في صباح اليوم التالي، جرت الأمور تمامًا كما توقّعتُ.
استيقظَ فيليون بعد نومٍ دام خمس ساعاتٍ فقط، تمامًا كما قال، وأنا أيضًا تمكّنتُ من الاستيقاظ في وقتٍ قريبٍ منه.
عندما رأتنا صاحبة النُّزل نهمُّ بالرحيل في وقتٍ مبكّرٍ هكذا، اقترحت علينا أن ننتظر حتى يُضيء النهار بالكامل، لكنّها في النهاية أومأت برأسها موافِقةً بعدما كذبتُ عليها قائلةً إنَّ شقيقي المريض ينتظرني في المنزل ويجب أن أسرع بالعودة.
غادرنا المدينة وواصلنا امتطاء الخيول دون توقّف.
كنّا نأخذ استراحاتٍ قصيرة بين الحين والآخر، ثمّ ما إن تستعيد الخيول بعضًا من عافيتها، ننطلق من جديد.
بفضل ذلك، وصلنا إلى المدينة التالية أبكر مِمّا توقّعنا، لكنّنا لم ندخلها. بل استرحنا قليلًا في منطقةٍ نائية لا يمرّ بها أحد، ثمّ تابعنا السير على الفور.
كان الوقت قد تجاوز المساء بكثير حين اكتشفنا قريةً صغيرةً لم تكن مذكورةً حتى على الخريطة التي يحملها هاربر.
رغم صغرها، إلّا أنَّ فيها نُزُلًا، ولحُسن الحظ لم يكن خاليًا من الزوّار، فاستطعنا استئجار غرفةٍ فيه.
“ربّما في هذه اللحظة يكونون قد انطلقوا أيضًا.”
“أجل، على الأرجح سيتوزّعون في عدّة اتجاهات.”
ومن المؤكّد أنّهم سيتحرّكون أسرع منّا.
فهو وليّ العهد، ومن الطبيعي أن يكون هناك شخصٌ واحدٌ على الأقلّ في كلّ إقليمٍ يقدّم له المساعدة. يمكنه تبديل الخيول بسهولة. بل وربّما يحصل على دعمٍ عسكريٍّ أيضًا من بعض النبلاء أثناء طلبه للتعاون.
‘يجب أن أكون أكثر حذرًا مع كلّ شخصٍ نقابله من الآن فصاعدًا.’
خلعتُ معطفي بينما كنتُ أفكّر في اسمٍ مستعارٍ جديد أستخدمه.
“فكّرتُ في الأمر، وأظنّ من الأفضل أن نتّجه مباشرةً إلى الميناء. إن حافظنا على نفس السرعة التي سرنا بها اليوم، فسنصل خلال أسبوع.”
ثمّ تمدّدتُ على السرير بلا تفكير.
“آه، يا إلهي…”
كان فيليون يخلع معطفه أيضًا حين التفت إليّ وقد فزع.
نظرتُ إليه بعينين حزينتين وقلت:
“……لا أظنّ أنّني قادرةٌ على النهوض.”
زفرَ تنهيدةَ ارتياحٍ طويلة.
“ظننتُ أنَّ الأمر خطير.”
“لكنّه مهمٌّ فعلًا…… ماذا لو كنتُ بهذا الإرهاق أيضًا غدًا؟”
خرج صوتي ضعيفًا وواهِنًا.
لم يسبق لي أن ركبتُ الخيل بهذه القسوة طوال يومٍ كاملٍ من قبل.
حين غادرتُ برج السّحر، استخدمتُ الخيل فعلًا، لكنّني في كلّ مرّة أصل إلى مدينةٍ أخرى، أرتدي شعرًا مستعارًا وأندمج بين الناس على الفور.
لم أظنّ يومًا أنّ لياقتي البدنيّة سيّئة، ومع ذلك، كنتُ أشعر وكأنَّ جسدي يستهلك طاقته بمعدّلٍ مضاعف عند ركوب الخيل مقارنةً بأيّ شيءٍ آخر.
جسدي كلّه كان يؤلمني وكأنّه تعرّض للضرب. لكنّ أكثر ما آلمني هو ظهري…….
“نامي الآن أولًا.”
“……هل هذا ممكن؟”
ابتسم بدلًا من الإجابة، وسحب الغطاء ليغطّيني.
شعرتُ بالحرج لإظهاري هذا الجانب الضّعيف، لكن جسدي كان مرهقًا لدرجة أنّني لم أعد أملك رفاهيّة القلق حيال ذلك.
“إذا نِمتُ طويلًا، تأكّد من إيقاظي، حسنًا؟”
وسرعان ما غفوتُ.
أغمضتُ عينيّ، وما إن فتحتهما حتّى مرّت عدّة ساعات.
عندما استيقظتُ، شعرتُ بتحسّنٍ ملحوظ. ولم يبدو أنّني نِمتُ طويلًا. فالسماء كانت لا تزال مظلمة، وكان الوقت قريبًا من الفجر.
لكنّني، بمجرّد أن رأيتُ فيليون جالسًا عند النافذة يراقب الخارج…
“استيقظتِ؟”
شعرتُ بذنبٍ خانق.
……مع أنّ وليّ العهد يطاردني وحدي.
“ما زال بإمكانكِ النوم أكثر.”
“لا، لا يجوز أن أنام أكثر من هذا.”
“ولِمَ لا؟”
“ضميري لا يسمح، يا هذا.”
سحبتُ فيليون إلى السّرير رغم رفضه. قاوم قليلًا، لكنّه سرعان ما غطّ في النوم.
حينها فقط، فكّرتُ أنّه عليّ استغلال الوقت للقيام ببعض المهام أثناء نومه… وفتحتُ الحقيبة.
‘ما هذا؟ لماذا كلّ شيءٍ جاهز بالفعل؟’
صحيح أنّنا نِمنا هذه الليلة في نُزُل، لكنّني كنتُ مستعدّةً لاحتمال أن نضطرّ للتخييم في البرّ لاحقًا.
ولتحقيق نومٍ مريحٍ في العراء، نحتاج إلى بعض الاستعدادات. وكنتُ أنوي تجهيزها أثناء نوم فيليون.
لكنّ الحقيبة كانت مليئةً بكلّ ما نحتاجه بالفعل.
بل وكانت هناك ملابسٌ جديدة بجانبها، لم أرها من قبل.
ربّما اشتراها من أحد سكّان القرية، تحسّبًا لاحتمال أن يلاحقنا التتبّعيّون اعتمادًا على مظهرنا.
‘كنتُ أنوي القيام بكلّ هذا بنفسي……’
تفقّدتُ المحتويات مرّةً أخرى بدقّة، ولم أجد أيّ عملٍ يمكنني القيام به سوى طلب وجبة الفطور.
ورغم أنّ النُّزُل كان رخيصًا ووجبته بسيطة، لم يُبدِ فيليون أيّ تذمّر.
“إنّها لذيذة.”
“……الطعام دائمًا ما يكون لذيذًا عندما تكون مرهقًا.”
“حقًّا؟ لا أظنّ ذلك.”
ربّما التعب أثّر على ذوقه فعلًا.
‘إنّك تعاني كثيرًا بسببي، أليس كذلك؟’
ازداد شعوري بالذنب.
أقسمتُ على أن أُتيح له الراحة أولًا غدًا.
لكن في اليوم التالي، يوم الهروب الثالث…
“آه، ظهري يؤلمني…….”
“هل أنتِ بخير؟”
“سـ…سأعتاد…… على هذا…….”
كانت تعني أنّها ليست بخير إطلاقًا.
لو أردتُ أن أكون دراميّة قليلًا، لقلتُ إنّ الألم كاد يُبكيني.
“فيليون، أنا آسفة حقًّا، لكن……”
“لا بأس.”
كنتُ حقًّا آسفة، همستُ مرّةً أخرى، لكنّه على الأرجح لم يسمعني، إذ كان نصف وجهي مدفونًا في الوسادة.
“ارتاحي تمامًا. اتركي كلّ شيءٍ لي.”
“أنا آسفةٌ فعلًا……”
غفوتُ تحت وطأة الإرهاق، دون أن أنتبه إلى أنّ فيليون قد غادر الغرفة بعد ذلك بقليل.
***
بينما كان يمشي، فكّر فيليون بها.
-“أنا آسفة حقًّا، فيليون.”
صوتها المُخمليّ وهي تغرق في النوم، عيناها بالكاد تفتحان.
رغم أنّه ابتسم بلا وعيٍّ عدّة مرّات وهو يراها، لم تغضب ريكس أو تسئ الفهم.
بل واصلت الاعتذار: آسفة. أعدكِ أنّني لن أكون هكذا غدًا.
‘في الواقع، لا داعي لأن تعتذر أصلًا.’
صحيح أنَّ ريكس كانت تُنهك نفسها يومًا بعد يوم، لكنّ فيليون لم يكن يشعر بأيِّ إرهاقٍ جسدي على الإطلاق.
رغم ذلك، لم يُفكّر يومًا في إخبارها بالحقيقة.
بالنسبة لريكس، رفيق السفر المُتعَب أهمّ بكثير من رفيقٍ قويّ لا يتأثّر بشيء.
لا بأس إن رأتني ضعيفًا. لم أعد أفهم لِمَ كنتُ أنزعج من كلمة ‘مُثير للشفقة’ من قبل.
ريكس إيميل لا تستطيع أبدًا ترك مَن تراهم مُثيرين للشفقة. خصوصًا إن كانوا يبذلون جهدًا ويُحاولون.
لهذا لم يرفض عرضها.
أحبّ أن يراها وهي تقلق عليه أثناء نومه.
بل وكان يتمنّى أن يصل المطارِدون بسرعةٍ أثناء تمثيله للنوم.
لأنّ…
“فـ…في… فيلي؟”
نظر فيليون إلى الرّجل المُلقى عند قدميه.
“داميان.”
كان وجه داميان يُظهر أنّه لم يُدرِك بعد ما يجري.
وكان ذلك طبيعيًّا. فقد أغمي عليه مباشرةً بعد نزوله من الحصان في هذه القرية.
وعندما أفاق، وجد نفسه في هذا المخزن القديم.
لم يكن هناك أيٌّ مِن رفاقه، ولا أحد سوى رجلٍ واحدٍ بعيونٍ باردة.
“أرجوك، دعني أعيش!”
تعلّق داميان بساق فيليون.
“سـ…سأخبرك بكلّ ما أعرفه! أرجوك فقط لا تقتلني! أ…أنت بحاجةٍ إلى المعلومات، أليس كذلك؟ أليس كذلك؟”
“معلومات، هاه. برأيك، ما نوع المعلومات التي قد أرغبُ بها؟”
“صـ…صاحب السموّ وليّ العهد الآن……”
“من المؤكّد أنّه استمع لتقرير إيان. أعلم.”
تابع فيليون كلامه بصوتٍ رتيب:
“براستون توجّه جنوبًا، وهاربر إلى الشمال. أمّا إلى الشرق، فأتيتَ أنت ومعك تسعة أشخاص. توزّعتُم على مجموعاتٍ من أربعة، وتستجوبون الناس في كلّ مدينة.”
“…….”
“قال إيان أيضًا إنّ الدوق إيفرين أرسل قوّاته الخاصّة. وإنّ وليّ العهد بعث برسائلٍّ إلى النبلاء يطلب فيها الدعم العسكري. والتهمة؟ سرقة. يدّعي أنَّ ريكس سرقت القلادة التي تلقّاها من الإمبراطورة.”
ضحك باستهزاءٍ في نهايته.
“تلكَ القلادة التي لم نرها في حياتنا أصلًا.”
تجمّد داميان مع انهمار كلّ هذه المعلومات المفصّلة.
ثمّ، تذكّر أنّه بقي مُغمًى عليه وقتًا طويلًا.
خلال هذا الوقت، يبدو أنّ فيليون استجوب أحدهم…
“ماذا فعلتَ بـ ليون؟”
“ما زال حيًّا. قلتُ له إنّه يحتاج لبعض الوقت للتفكير، فتركته.”
قد يشعر ببعض البرد لأنّه ليس في المخزن، لكنّني أظنّه منشغلًا بالتفكير لدرجةٍ لا تجعله يشعر بالبرد.
لم يكن لديّ ما يكفي من الطاقة السحرية لحبسه بسحر، لكنّي واثقٌ من أنّه لم يهرب.
فثمّة طرقٌ كثيرة لجعل المرء غير قادرٍ على الهرب دون استخدام السحر.
“لهذا، لن أستمع إلى ما تقوله. ثمّ، لم تكن تنوي إعطائي معلوماتٍ صحيحة من البداية، أليس كذلك؟”
“…….”
“من بينكم جميعًا، أنت أكثر من يخلص لوليّ العهد.”
معظم أعضاء الفرقة كانوا موالين لوليّ العهد، لكن داميان كان الأكثر إخلاصًا.
لقد كان يُكنّ احترامًا وإعجابًا حقيقيًّا له، ويقدّس العائلة الإمبراطوريّة، ويُحبّ الإمبراطوريّة بصدق.
في البداية، تساءل فيليون: لِمَ يأخذون معهم شخصًا ساذجًا هكذا؟ لكن مع مرور الوقت، أدرك السبب.
داميان كان نقيًّا.
ولذلك، كان أقدرهم على الالتزام بشعار ‘من أجل الإمبراطوريّة’، وعلى التضحية من أجله.
ربّما حتى الآن، لا يلوم وليّ العهد ولو بنسبةٍ ضئيلة.
“داميان.”
جثا فيليون على ركبتيه لينظر في عينيه مباشرةً.
“إن كنتَ تُريد النجاة، فتخلَّ عن مطاردتنا.”
نظر داميان إلى يدي فيليون وهو يرتجف.
يداه كانتا خاليتين. لكنّه كان يعلم أنّ فيليون يستطيع قتله في طرفة عين إن أراد.
دون أيّ شك.
قال فيليون بعينين متجمّدتين:
“آسف، لكن ليس لديك الكثير من الوقت. حديثي مع ليون طال أكثر مِمّا توقّعت. قرّر الآن، في هذه اللحظة. هل ستتخلّى عن مطاردتنا؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 59"