التي يُفترض أن يكون فيها، لكنّه لم يكن هناك.
“ديل؟”
حتى ديل لم يكن ظاهرًا.
فتّشتُ القصر الرئيسي من الطابق الأول حتى الخامس، وسألتُ بعض الخدم الذين مررتُ بهم، لكن لم يكن لدى أحدهم أيّ علم بمكانه.
‘…هل يُعقل أنه ذهب إلى الجناح الغربي؟’
رئيسة الخادمات ذكرت في معرض الحديث أنّ ريس لم يُقرب ذلك المكان منذ قرابة عشر سنوات، ولكن، من يدري…
إن لم يكن قد ذهب إلى هناك، فليس هناك سوى الغابة السوداء، لكنها مغلقة.
“سمعت أنّ المبنى الغربي شبه خالٍ من الخدم بأمرٍ من الدوق… سيكون من المزعج أن أُمسك هناك، لذا سأكتفي بإلقاء نظرة من بعيد ثمّ أعود.”
سمعتُ أنّ أحفاد عائلة كاسيو لا يُحبّون الازدحام من حولهم.
ولهذا لا يظهرون كثيرًا في المجتمع المخملي، وأقصى ما يفعلونه هو تلبية دعوة الإمبراطور إن وجدت.
“أيّ نوعٍ من القوى يملكون ليتصرفوا بتلك الغطرسة؟”
رغم أنّه أمر خارج نطاق المهمّة، إلا أنّ فضولي بدأ يُثار بالفعل.
فمهمّتي في نهاية المطاف هي اكتشاف سرّ قوّة كاسيو.
“واو، المكان مختلف تمامًا عن الجهة الشرقيّة.”
عندما وصلتُ إلى منطقة المبنى الغربي، انعكست تعابير وجهي لا إراديًّا عند رؤية البيئة القاحلة أمامي.
كنتُ قد زرتُ هذا المكان مرّة واحدة فقط في السابق عندما حاولتُ فهم هيكل القصر، لكنّ الجوّ الآن مختلف تمامًا عمّا كان عليه آنذاك.
في ذلك الوقت، كان المكان يُشبه حديقة هادئة تتساقط فيها بتلات الزهور، أمّا الآن، فالمكان يُشبه أرضًا مهجورة منذ قرون.
“كما توقّعت، لا أحد هنا… هه؟”
في مسافة غير بعيدة، رأيتُ جناحًا أبيضَ صغيرًا يجلس فيه رجلٌ ذو شعرٍ أسود.
كان يحتسي الشاي وهو جالسٌ على كرسيّ بارد وسط زهورٍ ذابلةٍ كأنّها ماتت منذ زمن.
كان ظهره مألوفًا جدًّا، وكدتُ أن أصرخ “سيّدي!”، لكنّ بنيته كانت ضخمة جدًّا.
رغم الشبه، لم يكن هو الهدف.
‘…إنه الدوق.’
كنتُ قد تساءلتُ قبل قليل عن أمره، لكنّي لم أتوقّع قط أنّني سأصادفه بهذا الشكل المفاجئ.
رغم أنّهما من دم كاسيو نفسه، إلا أنّ الجميع كانوا أكثر خوفًا من الدوق مقارنةً بريس، ولا بدّ من وجود سببٍ لذلك.
لعلّه بسبب قوّته المُرعبة التي يُقال إنّه يستخدمها دون ضوابط…
‘حتى لو كنتُ من نخبة القتَلة، لا أظنّني أستطيع مجابهة قوّة مجهولة مثل تلك.’
كنتُ أهدف فقط لمراقبته من بعيد، لا مواجهته مباشرةً بهذا القرب.
‘اسمه الحقيقي “كالان كاسيو”. كلّ ما يُعرف عنه رسميًّا هو اسمه، وعمره، وأنّه فقد زوجته منذ عشر سنوات بسبب سببٍ مجهول، وأنّ لديه ابنًا وحيدًا فقط…’
كوني قاتلة من النخبة في منظّمة <الوردة السوداء>, لم يكن بسبب مهارتي فحسب، بل أيضًا بسبب قدرتي الفائقة على التمييز والحكم المنطقيّ.
وفي هذه اللحظة، أعلم تمامًا أنّه سيكون من السيّئ للغاية أن أُلفت انتباه الدوق.
فبعكس ريس، الذي لا نعلم إن كان يمتلك قوّة أصلاً، فالدوق بالتأكيد يملكها.
لو أغضبته ولو قليلًا، قد يُكلّفني ذلك حياتي.
قرّرتُ بسرعة أن أتراجع بهدوء.
كان عليّ الخروج من نطاق المبنى الغربي قبل أن يلاحظني الدوق.
“أنتِ هناك.”
جمّدتني تلك الكلمات التي اخترقت ظهري كريحٍ باردة.
استدرتُ بوجهٍ متوتّر، وإذا بعينيّ تتقابلان مباشرةً مع عيني الدوق.
كان الدوق يُشبه ريس بدرجةٍ لا تُصدّق.
وسامته كانت لافتةً بحق، بشعره الأسود الذي يُشبه أعماق البحر، وعينيه البنفسجيتين العميقتين، وكان شعره المتدلّي حتى عنقه يُضفي على ملامحه الحادّة طابعًا أكثر ليونة، أشبه بذئبٍ مُحاطٍ بالضباب.
“هل تقتربين قليلًا؟”
رغم أنّ نبرته بدت كطلب، إلا أنّها لم تكن إلا أمرًا في هيئة رجاء.
تذكّرتُ كيف كان الخدم يرتجفون لمجرّد ذكر اسم الدوق، فما بالك بالوقوف أمامه!
