كان واقفًا هناك وحده في وسط الغابة الكثيفة، يُحدّق نحوي في صمت.
كان شكله يُذكّرني بكلبٍ تخلّى عنه صاحبه. حتى أنّي شعرتُ أنّي أرى ذيله المتدلّي باكتئاب.
مع أنّه لا يُمكن لمخلوقٍ بهذا الحجم أن يمتلك ذيلًا مثل ذلك…
“ريكس.”
تابعتُ التنفّس بزفراتٍ ثقيلة.
ما العمل؟ ماذا يُمكنني أن أفعل؟ مهما فكّرتُ بجهد، لم أجد إجابة.
وفجأة، وبينما أطلقتُ تنهيدة لا أعرف كم مرّةً تكرّرت…
“أغغ…”
جسد براستون، الذي كان مُلقى تحت الشجرة، ارتجف قليلاً.
رغم أنّه لم يُحرّك سِوى ذلك، وعيناه بقيتا مغلقتَين، لكنّي أنا وفيليون كنّا نعلم أنّه على وشك الاستيقاظ.
بعد صمتٍ قصير، خطا فيليون خطواتٍ واسعة نحو براستون.
لاحقتهُ بسرعةٍ وأمسكتُ به.
“ماذا… ماذا تنوي أن تفعل؟”
لم يُجبني فيليون. لكنّ نظرة عينيه التي ظهرت للحظةٍ قبل أن يخطو، كانت باردةً بشكلٍ واضح.
شدَدتُ على ذراعه وقلتُ:
“لا تقتلْه.”
“…..”
“مَن يعلم؟ ربّما ما زال يُمكننا الاستفادة منه.”
بصراحة، أنا نفسي لا أعلم إنْ كان لذلك أيُّ قيمة.
لكنِّي لم أرغب أن يُزهق فيليون روحًا من أجلي. لا أعلم إنْ كانت هذه المرّة الأولى، لكنّي رغبتُ بإيقافه على الأقلّ.
“ستسمع كلامي، أليس كذلك؟”
وبَعد لحظات، تحرّكت شفتاه ببطء:
“لستُ متأكدًا… أيجبُ عليَّ ذلك فعلًا؟”
“ماذا؟”
“لقد رَفضتِ طلبي.”
رمقَ براستون بنظرةٍ سريعة وقال:
“إذًا أليس من حقي أن أفعل ما أريد؟”
“أنتَ تنوي قتله بسببي! إذًا يجب أن تسمع كلامي!”
“ولِمَ تفترضين أنّ الأمر بسببكِ؟ ربما كانت علاقتي مع براستون سيئةً أصلًا.”
“لكنها لم تكن سيئة! ألم تشربا الخمر سويًّا؟!”
“آه، لقد أفرط في سقايتي حينها.”
أتّفق معه في ذلك. بعد ما حدث، حين أفكّر في الأمر، يبدو أنّ براستون حاول أن يُسكِر فيليون كي يسحب منه معلوماتٍ عنّا.
“…هل تنوي عدم الرحيل فعلًا؟”
“لا أنوي.”
“حتى لو قُلتُ إنّي لا أرغب في رؤيتكَ؟”
توقّف لبرهة وكأنّه يُفكّر، ثمّ أجاب:
“حينها سأتصرّف بحيث لا تريني.”
هل ينوي أن يُصبح مُلاحقًا لي مثل الظلّ؟
راودتني فكرة أن أقول ‘افعلْ ما شئت’ وأستدير، لكنّ قدمي لم تُطاوعني. ولم أرغب في إفلات ذراعه أيضًا.
عضضتُ شفتي، ثمّ بصوتٍ خافت، قلتُ:
“…فقط إلى أن أغادرَ القارّة الغربيّة.”
استدار فيليون فجأة نحو براستون.
“وبعد ذلك…!”
“…..”
“بعد ذلك… سأفكّر في الأمر.”
شدَدتُ على ذراعه أكثر وصرختُ:
“أعطني وقتًا لأُفكّر!”
“براستون على وشك الاستيقاظ.”
“هذا مفاجئٌ للغاية…!”
ورغم همسي، تابعتُ جذبَه ناحيتي.
رمقني فيليون بنظرة، مرّة إلى وجهي، ثمّ إلى يدي الممسكة به، ثمّ عاد لينظر إلى وجهي.
ثمّ ابتسم بلُطف.
“حسنًا.”
كانت ابتسامة تُشبه تلك التي كان يظهر بها قديمًا. ليست حين كان يتجاهلني ببرود، بل حين كان يُداوم على زيارة مختبري كلّ يوم.
شعرتُ بغصّةٍ في صدري، لكنّه أشار بذقنه نحو براستون وسأل:
“ماذا نفعل به؟”
“…استخدمْ سحر النوم وأتركه.”
بما أنّ سحر النوم يَندرج تحت سحر التحكّم العقلي، فلا أُجيده، لذا طلبتُ منه أن يفعل ذلك. ولحسن الحظ، يبدو أنّ طاقته السحريّة ما زالت كافية، فقد امتثل لأمري.
بل ينبغي أن أقول إنّه من الطبيعي أن يفعل، لا أنّه لحسن الحظّ.
فمن الآن فصاعدًا، سيتبعني كما فعل مع دايل.
“لنربطه في مكانٍ بعيدٍ عن المخيّم. ثمّ…”
وقبل أن أُكمل حديثي، رأيت فيليون يُخرج الحبل من حقيبته.
تنهدتُ مجدّدًا.
أن يتبعني، وأن يُطارَد معي من قِبَل الإمبراطوريّة…
هذا جنون حقًّا.
“هاه… فقط، تَبَعني الآن.”
***
بعد أن أخفينا براستون، عدنا سويًّا إلى المخيّم.
طلبتُ من فيليون أن يتبعني دون أن يظهر للعيان.
وبما أنّه يُجيد التخفي، لم أكن قلقة. توجّهتُ بخطًى واثقة نحو رفاقي.
وكان أوّل من رآني هو هاربر.
“أين ذهب براستون؟”
نظرتُ خلفي بتصنّع ثمّ تظاهرتُ بالدهشة:
“آه؟ أين ذهب؟ كان يُفترض أن يكون خلفي.”
“…..”
“كان قبل قليل يسير خلفي تمامًا!”
بحسب ما قاله فيليون، فإنّ براستون كان كثيرًا ما يختفي بمفرده. ويبدو أنّه من النوع الذي يضيق من الحياة الجماعيّة.
لذا، وإنْ كان ذلك صحيحًا، بدا أنّ هاربر لم يشكّ بي، بل فقط عبس بانزعاج.
“وفي هذا التوقيت بالذات…”
ولم يُبدِ نيّة في إرسال أحدٍ للبحث عنه. اكتفى بتمرير يده بتذمّر على مؤخرة رأسه، ثمّ رمقني من علٍ وقال:
“هل رتّبتِ أفكارك؟”
“نعم. قرّرتُ كيف أفتح الباب الحجري.”
“حقًّا؟”
“لكن…”
ابتسمتُ بخفّة، وأشرتُ إلى الخلف:
“لِنأكل الغداء أولًا. لقد جُعْتُ من كثرة المشي.”
بعد أن التهمتُ طعامي بسرعة، كنتُ أوّل من نهض متّجهة نحو الكهف.
كان هناك ستارٌ أسود كنتُ قد نصبته قبل خروجي.
“أين فيل؟ لا أراه.”
وكما توقّعت، أبدى هاربر استغرابه حين رفعتُ الستار.
فتحتُ عينيّ بدهشةٍ مفتعلة، وارتجفتُ يدَي أيضًا.
“مستحيل…”
“مستحيل ماذا؟”
اقتربتُ من الباب الحجري وبدأت أطرقه.
“فيل! فيل! هل أنت بالداخل؟”
“ما الأمر؟ ما بكِ؟”
بدأ الجميع بالتجمّع في الكهف وسط الضجّة. ما الذي يحدث؟
“هناك احتمالان فقط. إمّا أنّه فكّ الشيفرة، أو أنّه تعرّض لأذًى.”
“أذًى؟”
“لقد أخبرنا الحارس، أليس كذلك؟ بأنّه قد تحدث حوادث أو خسائر أو أخطار هنا!”
عضضتُ على شفتي بانزعاج، ثمّ قلتُ:
“كنتُ أرغب في الاستعداد أكثر، لكن لا بُدّ من الفتح الآن.”
“هل أنتِ متأكّدة؟”
“نعم. بعد مراقبتي لأيام، تبيّن لي أنّ الباب الحجري غير متّصلٍ بحاجز الداخل. لذلك، حتى لو فتحناه بالقوّة، فلن يحدث انهيارٌ في الداخل أو يتلف الكتاب المحرّم.”
“هذا مطمئن.”
“المشكلة في السقف فوقنا…”
في تلك اللحظة، دخل إيان إلى الكهف. التقطتُ غصنًا طويلًا كان على الأرض، وأشرتُ به إلى الأعلى.
“أُفكّر في وضع حاجزٍ أسطوانيّ يُغطّي الكهف بأكمله. كي يعمل كأنبوب حماية إنْ انهار السقف.”
من هنا، إلى هناك. تبعتْ أعين الناس حركة العصا حتّى مدخل الكهف.
“كلّ هذا؟ أهو مُمكن؟”
“نعم. صعبٌ لكن ممكن.”
