2
بعد المعركة النفسية في مكتب الإدارة، قررت أن أنسى الموضوع مؤقتًا وأملأ معدتي. كنت على وشك الانفجار من الغضب، وأفضل علاج للغضب… هو الطعام.
دخلت المقصف، وهناك على الطاولة قرب النافذة جلست صديقتاي، ليانا وماريس.
ابتسمتا فور رؤيتي، ولوحتا لي بحماس.
ليانا «هاااه، كيف كان أول تدريب مع أستاذك الجديد؟»
أطلقت ضحكة قصيرة مليئة بالسخرية
«تدريب؟! إذا كنتِ تقصدين إجباري على التوازن فوق أرجوحة معلقة في السماء… فأه، ممتاز!»
ماريس تسند وجهها على يدها «واااو… هذا يبدو ممتعًا.»
«ممتع؟! كدت أسقط وأموت!»
«لكن… هو وسيم، أليس كذلك؟»
كاد اللقمة تعلق في حلقي.
«وسيم؟ إنه كسول، متعجرف، ويبدو وكأنه خرج للتو من سريره!»
ابتسمت ماريس بعيون حالمة
«الكسل أحيانًا علامة على العبقرية.»
«أجل… وتلك النظرة الهادئة… أوه، لو كان مدربي، ما كنت سأشتكي أبدًا.»
نظرت إليهما وأنا على وشك الانفجار.
«هل أنتما جادتان؟! الرجل سخِر مني أمام مجلس الأكاديمية!»
«ربما كان يختبرك… بطريقة خاصة.»
«أو ربما هو من النوع الغامض… الذي يخفي مشاعره وراء المزاح.»
حدقت بهما ثم نظرت إلى طبقي، وأدركت أنني وحيدة في هذه المعركة.
بينما أنا أرى فيه كابوسًا شخصيًا، صديقتاي تريان فيه حلمًا رومانسيًا… وهذا لا يبشر بالخير أبدًا.
كنت أحاول إنهاء طبقي بسرعة حتى لا أسمع المزيد من الترهات عن “وسامة” أستاذي الكسول، لكن فجأة لاحظت شيئًا غريبًا…
كل البنات في المقصف… يحدّقن بي.
لكنها لم تكن نظرات عابرة، بل مزيج من الغيرة، الغضب، وحتى الحسد.
إحداهن كانت تهمس لصديقتها وهي تحدق بي وكأنني سرقت كنزها الثمين.
أخرى رفعت حاجبها بطريقة جعلتني أشعر وكأني ارتكبت جريمة.
«أمم… ليانا، ماريس… هل أنا أهذي، أم أن الجميع ينظر إليّ وكأني أكلت آخر قطعة حلوى في العالم؟»
ضحكت ليانا بخفة «آه، لاحظتِ أخيرًا.»
و أجابت ماريس «إنها نظرات الغيرة… عادية.»
«غيرة؟! على ماذا بالضبط؟ أنا حتى لم أفعل شيئًا!»
«على الساحر، طبعًا.»
تجمدت في مكاني «… ماذا؟»
«هو أستاذك الخاص الآن، وهذا يعني… أنكِ الوحيدة اللي تقضين وقتك معه، تتدربين معه، وتتعاملين معه بشكل مباشر.»
«لكن… أنا أكرهه!»
لياناتغمز «هذا ما تقولينه الآن.»
ماريس تبتسم بمكر «أما البقية… فيرونك الفتاة المحظوظة.»
وضعت الملعقة على الطاولة بقوة، أحسست بالصداع يزحف إلى رأسي.
عظيم، الآن لا أملك فقط أستاذًا كسولًا يسخر مني، بل أيضًا جيشًا من الفتيات الغاضبات يتمنين مكاني… وكأني أعيش كابوسًا داخل كابوس.
كنت أقاوم الرغبة في إخفاء وجهي بين يدي من كثرة النظرات، لكن فجأة تقدمت نحوي ثلاث فتيات… كل واحدة منهن تمشي وكأنها صاحبة المكان.
كانت إحداهن، سيلينا، معروفة بغرورها المفرط، والشابتان بجانبها تشبهانها في كل شيء… إلا أنهن أكثر مللاً.
وقفن أمام طاولتنا وألقين عليّ نظرة من أعلى إلى أسفل.
«إذن… هذه هي تلميذة الأستاذ ثاليوس الجديدة؟»
«نعم… هل هناك مشكلة؟»
ابتسمت سيلينا ابتسامة باردة «لا مشكلة… فقط غريب أن تختارك الأكاديمية، وأنتِ… تنظر لشعري وملابسي باحتقار… هكذا.»
تنهدت ماريس«عذرًا، لكن هذا ليس من شأنك.»
ليانابنظرة حادة «بالضبط، وإذا جئتِ لإلقاء الإهانات، فالطريق من هناك.»
ضحكت سلينا ضحكة ساخرة «أوه، أنا فقط أقول الحقيقة… ربما الأستاذ ثاليوس يحب التلاميذ… المبتدئين جداً.»
ضحكت رفيقتاها معها، وكأنهن ألقين نكتة العام.
كنت على وشك الرد بأسلوب عادي… لكن الصبر له حدود، وحدودي نفدت منذ أن علّقني الأستاذ على أرجوحة.
رفعت يدي بخفة، ورسمت إشارة صغيرة في الهواء.
في لحظة، انقلبت الأكواب على الطاولة المجاورة، وطارت منها ملعقتان صغيرتان، و… استقرتا على شكل “أذنين أرنب” فوق رأس سيلينا.
أما صديقتاها… فقد التصقت بهما مناديل ورقية مبللة على وجوههن بطريقة جعلتهن يشبهن الأشباح القذرة.
ساد صمت لثانيتين… ثم انفجر المقصف بالضحك.
حتى ليانا وماريس كانتا تمسكان بطونهما من شدة الضحك.
نظرت لها سلينا بغضب و إحراج«ماذا فعلتِ بي؟! أنزعي هذا حالاً!»
إبتسمت بأبرع ابتسامة بريئة لديّ
«أوه، يبدو أن السحر أحيانًا… يحب اختيار ضحاياه بنفسه.»
تركني الثلاث وهن يغليْن غضبًا، بينما أنا جلست أكمل طبقي وكأن شيئًا لم يكن، وأستمتع بصوت ضحك من بقي في القاعة.
كنت أستمتع بآخر لقمة من فطيرتي، وما زال المقصف يتهامس حول ما فعلته، حين فُتح الباب فجأة، ودخل الأستاذ ثاليوس بخطوات بطيئة وكأن عنده كل وقت العالم.
عيناه جالتا بين الطاولات… حتى توقفتا عليّ.
ابتسم ابتسامة جانبية، وجاء مباشرة إلى طاولتنا
«ياااه… ما هذا الذي أسمعه؟ تلميذتي الصغيرة بدأت تستخدم السحر للإبداع… أو للفوضى، لا فرق.»
حاولت التظاهر بالبراءة «أنا؟ لم أفعل شيئًا.»
«حقًا؟ إذن كل هذه الأذنين الطويلتين والمناديل المبللة… مجرد صدفة سحرية؟»
ضحكت ليانا وهي تحاول إخفاء فمها
«تمامًا، يا أستاذ.»
انحنى الاستاذ ثاليوس نحوي و همس
«أتعلمين… أنا فخور بك. يبدو أنك تتعلمين مني أسرع مما توقعت.»
«لا! لم أتعلم منك شيئًا!»
«أوه… إذن أنتِ عبقرية بالفطرة؟ في هذه الحالة، ربما عليّ أن أرفع مستوى التدريب… أو أرفعك مجددًا على أرجوحة في الهواء.»
ارتفعت حرارة وجهي من الغضب، بينما هو كان مستمتعًا بكل ثانية من إحراجي.
«أنت مستحيل!»
«واصلي إجتهادكي تلميذتي »
ربت على رأسي بخفة ثم غادر وكأنه لم يترك وراءه فوضى جديدة.
بعد الحادثة في المقصف، أقسمت لنفسي أن أنسى الموضوع وأركز في فصولي.
فتحت دفتري في الحصة التالية، وقلت في داخلي: “اليوم… لا أذكر الاستاذ ثاليوس لا أفكر فيه، ولا حتى أسمح لاسمه يمر في رأسي.”
لكن… يبدو أن صديقتَيّ كانتا مصممتين على تدمير خطتي.
اقتربت ماريس مني وهمسها مليء بالحماس
«هل هو دائمًا يبتسم هكذا؟»
«من؟» أتظاهر بالجهل التام.
«الأستاذ ثاليوس طبعًا! يا إلهي، نظراته… كأنه من لوحة فنية!»
«صحيح! وصوته؟ حتى كسله فيه أناقة!»
أضغط القلم بقوة حتى يكاد ينكسر «أنتم جادّات؟ هذا الرجل علّقني على أرجوحة! »
«واااو، إذن هو يمازحك! نحن نحصل بالكاد على كلمة منه.»
«بالضبط… هذا يعني أنه مهتم بك بطريقة خاصة.»
تنهدت، وأسندت وجهي إلى راحتيّ، أفكر أنني لو فتحت كتاب السحر الآن واختبأت خلفه ربما أختفي من الوجود… أو على الأقل من أسئلتهن.
لكن لا، كانتا تواصلان الحديث وكأن الأستاذ هو بطل قصة رومانسية وهما جمهورها المهووس.
في النهاية، استسلمت وقلت لنفسي: “إذا استمرّ الأمر هكذا… فسأحتاج تعويذة صمت أبدية.”
بعد يوم طويل مُرهق امتلأ بالأحداث المزعجة، عدتُ إلى غرفتنا المشتركة في سكن الأكاديمية.
كل ما كنتُ أتمناه في تلك اللحظة هو شيء واحد فقط… السرير.
ألقيت الحقيبة على الكرسي، وحللتُ ربطة شعري، ثم بدّلت ملابسي على عجل، وألقيت بجسدي فوق الفراش كأنني جثة قررت مغادرة هذا العالم.
كانت ماريس ترتّب كتبها على المكتب، بينما ليانا تفتّش في خزانتها، وأنا نصف عقلي كان قد بدأ النوم بالفعل.
لم تمضِ دقائق حتى شعرتُ بيد تهزّ كتفي برفق.
فتحت عيني بصعوبة لأجد ليانا واقفة بجانبي، وجهها قريب جدًا وعيناها تلمعان بفضول غريب.
“هيه… لدي سؤال مهم.”
اجبتها بصوت مبحوح من النعاس
“ليس الآن… اتركيه للصباح.”
“إنه سؤال بسيط… هل أستاذك ثاليوس متزوج أو لديه حبيبة؟”
حدّقتُ بها بضع ثوانٍ، وأنا أحاول أن أستوعب أنني استُيقظتُ من نومي لأُجيب على هذا السؤال.
“وما أدراني أنا؟! هو لم يكتب تاريخه العاطفي على جبينه!”
“لكنّك أقرب شخص إليه، ربما أخبرك.”
“أقربني إلى الأرجوحة، لا إلى قلبه!”
ارتفع صوت ضحك ماريس من سريرها وهي تُخفي فمها بالبطانية.
“لكن، لو فكّرنا قليلًا… إنه وسيم، قوي، وساحر… لماذا لا يملك حبيبة؟”
“ربما لأنه مشغول بالنوم والكسل.”
“أو ربما لأنه ينتظر الشخص المناسب…” وتغمز نحوي بإثارة للغيظ.
أدرت وجهي جانبًا محاوِلة العودة إلى النوم، لكن ليانا لم تكن مستعدة لترك الأمر.
“حسنًا… اسأليه غدًا حين تذهبين للتدريب عنده، من أجل الفضول العلمي طبعًا.”
“فضول علمي عن حياته العاطفية؟!”
“بالضبط.”
“مستحيل.”
“إذًا، إذا لم تسأليه… فسأذهب معك وأسأله بنفسي.”
غطّيت رأسي بالبطانية، وصرخت بصوت مكتوم
“يااا إلهي… خلّصني من هذا العذاب!”
لكن في أعماقي كنت أعلم… أن الغد لن يمرّ بهدوء، وأن ليانا ستجد طريقة ما لتُخرج هذا السؤال أمامه.
في صباح اليوم التالي، خرجتُ من السكن بنشاط… أو على الأقل بشيء يشبه النشاط لو أغمضتِ عينيكِ وتجاهلتِ وجهي النصف نائم.
كانت خطتي بسيطة: أتظاهر بأن ما حدث البارحة لم يكن سوى كابوس، وأذهب لحضور فصولي المدرسية بهدوء، متناسية تمامًا أسئلة ليانا السخيفة.
وبالفعل، كنتُ قد قطعت نصف الطريق إلى القاعة، والنسيم الصباحي يداعب شعري، وبدأتُ أستعيد بعض الأمل في أن يومي قد يكون طبيعيًا… حتى سمعت صوتًا مألوفًا يناديني من الخلف.
ليانا
“انتظري! نسيتِ شيئًا مهمًا!”
توقفتُ ببطء، وأدرت رأسي نحوها بحذر، كمن يعرف تمامًا أنه يقترب من فخّ مفتوح.
اقتربت مني وهي تبتسم بابتسامة المنتصر، ثم همست وكأنها تكشف سرًّا عظيمًا
“لا تنسي أن تسألي الأستاذثاليوس عن… أنتِ تعلمين ماذا.”
في تلك اللحظة، شعرت وكأن جميع الطيور التي كانت تغرّد حولي قد ماتت فجأة، والنسيم اللطيف تحوّل إلى صفعة باردة على وجهي.
رفعت يدي إلى جبيني وتنهدت تنهيدة ثقيلة، وقلت بمرارة:
“لماذا أعيش؟ لماذا أتنفس؟ ما جدوى وجودي على هذه الأرض؟”
ضحكت ليانا وكأنها ترى مسرحية مضحكة، بينما أنا كنتُ ألعن في داخلي اليوم الذي قبلت فيه فكرة أن يكون لدي أستاذ شخصي لتعلّم السحر.
لو كنت أعلم أن الأمر سينتهي بساحر كسول، مستفز، ومثير للمتاعب… لكنت وقّعت طلب استقالة من الأكاديمية قبل أن يبدأ الفصل الدراسي!
ومع ذلك، تابعت طريقي، وأنا أحاول أن أقنع نفسي بأنني ربما، وربما فقط، أجد طريقة للهروب من هذا السؤال اليوم… رغم أن إحساسي الداخلي كان يقول إنني عالقة في مصيدة لا مفرّ منها.
قضيتُ ما تبقى من الصباح في محاولة يائسة للتركيز على الدروس، لكن ليانا… آه يا ليانا!
يبدو أن هدفها في الحياة اليوم هو التأكد من أنني لن أعيش دقيقة واحدة من السلام النفسي.
في كل فصل، كانت تلتفت نحوي، تهمس باسمي وكأنها على وشك إخباري بسر خطير، ثم تعيد نفس الجملة:
“لا تنسي… اسأليه!”
في البداية، حاولت أن أتجاهلها، أشيح بنظري نحو السبورة وكأنني في عالم آخر. لكن فجأة، وجدت ورقة صغيرة على مكتبي، كتبت عليها بخط كبير
“اسأليه الآن!”.
رمقتها بنظرة حادة، لكن يبدو أنها كانت محصّنة ضد القتل بالعيون.
في الفصل التالي، قررت أن أجلس بعيدًا عنها… تخيلي ماذا فعلت؟ جاءت وجلست بجانبي وكأنها قطعة علكة التصقت بحذائي!