‘لم أتوقّع هذا البتّة.’
لم أتوقّع أن يدعوني للقُرب، فارتبكتُ للحظة، ثمّ انحنيتُ بأدب.
لو أنّه قرّر معاتبتي على تطفّلي في المبنى الغربي، لكان الوضع في غاية الحرج.
اقتربتُ منه على مضض، وإذا به يُنزل فنجان الشاي من يده بهدوء.
كان عبير الأعشاب المرّ يخترق أنفي بقسوة حتى شعرتُ بأنّه يخدش حاسّتي الشميّة.
“أنتِ من الجناح الشرقي، أليس كذلك؟ ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
“كنتُ أبحث عن السيّد الشاب، لكن يبدو أنّني تهتُ عن الطريق. أرجو أن تسامحني…”
“اتعلبين الغُمّيضة مع ابني؟”
خلافًا لتوقّعاتي، لم يكن الدوق مستاءً من إزعاج جلسة الشاي خاصّته.
بل بالعكس، ابتسم بخفّة، وكأنّه يُمازحني.
“…أشبه بذلك.”
رغم أنّني لم أكن ألعب الغُمّيضة حقًّا، إلا أنّ جهلي بمكان ريس جعلني أومئ برأسي على مضض.
“إن عدتِ إلى الجناح الشرقي، ستجدينه هناك. ذلك الصبيّ دائمًا ما ينشغل بأمورٍ لا طائل منها.”
بدت كلماته وكأنّها تُقال للريح.
حديثٌ وحيد، يُشبه الهمس الداخلي أكثر من كونه حوارًا.
حتى من دون وجودي، يبدو أنّه كان سيُتمّ عبارته لنفسه.
“سأعود للتحقّق من الجناح الشرقي إذًا.”
“لا، ليس هناك.”
قالها وهو يُشير بأصابعه في أكثر من اتجاه، كأنّه يُلمّح إلى مكانٍ آخر.
تأمّلتُ إصبعه الممدود بتركيز، ثمّ نظرتُ إلى عينيه البنفسجيتين بدهشة.
‘هل يقصد…؟’
أتُراه يقصد الغابة السوداء؟ لكن، هل يجوز له قول ذلك؟
كنتُ قد سمعتُ بأنّه لا يُحبّ التطرّق إلى موضوع تلك الغابة.
“الغابة السوداء… أليست محظورة الدخول؟”
سألتُ بحذر، بعد طول تردّد.
فأنا أساسًا لم آتِ إلى هذا المكان لأنّي لم أُفكّر في إمكانيّة وجود ريس هناك.
أجاب الدوق بـ “همم”، ثمّ احتسى رشفةً من شايه الذي فقد حرارته بالكامل.
“لديكِ الصلاحيّة.”
قالها، ثمّ أخرج من جيبه شيئًا ومدّه إليّ.
تلقّيته بلا وعي، فإذا به مفتاحٌ فضّي اللون، يبدو عليه القِدم.
أدركتُ فورًا أنّه مفتاح الباب المؤدّي إلى الغابة السوداء.
‘أن يُعطيني هذا يعني أنّه…’
يبدو أنّه يعلم بأنّني الوصيفة الخاصّة لريس.
بالطبع، كرئيس للعائلة، لا بدّ أن تُعرض عليه تقارير بكلّ ما يجري داخل القصر، ولكن أن يهتمّ لأمر ريس بهذا الشكل؟ أمرٌ لم أتوقّعه.
“احرصي على سلامتك.”
قالها فجأة، بنبرةٍ غامضة.
“احرصي على سلامتك”؟ دون سياق؟ لم أفهم مغزى كلماته، ولم أشأ الغوص في التفكير أكثر.
“سأعود الآن.”
انحنيتُ بعمق، ثمّ أسرعتُ بالخروج من القسم الغربي.
فقط حين ابتعدتُ أدركتُ أنّني كنتُ مشدودة الأعصاب أثناء وقوفي بقربه.
لو أنّني خفت، لقلتُ إنّها رهبةٌ من قوّةٍ مجهولة، لكنّ التوتّر كان شيئًا آخر…
‘لم أشعر بهذا حتى أمام قتَلةٍ أكثر عنفًا أو مغتالين محترفين.’
مهما يكن، هذا اللقاء غير المتوقّع مع الدوق سيجعل تقريري أكثر امتلاءً هذه المرّة.
لكن قبل ذلك، عليّ أن أذهب إلى الغابة السوداء كما أشار.
‘أنا أيضًا، أرغب في معرفة السبب الذي جعل الدوق يمنحني هذا المفتاح.’
بفضل حصولي على المفتاح، أصبح بإمكاني دخول الغابة علنًا دون قلق.
‘ريس لا يملك المفتاح، لذا لا أظنّه هناك. على الأغلب يقرأ كتابًا في مكان ما كعادته.’
وفوق ذلك، مع السلاسل الحديديّة الملفوفة حول البوّابة، من المستحيل أن يكون ريس، وهو في حالته الصحيّة الضعيفة هذه الأيّام، قد دخل.
“…إنّه هنا؟”
لكن حين وصلتُ إلى مدخل الغابة السوداء، وجدتُ السلا
سل مرتخيَة تمامًا.
كانت آثار تمزيقٍ غير مبالٍ واضحةً على بابها.
“هل… هل هذا الباب انتُزع بالقوّة!؟”
نظرتُ إلى تلك السلاسل الهزيلة التي كانت تتدلّى من يدي، ولم أملك إلا أن أفتح فمي من الدهشة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"