أضفتُ بوجهٍ كئيب:
“لكن بعد هذه العمليّة، سأُصبح عاجزة عن الحركة بسبب نفاد طاقتي السحريّة.”
“.. ..”
“ولهذا… هل يمكنكم أنتم إنقاذ فيل؟ لن أستطيع التحرّك لاحقًا.”
وبَعد صمتٍ غريب، رفع هاربر زاوية فمه بابتسامة:
“طبعًا. اتركي الأمر لنا.”
ولم يظهر منه أيُّ شكٍّ بي.
يبدو أنّهم يثقون بي تمامًا.
رغم أنّني لستُ مؤهّلةً للومهم. فلولا أنّني استمعتُ لتلك المحادثة بالصدفة، لكنتُ أنا أيضًا قد صدّقتهم.
ما أظهره هؤلاء في الأيّام الأخيرة كان عاديًّا جدًّا.
أن يكون كلّ هؤلاء قد اجتمعوا فقط لاختطافي…
لا وقتَ الآن للغرق في الأحاسيس. عدتُ لأنظر إليهم بوجهٍ هادئ.
“سأبدأ الآن، لذا هلّا خرجتم من الكهف جميعًا؟”
وكما توقّعت، لم يتحرّك أحد.
بل راحوا يُحدّقون بصمتٍ في هاربر.
ثمّ قال:
“ماذا لو بقي السيّد إيان؟”
ثمّ بدأ يُعيّن أشخاصًا آخرين. “أنا!”، داميان رفع يده وتطوّع، وتبعه آخرون.
كأنّ الأمر مُخطّط له من قبل.
“تنوون البقاء هنا؟”
“أنتِ قلتِ إنّكِ ستنهارين بعد استخدام السحر. أليس من الأفضل أن يبقى أحدٌ لدعمكِ؟”
“لكن ليس من الضروري أن يكونوا كُثرًا…”
“ألن يكون الحاجز كافيًا لحمايتكِ؟ بل إنّ وجود عدد أكبر سيُسرّع في إنقاذ فيل.”
ثمّ ابتسم وأشار للناس من حوله بإبهامه.
“نحن نهتمّ بفيل تمامًا كما تفعلين أنتِ.”
“صحيح! نحن قلقون عليه أيضًا!” صرخ أحدهم من الخلف.
رسمتُ ابتسامةً متكلّفة.
قلق؟ هراء.
“شكرًا لكم جميعًا.”
تمّ تقسيم المجموعة. بقي ثلاثة خارج الكهف، منهم هاربر، والبقيّة ظلّوا بقربي.
بنظرةٍ ثابتة، نظرتُ إلى هاربر الذي كان يبتسم بتلك الابتسامة الغريبة، وبدأتُ تلاوة التعاويذ.
من مدخل الكهف حتّى الباب الحجري، ومن الأرض حتّى السقف. وضعتُ الحاجز بدقّة.
وأضفتُ الستار الأسود لمنع رؤية الداخل من الخارج.
وما إن اختفى هابر تمامًا، حتى تأوّه داميان بجانبي.
تجاهلتُه، وسِرتُ مباشرةً نحو الباب الحجري.
جلستُ أمامه وبدأتُ بتلاوة التعاويذ.
مرّت نسمةٌ خفيفة بين الناس…
وانتهى الأمر.
ظلّ كلّ شيءٍ هادئًا داخل الحاجز.
الباب الحجري لم يتحرّك. لا الأرض ولا السقف أبديا أيَّ ردّ فعل.
وبَعد صمتٍ طويل، قال أحدهم:
“السحر… متى يبدأ…؟”
ومن تلك اللحظة، بدأ الناس يُغمى عليهم.
كما لو أنّهم دُمى قُطع خيطها، سقطوا واحدًا تلو الآخر.
بعضهم أخرج سلاحه، لكنّه لم يصمد سوى لحظاتٍ قبل أن ينهار.
والسبب، هو الأداة السحريّة التي خبّأتُها في عباءتي.
كما قلت، لم تكن مكتملة. لكنها احتوت على كمّيةً كبيرة من مسحوق النوم الثمين.
‘رغم أنّها ثمينة، لكن لا خيار آخر للبقاء حيّة.’
لم أشعر بأيّ نعاس. فقد عزلتُ نفسي عنهم بواسطة حاجزٍ خاصّ.
‘الآن، لم يبقَ سوى…’
استدرتُ وأنا أُحكم قبضتي، ونظرتُ للخلف.
الجميع كان مُلقى على الأرض.
سوى شخصٍ واحد، لم يفقد وعيه بالكامل بعد.
“را…”
“آسفة، إيان.”
مررتُ بجسده المنهار، وسِرتُ خارج الكهف.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 56"