مع ذلك، وبجسدٍ ضعيفٍ من حيث القُدرة السِّحريّة، بدا أنّه سيكون من الصّعب عليه تحمُّل الأمر، لذا أبعدتُ فيليون عن حافّة الجُرف إلى مسافةٍ آمنة.
كما وضعتُ حاجزًا سِحريًّا في محيطه أيضًا.
“……هل، سيكون الأمرُ بخيرٍ فعلًا؟”
نظرتُ إليه وهو قَلِق، ثمّ ابتسمتُ ابتسامةً عريضة.
“أنتَ، لا تملك أيَّ ذكرياتٍ عن برج السِّحر، صحيح؟”
“……نعم.”
“برج السِّحر محاطٌ بحاجزٍ ضخم، يطوّق البرج ومحيطه. الغرض منه صدُّ الهجمات الخارجيّة. كما أنَّ هناك سحرَ إخفاءٍ يُضاف فوقه، لذا لا يمكن رؤيته من الخارج إطلاقًا.”
ولهذا فإنَّ زيارة البرج تتطلّب دومًا طلبًا مُسبقًا. وتُسجَّل كلّ زياراته بدقّة أيضًا.
“لم يتعرّض لهجومٍ طوال الخمسمئة عام الماضية، لكنّ ذلك التّقليد لا يزال قائمًا، والحاجز ما زال يُحافَظ عليه. لذا، على سَحَرَة البرج دائمًا أن يَنتَبِهوا للحاجز. لأنَّ لمسه ممنوع.”
“……”
“هل تَفهَم الآن لِمَ أقول لكَ هذا؟”
“……هل كانت هناك تعاويذ لم تَتمكّني من استخدامها بسبب الحاجز؟”
“بالضّبط. رَجَوتُهم عدّة مرّات، لكنّهم كانوا بُخلاء بحقّ.”
حين زُرنا إقليم الكونت فولكس، استطعتُ استخدامها بأمرٍ منه، لكن حتّى ذلك لم يتكرّر كثيرًا. وفي القارّة الشرقيّة، استخدمتُ السّحر بأقصى درجات الحذر.
‘لأنَّ عليّ ألّا أجذب انتباه البرج عبثًا.’
في القارّة الشرقيّة، عدد السَّحَرة قليل، لذا إن استُخدِم سحرٌ واسع النّطاق فسيَنتشر الخبر على الفور. ولهذا كنتُ حذرةً حتّى بعد أن أصبحتُ مرتزقة.
“الآن، لديّ فرصةٌ نادرة لاستخدام سحرٍ واسع النّطاق من دون التِفاتٍ لأحد! لا يمكنني تفويت هذا!”
لو كنتُ وحدي، لكنتُ قفزتُ من الفرح وربّما رقصتُ في مكاني. لم أستخدم السّحر بعد، ومع ذلك أحسستُ بالفعل بحريّةٍ مُطلقة.
أتسأل إن كان يجب أن أتوخّى الحذر هنا أيضًا؟ لا بأس! لديّ داعمٌ قويّ خلفي!
وليّ العهد سيتولّى معالجة العواقب!
“هل ستَستطيعين حقًّا القضاءَ عليهم جميعًا؟”
“ليس جميعهم.”
حوّلتُ بصري إلى الغابة أسفل الجُرف.
“لكنّني أستطيع طَردهم جميعًا.”
“لكن قد يعودون لاحقًا. ماذا لو حاصَرونا بعد أن نَصل إلى الآثار؟ سنَلقى حَتفنا جميعًا.”
“لا تقلق. يمكنني أن أجعلهم لا يعودون.”
لو كانت حُسبتي صحيحة.
تلك الوحوش تجمّعت هنا بفعلِ قُوّةٍ قهريّة. إذًا، فالحلّ واضح. إن أزلتُ تلك القُوّة القهريّة، فسينتهي كلّ شيء.
والهواء سيَفسُد أيضًا، فلا يُمكننا البقاء هنا. وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لتستعيد الغابة عافيتها.
“ثمّ فكّرتُ في الزّلازل.”
“ماذا؟”
“لكن خشيتُ أن يؤثّر على الآثار، فاستبعدتُه. ونفسُ الأمر مع النّيازك، والفيضانات ليست خيارًا جيّدًا أيضًا. فمن الصّعب تحديد المدى المناسب. لذا، في النّهاية…”
مددتُ يدي إلى الأمام وحرّكتُ طاقتي السِّحريّة.
“الإعصار سيكون الأفضل.”
في تلك اللّحظة، اجتاحتنا رياحٌ عاتية.
***
كان فيليون يُحدّق في السّماء.
رغم أنَّ كلّ قُواه السِّحريّة مُستخدَمةٌ الآن في كَبح اللّعنة، إلّا أنّه كان يَشعر بها بوضوح في داخله. وقد جرّب تحريكها من قبل، كما علّمته ريكس.
ولم ينسَ تعليماتها، فكان يُجرّب السّحر كلّما سنحت له الفرصة، وبهذا استطاع — رغم أنّه لم يستخدم السّحر فعليًّا بعد — أن يُدرِك تدفُّق المانا. ولهذا، فقد عَلِمَ.
الآن، المانا تتجمّع بكميّاتٍ هائلة في السّماء.
تَحرّكت تلك الطّاقة الصّاعدة من أطراف أصابعها، بسرعةٍ وسلاسة، واندفعت نحو الأعلى.
امتزجت مع الغيومِ القاتمة، التي لم يدرِ متى ظهرت، وتضخّمت أكثر. وسرعان ما عمّ الظّلام المكان. بدأت قطرات المطر تتساقط خفيفة.
ولم يمرّ حتّى ثلاثون ثانية على بداية كلّ هذا.
في تلك الأجواء الّتي انقلبت رأسًا على عقب في لمحِ البصر، شعر فيليون بالذّعر.
‘يا إلهي.’
وفي لحظةٍ خاطفة، انهار جزءٌ من السّماء نحو الأرض.
دوّيٌ عميق تردّد في الأرجاء، ومعه، ارتطم شيءٌ هائل بالأرض مُحدثًا انفجارًا، ثمّ ارتفعت منه دوّامةٌ ضخمة كأنّها حبلٌ يَصل الأرض بالسّماء.
ثمّ بدأ يُدمّر بلا رحمةٍ كلّ ما يلمسه.
‘هل هذا حقًّا إعصار؟’
رغم أنّه كان يراه بعينيه، إلّا أنّه لم يستطع أن يُصدّق. لم يتخيّل قطّ أن يستطيع إنسانٌ خلق مثل هذه الظّاهرة الطّبيعيّة.
وأثناء صدمة فيليون، كان الإعصار يمزّق الغابة.
الرياح العاتية اقتلعت الأشجار، والتُراب تناثر في الهواء. الوحوش ابتلعها الإعصار واختفت.
لا وحشَ يمكنه أن يبقى في وجه شيءٍ كهذا.
لا، حتّى غريزة فيليون كانت تصرخ داخله أن يهرب فورًا من هذا المكان.
لولا الحاجز، لسقط أرضًا على الأرجح.
اصطدام قطرات المطر بالحاجز أحدث ضجّةً عالية. والرّياح كانت تُزمجر حتّى كاد أن يُصاب بالصّمم.
لكن ريكس لم تَبدو عليها أيُّ علامات اضطراب.
لم تكن تَضحك، كانت تنظر إلى الإعصار بعينٍ جادّة للغاية. من المؤكّد أنّها كانت تُراقب النّتائج وتُقيّمها بدقّة.
كما أنّها لم تكن مأسورةً به أو غارقةً في نشوته.
وحين نظرت إلى الأثر الذي تركه الإعصار في الغابة، تمتمت بتعويذةٍ صغيرة، وبدأت شدّة الرّياح تخفّ تدريجيًّا.
طاقة السّحر التي خرجت من يدها لم تعُد تُغذّي الإعصار، بل راحت تُهدّئه وتكبحه.
لم يَمضِ وقتٌ طويل حتّى بدأ شكل الإعصار يتلاشى، وتوقّف المطر أيضًا.
وبمجرّد أن عاد السّكون إلى المكان.
“ما رأيكَ؟”
اقتربتْ من فيليون.
وعندما انحنتْ قليلًا بجسدها، أدرك فيليون فجأةً أنّه كان جاثيًا على ركبةٍ واحدة.
لم يَعُد هناك رياحٌ تُلامس وجهه. ولا صوت مطر.
وكأنّه استيقظ للتوّ من كابوسٍ رهيب اسمه الإعصار.
“هذا، ما الذي…؟”
“آه، ألم أُخبرك من قبل؟”
ابتسمتْ ريكس ابتسامةً هادئة.
“تَخصُّصي هو سحر العناصر.”
“……”
“فما رأيك؟”
سألتْه من جديد، بحذر. وكأنّها تُريد جوابًا بأيِّ ثمن، كانت قد جلستْ على الأرض، تطوّق رُكبتيها بذراعيها.
اهتزازٌ بسيط في عينيها كان كافيًا ليُخبره أنّها متوتّرةٌ في داخلها.
“هذا…”
قال فيليون بنبرةٍ أقرب إلى التّذمّر:
“لن يسمحوا أبدًا باستخدام شيءٍ كهذا.”
أوه… ارتسمتْ على وجهها ابتسامةٌ محرَجة. وبينما كان يُحدّق في انحناءة شفتيها الرّقيقة، نطق فيليون فجأة:
“كان… مذهلًا. حقًّا.”
اتّسعتْ عينا ريكس. ومن تلك النّظرة المندهشة، أدرك فيليون.
‘ربّما هذه أوّل مرّةٍ تسمع مثل هذا الكلام منّي.’
وفجأةً، شعر بالحُزن.
لقد تأكّد تمامًا من أنّه لم يكن شخصًا جيّدًا في الماضي.
ولهذا على الأرجح كانت تكرهه. كاد أن يضحك ساخرًا. بدا له أنّه كان أحمقًا إذ كان يتوقّع شيئًا.
توقّعات. نعم، أصبح متيقّنًا الآن. فيليون، كان يأمل في أعماقه أن تكون له علاقةٌ خاصّةٌ مع ريكس في الماضي.
كان يتظاهر بالعقلانيّة، ويدّعي أنّه يُحلّل الأمور منطقيًّا، لكن في داخله كان يتمنّى ذلك. لا يعلم منذ متى، لكنّه كان واضحًا الآن.
وإلّا، لما شعر بهذه الاضطرابات القلبيّة طوال الأيّام الماضية.
والآن، قرّر أن يتخلّى عن تلك التّوقّعات نهائيًّا.
لأنّها لا تَبدو وكأنَّ لها أيَّ مشاعرٍ تجاهه.
فكرة أنَّ الأمور قد تتحسّن لاحقًا؟ لقد تخلّى عنها أيضًا. مثل تلك الفكرة لا تُراوِد المرء إلّا إن كانت هناك بارقة أمل.
لكنّها كانت تنام في الغرفة نفسها معه من دون أن تُظهر أدنى توتّر. ثمّ قالت تلك الجملة:
ـ هل جُننتُ؟ لأقع في حبّك؟
إن كان في قلبها شيءٌ له، لما استطاعت قول شيءٍ كهذا.
لذا قرّر أن يستسلم.
‘……لا أُريد أن تسوء الأمور بيني وبين ريكس.’
ولم يكن يحبّ فكرة التّعلّق بشخصٍ لا يُبادله المشاعر.
ولم يفعلها من قبل قطّ. في العادة، كان هو من يتلقّى تعلُّق الآخرين.
وقد رتّب مشاعره منذ أيّام.
لكن، حين رأى وجهها المندهش، عاد الحُزنُ إليه مجدّدًا.
ذلك لم يَبدُ وكأنّها فقط سمعت ما لم تتوقّعه، بل وكأنّها تتساءل إن كانت لا تزالُ في وعيها.
“……كنتُ أعني ما قلت. وإن لم تُصدّقي، فلا بأس.”
ولهذا بدت كلماته وكأنّها تَخرُج مُتذمّرةً بلا داعٍ.
ومع ذلك، بدت ريكس وكأنّها تجد الأمر رائعًا، فعيناها اتّسعتا أكثر، ثمّ رمشت مرّاتٍ عدّة.
“لا، ليس لأنّي لا أُصدّق. فقط، لأنّي…”
خفضتْ بصرها وقالت بنبرةٍ خافتة:
“سُرِرتُ بذلك أكثر مِمّا كنتُ أتخيّل.”
وقد احمرّ وجهها أيضًا.
بشرةُ ريكس فاتحة، وشَعرها ذهبيّ، لذا ظهر الاحمرار بوضوحٍ أكبر.
قطراتُ المطر العالقة على وجهها التقطتْ أشعّة الشّمس التي بدأتْ تُشرق فجأة، فأصبحتْ تتلألأ ببريقٍ يُذهل. كانت المياه تنزل من شَعرها المُبعثر ببطء.
“شعركِ…”
قال فيليون وهو يُحدّق فيه، ثمّ مدّ يده:
“أصبحَ في حالةٍ فوضويّة.”
“ما باليدِ حيلة.”
أمسكَ بطرف شَعرها المبلّل بعناية، وعلّقه خلف أذنها، فكُشف جانب وجهها النّقي.
ظلّ يُحدّق به قليلًا، وتأخّر في سحب يده. أطراف أصابعه لامست وجنتها وهو يتردّد.
لكن ريكس لم تَدفَعه بعيدًا.
“شكرًا.”
ابتسمتْ ابتسامةً عريضة، ثمّ مدّت يدها وهي تنهض.
“هل نذهب الآن؟”
وحين أمسك فيليون بتلك اليد الدّافئة بإحكام، شعر في أعماقه بذلك الإحساس.
آه.
لقد سَقَط.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"