“إيلي، ألا يجدر بكِ أن تعودي الآن؟ يبدو أن هدفكِ في انتظاركِ.”
انعوجَ فم تشبْلين المتألم بامتعاض.
كان لديه ما يقوله لإيلي، لكن ربما بسبب الضربة التي تلقاها على رأسه، لم يستطع تذكّره.
“سأذهب. لكن بلّغ القائد أن عليه تغيير طائر الرّسائل، هذا الغراب يسيل لعابه كثيرًا.”
“هممم، انه لا يعرف شيئًا عن هذا.”
هزَّ تشبْلين كتفيه ببرود، ثم نهض فجأة وغادر المكان على عجل وهو يتمتم بأنه مشغول.
كان من الواضح لأيّ أحد أنّه كان غاضبًا. تُرى، أين ذهب عقل هذا الفتى وهو يكبر؟!
“عليّ أن أتماسك… لديّ عمل.”
تمتمت إيلي وهي تفرك وجهها بيدها الجافة وقد أصبحت وحيدة في لحظة.
بما أنّ المباراة بدأت على الأرجح، كان من الأفضل أن تسرع في خطواتها.
إن تأخرت، فقد ينتهي الأمر بـ ريس وهو يقدّم كيسًا من الذهب لأحد المتسوّلين بكل طيبة.
فقط تخيّل الأمر كان كافيًا ليجعل جسدها يقشعر.
“سيّدي، لقد عدتُ… هاه؟ النفايات أقصد، الناس اختفوا جميعًا؟”
وصلت إيلي إلى جانب ريس، وعيونها الزرقاء تتقلّب وهي تتمعّن في المكان الخالي من الناس.
كأنّ الجميع قد تبخّر من على وجه الأرض.
“إيلي، هل اشتريتِ التذكرة بنجاح؟”
“نعم، راهنتُ على أقوى شخص بدا لي كذلك. أنا بارعة في قراءة الناس، كما تعلم!”
تساءلت في سرّها عن التغيّر الطفيف في الأجواء، لكنها سرعان ما أجابت ريس بابتسامة مشرقة.
الكذبة الجريئة والواثقة، ما إن تُقال، تصبح كأنّها الحقيقة. …هذا ما كانت إيلي تؤمن به.
‘في النهاية، من سيفوز لن يكون أفضل من هذه القطع الذهبية. من الأفضل أن أعتني بنفسي.’
الرهان في ساحة تحكمها الاحتيالات والتلاعبات لم يكن سوى وسيلة لإشباع بطون المجرمين.
فكّرت إيلي بذلك وهي تبتسم برضى، مبرّرة تصرّفها أمام نفسها.
بييييييك――
“نهاية المباراة! اللاعب رقم 3 هو الفائز!”
صوت النهاية جاء في توقيت مثالي.
أما الخاسر، اللاعب رقم 18، فقد تمّ نقله على نقالة وهو بالكاد على قيد الحياة.
“إيلي، على من راهنتِ؟”
“رقم 18. يا للأسف، لقد خسرتُ المال.”
“…ألم تقولي أنكِ تملكين حدسًا جيدًا؟”
راقب ريس بابتسامة جانبية طريقة حديث إيلي الباردة وكأنها تقرأ من كتاب دون أيّ انفعال.
أن تكذب بهذا الشكل الواضح وبكل تلك الجرأة، كان أمرًا مثيرًا للسخرية.
رفعت إيلي كتفيها مدّعية البراءة.
“أنا نظري سليم، الخطأ من الشخص نفسه. كان يجب عليه الفوز مهما كلّف الأمر.”
“قد يكون… كذلك.”
ردّ ريس بصوت لا يقلّ وقاحة عن كلامها.
ورغم أنه شعر أنّه انساق مع كلماتها الماكرة دون أن يشعر، إلا أنّه لم يُبدِي أيّ اعتراض.
كان قلبه ينبض بسرعة، مشاعر غريبة من الانزعاج والسرور تتصارع داخله كلّما نظر إلى إيلي.
رغم انتفاخ خصرها بسبب كيس الذهب الذي كانت تحمله، إلا أنّ ريس تجاهل الأمر متعمدًا وأدار وجهه.
“لم أجد أحدًا يعجبني. لنعد.”
“نعم، الأفضل أن توكّل مهمة الحماية إلى السيّد ديمون.”
“حسنًا، سأفعل كما تقولين.”
بدأت الشمس في المغيب.
نظرت إيلي نحو السماء المتّشحة بلون الغروب القرمزي، ثم غادرت ساحة القتال برفقة ريس.
ورغم حلول المساء، لا تزال الحشود تملأ المكان من كلّ الجهات.
لكن فجأة…
“آه، رائحة الزيت…”
ما إن مرّت من بوابة الساحة حتى انبعثت رائحة الزيت العفن فقبضت على أنفها بعنف، فتجمّدت ملامحها فورًا.
ومع خطوات أخرى إلى الأمام، وقعت عيناها على مشهد غير طبيعي على الإطلاق.
“ق-قليل من الغسل فقط وسأصبح نظيفًا…!”
“آآآه! عيناي! لا، لا أرى شيئًا…!”
“اااه، أريد المزيد من الزيت! هيا… بسرعة! آااه!”
