بناءُ تمثالٍ لرايلي فولكس في عاصمة الإمبراطوريّة كان بعد مرور عامين على وفاتها.
تكفّلَ سيريوس، السيّد السابق لبرج السّحر، بكامل نفقات إنشائه، كما تبرّع شيوخُ البرج بمبلغٍ كبيرٍ للدّولة من أجل توسيع الحديقة التي سيُقام فيها التمثال.
وانضمّ سَحَرةٌ آخرون إلى هذه المبادرة، حيث قدّموا معوناتٍ للمتضرّرين من قِبَلِ كونت فولكس، بينما تطوّع السحرةُ الصغارُ لإصلاح التضاريس التي دمّرها القتالُ معه.
تدفّقت عباراتُ المديح لبرج السّحر من كلّ مكان، من النبلاء حتّى أصغر أطفال العامّة، وكَثُرَ من عبّروا عن رغبتهم في أن يُصبحوا سَحَرةً.
غطّت الأخبارُ المفعمةُ بالأمل التي كانت تتوالى يومًا بعد يوم على القلق من ملك الشياطين، وقلّلت من حدّة التمييز ضدّ ذوي الشعر الأحمر.
“طالما أنّ برج السّحر موجود، فالأرض آمنة.”
هكذا قال الجميع بصوتٍ واحد.
في حفل إزاحة الستار عن تمثال رايلي فولكس، احتشد عددٌ كبير من الناس.
كان إيريون وفيليون من بين الحاضرين وسط الحشود.
مسحَت إيريون دموعها وهي تُحدّق بالتمثال.
“سيّدة رايلي…”
لقد تداخلت صورة رايلي المنعزلة والوَحيدة في برج السّحر طوال تلك السنين مع صورة التمثال أمامه.
لكن من الآن فصاعدًا، سيكون هناك الكثير مِمّن يتذكّرها. شعرت إيريون بعزاءٍ عميقٍ في هذه الحقيقة، ومسحت دموعها.
في تلك اللحظة، نقرَ فيليون بلسانه بصوتٍ منخفض.
“مُعلمي؟ ما بال تعبير وجهك هكذا؟”
سألته إيريون وهي تشهق بخفوت، فكرّر فيليون النقر بلسانه.
منذ بداية الحفل، بدا وجهه غير راضٍ على الإطلاق.
كان مكتوف الذراعين، عابس الحاجبين، محدّقًا في التمثال دون أن يشيح بصره.
كانت هذه الهيئة غريبةً لدرجة أن بعض روّاد الطاولات الأخرى في المقهى نظروا إليه بامتعاضٍ، لكنه لم يُغيّر وضعيّته رغم ذلك.
“لا أظن أنّ رايلي كانت ستُحبّ هذا.”
“…..”
“ستشعرُ بإحراجٍ شديد. وستقول: لماذا كلّ هذا؟”
تمتمَ فيليون بنبرة تذمّر وهو يرفع كأس الماء البارد إلى فمه.
“ولو رأت هذا القدر من المال، لقالت أعطوه لي بدلًا من ذلك.”
وعندما قال هذا، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باهتة كأنّه يسترجع ذكرى ما.
قالت إيريون بنبرةٍ ثقيلة.
“مُعلمي، لقد مرّ عامان.”
“وماذا في ذلك؟”
“لم نعثر على أيِّ شيءٍ طوال العامين.”
لكنها لم تستطع أن تُكمل جملتها بـ ‘ولم تعُدْ أيضًا’، لأنَّ بريق عيني فيليون الذي كان قد لان قليلًا عاد فجأةً إلى البرود.
وضع فيليون كأس الماء على الطاولة بصوتٍ حاد.
“الشيطان الذي رأيتهِ كان وهمًا.”
كانت نبرة صوته حاسمةً للغاية، كما كانت دائمًا في كلّ ما يتعلّق بهذا الأمر خلال العامين الماضيين.
“ذلك المكان لم تجتمع فيه أيُّ وحوش.”
“لكنّكَ سمعتَ ما قاله سيّد البرج، ليسَ كلّ مكانٍ يموت فيه شيطان تجتمع فيه الوحوش!”
“تقولين إنكِ رأيتِ أكثر من ثلاثين، ومع ذلك لم يأتِ أيُّ وحش؟ هل هذا منطقي؟”
أمسكَت إيريون ركبتيها بقوّة.
“… من الممكن أنَّ السيّدة رايلي لم تتمكّن من التخلّص من أيِّ شيطان.”
ابتسم فيليون بسخريةٍ كأنَّ الردّ على هذا لا يستحق العناء.
لكن إيريون واصلت الكلام.
“حتى مختبرها… كان فوضويًّا. لم يكن هناك أيُّ شعورٍ بأنّها كانت تتظاهر بالموت. لم تبدُ كشخصٍ يستعدّ لرحيلٍ أبدي…”
“…..”
“مُعلمي، أنا أتفهّم مشاعرك، لكن عليكَ أن تدع السيّدة رايلي ترحل… إلى أين أنتَ ذاهب؟!”
“لستُ متفرّغًا للاستماع إلى ترّهاتكِ.”
أجاب فيليون ببرودٍ وهو ينهض من مكانه، وصعد أحد أفراد العائلة الإمبراطوريّة إلى المنصّة في تلك اللحظة.
دوّى صوتٌ معزَّزٌ بأداةٍ سحريّة في أرجاء الساحة، وكانت الخُطبة التي تشرح مراحلّ. بناء التمثال تتخلّلها كلماتُ رثاءٍ تزيدها وَقعًا ثقيلًا.
“… لن ننسى ما قدّمته من تضحياتٍ من أجل البشريّة، وسندعو دائمًا أن تنعم بالسّلام في أحضان الحاكم.”