ابتسمت بابتسامة بريئة
“أنتِ تعلمين، إن الانتظار قد يجعل الأمر أصعب. لمَ لا تسألينه وننتهي؟”
أجلتها بهمس غاضب “لأنني لا أريد أن أنتهي في السجن بتهمة قتل أستاذي!”
حتى أثناء الاستراحة، لم تتركني أتناول لقمة واحدة براحة. كلما رفعت الشوكة إلى فمي، كانت تقول
“تخيّلي لو قال إنه معجب بك؟” أو “ماذا لو كان متزوجًا سرًّا؟”.
شعرت أن عقلي بدأ يذوب ببطء… وبدأت أطرح على نفسي سؤالًا جادًا
هل السحر في هذه الأكاديمية يشمل تعاويذ إسكات الأشخاص المزعجين؟ لأنني حقًا بحاجة إليها، وبسرعة.
حين دقّت ساعة التدريب، شعرت بمعدتي تنقلب رأسًا على عقب. كنت أتمنى أن تصيبني الحُمّى، أو أن تسقط السماء على الأكاديمية، أو أي مصيبة كونية تعفيني من مواجهة ذلك الساحر الكسول.
لكن يبدو أن القدر كان يضحك عليّ اليوم.
دخلت ساحة التدريب، وها هو يجلس هناك… على كرسيه المعتاد، يتأرجح بخفة، وكأن العالم كله مجرّد مسرح وهو الممثل الوحيد فيه.
وقبل أن أجد لنفسي مخرجًا، ظهرت ليانا بجانبي فجأة، وعيناها تتلألآن بمكر:
“هذه فرصتك! سليه الآن!”
حاولت تجاهلها، لكن فجأة، رأيت يدها ترتفع… كانت على وشك أن تفتح فمها وتنطق بالسؤال بنفسها أمامه!
ارتعبتُ وانقضضت عليها كالمحارب، أمسكت بيدها بقوة وجررتها للخلف.
“هل تريدين أن تدمّري حياتي؟!”
ابتسمت إبتسامة بريئة
“بل أريد أن أُنقذها.”
تنفست بعمق، نظرت نحو الساحر الذي كان يرمقنا بكسل واضح، وكأنه يعرف تمامًا أننا نتشاجر بشأنه ويستمتع بالمشهد.
في تلك اللحظة، شعرت بالهزيمة… لا مفرّ.
اقتربت منه بخطوات ثقيلة، وكأنني أزحف نحو ساحة إعدام.
وقف حاجبًا أحد حاجبيه، وصوت الابتسامة الخبيثة يتسرّب من شفتيه
“وأخيرًا… هل جئتِ لتتعلمي السحر، أم لتسأليني سؤالاً غامضًا؟”
تجمدت الكلمات في حلقي، بينما كانت ليانا تراقبنا من بعيد وهي تلوّح بقبضتها في الهواء مشجعة.
يا إلهي… ما الذي ورطتُ نفسي فيه؟
تقدّمت نحو الساحر بخطوتين فقط، ثم توقفت فجأة، كأنني اصطدمت بجدار من الكرامة.
استدرت عائدة نحو ليانا، التي كانت واقفة هناك وابتسامتها تمتد من أذن لأخرى.
أنا “لن أسأله أمامك… أبداً.”
رفعت حاجبها بإستهزاء “إذن، لن أذهب من هنا.”
“فلتبقي! لن يهمني.”
“تراهنين؟”
وقفت أمامي، ذراعاها متشابكتان، ملامحها مليئة بالتحدي، وكأنها تقول: لن تربحي هذه المعركة.
ظللنا نتبادل النظرات لثوانٍ طويلة، حتى شعرت أن رأسي سيشتعل من الغضب.
وفي النهاية، ومع تنهيدة استسلام مدوية، قلت بصوت متحشرج:
“حسناً… لكن بعدها تختفين من هنا، مفهوم؟”
“مفهوم تماماً.”
أدرت وجهي ببطء نحو للأستاذ الذي كان يتابع الموقف منذ البداية، وكأنه يشاهد عرضاً مسلياً في المسرح. كان على شفتيه ذلك الابتسامة المائلة التي تثير أعصابي، وعيناه تقولان بوضوح: كنت أعلم أن النهاية ستكون هكذا.
تقدّمت نحوه ببطء، أحسست وكأن خطواتي تُحدث ضجيجاً في رأسي وحدي. وقفت أمامه ووضعت يدي على خصري، أحاول أن أبدو واثقة، بينما ليانا تراقبنا من الخلف بكل حماس وكأنها على وشك التصفيق.
“أريد أن أسألك… هل أنت… متزوج؟ أو… لديك حبيبة؟”
رفع حاجبيه بدهشة مفتعلة، ثم انحنى قليلاً نحوي وكأنني أخبرته بسر عظيم.
“وهل أنتِ… مهتمة بالأمر؟”
“لا، أبداً! الأمر فقط-“
“إذن لماذا السؤال؟”
تلعثمت للحظة، فابتسم ابتسامة جانبية، ثم التفت نحو ليانا التي كانت تبتسم ابتسامة أوسع من السماء نفسها.
“أتعلمين يا آنسة ليانا… لو كانت كل طالباتي مثل صديقتك، لكنتُ قد وقعت في الحب منذ زمن.”
أحسست بالدماء تتدفق إلى وجهي فوراً، لكن ليس من خجل، بل من الغضب
“هل تظن أن هذا مضحك؟”
“بل أظنه… ظريفاً. وأظن أنكِ تُبدين أجمل بكثير وأنتِ غاضبة.”
رمقته بنظرة حادة كأنها ستحرقه، بينما سمعت ضحكة مكتومة من ليانا خلفي.
مددت يدي لأشير له بأن يتوقف، لكنه رفع يده قبلي، وأشار لي بهدوء وكأنه يقول: الدرس انتهى، يا آنسة الفضول.
ارتفع صوت لينا فجأة في ساحة التدريب: “آآآآه! ااااا!”
قفزت من مكانها واندفعت راكضة وكأنها في مهمة لإنقاذ العالم، أو ربما لتدميره، لم أكن متأكدة.
أصابتني قشعريرة من الفزع، فتركت كل ما بيدي وركضت خلفها صارخة
“ليانا! توقفي! لا تفعلي شيئاً متهوّراً!”
كانت تركض بسرعة تجعل اللحاق بها شبه مستحيل، وأنا ألهث خلفها محاوِلة الإمساك بها قبل أن تتسبب في فضيحة.
لكن… قبل أن أقطع نصف المسافة، شعرت بشيء يوقفني فجأة.
التفتّ لأجد يداً تمسك بذراعي بثبات. رفعت بصري، فرأيت وجه أستاذي… ذاك الساحر الكسول، بابتسامته المستفزة التي لا تفارق محياه.
سألني بنبرة هادئة وكأنه يوقف قطة مشاغبة
“إلى أين تعتقدين أنك ذاهبة؟”
أجبته بغضب
“إلى صديقتي! إن لم أوقفها، ستحوّل الأمر إلى كارثة!”
أمال رأسه قليلًا، وكأنه يستمتع برؤيتي أتصارع بين الغضب والذعر،
“كارثة أو لا… هذا لا يهم الآن. الدرس بدأ.”
“درس؟! في هذا الوقت؟!”
ابتسم أكثر، ثم ترك ذراعي بعد أن لوّح بيده إشارة لأن أتبعَه.
“اليوم… سنُدرّس درسا مسليا اليوم لذا لا تقلقي فهو يناسب الجو اللطيف، أليس كذلك؟”
حدّقت فيه بصدمة، بينما قلبي يصرخ: ليس الجو اللطيف ما يقلقني… بل أنني سأُدفن اجتماعياً قبل غروب الشمس!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"