عند براميل زيت النفايات المتروكة من الساحة، كانت هناك جموع من الناس تتخبّط بفوضى.
بعضهم غاص داخل البراميل، والبعض الآخر غطّ وجهه في الزيت المسكوب على التراب.
‘هاه؟ هل… الجميع جُنّوا دفعة واحدة؟’
كان المشهد مقززًا بما يكفي لتتمنّى إيلي لو لم تره.
أدارت وجهها سريعًا، وقد سادها شعور بالغثيان.
رغم أنّ أغلب هؤلاء كانوا قد تصرّفوا معها بوقاحة قبل قليل، إلا أنّها شعرت تجاههم بلحظة شفقة غريبة، ممزوجة بقشعريرة مزعجة.
“…سيّدي، لنذهب بسرعة.”
“نعم، إيلي. لنعد.”
ابتلعت إيلي ريقها بصعوبة وهي تسرع الخطى.
وبين خصلات شعرها الفضي، التقط ريس لمحة من تعبير وجهها الجاد، فارتسمت على شفتيه ابتسامة نصف قمر.
كان خروجهما أكثر إثارة مما تخيّل.
***
“إيلي، أنا قلِق عليكِ.”
“هاه؟ هل القائد يعرف القلق أيضًا؟”
نظرت إليه بعينين مندهشتين، فاقترب منها ديث وحدّق بوجهها عن قرب.
“لقد نشأتِ داخل فرقة الاغتيال منذ صغركِ. معظم من حولكِ رجال أشداء، ومن الطبيعي أن تصبحي خشنة قليلًا مقارنة بأقرانك. رغم أنكِ في الرابعة عشرة فقط، تبدين ناضجة جدًا.”
“أوه، ما هذا؟ هل سمعت للتو إطراء؟”
“لكن المشكلة… أنكِ تملكين لسانًا أقسى من أيّ بلطجي في الأزقّة.”
تجعد جبينها من الإحباط.
لو أنه فقط توقّف عند الإطراء!
“قائد، أنا ما زلتُ طفلة، أليس من الظلم مقارنتي ببلطجي؟”
“آه، تصبحين طفلة فقط عندما يناسبك الأمر؟ ومن أين تعلّمتِ هذه الجرأة؟!”
“يُقال إن النهر النظيف يبدأ من منبعه. لا تلم نفسك كثيرًا.”
ربّتت على كتفه بمزاح، فتشنّج فكه بتهديد مكبوت.
ثم ما لبث أن تنفّس بعمق وحدّق فيها بنظرات جادّة.
“إيلي، قلتها مرارًا لا ترتبطي عاطفيًا بهدفك. في مهنتنا، المشاعر تعني الهلاك.”
“أعرف ذلك… وأنت تعرف أنني أفرّق جيدًا بين العمل والعاطفة.”
“ولهذا أوكلتُ إليك هذه المهمة. أنا واثق أنّكِ ستنجحين.”
تألقت عينا ديث السوداوان كضوء القمر وهو ينظر إليها بحنان نادر.
حين كانت في الثالثة فقط، تمّ بيعها إلى فرقة <الوردة السوداء> بسبب ديون والدها.
ومنذ تلك اللحظة، كانت حياتها الجديدة هناك… بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
كان ديث هو من اعتنى بها، كأبٍ بديل، وكعائلة بديلة.
“إن نجحتِ في هذه المهمة، ستسدد كلّ ديونكِ. حينها… أرجوكِ، اتركي حياة الاغتيال.”
“همم، لا أعلم. من سيقوم بالعمل بدوني؟ الأطفال مشغولون، وأنت أصبحتَ عجوزًا وثقيل الحركة.”
“إذًا احترمي شيبتي على الأقل، أيتها الوقحة.”
منذ وفاة والدتها، لم تختبر الحبّ، ولا دفء الآخرين، ولا حتى قلقًا صادقًا.
ولهذا، كانت هذه العلاقة الغريبة التي فرضها القدر… أثمن مما تستحق.
“…إيلي، أنتِ كابنتي تمامًا. مهما فعلتِ في المستقبل، لا تسمحي لنفسكِ بأن تُصاب بأذى.”
“هم؟ لا أذكر أنني امتلكتُ أبًا عجوزًا ومتسلّطًا من قبل؟”
“هاه؟! ومن أين تعلمتِ هذا الأسلوب؟ من تشبْلين، أليس كذلك؟!”
وما إن رأته يمسك خنجره غاضبًا حتى انطلقت إيلي ضاحكة تركض مبتعدة.
ربما لأنّ مشاعره الصادقة كانت أثقل من أن تُحتمل، شعرت بدفء خفي يسري في صدرها.
“إيلي؟”
“…آه، نعم، سيّدي!”
استفاقت على صوت ريس وهو يناديها.
كانت تحدّق في الأرض بشرود، فاقتربت منه مسرعة.
بضع لحظات وهي تنظر إلى عملة سقطت أرضًا، و
وجدت نفسها تغرق في ذكريات حديثها مع ديث.
‘لقد مرّ أسبوعان بالفعل على هذا.’
لقد أصبحتُ خادمة ريس الخاصّة منذ أسبوعين فقط.
ورغم قصر المدة، فقد حدثت الكثير من الأمور، لكن أهم مشكلة واجهتها…
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 12"