قطّب فيليون حاجبيه وهو يلتفت نحو إيريون.
“لا تدعوني إلى مثل هذه الأماكن ثانيةً.”
غادر الساحة بخطواتٍ حاسمة.
ومنذ ذلك الحين، لم يزُر التمثال ولو مرّة واحدة.
***
عند عودته إلى برج السّحر، توجّه فيليون مباشرةً نحو مختبر رايلي، كما اعتاد دائمًا.
بعد أن دمّرت عائلة كونت فولكس بالكامل، لم يتبقَّ لها ما يمكن أن يُسمّى ‘منزلًا’ سوى هذا المكان.
إذن، إن عادت، فلن تعود إلّا إليه.
‘ماتت؟ هراء.’
كان فيليون يعرف عزيمتها العنيدة أكثر من أيِّ شخصٍ آخر.
منذ أن كانت في الخامسة عشرة حتّى العشرين، كانت تخسر أمامه دائمًا، ومع ذلك لم تتخلَّ عن المحاولة.
‘هي حتمًا على قيد الحياة.’
عدم عودتها الآن إمّا لأنّها لم تسمع بعد عن موت كونت فولكس، أو لأنّها سمعت أنّ كونت ديلاريك ينوي قتلها أيضًا، أو…
‘وربّما هناك سببٌ آخر.’
لكن فيليون كان واثقًا بأنّه سيعثر عليها.
‘كم تُحبّ السحر…’
وبما أنّها تعيش كـ ساحرة، فسوف تتواصل عاجلًا أو آجلًا مع برج السّحر. كان بحثه عنها يتركّز على ذلك ‘الاتصال’ المحتوم.
‘سألقاها مرةً واحدة على الأقل. مرةً واحدة.’
وقد أعدّ ما سيقوله حين يلقاها.
سيسألها لماذا رحلت من دوّن كلمة، وأيِّ شيءٍ سمعته أو دفعكِ لاتخاذ هذا القرار.
وسيعرض عليها التمثال الذي أُزيح عنه الستار اليوم، ويقول لها إنَّ هذه نتيجة أكاذيبها، ويُغضبها وهو يقف بجانبها.
وسيخبرها أنٍّ إيريون بكت واشتاقت إليها كثيرًا بسببها.
وأيضًا، وأيضًا أنا…
لكنّه توقّف فجأةً أمام مشهدٍ لم يكن يتوقّعه.
كان الخدم يروحون ويجيئون على عجلٍ في مختبر رايلي.
“ما الذي تفعلونه الآن؟”
توقّفت أياديهم فجأةً مع وقع كلماته.
فالجو الهادئ جعل صوته مسموعًا بوضوح، إضافةً إلى أنَّ الجميع كان يتوقّع ظهوره.
فلا أحد في البرج يجهل أنَّ فيليون كان يزور مختبر رايلي يوميًّا طيلة العامين الماضيين.
تبادل الخدم نظراتٍ مرتعشة، ثمّ قال أحدهم بشجاعة:
“لقد… وصل أمرٌ بإخلاء المختبر.”
“مَن؟”
“أنا مَن أمر.”
جاء الصوت من خلفه، فالتفت فيليون.
كان شيخٌ قصيرٌ يصل طوله إلى كتفه، متّكئًا على عصا مرصّعة بحجرٍ سحري، واقفًا هناك.
إنّه الساحر إيرنكيل، الذي أمضى زمنًا طويلًا في تعليم المتدرّبين، ثمّ صعد فجأة إلى منصب شيخ.
‘وهو نفسه الأستاذ الذي تلقّى مالًا من بريجيت للتلاعب بالدرجات.’
تذكّر فيليون أنّ دوق ريفان لا يزال يفتخر أمام الجميع بتلك النتيجة التي حصلت عليها بريجيت، وأنَّ علاقتهما أصبحت وثيقةً منذ ذلك الحين.
نظر فيليون إلى إيرنكيل بعينين مليئتين بالعداء.
“ما السبب؟”
“كما تعلم، سمعة البرج حاليًّا في أوجها. وسيدخله المزيد من السحرة.”
“…..”
“ليس المتدرّبون فحسب، بل أيضًا الموهوبون مِن خارج الإمبراطوريّة، ومن القارة الشرقية. أردتُ توفير مكانٍ لهم مسبقًا.”
“ولأجل مَن سيأتون من الخارج، تريدون انتزاع أماكن مَن هم هنا أصلًا؟”
“لا أنوي انتزاع المختبر بالقوة.”
قالها إيرنكيل وهو ينظر في عينيه مباشرة.
“لكن رايلي فولكس ماتت بالفعل.”
“…..”
“لذلك، فهذا المختبر بلا مالكٍ الآن.”
كانت نبرة كلامه توحي بأنَّ الأمر واضحٌ ولا يحتاج لشرح.
ردّ فيليون فورًا:
“هي لم تمت.”
“ماذا؟”
“ستعود قريبًا.”
“مَن؟ رايلي فولكس؟”
قطّب إيرنكيل حاجبيه كأنّه يسمع كلامًا غير معقول.
“هراء.”
“إن كانت المسألة مالًا، فسأدفع ما تريد. كم تريد؟”
“أتظن أنَّ الأمر يتعلّق بالمال؟”
“أنت تحبّ المال، أليس كذلك؟ لهذا سأعطيك.”
قال فيليون بسخرية.
“لقد أنفقتَ كثيرًا منذ أن صرتَ شيخًا العام الماضي، أليس كذلك؟ أم أنّ المال ما زال فائضًا لديك؟ يبدو أنَّ بريجيت أعطتك كثيرًا. فـ الدوق ريفان ليس من النوع الذي يبخل في مثل هذه الأمور.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات